رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أخيراً.. الدول الأوروبية تنحاز لـ«القضية»


25-9-2025 | 19:13

.

طباعة
تقرير: يمنى الحديدى

تصريحات تاريخية للدول الغربية لم يفكر أحد يومًا ما أنها ستخرج من هذه الدول، «فالاعتراف بفلسطين» من قِبل الدول الغربية لم يكن فى حسبان هذه الدول نفسها، لكن ربما ما يحدث فى غزة الآن كان كفيلاً بأن يفتح عيون العالم على شعب عانى أبشع ألوان العنف والعذاب على أرضه، حتى الدولة نفسها التى كانت السبب فى أن يحدث كل هذا.

بريطانيا.. بالعودة لعام ١٩١٧ سنتذكر جميعًا بطل المأساة التى تحدث الآن، إنه بلفور رئيس وزراء المملكة المتحدة الذى أصدر وعدًا ليهود العالم بأن تكون فلسطين موطنًا لهم، ومن يومها إلى الآن لم تشهد المنطقة يومًا من الراحة أو حتى فترات من الاستقرار، مجازر فى الدولة التى جاءوها لتكون وطنًا لهم وحروبًا مع الدول المجاورة، وعذابًا بمختلف الأشكال لأهل الأرض التى اتخذوها موطنًا، وآخرها لنحو أكثر من عامين يحاول هذا الكيان الذى فرض نفسه بالقوة إبادة شعب بأكمله باستخدام الأسلحة والتجويع ضد أطفال كان أقصى طموحهم أن يأمنوا فى بيوتهم لا أن يحترقوا بنيران الصواريخ أو أن تتطاير أشلاؤهم فى الهواء.

 

الآن وبعد أكثر من مائة عام تحاول بريطانيا تكفير ذنبها وتصحيح ما أفسده بلفور بتصريح رئيس الوزراء الحالى كير ستارمر، واختار ستارمر منصة «إكس» لنشر مقطع فيديو مسجل يعلن فيه اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، وقال فى كلمته إن هذا الاعتراف يفتح باب الأمل مرة أخرى أمام حل الدولتين، وأكد أنه سيفرض مزيدًا من العقوبات على أفراد ينتمون لحماس، وهذا على عكس ما يعتقد البعض أن هذه الخطوة جائزة لحماس على ما فعلته فى السابع من أكتوبر.

وبهذا تنضم بريطانيا لنادى الدول التى تعترف بفلسطين والذى يبلغ عددها حوالى 150 دولة، ولكنها من القلائل فى أوروبا التى تعترف بفلسطين، كانت قد سبقتها فرنسا، حيث قال الرئيس الفرنسى ماكرون إن بلاده ستعترف رسميًا بدولة فلسطينية.

وكانت كندا أيضًا قد سبقت المملكة المتحدة فى الاعتراف بدولة فلسطين، وقال رئيس الوزراء مارك كارنى إن كندا تفعل ذلك فى إطار جهد دولى منسق للحفاظ على إمكانية حل الدولتين، كما اعترفت أستراليا أيضًا بدولة فلسطين، وفى هذا الإطار قال رئيس الوزراء أنتونى ألبانيز إنه تأكد من أن السلطة الفلسطينية ستستمر بالاعتراف بدولة إسرائيل، وانضمت البرتغال إلى الركب فى أول الأسبوع، لكن ربما لن تكون الأخيرة، حيث تدرس نيوزلندا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وربما يتم الإعلان عن ذلك القرار الأسبوع المقبل.

القرار يعد خطوة غير مسبوقة وربما تكون أساسًا لالتزامات قادمة لكنه فى حد ذاته إلى الآن هو قرار رمزى وبيان أخلاقى وسياسى قوى، لكنه لن يحدث تغييرًا على أرض الواقع، لكنه أيضًا يعد اعترافًا مبدئيًا لعملية سلام أوسع كما صرح ديفيد لامى، نائب رئيس الوزراء البريطانى، والذى أكد أيضًا فى خطابه فى الأمم المتحدة فى يوليو الماضى بأن «بريطانيا تتحمل عبئًا خاصًا من المسئولية لدعم حل الدولتين.

الدكتور فؤاد عبدالرازق الباحث فى الشئون البريطانية من لندن أكد لـ«المصور»، أن هذا القرار لا يتعدى كونه قرارًا أخلاقيا ورمزيًا، ولكن الخطوة القادمة هى التى ستفرق، ولكنه يعد اعترافًا أخلاقيًا من بريطانيا من وعد بلفور إلى وعد ستارمر –وهذا تصريح خاص بى- فكما كانت هى المسئولة عن احتلال فلسطين يحاول ستارمر الآن تصليح الموقف.

وأشار إلى أن هذا القرار سيستغرق وقتًا حتى يكون هناك آلية للاستفادة منه ويجب أن تسأل الدول عن الخطط القادمة لتفعيل هذا الاعتراف، فمثلاً فرنسا أعلنت أنها لن تفتح سفارة فى فلسطين حتى يتم الإفراج عن الرهائن، أما بقية الدول فلم تعلن موقفها بعد، أما عن من سيكون المسئول عن التفاوض من الجانب الفلسطينى فيقول «عبدالرازق» إن حتى هذه النقطة محل خلاف فالسلطة الفلسطينية لا تتمتع بالحضور اللازم، ويزيدها ضعفًا الموقف الإسرائيلى المتعنت الذى لا يرضى بأى نوع من المفاوضات ولا يقبل أساسًا بوجود دولة فلسطينية، ناهيك عن مقاتلى حماس، ولكن جميع الأفكار المطروحة تقضى بأن تسلم حماس السلاح وربما لن يكون هناك لهم أى مكان فى المفاوضات.

لكن العقبة الرئيسية كما يقول عبدالرزاق هو التهديد الإسرائيلى برد غير متوقع على هذه القرارات الأوروبية المشتركة، ويتوقع أن يكون الرد المفاجئ هو ضم الضفة الغربية التى قطعها الاحتلال بالفعل إلى أوصال مثل الجبن السويسرى، وهنا يأتى الدور والموقف الأمريكى هل ستضغط على إسرائيل بالفعل كى تعدل عن هذا القرار وتحاول تهدئة الموقف، أم ستساند إسرائيل فيما تنوى أن تفعله لا سيما أن ترامب حتى الآن لم يعترف بالدولة الفلسطينية ولا حل الدولتين.

وربما يجب على العرب استغلال الموقف الآن كما يقول عبدالرزاق وربما على الدول العربية القوية وعلى رأسها دول الخليج التهديد حتى بالخروج من اتفاقات إبراهام التى وقعوا عليها فى سبيل أن يتم صياغة خارطة طريق لسلام عادل فى المنطقة.

وأشار إلى أن موقف مصر يقوى يومًا بعد يوم، لا سيما أنها تبنت سياسة حل الدولتين منذ اليوم الأول للنزاع وطالبت دول العالم بالوقوف خلفه ونبذ سياسة التهجير التى كانت تتبناها إسرائيل.

ومن باريس علق الكاتب الصحفى والباحث فى العاقات الدولية، توفيق قويدر شيشى على اعتراف الدول الغربية بفلسطين، هو محاولة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للاعتراف بحل الدولتين التى يرفض الاعتراف به حتى الآن، وهذا يعتبر انتصارًا سياسيًا وقانونيًا ودبلوماسيًا للدولة الفلسطينية، فسياسيًا يعنى هذا الاعتراف دولة ذات حقوق كاملة، وفى الأمم المتحدة ستتحول من دول مراقب إلى دولة عضو كامل لها كامل الحقوق فى الجمعية العامة ومجلس الأمن ويحق لها أن تدافع عن حقوقها وحقوق شعبها، وسيسهل ذلك لها الانضمام إلى بقية الهيئات الأممية المختلفة على غرار المنظمات الحقوقية واليونسكو للحفاظ على التراث الفلسطينى الذى تم سحقه، كما يقول قويدر إن ذلك سيمكنها أيضا من الترافع عن حقوق مواطنيها أمام المحكمة الجنائية وغيرها من المؤسسات.

بصيغة أخرى كما يقول قويدر ستكون دولة غير مشروطة ستكون لها عملاتها الخاصة ومعاملاتها الاقتصادية الخاصة بعيدًا عن الجانب الإسرائيلى، وقانونيًا يقول قويدر إن ذلك سيسهل على القيادة الفلسطينية أبسط الأشياء وهى التنقل دون قيود ودون منع من الجانب الإسرائيلى، وأهم نقطة هو أن يكون لها جيش وحدود وهو ما تم الاتفاق عليه بين ماكرون وولى العهد محمد بن سلمان، بالإضافة للجانب المصرى الذى يعرف الجانب الفلسطينى وتفاصيل الاتفاقات جيدًا.

وبسؤاله عما يمكن أن يحدث بعد هذا القرار قال «قويدر»: ربما يأتى بعد ذلك الدور على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 مع أن عملية قياس الأرض بالمتر ستكون صعبة، لكن سيتطلب ذلك إرادة دولية وأوروبية قادرة على فرض ذلك على إسرائيل، لكن فى الأغلب كما يتوقع قويدر سيصطدمون بالرفض الإسرائيلى، بالإضافة الى انقسامات البيت الأوروبى ذاته، فعلى سبيل المثال رئيسة الوزراء الإيطالية قالت إنها لن تعترف بدولة فلسطين، حتى تكون هناك دولة فلسطينية وربما مثل هذه المواقف ستبطئ من الخطوات التى يمكن اتخاذها بعد ذلك.

وأضاف «قويدر» أن هذه الصعوبة ربما قد تتلاشى بسقوط حكومة نتنياهو وربما بمزيد من المساعدات المصرية التى تعرف التفاصيل الدقيقة عن غزة وفلسطين، وكذلك السعودية وربما فكرة وجود جيش عربى قوى موحد مؤقتًا يساعد على خطوات إقامة الدولتين، وتحقيق الأمن للفلسطينيين، لكن حتى الآن لا توجد آليات محددة لتنفيذ حل الدولتين مع الرفض الأمريكى كذلك الاعتراف بدولة فلسطينية.

ومن كندا قال الدكتور شريف سبعاوى، عضو برلمان أونتاريو ونائب وزير العمل والهجرة والتنمية البشرية، إن العالم والناس فى كندا بدأوا يدركون أن حكومة نتنياهو يستهدفون الفلسطينيين ويصعبون حياة المدنيين لإجبارهم على الهجرة طواعية، وحتى عندما تم الحديث عن أن الحكومة الكندية من الممكن أن تقبل فلسطينيين، تم رفض الفكرة لكن الإعلام اليهودى بدأ يتحدث عن فكرة أن ذلك سيتسبب فى عدم توازن فى الديموغرافية الكندية، وهو ما سيؤدى الى تراجع الدعم اليهودى فى كندا.

لذا من وجهة نظر «سبعاوى» أن هذه الخطوة انتصار كبير لأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فانتزاع هذا الاعتراف خطوة أولى وسنرى بعد ذلك ما يمكن أن يحدث، فأنا أرى أنه الخطوة الأولى فى سبيل حل الدولتين وليس مجرد اعتراف، بل له نتائج سياسية ودبلوماسية واضحة جدًا، فاليهود أنفسهم نجحوا فى أن يقيموا دولتهم فى فلسطين خطوة بخطوة. وأضاف أن الجميع ينتظر الآن الرد الأمريكى، هل ستفرض عقوبات على الدول التى ستعترف بفلسطين أم ستتخذ إجراء آخر.

وهنا من وجهة نظر «سبعاوى» يجب أن يضع العرب لأنفسهم وللفلسطينيين سياسة للاستفادة من تلك الخطوة، فالسلطة الفلسطينية لن تتولى عملية التفاوض وحدها، بل من إرادة دولية، فكلما زادت أعداد الدول التى تعترف بفلسطين سيكون ذلك ورقة ضغط لإقامة دولة فلسطينية.

 

 

الاكثر قراءة