قصور الثقافة.. «ثراء الإبداع»

كتاب «تاريخ الصحافة العربية» للمؤرخ والأديب فيليب دى طرازى، يحتوى على أخبار كل جريدة ومجلة عربية ظهرت فى العالم شرقًا وغربًا مع رسوم أصحابها والمحررين فيها وتراجم مشاهيرهم.

يقدم المؤرخ فيليب دى طرازى موسوعته التاريخية الفريدة، التى توثق نشأة وتطور الصحافة العربية من 1800 حتى 1929، وجمع معلوماته عبر مراسلة الصحفيين، وإيفاد وكلاء، وحتى السفر بنفسه، ليحصُر فى أربعة أجزاء أسماء 3023 جريدة ومجلة عربية، مرتبة جغرافيًا وتاريخيًا مع سير مؤسسيها ومحرريها، وهذا العمل الضخم بات مرجعًا لا غنى عنه للباحثين فى تاريخ الصحافة.

ويقول فيليب بن نصرالله بن أنطوان بن نصرالله بن إلياس بن بطرس دى طرازى فى مقدمة الكتاب: إننى منذ سنتين أذعتُ نشرةً معلِنًا فيها عزمى على تأليف كتابٍ شامل لتاريخ الصحافة العربية فى مشارق الأرض ومغاربها، فصادف مشروعى ارتياحًا لدى روَّام المسائل التاريخية الذين أتحفونى برسائل التنشيط واستحثونى على إبراز هذا الفكر إلى حيز العمل، ولا يخفى ما يحول دون ذلك من المصاعب الكثيرة التى تستلزم درسًا طويلًا وجهدًا متواصلًا؛ لقلة ما كُتب فى هذا الموضوع حتى الآن، ولما كان قدماء الصحفيين قد طواهم الزمان وكادت آثارهم تنقرض بمرور الأيام اضطررتُ إلى التفتيش عن صحفهم بكل وسيلةٍ فعالة، فضلًا عن مفاوضة الشيوخ من معاصريهم لبلوغ الضالة المنشودة، فكأن خدمة الأدب والأدباء ذلَّلت أمامى كلَّ الصعاب، ومهَّدت لى سبيل الوصول إلى الغاية المقصودة بعد البحث المدقق. ولكى يحيط العموم علمًا بأهمية هذا المشروع أكتفى بإيراد عبارةٍ شهيرة قالها أحد أفاضل الكتَّاب وهى تستحق أن تُكتب بماء الذهب: «البلاد التى لا صحافة فيها لا صحة فيها».

فأقدمت على تحقيق هذه الأمنية تعزيزًا لمقام صحافتنا الشريفة وإعلاءً لمنارها أمام الغربيين الذين برزوا فى هذا الفن الجليل وجاهدوا فى جادَّته الجهاد الحسن، وهكذا تيسر لى بعد العناء الشديد أن أسدَّ هذه الثلمة فى لغتنا العربية وأزفَّ عملى لكل ناطقٍ بالضاد، وهو يحتوى على أخبار الصحف إفرادًا وإجمالًا مع أميال أصحابها وأسماء محرريها وتراجم المشاهير منهم بعبارة يفهمها الخاص والعام».

يحتوى الكتاب على أكثر من ألف صفحة وهو عمل يستحق الاحتفاء والاقتناء، فهو إحدى أهم الذخائر التى تفخر بها المكتبة العربية.

أصدرت الهيئة خارج السلاسل كتاب «التصوف الإسلامى فى الأدب والأخلاق» للدكتور زكى مبارك، جامعًا الجزأين الأول والثانى.. قسّم المؤلف عمله إلى قسمين: التصوف فى الأدب، والتصوف فى الأخلاق، وهو ثمرة جهد تسع سنوات أنفق فيها وقتًا ومالاً وفكرًا... يثير الكتاب قضايا عميقة حول التصوف بروح نقدية وفلسفية، ودعا المؤلف القارئ إلى التأمل والبحث الحر بعيدًا عن الرياء أو الخوف، ويؤكد من خلال كتابه أن الصوفية كانوا من رواد الحرية الفكرية.

صدرت حديثاً طبعة جديدة من كتاب «إرشاد الألبا إلى محاسن أوروبا» لمحمد أمين فكرى بك، تحرير وتقديم د. أحمدالهوارى، ضمن إصدارات الهيئة فى سلسلة «ذاكرة الكتابة»، وفى جزأين.

يضم الكتاب بين دفتيه تسجيلاً دقيقًا وشاملاً لرحلة الوفد المصرى الذى شارك فى المؤتمر العالمى الثامن للمستشرقين، والذى عُقد فى «ستوكهولم» عام 1889م، ولقد ترأس وفد مصر الشاعر والكاتب عبدالله فكرى باشا، وضم فى عضويته ابنه محمد أمين فكرى بك، الذى درس القانون فى فرنسا وعمل فى السلك القضائى المصرى.

ولقد بدأ الاثنان -الأب والابن- فى تسجيل ملاحظاتهما الغزيرة بخصوص الرحلة عند عودتهما إلى القاهرة، لكن عبدالله تُوفى قبل إنهاء المهمة، وأكمل ابنه ترتيب صفحات الكتاب وباشر نشره بهذا الوصف التفصيلى الدقيق.

يقدم «إرشاد الألبا إلى محاسن أوروبا» مثالاً واضحًا للمكانة البارزة التى احتلتها أوروبا فى فكر وتطلعات رواد الثقافة المصرية فى القرن التاسع عشر؛ حيث كانت تمر بمختلف مظاهر التحديث والمدنية، بينما الشرق يرزح تحت نير الاحتلال والرجعية التى تكبل خطواته نحو المستقبل.

وهذا الكتاب هو دليل ترحال وثقت فيه كل مرحلة من مراحل الرحلة، بما فيها الانتقال بالقطار وركوب البحر وزيارات المتاحف والمعالم الثقافية، والتعرف على أفراد العائلات الملكية والباحثين الأوروبيين، كما يضم أيضًا تقريرًا رفع إلى الخديو عباس حلمى الثانى، مفصلاً فيه نفقات الرحلة وموضحًا به آليات الإنفاق وكيف أنها كانت توجه الوجهة الصحيحة بلا إسراف أو خلل.

وصدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1892م عن دار المقتطف، وكان لظهوره وقتها دوى كبير، إذ فتح نافذة جديدة على أوروبا التى كانت وقتئذ المثال والقدوة للطبقة المتعلمة والمثقفة المتطلعة للتحديث والتغيير فى بنية المجتمع.

يقول الدكتور أحمد إبراهيم الهوارى فى التقديم إن المؤلف قام بسرد رحلته أو يومياته ليقدم حيثيات دفاعه عن محاسن أوروبا بمرجعية فقهيه القانون وثقافته. وإن هذا الكتاب يأتى بعد ظهور كتاب رفاعة الطهطاوى «تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز»، ليطرح هموم عصره، وهو عصر انكسار الحلم الرومانسى بالقضاء على مشروع النهضة الذى أرسى دعائمه وأقام بنيانه محمد على مؤسس مصر الحديثة، وهذا الاهتمام بحاضر مصر يعكس انشغال المثقفين بهموم بلدهم ولنتذكر أن هموم المثقف من هموم بلده وأن كل مثقف يأتى ومعه أسئلة عصره.

وتصدر سلسلة «ذاكرة الكتابة» برئاسة تحرير د. أحمد زكريا الشلق، ومدير تحرير عماد مطاوع، وتعنى بإحياء أبرز الأعمال الفكرية والنقدية التى أسهمت فى تشكيل الوعى الثقافى المصرى التى طُبعت منذ بدايات القرن العشرين.