رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

المنتج المحلى فى مواجهة المستورد.. خطة إحياء «الفضة»


11-8-2025 | 19:11

.

طباعة
تقرير: محمد زيدان - عدسة: إبراهيم بشير

«استراتيجية الإنقاذ».. خطوة أعلنت عنها شعبة الذهب والمعادن الثمينة فى اتحاد الصناعات، تشمل مجموعة من المقترحات التى من شأنها العمل على إنقاذ «صناعة الفضة»، لا سيما أن هناك اهتمامًا ملحوظًا من المصريين بالفضة سواء مشغولات أو مدخرات من السبائك كملاذ آمن، ويتراوح حجم استهلاك مصر من الفضة سنويا بين 15 و 20 طنا، فنجد أن 50 فى المائة من حجم الفضة بالأسواق مستوردة خاصة من تركيا وإيطاليا والصين والبقية يتم إنتاجها محليا، وهو ما يشير إلى المنافسة الشرسة التى تخوضها المنتجات المحلية فى مواجهة «المستورد».

 

ورغم أصالة هذه المهنة وقيمتها التاريخية، فإن صناعة الفضة فى مصر تواجه اليوم تحديات كبيرة تهدد بقاءها فى مصر، أبرز هذه التحديات هو غزو الفضة المستوردة للأسواق المحلية، وهى منتجات غالبًا ما تأتى بتصميمات حديثة وجودة عالية تواكب ذوق المستهلكين، مما يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بالمنتج المحلي، وفى المقابل، تعانى ورش التصنيع المصرية من ارتفاع أسعار الخامات، وغياب الدعم الفنى والتقنى، وصعوبة مواكبة التطور السريع فى التصميمات العالمية، كل هذا يحدث فى ظل تراجع واضح فى الاهتمام الرسمى بالحرفة، وغياب أى خطط حقيقية لإعادة إحيائها أو دعمها، سواء بالتدريب أو التسويق أو توفير أدوات الإنتاج، والنتيجة أن هذه الصناعة، التى كانت يومًا فخر الحرف المصرية، أصبحت مهددة بالتراجع، وربما الاختفاء التدريجى.

فى قلب القاهرة القديمة، وتحديدًا فى منطقة «الصاغة»، تعجّ شوارع ضيقة بالحركة، وتتصاعد منها رائحة الفضة المنصهرة، وأصوات الطرق والنقش التى لا تنقطع، هنا تعيش واحدة من أقدم وأهم الحرف اليدوية فى مصر «صناعة الفضة»، فى ورش صغيرة، يعمل الحرفيون المحترفون على تحويل الفضة الخام إلى قطع فنية دقيقة، مهنة لا تعتمد فقط على الأدوات أو الخامات، بل على مهارة مكتسبة وخبرة طويلة، تنتقل من جيل إلى آخر، كل قطعة تُصنع هنا تحمل جزءًا من روح صانعها، وملامح من تاريخ طويل لهذه الحرفة العظيمة، صناعة الفضة فى مصر ليست وليدة اليوم، بل واحدة من أقدم الحرف التى عرفها المصريون، ازدهرت فى فترات تاريخية مختلفة، وكانت الصاغة وجهة رئيسية للراغبين فى اقتناء المشغولات اليدوية الراقية، سواء من المصريين أو السائحين، وكان الحرفى المصرى معروفًا بدقته وبراعته، حتى باتت الفضة المصرية رمزًا للجودة والأصالة.

محمد حسن محمد، صاحب ورشة لتصنيع الفضة فى حى الصاغة، قال: «بقالى أكتر من 30 سنة شغال فى المهنة دي، وشوفت أيام عز كانت الورش شغالة ليل ونهار، والناس بتتعلم وتتوارث الصنعة من أهلها، دلوقتى الدنيا اتغيرت، الورش بتقفل واحدة ورا التانية، والشغل قل، والزبون بقى يدور على المستورد علشان أرخص، حتى لو الجودة مش زى بتاعتنا، إحنا مش طالبين كتير، بس محتاجين دعم حقيقى من الدولة، تدريب، وتمويل بسيط، ومعارض نعرض فيها شغلنا، لو اتوفرت الحاجات دي، الورش ممكن ترجع تشتغل، والمهنة دى تعيش من تاني، زمان كنا نشتغل طول الأسبوع، وعندنا صنايعية بييجوا يتعلموا ويشتغلوا بأيديهم، وكان عندنا أمل أن المهنة تكمل وتعيش، لكن دلوقتى كل حاجة بقت صعبة، الخامات غليت، والناس بقت تميل للمستورد علشان أرخص، حتى لو الجودة أقل، والمشكلة أن الورش الصغيرة مش قادرة تتحمل التكلفة، حال المهنة تغير كثيرًا عن الماضي، ولم تعد كما كانت قبل عشرين عام، عندما كانت الورش تعج بالحركة».

وأضاف: «الصنايعية الكبار اللى شالوا المهنة على كتافهم بيعتزلوا واحد ورا التاني، والشباب مش داخل يتعلم، لأن مفيش مردود ولا مستقبل واضح، وده طبيعى فى ظل الظروف الاقتصادية، لكن ده بيأثر علينا إحنا اللى شغالين شغل يدوى وجودة عالية، دلوقتى الشغل اتغير، وبقى فيه تكنولوجيا جديدة فى التصنيع، زى ماكينات الليزر والسباكة بالشمع، والتقنيات دى بتوفر وقت ومجهود وبتطلّع شغل بجودة عالية وسرعة أكبر، لكن إحنا كأصحاب ورش صغيرة مش قادرين نجيب المعدات دي، لأنها مكلفة جدًا ومفيش أى دعم مادى أو تمويلى يخلينا نواكب التطور الموجود حاليًا، إحنا محتاجين دعم مالى حقيقى من الدولة أو من البنوك بدون فوائد أو بفوائد بسيطة، يساعدنا نطور نفسنا ونحدث الورش بدل ما نشتغل بالأدوات القديمة، اللى بقت مش قادرة تواكب المنافسة، كمان محتاجين نشارك فى معارض، ونتعلم إزاى نسوق شغلنا أونلاين، لأن كل ده بقى مهم دلوقتي».

على بُعد خطوات من الورشة، يجلس «عم مصطفى» على كرسى خشبى قديم، وأمامه طاولة معدنية مغطاة ببقايا الفضة وأدوات حفر دقيقة، يعلوها صوت الطرق المنتظم، فيما تتحرك يداه بخبرة عالية، تشكل سبيكة فضة إلى خاتم دقيق التفاصيل.

«عم مصطفى»، تحدث عن تاريخه مع صناعة الفضة، قائلا: «شغال فى المهنة دى من أكتر من 40 سنة فى جميع الورش اللى فى مصر اتعلمتها من أبويا، وكان دايمًا يقولى الفضة مش بس معدن، الفضة روح وشطارة، كنا بنقعد بالساعات نشتغل على القطعة، وكل تفصيلة فيها كانت بتاخد وقت ومجهود، بس لما تطلع فى الآخر حاجة تفرح الزبون، كنا بنحس أن التعب كان له معنى» يسكت لحظة وهو يمرر أصابعه على أطراف الخاتم، ثم يكمل «دلوقتى الدنيا اتغيرت، الزبون بقى مستعجل، والمنافسة مع المستورد صعبة، الزبون بيدخل يشترى حاجة جاهزة شكلها حلو وسعرها أرخص، بس الفرق كبير شغلنا له طابع، له شخصية، شغلنا ملوكى واللى يفهم فى الشغل بيفرق بين المصنوع على الإيد وبين اللى طالع من ماكينة».

من جانبه، قال إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات: تواجه ورش تصنيع الفضة تحديات حقيقية تعرقل قدرتها على الاستمرار والمنافسة، وعلى رأسها النقص الحاد فى العمالة الفنية المدربة، وهى العنصر الأهم فى هذه الحرفة التى تعتمد بشكل أساسى على المهارة اليدوية والدقة فى التنفيذ، حيث العزوف المتزايد عن تعلم المهنة، ومع غياب مراكز التدريب المتخصصة، تسبب فى اتساع الفجوة بين الأجيال، ما انعكس سلبًا على مستوى الإنتاج المحلي، كما أن الحرفيين القائمين على الصناعة حاليًا يعملون فى ظل ظروف شاقة، ويحاولون الحفاظ على ما تبقى من المهنة، فى مواجهة موجة من المنتجات المستوردة التى تملأ السوق بتصميمات عصرية وأسعار منخفضة تصعب منافستها.

«واصف»، كشف أن شعبة الذهب والمعادن الثمينة وضعت تصورًا لاستراتيجية متكاملة لإحياء صناعة الفضة فى مصر، تقوم على عدة محاور، من بينها إنشاء مراكز تدريب مهنى لتأهيل شباب جدد، وتقديم دعم فنى وتقنى للورش، إلى جانب فتح قنوات تسويق إلكترونية ومشاركة الحرفيين فى المعارض الدولية، بما يضمن رفع كفاءة المنتج المحلى وزيادة فرص تصديره، ومن بين الخطوات التى تم وضعها ضمن الاستراتيجية المقترحة لإحياء صناعة الفضة، جاءت مسألة التمويل على رأس الأولويات، إذ تسعى هذه الاستراتيجية إلى إيجاد آلية لتوفير دعم مالى جزئى لأصحاب الورش، بهدف تمكينهم من إدخال التكنولوجيا الحديثة فى عملية التصنيع، ورفع كفاءة الإنتاج.

وتابع: أثناء تتبعنا لأسباب تراجع صناعة الفضة فى مصر، كان واضحا أن المنتجات المستوردة تلعب دورا كبيرا فى تغيير موازين السوق؛ إذ أصبحت تغزو الأسواق المحلية بأسعار زهيدة مقارنة بتكلفة المنتج المحلى، وهو ما جعل المنافسة شبه مستحيلة بالنسبة للورش المصرية، لكن الحقيقة أننا لا نستطيع إيقاف الاستيراد، لأن هناك اتفاقيات تجارية دولية تحكم حركة السلع، وحجم تجارة الفضة المستوردة معلن ومعترف به، لذلك فإن الحل لا يكمن فى المواجهة المباشرة، بل فى استعادة موضع قدم للمنتج المصرى داخل السوق المحلي، ومن هنا يمكن أن تكون البداية فى أن تحصل المشغولات الفضية المصرية على «حصة» عادلة من السوق، كخطوة أولى نحو استعادة التوازن، ثم تستكمل الخطة على غرار ما حدث فى قطاع الذهب، الذى نجح خلال السنوات الماضية فى فتح أسواق للتصدير وزيادة تنافسية المنتج المصرى خارجيًا.

رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات، لفت إلى أنه «رغم توافر خام الفضة فى السوق المحلي، فإننا لا نزال نستورد كميات كبيرة من الفضة المصنعة من دول أخرى، فى وقت نحن فى غنى فيه عن هذا الاستيراد إذا ما أعدنا إحياء الصناعة الوطنية، حيث بدأ التفكير الجاد فى كيفية استعادة مكانة مصر فى صناعة الفضة، والبحث عن سبل لتقديم منتج محلى ينافس المستورد، سواء من حيث الجودة أو التصميم أو السعر، ولكى نصل إلى هذا الهدف، نحتاج أولًا إلى تدريب وتأهيل كوادر جديدة من العمالة الشابة، تكون بمثابة «اليد العاملة المساعدة» التى تعيد ضخّ الحياة فى الورش المتعثرة، وتدفع الصناعة نحو التطور، فالاهتمام بالتدريب الفنى ونقل الخبرات من الحرفيين الكبار إلى الأجيال الجديدة هو حجر الأساس فى أى خطة جادة لإحياء صناعة الفضة فى مصر.

«واصف»، أكد أن «صناعة الفضة هى بوابة مهمة لتأهيل العمالة الشابة، حيث تبدأ رحلة التدريب من العمل فى تشكيل وصياغة الفضة، تمهيدًا لاكتساب المهارات التى تؤهلهم لاحقًا للعمل فى صناعة الذهب، التى تتطلب درجات أعلى من الدقة والخبرة، ومن ثم فإن الاستثمار فى تدريب عمالة متخصصة فى الفضة لا يسهم فقط فى تنشيط هذه الصناعة، بل يشكل أيضًا قاعدة قوية لصناعة الذهب والمجوهرات فى المستقبل. وخلال لقاءاتنا مع عدد من أصحاب ورش صناعة الفضة، برزت مشكلة أساسية تعد عائقا كبيرا أمام تطوير الصناعة، وهى نقص التمويل اللازم لتحديث المعدات، فالكثير من الورش تعمل بأدوات تقليدية، وتعانى من عدم القدرة على شراء ماكينات حديثة تواكب متطلبات السوق المحلى والعالمى من حيث الجودة والدقة وسرعة الإنتاج، وهذا العجز فى التمويل لا يؤثر فقط على كفاءة العمل داخل الورش، بل يضعف القدرة التنافسية للمنتج المحلى أمام المستورد، الذى غالبًا ما ينتج بتقنيات متطورة وتكلفة أقل».

    كلمات البحث
  • شعبة
  • الذهب
  • صناعة
  • الفضة
  • ملاذ
  • آمن

أخبار الساعة

الاكثر قراءة