رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تعتزم الاعتراف بفلسطين.. فرنسا تكسر حاجز الصمت الأوروبى


31-7-2025 | 19:57

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الفلسطيني محمود عباس ( صورة أرشيفية)

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

فى خطوة تعكس التنديد الدولى المتزايد بسياسات إسرائيل وممارساتها المتطرفة فى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى بيان مفاجئ على منصة «إكس»، أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين كجزء من «التزامها التاريخى بسلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط»، وذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل.

أثار إعلان ماكرون ردود فعل متباينة؛ حيث قوبل بترحيب دولى وعربى واسع من جهة، ورفض أمريكى وتنديد إسرائيلى من ناحية أخرى. وبدورها، عبّرت مصر عن بالغ تقديرها لهذه «الخطوة الفاصلة والتاريخية»، التى تأتى فى إطار دعم الجهود الدولية لتجسيد دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. كما حثت جميع الدول التى لم تعترف بعد بفلسطين على اتخاذ هذه الخطوة، إسهامًا فى تحقيق السلام والعدالة، ودعمًا لحقوق الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى المسئولية الأخلاقية والقانونية المُلقاة على عاتق جميع أعضاء المجتمع الدولى ومجلس الأمن فى إنهاء الجرائم والانتهاكات الجسيمة التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.

على صعيد آخر، أدان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بشدة قرار ماكرون، مجادلًا أن الدولة الفلسطينية قد تصبح «نقطة انطلاق لإبادة إسرائيل». وفى هذا السياق، قال خالد شقير، الكاتب الصحفى المختص بالشأن الفرنسي، ورئيس جمعية مصر - فرنسا 2000، إن زيارة الرئيس ماكرون لمصر ولقاءه بالرئيس السيسى وزيارته لمستشفى العريش كان لها أكبر الأثر فى اتخاذ هذا القرار، الذى أشاد به كل الأحزاب اليسارية. كما شدد على أهمية دور الدبلوماسية المصرية فى التأثير الإيجابي، والذى غيّر وجهة النظر الفرنسية منذ السابع من أكتوبر، والتى كانت تتعاطف مع الجانب الإسرائيلي، مشيدًا بدور السفير علاء يوسف، سفير مصر بفرنسا، وفريقه الدبلوماسى فى التواصل الراقى وإيضاح الصورة الكاملة للجانب الفرنسي.

كما أكد «شقير» أنه على الرغم من شجاعة ماكرون، فإنه تعرض لانتقادات من أحزاب اليمين واليمين المتطرف الذين اعتبروا الاعتراف نصرًا لـ«حماس». ويتوقع «شقير» تعرض ماكرون لعمليات تشويه فى الفترة القادمة من بعض مراكز القوى، التى تُستخدم كلما تم الاعتراض على أى قرار ضد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. وأضاف «شقير» أن فرنسا تخشى على أمنها، وتخشى أن تخسر شركاءها فى جنوب المتوسط مثل مصر والسعودية والإمارات. كما سلّط الضوء على الأسباب الداخلية، المتمثلة فى ضغط الشارع عبر المظاهرات الأسبوعية، واتهام ماكرون بالتواطؤ هو وحكومته مع حكومة يمينية متطرفة فى إسرائيل. لذلك أراد مؤخرًا أن يغيّر هذه الصورة، خصوصًا أن فرنسا على أعتاب انتخابات محلية العام المقبل، ورئاسية فى 2027.

وقد أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانًا مشتركًا دعت فيه إلى وقف فورى للحرب فى قطاع غزة. وحذرت من تفاقم الكارثة الإنسانية، مؤكدة رفضها لأى خطوات تهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية المحتلة. كما وقّع 221 نائبًا فى البرلمان البريطانى على رسالة مشتركة تطالب رئيس الوزراء كير ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين. ويأتى هذا الضغط الدولى فى وقت حساس، بعد أن صدّق الكنيست الإسرائيلى على مقترح يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى فرض سيادتها على الضفة الغربية وغور الأردن، وسط استمرار المجاعة الإنسانية.

قال الدكتور طارق وهبى، خبير العلاقات الدولية، إن ما صدر عن ماكرون يُعد التزامًا واضحًا منذ ذهاب إسرائيل وحكومتها إلى الإبادة الواضحة والجلية فى غزة. مؤكدًا أن موقف ماكرون بدأ يأخذ أبعادًا إنسانية بعد زيارته لمصر، وتحديدًا فى أبريل 2025، وما رآه بعينه من إجحاف فى إيصال المساعدات الغذائية والطبية والإنسانية إلى غزة. وأضاف أن ماكرون توجه بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية لوضع مشروع قانونى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أن المشروع أخفق فى يونيو بعد الهجوم الإسرائيلى - الأمريكى على إيران. أما الآن، فقد أصبح الإعلان رمزيًا وتراكميًا بالمفهوم القانوني، مما يفتح الباب أمام عدة مؤتمرات دولية وعربية لدعم الدولة الفلسطينية. أما من الناحية الإسرائيلية، فكالعادة، الرد كان باتهام ماكرون بأنه يسهل عمل حماس ويدعم إرهابها.

وأوضح «وهبى» أن فرنسا كانت تأمل أن تلحق بها ألمانيا وبريطانيا، إلا أن أمريكا ضغطت على الدولتين، ملوّحة بفرض ترامب لعقوبات إذا سارتا على خطى فرنسا. وقد أراد ماكرون الاعتراف فى هذا التوقيت، لأنه بدأ يشعر بأن الشعوب الأوروبية أصبحت أكثر انفتاحًا على تقبل القرار، وأن الوقت قد حان لتوظيف القرار سياسيًا بشعبوية، بعد اعتراف كل من إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج بالدولة الفلسطينية. ويهدف ماكرون لأن تصبح فرنسا أول دولة غربية من نادى الدول السبع، ومن بين الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، تعترف بدولة فلسطين، بعد الاعتراف الصينى والروسي. وكل ذلك يُزعج إسرائيل، لكنها لا تبالى طالما أن الشريك الأمريكى هو الضامن لأى حل مستقبلي.

وأكد «وهبى» أن إسرائيل بدأت الهجوم على ماكرون عبر تفكيك التحالف السياسى الفرنسى الحاكم، إذ جاء أول الاعتراضات من اليمين المتطرف، وتحديدًا حزب التجمع الوطنى الذى رفض الإعلان. كما صرح نائب رئيس حزب «آفاق»، أحد الأحزاب الحليفة فى الحكومة الحالية، ورئيس بلدية نيس، كريستيان إيستروزي، بأن الإعلان «خيانة ليهود فرنسا». وهذا يؤكد -بحسب وهبى- أن إسرائيل تُغذى الفوضى فى السياسة الداخلية الفرنسية عبر استغلال يهود فرنسا فى مواقفها المتطرفة. ورغم كل ذلك، تظل فرنسا منارة وقوة تنويرية، وعليها أن تُشرك دولًا أوروبية وعربية أخرى لإقناع الولايات المتحدة أولًا بأحقية النضال الفلسطيني.

بدوره، صرح الدكتور توفيق قويدر شيشي، الكاتب الصحفى والباحث فى العلاقات الدولية، بأن ماكرون تولدت لديه قناعة شخصية بضرورة معالجة القضية الفلسطينية التى دامت عقودا، منذ 1947 حتى الآن، من خلال إقامة دولة معترف بها ذات عضوية كاملة فى الأمم المتحدة. لكنه، ومع تولى اليمين المتطرف الإسرائيلى الحكم، توترت علاقاته بنتنياهو، رغم الزيارات المتكررة. كما تنبع قناعة ماكرون من إدراكه أن نتنياهو وعد الإسرائيليين بالأمن، لكن ما نشهده هو العكس؛ وعود بالتطبيع واتفاقيات إبراهام، لكنها جرّت المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة. ومع استمرار الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل، من قتل الأطفال، ومحاولات التهجير القسري، ونهب العقار الفلسطيني، وتدمير البنية التحتية، تحرك ضمير ماكرون، خاصة بعد زياراته المتبادلة مع القادة العرب، وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى.

أما عن صعوبات هذا القرار، فأوضح «قويدر» أن هناك تحديات داخلية ناتجة عن ضغوط اليمين المتطرف الداعم لحكومة نتنياهو. وهناك أيضًا صعوبات خارجية، أهمها إقناع دول الاتحاد الأوروبى الـ27، خاصة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذى تجمعه علاقة وطيدة مع نتنياهو. وكذلك إقناع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد تصريح ترامب بأن «إعلان ماكرون لا وزن له». لكن -كما أشار قويدر- قد يغيّر ترامب، المعروف بتقلب مواقفه، رأيه بحلول سبتمبر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة