رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«ترامب - بوتين» صراع تصريحات يجدد الأزمة الأوكرانية


20-7-2025 | 17:07

.

طباعة
تقرير : يمنى الحديدى

علاقة متقلبة بين المحبة والعداوة، لكن هذه المرة ليست كمثيلاتها، إذ قام الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بالهجوم مباشرة على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمام جمع من الصحفيين، وقال إن بوتين لا يريد حلًا، وإن جل ما يريده هو قتل الناس.. تصريحٌ كان بمثابة قطع للعلاقات بين زعيمى أكبر ترسانتين نوويتين فى العالم. لكن الأخطر هنا هو: ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك إذا ما توترت العلاقات بالفعل؟

نقطة تحول قد تقلب السيناريو الدائر بين بوتين وترامب، الذى يسعى خلال ولايته الثانية إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام، وذلك لنجاحه - بحسب ما يطمح - فى إيقاف الحرب على الأقل فى أوكرانيا، وهى أحد وعوده الانتخابية، أى الإيقاف الفورى للحرب. ولكن هذه الأمنية لم تتحقق حتى الآن، بعد مرور نحو سبعة أشهر على توليه الحكم، وهو ما قد يفسر انقلابه الأخير على الرئيس الروسى.

 

فقد صرح ترامب، بعد مكالمة هاتفية مع بوتين، بأنه لم يحقق أى تقدم معه، وأضاف: «بوتين يريد فقط مواصلة القتل، وهذا أمر سيئ للغاية»، وهو تصريح وصفه البعض بالصادم.. كما أضاف خلال اجتماع وزارى أن «بوتين شخص لطيف، لكنه لا يعنى ما يقول، نحن نتلقى الكثير من الهراء منه».. هذه التصريحات وضعت العلاقة المستقرة - إلى حد ما - على المحك، لا سيما أنها جاءت بالتزامن مع إعلان ترامب عن حزمة مساعدات دفاعية جديدة لأوكرانيا، كانت قد عُلقت فى وقت سابق.

ولم تقف روسيا مكتوفة الأيدى، إذ كثفت ضرباتها على كييف، وكأنها رد سريع على تصريحات ترامب.. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تصاعد أيضًا من جهة ترامب، الذى أعلن فى مقابلة مع شبكة NBC أنه توصل إلى اتفاق مع حلف شمال الأطلسى (الناتو) لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، مؤكدًا أن الناتو سيتحمل التكلفة بالكامل.

كما أشار إلى إرسال منظومات باتريوت إلى الناتو لتوزيعها لاحقًا، حيث تحدث وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو عن جهود لتقاسم هذه المنظومات مع أوكرانيا.

هذه الخطوات، التى تُعد غريبة نوعًا ما على السياسة التى انتهجها ترامب فى بدايته، تطرح تساؤلًا مهمًا: كيف سيؤثر هذا التحول على السياسة الروسية تجاه الحرب؟ وهل يسعى ترامب لفرض الزعامة الأمريكية، ليس فقط خارجيًا، بل أيضًا داخليًا، من خلال الملف الأوكرانى؟

دوافع بوتين هنا تُعد العامل الأهم.. فمن منظور الرئيس الروسى، فإن التمسك بالأراضى التى حصلت عليها روسيا فى أوكرانيا هو حق مشروع، أما من المنظور الغربي، فبوتين ارتكب خطأ سياسيًا فادحًا، إذ كان يمكنه التوصل إلى اتفاق سلام بدعم أمريكى، لكن ليس على قاعدة الإقرار بالمكاسب الإقليمية التى حققها الغزو، ولا على قاعدة التعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، حيث ترى الدول الغربية أن ذلك يُعد مكافأة لبوتين.. ووفقًا لهذا الطرح، فإن أى اتفاق خارج هذه الأطر كان سيكون أكثر قبولًا.

أما من وجهة النظر الأمريكية، وبعد أن أدرك ترامب أنه لا يستطيع إقناع بوتين بإجراء محادثات سلام، يبرز سؤال: هل سيتمكن من إجباره على ذلك؟ يبدو أن هذه هى الطريقة الوحيدة التى قد تدفع بوتين للانخراط فى مفاوضات وفق هذه الشروط، وهو مطلب لا يزال بعيد المنال حتى الآن.

ويرى البعض أن ممارسة الضغط ممكنة، وتشمل زيادة الدعم العسكرى لأوكرانيا، فى حين تتعهد الدول الأوروبية، التى كانت تخشى من انسحاب ترامب من الملف الأوكراني، بزيادة مساعداتها، وهنا قد يكون الفرق هائلًا، إذا ما التزمت واشنطن التزامًا جادًا بتقديم الدعم. وسيكون لذلك أثر مباشر على قناعة بوتين بقدرته على الصمود أمام الغرب أو كسب الحرب.. كما قد يتبنى الكونجرس الأمريكى مشروع قانون مشترك بين الحزبين يفرض عقوبات إضافية وصارمة على روسيا، وربما أيضًا على الصين والهند، اللتين تُعدان من أبرز مستوردى النفط الروسي.

لكن هذا المسار يعتمد على نوايا الرئيس الأمريكى ومدى استدامة موقفه. فقد تحدث ترامب فى الأيام الأخيرة عن الخسائر البشرية الفادحة التى لحقت بالأوكرانيين، وعن شجاعة جيشهم، إلا أن مدى استعداده للوقوف إلى جانب حكومة زيلينسكى على المدى الطويل، قد يتوقف على ما إذا كان غاضبًا من بوتين لأنه أفشل صفقة كانت ستعزز طموحاته فى نيل جائزة نوبل، أم أنه يتبنى بالفعل موقفًا استراتيجيًا تجاه الحرب.

وقال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، إن هذا التخبط يعود إلى شخصية ترامب الذى يتناول قضايا دولية وإقليمية معقدة بطريقة عشوائية لا تقوم على دراسة أو تخطيط.. وأضاف أن ترامب كان يتصور فى البداية أن بإمكانه الضغط على أوكرانيا لحل الأزمة، انطلاقًا من اعتقاده بأن «كييف» ليست لديها ما تفاوض عليه، وكان من أبرز مظاهر هذا الفهم الخاطئ الموقف المُهين تجاه الرئيس زيلينسكى خلال لقائهما فى البيت الأبيض، حيث تعرض للإهانة بشكل غير لائق.

لكن ترامب لم يدرك حينها أن الحرب فى أوكرانيا لا تخص أوكرانيا وحدها، بل هى قضية تمس الأمن الأوروبى بأسره. فالغزو الروسى يُعتبر، من وجهة نظر أوروبية، بداية لأطماع روسية أوسع فى شرق أوروبا، ولذلك تقف أوروبا بكل ثقلها إلى جانب زيلينسكى.

وأضاف "حسن" أن الموقف الأوروبى يقوم حتى الآن على أن احتفاظ روسيا بأى مكاسب إقليمية هو تهديد مباشر لأمن أوروبا الشرقية، وحتى وإن كانت هناك نقاط يمكن التفاوض بشأنها مثل عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، أو فرض رقابة على منشآتها النووية، فإن مسألة الأرض لا يمكن الرجوع عنها. ولهذا بدأ ترامب بالتراجع.

أما من جهة روسيا، فهى تدرس ما يقوله ويفعله ترامب بدقة، وتفهم جيدًا شخصيته المتقلبة، ولذلك قد تمنحه فترة من الوقت لرؤية مدى التزامه الفعلى بتصريحاته.

واختتم "حسن" بالقول إن أقصى ما يمكن أن يحققه ترامب الآن هو وقف لإطلاق النار، وليس اتفاقًا شاملًا للسلام، بل من الصعب توقع نهاية للحرب ما دام بوتين وزيلينسكى فى السلطة، وقد تستمر الحرب فى أوكرانيا لسنوات طويلة، ربما تتجاوز حتى فترة ولاية ترامب الرئاسية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة