رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

سياسات التحوط والاستباق ضد الأزمات العالمية آلية عُمانية لاستدامة التنويع والنمو


17-6-2025 | 18:17

.

طباعة
بقلم/ أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل والتي بدأت فجر يوم 13 يونيو 2025 إثر الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران، والمستمرة حتى الآن، ستنعكس آثارها على اقتصاد معظم دول الجوار بالتبعية،وسط ترقب وحذر لمزيد من التطورات من ناحية، ومخاوف من توسع المواجهات من ناحية أخرى.

وبينما يترقب اقتصاد دول الجوار ما ستؤول إليه الأحداث، تتأثر معظم مؤشراته لا محالة بكل تحرك في المنطقة، فإن التحوط والاستباق من تداعيات الحرب يحميه لفترة من الوقت وليس كل الوقت.

ووسط تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر منه نحو 20 في المائة من إنتاج النفط الذي يستهلكه العالم، يخشى الاقتصاد العالمي من ركود اقتصادي، بعد ارتفاعات قياسية في أسعار النفط والغاز والذهب، وأسعار شحن الناقلات، بينما يطلّ برأسه من بعيد شبح عودة التضخم.

إذ يمر عبر المضيق نحو خُمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، أي ما يقرب من 20 مليون برميل يومياً من النفط والمكثفات والوقود. ويُلقّب بشريان الحياة للعالم الصناعي، ويُعدّ هرمز، الواقع بين عُمان وإيران، أهم بوابة لشحن النفط في العالم، وتنقل قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كل غازها الطبيعي المسال تقريباً عبر المضيق، وهو ما يمثل نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالمياً.

وزادت أهمية المضيق بعد الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022؛ إذ أصبحت منطقة الخليج وجهة الدول الصناعية الكبرى، لتأمين احتياجاتها من نفط الخليج العربي، ويذهب 80 في المائة من النفط المنتَج في دول الخليج عبر المضيق، إلى الدول الآسيوية، فيما ينقل الباقي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

ومع تسجيل أسعار النفط والغاز والذهب مستويات قياسية، بعد بدء المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، بات لزاماً على دول الجوار انتهاج سياسات تحوطية واستباقية لما ستؤول إليه تطورات الأوضاع والأحداث في الإقليم.

ولعل سلطنة عُمان من أوائل دول الإقليم التي اعتمدت هذه الآلية التي تجمع بين التحوط والاستباق، استعداداً للأزمات العالمية، وقد أتت هذه الاستراتيجية ثمارها للاقصاد العُماني ومؤشراته التنموية الآنية والمستقبلية، فإذا كان التحوط يهدف إلى تقليل الخسائر المحتملة في الاستثمارات، فإن الاستباق هو اتخاذ إجراءات استباقية لتجنب المخاطر واغتنام الفرص، وهكذا تعمل الاستراتيجية العُمانية في إدارة حركة الدولة بمعطياتها ومواردها في مواجهة المخاطر العالمية الناتجة عن الأزمات الإقليمية والدولية.

تنتهج سلطنة عُمان تلك الآلية دوماً عند وضع الأسس المالية لميزانيتها الجديدة في مطلع يناير من كل عام، خاصة عند تحديد سعر برميل النفط، وهو ما ترتب عليه من تحقيق فوائض مالية في نهاية الميزانية، حيث تم توجيه تلك الفوائض لسداد الديون الحكومية وأيضاً لتمويل مشروعات استثمارية جديدة تعمل على إستدامة التنويع الاقتصادي والنمو في القطاعات المستهدفة وفق رؤية عُمان 2040.

فقد حققت سلطنة عُمان إيرادات بقيمة 12.7 مليار ريال تقريباً في عام 2024، بزيادة 15% عن المعتمد في الميزانية، بينما كبحت الإنفاق إلى 11.65 مليار ريال بانخفاض 4% عن المخطط، مما حول توقع عُمان بتسجيل عجز 640 مليون ريال، إلى فائض فعلي بقيمة 540 مليوناً، بحسب بيانات صادرة عن وزارة المالية العمانية. 

كانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قالت عام 2023 إن عُمان ستواصل سداد الديون الحكومية، مما يعزز مرونة الدولة في مواجهة الصدمات المحتملة. هذا ما حققته سلطنة عُمان على أرض الواقع، إذ انخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 36.5% في مطلع 2024 إلى 34% بحسب النتائج الأولية للميزانية. كما تراجعت خدمة الدين 10.4% في العام الماضي أيضاً.

والمؤكد أن الانتهاج العُماني لآلية التحوط يتم توظيفه بشكل شامل متكامل، ويشمل سلسلة من التقنيات والاستراتيجيات الهادفة إلى تقليل مخاطر تقلبات الأسعار السلبية في مختلف الأصول. وفي جوهره، يُعدّ التحوّط استراتيجية لإدارة المخاطر يستخدمها المستثمرون والشركات لتعويض الخسائر المحتملة في مركز مالي معين من خلال اتخاذ مركز معاكس في أصل ذي صلة. وتُعدّ هذه الممارسة محورية في استقرار التدفقات النقدية والحماية من تقلبات الأسواق المالية. ويكمن الأساس النظري للتحوّط في فكرة تقليل التعرض لتقلبات الأسعار من خلال استخدام الأدوات المالية المشتقة وغيرها من المنتجات المالية المصممة لتحقيق تأثيرات موازنة.

وإذا كان التحوّط يشمل أيضًا تنويع المحفظة الاستثمارية، فإن محفظة التنمية الوطنية التي تُعنى باستثمارات جهاز الاستثمار العُماني داخل سلطنة عُمان، نجحت في تعزيز جهود التنويع الاقتصادي؛ وذلك عبر افتتاح وإعلان مشروعات محلية في مجموعة من القطاعات الرئيسة تتصدرها الطاقة، والصناعة، والسياحة، والغذاء والثروة السمكية، والخدمات المالية، والاتصالات وتقنية المعلومات، واللوجستيات، والطيران، والتعدين.

وأعلن جهاز الاستثمار العماني، في 15 يونيو 2025، عن نمو قيمة أصول "محفظة التنمية الوطنية" التابعة له بنسبة 21% خلال الفترة بين عامي 2021 و2024. وقال الجهاز، في تقرير له إن "محفظة التنمية الوطنية تمكنت من تحقيق نمو نسبته 21.5% في قيمة أصولها لتصل إلى حوالي 12.1 مليار ريال عُماني (31.43 مليار دولار) بنهاية 2024". وأن المحفظة سجلت نمواً في الإيرادات نسبته 25% ليصل إلى 82.8 مليار ريال (215 مليار دولار)".

وأشار إلى أن المحفظة أسهمت بمبلغ 3.7 مليار ريال (9.61 مليارات دولار) لرفد الميزانية العامة للدولة، وأنفقت نحو 8.8 مليارات ريال (22.86 مليار دولار) للاستثمار في الأصول من أجل تحقيق عوائد طويلة الأجل. كما أن المحفظة تمكنت من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 638 مليون ريال (1.6 مليار دولار).

يُعد جهاز الاستثمار العماني الذراع السيادي لإدارة وتنمية الأصول والاستثمارات الحكومية داخل سلطنة عُمان وخارجها، وقد تأسس في عام 2020 ليكون مسؤولاً عن إدارة الأصول المملوكة للدولة بما يتماشى مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040".

وتُصنف محفظة التنمية الوطنية، التي أنشأها الجهاز عام 2021، كمكوّن رئيسي لإدارة الشركات الحكومية المحلية، حيث تضم أكثر من 160 شركة موزعة على 10 قطاعات رئيسية تشمل الطاقة، الصناعة، الاتصالات، السياحة، اللوجستيات، والثروة السمكية.

المؤكد أيضاً أن الاجراءات والمبادرات الاستباقية التي اتخذتها عُمان منذ بدء تنفيذ الرؤية المستقبلية 2040، ساهمت في هذه النقلة النوعية في الوضع المالي، حيث كان ملف الدين وتسريع الوصول للاستقرار المالي الأولوية الأولى لضمان تحقيق طموحات رؤية عمان، وتم تنفيذ عدد واسع من مبادرات وبرامج ضبط الوضع المالي ورفع كفاءة الانفاق العام وتوجيه الجانب الأكبر من فوائض النفط لتسريع سداد الدين العام وخفض أعبائه بشكل ملموس عبر استباقية سداد القروض المكلفة واستبدال بعضها بأخرى ذات أسعار فائدة أقل.

ومن قبيل الدلالات الجوهرية وضمن سياسات الاستباق والتحوط العُمانية ضد الأزمات العالمية، حافظت سلطنة عمان خلال السنوات الماضية على نهج متحفظ في تقدير سعر النفط الذي يتم بناء عليه تقدير حجم الايرادات العامة، وفي اطار هذا النهج التحوطي تم بناء ميزانية 2025 على سعر مقدر للنفط عند 60 دولار للبرميل، ويصل تقدير جملة الإيرادات العامة للعام المالي الحالي نحو 11.2 مليار ريال عماني، وتمثل الإيرادات النفطية نسبة 52 بالمائة من إجمالي الإيرادات، وقطاع الغاز 16بالمائة، في حين تمثل الإيرادات غير النفطية ما نسبته 32 بالمائة من جملة الإيرادات العامة.

ووفقا للحساب الختامي لميزانية عام 2024، أعلنت وزارة المالية العُمانية نتائج الأداء المالي الفعلي للربع الأول من عام 2025 ، والتي كانت أهم ملامحها تحقيق فائض مالي قدره 540 مليون ريال عماني وخفض أعباء خدمة الدين بنحو 114 مليون ريال عماني في نهاية عام 2024، لينخفض الصرف الفعلي على خدمة الدين العام بنهاية عام 2024 بنسبة 11 بالمائة مسجلًا نحو 936 مليون ريال عُماني مقارنة بالمعتمد في ميزانية عام 2024 بنحو مليار و50 مليون ريال عُماني مع استمرار الحكومة في نهجها لإدارة الالتزامات المالية، واستبدال القروض المرتفعة الكلفة بأخرى أقل كلفة.

إجمالاً ... يمكن القول أن انتهاج عُمان لاستراتيجية التحوط والاستباق، كانت محل تقدير وإشادة من قبل وكالة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش"، التي أكدت أن النمو القوي للاقتصاد العُماني ونجاح سياسات التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان يساهمان في تحسين الآفاق الاقتصادية.

وتوجت سلطنة عُمان جهودها لتعزيز مركزها المالي بارتفاع تصنيفها لدرجة الجدارة الاستثمارية وفق التصنيف الأخير لوكالة "ستاندرد أند بورز" خلال العام الماضي، وفي آخر تصنيف ائتماني صادر عن وكالة "فيتش"، رفعت الوكالة نظرتها المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية، مع تثبيت التصنيف الائتماني عند درجة "BB+" نتيجة استمرار الإجراءات الحكومية لضبط المالية العامة وخفض الدين العام وديون الشركات الحكومية، إلى جانب ارتفاع صافي الأصول الأجنبية السيادية.

كما خلص تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن البنك المركزي العُماني يولي اهتمامًا كبيرًا بمسألة الشفافية في ممارساته بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، والتي تعكس التزام البنك بتعزيز دوره كمؤسسة عامة بالغة الأهمية في الدولة، وذلك من خلال إطار شفافية رصين، وتعد عُمان الأولى على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تخضع لهذا التقييم الطوعي والثانية على مستوى الدول العربية، مما يجسد رغبة البنك المركزي العُماني في الرقي إلى أفضل المستويات والممارسات دولياً.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة