رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

دعاة الفوضى الخلاقة وجيوش المنطقة.. الجيش المصرى.. عصىّ بوطنيته قوى بشعبه


12-6-2025 | 20:27

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

يمكن أن نتفهم وإن كنا لا نتقبل قلق وتساؤلات إسرائيل حول تنامي قدرات الجيش المصرى وتوسع علاقات مصر العسكرية والمناورات المشتركة التى تقوم بها قواتنا المسلحة مع عدد من الجيوش الكبرى حول العالم، آخرها كانت المناورات الجوية المشتركة بين مصر وباكستان.. وظهور الطائرة الصينية التى تضارع “إف35” فى المناورة.

طبيعى أن تقلق إسرائيل من الجيش المصرى؛ مازال درس حرب أكتوبر 1973 ومفاجأة العبور الكبرى فى الذاكرة العسكرية الإسرائيلية، وقبلها حرب الاستنزاف وتدمير المدمرة إيلات بصاروخ بحرى كان أول مرة يستعمل على مستوى العالم كله.

لكن كيف لنا أن نتعامل مع هذه التساؤلات تجاه الجيش وتسليحه ودوره من بعض الأصوات فى الداخل أو فى المحيط العربى..؟ الأصوات فى الداخل تنطلق من مربع “الديمقراطية”.. «الحوكمة الرشيدة» .. «الشفافية» وهكذا مسميات وعناوين أو لافتات تبدي قلقها أو خوفها .. الديمقراطية والحوكمة والشفافية وغيرها؛ كلها معانٍ نص عليها الدستور المصرى الذى استفتينا عليه سنة 2014، ومن ثم نحن أمام ما يمكن أن نسميه مماحكة أو حالة من الجدل السفسطائى يخفى وراءه أموراً أخرى.

الملاحظة الأولى أن الدول العريقة فى الديمقراطية والشفافية والحريات و و ... الخ؛ كلها تمتلك جيوشا قوية، وتمتلك صناعات عسكرية ضخمة، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية وسائر الأشقاء فى الإمارات وفى قطر، تفاخر بأن لدى الولايات المتحدة أكبر ميزانية عسكرية فى العالم كله، أكثر من تريليون دولار، وقال إنهم بصدد تحديث الأسلحة والقوة العسكرية لتصير أقوى وأقوى، ومع ذلك لم يذكر أحد أن وجود ذلك الجيش الذى يمتلك أكبر ترسانة نووية حول العالم يهز الديمقراطية الأمريكية.. ولا طالب أحد هناك بتخفيض الميزانية العسكرية أو حل البنتاجون مثلاً.

فى بريطانيا كذلك جيش ضخم يمتلك أحدث الأسلحة وترسانة نووية كبرى، ويضعون الخطط لمواجهة التهديد الروسى، وازدادت مخاوفهم بعد حرب أوكرانيا وروسيا وإعلان روسيا عن بعض ما لديها من أسلحة وذخائر جديدة، يوم الأحد قبل الماضى أعلن رئيس وزراء بريطانيا أن بلاده بصدد بناء ستة مصانع حربية جديدة لمواجهة التهديدات المحيطة.

لم نجد أحداً فى بريطانيا ولا خارجها يذكر أن قوة الجيش البريطانى تنتقص من قيمة وليم شكسبير ولا تهز شاعرية جون ملتون، ناهيك عن فلاسفة كبار مثل جون ستيوارت مل، وبرتراند رسل وسواهما، جامعة أكسفورد لم تغلق أبوابها ولا جامعة كمبريدج فقدت بريقها.

وفى ألمانيا تمت مضاعفة ميزانية الجيش ولم يهتز المجتمع الألمانى ولا تقوض بنيانه المدنى.

وفى فرنسا كذلك لديهم طائرات الرافال والميراج وحاملات الطائرات «ميسترال» وترسانة نووية، ولم يغضب فلاسفة التنوير ولا اهتز فولتير فى قبره، ولا غضب جان بول سارتر.. فى كل هذه الدول الديمقراطية لم يعتبر أحد أن قوة الجيش الوطنى، تهديد للديمقراطية بل إن الروح الديمقراطية تنتفض إذا انكشف وضعف الجيش فى موقف ما، هل نتذكر أزمة الصواريخ السوفيتية فى كوبا زمن الرئيس الأمريكى جون كنيدى، انتفضت الديمقراطية الأمريكية لوجود صواريخ على حدودها يمكن أن يصل مداها إلى الداخل الأمريكى.. الأمثلة كثيرة وعديدة.

الجيوش فى الدول الديمقراطية أيضا، لها نشاط إنتاجى اقتصادى ضخم، المجمع الصناعى العسكرى فى الولايات المتحدة هو الأضخم فى الإمبراطورية الأمريكية ويتنامى باستمرار.. الاقتصاد الفرنسى يعتمد إلى حد كبير فى تجاوز أزماته على الصادرات العسكرية والحربية، حتى إن أزمة دبلوماسية وقعت بين فرنسا والولايات المتحدة، حين أقنعت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم استيراد حاملة طائرات فرنسية واستبدلت بها حاملة أمريكية، وقتها اعتبرت فرنسا أن أمريكا تشن حربا اقتصادية عليها، شاهد العالم كله ذلك الجدل والتضارب بين الدولتين، ولم يتندر أحد ولا تهكم على الدور العسكرى لكل منهما.

إذن ما الذى يجرى فى المنطقة العربية وماذا يراد لها؟

هنا ينبغى لنا العودة إلى الوراء عقد ونصف العقد، نهاية سنة 2010، ويمكن إلى ما قبل ذلك، تحديدا سنة 2003 حين جرى الاحتلال الأمريكى للعراق حيث قام «بول بريمر» المندوب السامى الأمريكى على العراق بحل الجيش العراقى، ويتم استبداله بالسماح للجماعات المتشددة بتكوين ميليشيات مسلحة، يسند إليها مهمات الجيش والشرطة، ولما بدا فى الأفق النتائج الكارثية لمثل تلك الخطوة، لم تتراجع أمريكا، بل جرى التركيز منذ سنة 2011 شهر يناير على ضرب الجيوش النظامية والوطنية فى بلاد المنطقة، وكانت البداية فى مصر حين أصر «باراك أوباما» عراب الربيع العربى على الرئيس حسنى مبارك أن يغادر موقعه ولا يترك المسئولية للمجلس العسكرى ولا رئيس البرلمان، بل إلى ما أسماه “مجلس رئاسى” وصل الأمر أن طرح أوباما “على مبارك بأن يكون المجلس برئاسة د.محمد البرادعى وأن يكون نائبا له أحد قادة الجيش سماه الرئيس الأمريكى بالاسم وترك لمبارك حرية أختيار باقى الأسماء لكن مبارك رفض تماما وأغلق سماعة التليفون وقرر تسليم إدارة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى.. من يومها بدأت الحملة على الجيش المصرى وسائر الجيوش النظامية فى المنطقة، يلفت الانتباه أن د.عزمى بشارة وهو من عرب 48، وكان عضوا بالكنيست الإسرائيلى ورشح نفسه مرة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، أصدر كتابا عن الجيوش العربية لكن مضمون الكتاب يتناول فقط بالنقد الكريه.. والكراهية الشديدة للجيش المصرى والسورى، والأمر هنا مفهوم مواطن إسرائيلى، عضو سابق فى الكنيست من الطبيعى أن يحمل عداء وكراهية للجيش الذى خاضا حرب 73 ضد جيش إسرائيل، الأمر واضح وهو معاقبة الجيش الذين أرهق وهزم جيش الدفاع الإسرائيلى.

كان الأمر وقتها أشبه بفرقة موسيقية موزعة بين باحث إسرائيلى (من عرب 48) والجماعة الإرهابية فى الشارع تهتف ضد المجلس العسكرى ودعاة «الفوضى الخلاقة»، أبناء كوندليزا رايس، يعزفون معا طقطوقة كراهية الجيوش النظامية العربية.

ثم جاءت ثورة 30 يونيه ومعها خارطة الطريق التى وضعها رموز الأمة والدولة المصرية لتوقف تلك الموجة، على مستوى دعاة الفوضى فى الشارع، لكن المشاريع الكبرى (الدولية) لتقويض المنطقة مازالت قائمة، وما جرى فى ديسمبر الماضى من تقويض الجيش السورى يستحق التوقف أمامه مطولا بالبحث والتأمل.

يوم 8 مارس غادر بشار الأسد سوريا فى خروج آمن، وتم تسريح الجيش السورى، طلب إلى الجنود تغيير ملابسهم والعودة إلى بلدانهم، غادروا مواقعهم وتركوا أسلحتهم، وتبين أن وزير الدفاع ورئيس الأركان غادرا مع الرئيس إلى موسكو على نفس الطائرة ثم انطلق الطيران الإسرائيلى يدك مخازن الذخيرة والمواقع التى بها أسلحة، وكأن هناك من سلمهم الخريطة كاملة قبل أي شيء، فى ثانية تبخر الجيش السورى، اختفى قادته، فيهم من عاد إلى بلدته وفيهم من تحرك نحو مطار بيروت الدولى ومن هناك إلى بلدان أخرى، هكذا فى هدوء (فى صمت) أما الحكم الجديد فقد أعلن مراراً أنه لا ينوى الاعتداء على أحد، ولن يرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وطالب المجتمع الدولى التدخل لمنع الهجمات الإسرائيلية، نحن أمام نموذج دولة تقريبا بلا جيش .. الآن يحاولون إعادة تكوين جيش من المقاتلين الأجانب وقادة وأفراد الميليشيات .. فيما يخص المقاتلين الأجانب برز اعتراض دولى عليهم، من روسيا ومن الولايات المتحدة، خاصة أنهم تقريبا من تنظيم القاعدة والتنظيمات المشابهة، ولديهم سجل غير منكور فى الإرهاب، سواء فى سوريا أو العراق أو بلدان وسط آسيا.

كان الجيش السورى قبل تفتته تعرض لانشقاقات منذ سنة 2012، وذلك أن العنصر الطائفى كان واضحا فى تركيبته القيادية، لم يكن قائما على سبيكة وطنية فى المقام الأول، وهذا أتاح الانشقاق والانقسام داخله، ثم الذوبان فى لحظة، كأن لم يكن .

بعيدا عن سوريا يمكن النظر إلى الجيش الليبى وما تعرض له منذ سنة 2011، والآن صار لكل مدينة مجموعة من الميليشيات، تتقاتل وتتصارع بينها، قائمة على عناصر أجنبية من كل مكان، أما السودان فقد وجدنا انشقاقا داخليا بين الجيش الوطنى وقوات الدعم السريع، وهي فى الأصل ميليشيا حاول الرئيس السابق البشير دمجها فى الجيش السودانى.

بقى الجيش المصرى عصيا على كل محاولات العبث والصغار، ومؤامرات التفكيك من الداخل والتدمير.. وذلك يعود إلى عدة أسباب.. أبرزها.

أولا.. نحن بإزاء جيش وطنى بالمعنى الكامل، ليس جيشا لطوائف ولا تعبيرا عن تحكم طبقة بعينها أو حزب ما أو توجه أيديولوجى، مع الأسف أن ذلك حدث فى بعض دول المنطقة وكانت النتائج وخيمة.

جيش بعيد عن التحزب والأيدلويوجيا والطائفية، وطنى بامتياز.

ثانيا: هناك قواعد عامة للتجنيد الإجبارى والالتحاق بالجيش، هذه القواعد أكدت البعد الوطنى التام فى بناء الجيش وتكوينه، الجنود والضباط والقادة، هم أبناء مصر، صعدوا باجتهادهم الشخصى والالتزام بالقواعد الصارمة على الجميع دون استثناء لأحد ولا تمييز لأحد.. التجنيد بوتقة تصهر أبناء المصريين جميعا.

ثالثا: هو جيش لا يشغل بالشأن السياسى أو الحزبى، ولا يشارك فيه، وليس مسموحا لأفراد الجيش، من أصغر جندى حتى أرفع رتبه ممارسة أى نشاط سياسى أو حزبى ولا حتى عضوية أى حزب.

رابعا.. جيش مهمته الأولى حماية حدود الوطن وصيانة أراضيه، فضلا عن الدفاع عن المواطنين وحمايتهم.

خامسا.. جيش ولاؤه للوطن، لم يرتبط بشخص، أيا كان قدره، دوره حماية الشرعية الدستورية والوطنية، لا يرتبط بشخص أو اسم، هكذا تاريخه الطويل.

لهذه الأسباب وغيرها، أفلتنا من مصير بعض الدول الشقيقة، لكن دعاة الفوضى لا يتوقفون، أحلامهم ومشاريعهم تؤجل أو يتم تجميدها إلى أن تحين فرصة، وبعض الصغار لا يتوقفون عن العبث أو محاولة العبث، دعاة الفوضى تغريهم تجربة سوريا، وتنعشهم الفوضى، وبعض الذين تزودوا بجوازات سفر أجنبية، لا يعنيهم الخراب والفوضى، فلهم مكان بالخارج، لكن نحن المائة مليون وعشرة، الذين لا سماء ولا أرض لنا خارج هذا الوطن ولا متنفس لنا بعيدا عن حدوده ونيله وبحره، لا يجب أن ننصت لهم ولا نسمح لهم بذلك العبث.

وبالتأكيد تتكامل هذه الأصوات مع الرغبة الدفينة، فى أن لا يكون هناك فى المنطقة جيش قوى، غير الجيش الإسرائيلى، ليفر من على الجميع إرادة دولته ورغباتها ومشاريعها فى التوسع على حساب دول المنطقة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة