شهد عام 2025 تطورًا لافتًا في الأداء المؤسسي للأزهر الشريف، حيث مثّل هذا العام ذروةً غير مسبوقة في مستوى التفاعل الخارجي والداخلي، إذ قاد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حراكا دوليا ومحليا مكثفا استهدف ترسيخ قيم «الأخوة الإنسانية» وتفعيل أدوات «القوة الناعمة» للأزهر في خدمة قضايا السلام العالمي، وقد ترك هذا النشاط المكثف تأثيرات عميقة في سياق التحولات الجيوسياسية والثقافية الراهنة، عكست إعادة تموضع واعية لدور الأزهر في المشهد الدولي.
واتسم التحرك الدولي لفضيلة الإمام الأكبر خلال عام 2025 بالتركيز الواضح على بناء جبهة عالمية موحّدة تضم قادة دينيين ومفكرين من مختلف الخلفيات، بهدف مواجهة «الحروب العبثية»، والتصدي لظواهر الكراهية والعنف المتصاعد وقد جسدت زيارات فضيلته ولقاءاته المتعددة فلسفة الأزهر القائمة على الانفتاح على «الآخر» دون التفريط في الثوابت العقدية، وهو ما أسهم في تحويل مشيخة الأزهر إلى قبلة متزايدة لزعماء العالم ورجال الفكر والقيادات الدينية الباحثين عن خطاب أخلاقي جامع.
ومن أبرز الدلائل على هذا التحول ، مشاركة شيخ الأزهر في مايو 2025 في قمة الإعلام العربي بدبي، بوصفها إشارة مبكرة إلى ملامح هذا التوجه الجديد، فلم يكن اختيار منصة إعلامية عربية كبرى مجرد تفصيل بروتوكولي، بل عكس إدراكًا متقدمًا لأهمية الإعلام في تشكيل الوعي العالمي في زمن الحروب والاستقطاب الحاد.
ولم ينفصل خطاب شيخ الأزهر خلال القمة عن السياق السياسي والإنساني الإقليمي، حيث حضرت القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بوصفها اختبارًا حقيقيًا لمصداقية الخطاب الدولي حول حقوق الإنسان، وبهذه المشاركة، بدا الأزهر وكأنه ينتقل من موقع المتلقي للسرديات العالمية إلى موقع الشريك الفاعل في صياغتها أخلاقيًا.
غير أن الذروة الأوضح للنشاط الخارجي للأزهر تجلّت في أكتوبر 2025، مع مشاركة شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام التي نظمتها جماعة سانت إيجيديو في العاصمة الإيطالية روما. ففي هذه المناسبة، لم يقدّم شيخ الأزهر خطابًا تقليديًا عن التعايش أو التسامح، بل طرح مفهوم «السلام العادل» باعتباره شرطًا لا غنى عنه لإنهاء الحروب، محذرًا من أن السلام القائم على تجاهل الظلم لا يصنع استقرارًا حقيقيًا، بل يؤجل الانفجار ويعمّق الأزمات.
وفي روما، تحوّل خطاب الأزهر إلى خطاب ضمير عالمي، خاطب قادة دول ورموزا دينية ومفكرين بلغة تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، واضعًا الحروب الجارية، وعلى رأسها ما يحدث في غزة، في إطار فشل أخلاقي دولي لا يمكن تبريره أو التعايش معه، وقد مثّل هذا الخطاب لحظة فارقة في حضور الأزهر على الساحة الدولية، بوصفه صوتًا أخلاقيًا مستقلًا.
وفي السياق ذاته، ألقى شيخ الأزهر خطابًا أمام وفد شباب مجلس الكنائس العالمي، تناول فيه مفهوم الاعتدال في الإسلام وأهمية الحوار بين الأديان، مؤكدًا ضرورة مواجهة «الحروب العبثية» التي تدمّر الإنسانية، والدعوة إلى التصدي لمظاهر الوحشية والكراهية.
وأوضح أن هذه الظواهر لا يمكن التصدي لها إلا من خلال جهود مشتركة بين الأديان والثقافات، داعيًا الشباب إلى الاضطلاع بدور فاعل بوصفهم سفراء للسلام والتفاهم بين الأديان، مع التأكيد على تعميق شراكات الأزهر مع المؤسسات الدينية والثقافية العالمية.
وفي إطار الجهود الأوسع للأزهر لنشر خطاب عالمي يحمي كرامة الإنسان، برزت مشاركة الأزهر في مؤتمر مدريد في ديسمبر 2025 حيث أكد أمين عام هيئة كبار العلماء عباس شومان أن الأزهر يتبنّى خطابًا عالميًا يعزّز الوعي الآمن ويحمي كرامة الإنسان، باعتبار ذلك امتدادًا مباشرًا لسياسات الإمام الأكبر الرافضة للكراهية والعنف بجميع أشكالهما.
كما كان لتعزيز الشراكات مع القيادات الدولية والفكرية حضور بارز خلال عام 2025، إذ استقبل الإمام الأكبر في نوفمبر من العام نفسه المفكر الاقتصادي العالمي البروفيسور جيفري ساكس، في لقاء تجاوز الأطر البروتوكولية التقليدية، وتعمّق في مناقشة الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي. وتناول اللقاء سبل إسهام القيم الدينية في الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، في تجسيد واضح لرؤية الأزهر التي ترى في الدين منهاجًا شاملًا لإصلاح الواقع الإنساني، لا مجرد منظومة طقوس وشعائر.
وشهد العام أيضًا لقاءً تاريخيًا مع ملك بلجيكا في مطلع نوفمبر الماضي ، حيث أشاد العاهل البلجيكي بجهود الإمام الأكبر في نشر قيم السلام العالمي، معتبرًا وثيقة «الأخوة الإنسانية» بمثابة طوق نجاة لإنسان العصر الحديث في مواجهة الأزمات المتلاحقة.
وبالتوازي مع هذه التحركات الخارجية، عرفت القاهرة خلال عام 2025 نشاطًا مكثفًا للقاءات دولية رفيعة المستوى داخل مشيخة الأزهر، وهي لقاءات لا تقل أهمية عن البعد الخارجي، بل ربما تفوقه تأثيرًا، فقد مثّل استقبال شيخ الأزهر لملك بلجيكا في نوفمبر 2025 رسالة واضحة بأن الأزهر بات محطة رسمية لزعماء دول غربية يسعون إلى بناء شراكات أخلاقية في عالم مضطرب.
وتركّز اللقاء على تعزيز الحوار بين الأديان، واستحضار وثيقة الأخوة الإنسانية كمرجعية عالمية، بما يعكس انتقال الوثيقة من كونها نصًا رمزيًا إلى أداة فاعلة في العلاقات الدولية.
وفي السياق نفسه، جاء اللقاء مع ممثل أمانة سر دولة الفاتيكان ليؤكد أن العلاقة بين الأزهر والفاتيكان لم تعد محكومة بلحظة تاريخية عابرة، بل تطورت إلى شراكة مستمرة تقوم على تنسيق أخلاقي في مواجهة النزاعات والحروب وخطاب الكراهية.
وتعزّز هذا المسار من خلال لقاءات مع مؤسسات ذات ثقل إنساني دولي، مثل منظمة فرسان مالطا، حيث جرى الربط بين الخطاب الديني والعمل الإنساني في مناطق النزاع، في تعبير عملي عن دور الدين في زمن الأزمات بوصفه قوة دافعة للفعل، لا مجرد خطاب نظري.
وفي خلفية هذه التحركات المتعددة، برز مجلس حكماء المسلمين، برئاسة شيخ الأزهر، كأداة مضاعِفة للتأثير الخارجي فقد اضطلع المجلس خلال عام 2025 بدور محوري في جعْل خطاب الأزهر عالميًا عبر المؤتمرات الدولية، ومعارض الكتب الكبرى، والندوات الفكرية التي تناولت قضايا الإسلاموفوبيا والحوار داخل العالم الإسلامي نفسه.
وشكّل مؤتمر الحوار الإسلامي–الإسلامي في المنامة بالبحرين فبراير الماضي محطة مفصلية في هذا السياق، حيث بدا واضحًا أن رأب الانقسامات داخل البيت الإسلامي يُنظر إليه بوصفه شرطًا أساسيًا لبناء خطاب عالمي موحّد قادر على مواجهة الكراهية والتطرف.
وما يلفت في حصاد عام 2025 ليس فقط كثافة التحركات، بل طبيعة الخطاب الذي رافقها ، فقد اتسم خطاب شيخ الأزهر بانتقال واضح من الدعوة إلى الحوار باعتباره قيمة أخلاقية مجردة، إلى التعامل معه بوصفه أداة عملية لبناء تحالف دولي أخلاقي.
كما تكررت مفردات مثل «الضمير الإنساني» و«الحروب العبثية» و«السلام العادل»، بما يعكس تشكّل لغة جديدة ترى أن الأزمة العالمية ليست سياسية فحسب، بل أخلاقية في جوهرها. وفي هذا الإطار، لم يعد الأزهر يقدّم نفسه كصوت ديني يطالب بالسلام، بل كفاعل أخلاقي يضع شروطًا لهذا السلام، ويرفض أن يتحول إلى غطاء للظلم أو التهميش.
وفي المحصلة، يمكن القول إن عام 2025 مثّل لحظة فارقة في مسار الدور الخارجي لشيخ الأزهر، إذ أعاد الأزهر، عبر تحركات شيخه ومجلس حكماء المسلمين، تموضعه كمرجعية أخلاقية دولية في وقت تتراجع فيه المعايير الإنسانية الجامعة، وتشتد فيه الحاجة إلى صوت ديني عقلاني قادر على مخاطبة العالم بلغة الضمير والمسؤولية.
وفي إطار دور الأزهر الشريف التعليمي ، فقد شهدت جامعة الأزهر خلال 2025 سلسلة من الأحداث التعليمية والتنظيمية والثقافية التي تعكس حرصها على التطوير وتلبية احتياجات طلابها والمجتمع، من أبرز هذه الأحداث إعلان تنسيق الطلاب الجدد، افتتاح برامج دراسية جديدة، وتنظيم فعاليات وأنشطة متنوعة.
وتم خلال العام الجاري إدخال 23 برنامجًا علميًا جديدًا بمصروفات دراسية أقل من نظيراتها في جامعات أخرى، بهدف تلبية احتياجات سوق العمل المحلي والدولي في تخصصات حديثة والتي توفر خيارات أكثر للطلاب.
وعلى المستوى الثقافي والطلابي، أطلقت إدارة النشاط الاجتماعي والثقافي والفني في الجامعة عدّة مسابقات طلابية في الإنشاد الديني والأفلام القصيرة والفن التشكيلي، ما يعزز المشاركة الطلابية في الفعاليات غير الأكاديمية ويشجع على التعبير الإبداعي.
وعلى الصعيد الدولي، تظهر مؤشرات أيضًا على نشاط الجامعة خارج مصر وتعاونها مع مؤسسات تعليمية عالمية، من خلال برامج منح دراسية تُقدَّم لطلبة فلسطينيين وغيرها من المبادرات التي توسّع حضورها في البيئة التعليمية الإقليمية والدولية.
من جهة أخرى، برزت أولوية الجامعة في استمرار العملية التعليمية حتى في الظروف الصعبة، حيث استقبلت جامعة الأزهر–غزة أعدادًا كبيرة من الطلاب المتقدمين رغم التحديات المتعلقة بالتشريد والظروف الميدانية هناك، ما يعكس التزامًا بدعم التعليم حتى في أصعب الظروف.
وبشأن جهود قطاع المعاهد الأزهرية خلال عام 2025 تم تنفيذ خطط تطوير شاملة في منظومة التعليم قبل الجامعي، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى الارتقاء بجودة التعليم الأزهري، وتوسيع نطاق الخدمات التعليمية، وتعزيز كفاءة الكوادر، وتسهيل الإجراءات الإلكترونية، بما يسهم في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر، وتحقيق التوازن بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة.
وقدّم القطاع خدماته التعليمية لأكثر من 2 مليون طالب وطالبة في مختلف المراحل الدراسية من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة، موزعين على آلاف المعاهد الأزهرية المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية، ويعد هذا القطاع ثاني أكبر روافد التعليم قبل الجامعي في مصر، كما يستقبل الطلاب الوافدين من أكثر من مائة دولة حول العالم، ما يعكس الدور الكبير الذي يلعبه في خدمة التعليم الإسلامي عالميًا.
وشملت جهود العام تعزيز الكفاءة التعليمية، من خلال إطلاق «جائزة الإمام الأكبر لأفضل بحث علمي» التي أعلن عنها قطاع المعاهد في ديسمبر 2025، موجهة لمعلمي الأزهر لتحفيز البحث العلمي والإبداع الفكري داخل منظومة التعليم قبل الجامعي، وهي مبادرة تأتي في سياق الاهتمام بترسيخ ثقافة البحث والابتكار بين المعلمين، ما يسهم في رفع جودة العملية التعليمية.
وعلى صعيد الاحتفاء بالتنوع والإدماج المجتمعي في التعليم، شارك قطاع المعاهد في احتفالية تكريم الأشخاص ذوي الإعاقة التي شُهدت في منتصف ديسمبر، حيث أكد رئيس القطاع أيمن عبدالغني أن ذوي الهمم لم يكونوا يومًا هامشًا في التاريخ الإسلامي، ما يعكس حرص الإدارة على دمج جميع فئات المجتمع في العملية التعليمية، وتقديم الدعم اللازم لهم داخل المنظومة الأزهرية.