قبيل التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب في غزة، برز الموقف المصري بوصفه امتدادًا لمبدأ ثابت منذ اليوم الأول للحرب، إذ أكدت مصر قيادةً وشعبًا، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، رفضها القاطع لفكرة التهجير، ورسمت خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
هذا الموقف لم يكن مجرد إعلان سياسي، بل كان فعلًا صلبًا حافظ على ثوابت القضية الفلسطينية، وأسهم في صمود الشعب الفلسطيني والعربي أمام محاولات التصفية.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد شهدت المنطقة تحولات متلاحقة جاءت مكاسبها المباشرة لإسرائيل والولايات المتحدة، بدءًا من توجيه ضربة للبنية التحتية النووية الإيرانية، مرورًا بالتمدد في سوريا، والسعي لتغيير النظام وتفكيك الجيش العربي السوري، وصولًا إلى مؤشرات تدفع باتجاه تقسيم الدولة على أسس ديموغرافية وجغرافية تعيد رسم خريطة الهلال الخصيب.
وفي لبنان، تمكنت إسرائيل خلال العامين الماضيين من توجيه ضربات قاسية لحزب الله، كان أبرزها مقتل زعيم الحزب حسن نصر الله، وهو ما أدى إلى تقليص نفوذ المقاومة و محاولة إعادة بسط سيطرة الجيش اللبناني على الجنوب، غير أن هذا التوازن الهش قد يفتح الباب مستقبلًا لصراعات طائفية داخلية، في ظل استمرار الانقسام الداخلي.
لو بحثنا عن المستفيد الأكبر من هذه التحركات، فتبقى الولايات المتحدة الأمريكية، التي خاضت حروبها بالوكالة عبر إسرائيل، فحققت أهدافًا استراتيجية بأقل تكلفة، بدءًا من إضعاف إيران الحليف الأبرز لروسيا، وصولًا إلى كبح النفوذ الصيني في المنطقة، ولولا صمود الأسلحة الصينية في الحرب الباكستانية الهندية الأخيرة لتبدلت موازين القوة في واحدة من أهم مناطق المجال الحيوي للعالمين العربي والإسلامي.
ختامًا، تبقى القيادة السياسية المصرية نموذجًا في الثبات وسط عاصفة إقليمية معقدة، إذ واجهت بوعي وحنكة مشروعًا يهدف لتغيير خريطة المنطقة، وما نعيشه اليوم هو قراءة في مشهد سياسي يعاد تشكيله، كانت فيه مصر — كالعادة — حجر الزاوية في حفظ توازن المنطقة.