رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرجل الذى وصفه السادات بأنه رهيب كسلاحه


3-10-2025 | 16:39

.

طباعة
حوار: حمدى لطفى نشر فى 4 أكتوبر 1974

تحدث الفريق محمد سعيد الماحى كبير ياوران رئيس الجمهورية إلى «المصور»

لقد قاد الفريق الماحى قوات المدفعية المصرية التقليدية والصاروخية فى حرب أكتوبر المجيدة، وقال عنه القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس أنور السادات «إنه رجل رهيب مثل مدفعيته التى لعبت أخطر الأدوار فى الحرب، ولكنه دائماً الرجل الهادئ الصامت الذى يتحدث فى همس..»

هذه قصة «البطل الماحي» واحد من ألمع أساتذة المدفعية فى جيوش العالم..

 

فى كل معركة، الطلقة الأولى لها دائماً..

إن قذائفها هى إشارة البدء لكى تشتعل بعد فترة معينة من قصف المدفعية أرض ومواقع العدو بالنيران، ثم تقتحم قوات المشاة حصونه ومراكز حشد دباباته وتجمع قواته.

إنها المدفعية المصرية، أول طلقة فى حرب أكتوبر الخالدة كانت لها، لقد بدأت مدفعيتنا الحرب قبل الموعد المعروف وهو الثانية ظهراً بثلاث وخمسين دقيقة هى فترة قصف مدافعها بمختلف الأعيرة.. ثلاث وخمسون دقيقة من أخطر لحظات الهجوم، حتى جاءت ساعة الصفر، فعبرت طائراتنا مياه القناة، وفوق الأرض كانت أرتال المشاة والقوات الخاصة تبدأ واحدة من أبرز معارك العصر.

ومنذ أسابيع قال الرئيس أنور السادات وهو يتحدث عن المعركة:

«إن المدفعية المصرية الرهيبة لعبت أخطر الأدوار إلى جانب الصواريخ، إن قائد المدفعية فى الميدان هو الفريق الماحى الذى يعمل معى الآن كبيراً للياوران رجل رهيب مثل مدفعيته، إنه هادئ صامت يتحدث فى همس، وقد تلقى منى التعليمات بضرب العمق فى إسرائيل إذا بدأت، وكانت تعليمات تفصيلية حاسمة.. إنه رجل رهيب فعلا.. كنا فى غرفة العمليات وكنت أصدر إليه الأمر بضرب المواقع المحددة بآلاف الأطنان من القذائف ويتلقى الأمر فى هدوء، ويعود لى بعد دقائق وفى هدوء هامس يتقدم بورقة صغيرة ويقول فى صوت غير مسموع.. تم التنفيذ وينصرف وكأنه لم يفعل شيئاً وكأنه لم يقلب مواقع العدو رأسا على عقب».

1951 يجانب الرئيس:

إن رجل المدفعية الأول قضى 32 عاما بجانب المدافع، فهو من مواليد دمياط- أول فبراير عام 1922 وحصل على شهادة الدراسة الثانوية فى المدرسة نفسها التى تخرج فيها الرئيس السادات «فؤاد الأول الثانوية» ثم تخرج فى الكلية الحربية عام 1942.

وفى عام 1951 خدم بجانب الرئيس السادات فى الفرقة الأولى مشاة برفح، وهناك كان أول لقاء لهما، وقامت ثورة 23 يوليو 1952، واختير «الماحي» مدرسا بالكلية الحربية.

لقد قاتل الفريق الماحى أولى معاركه بالمدفعية فى جولة 1948 شارك فى معارك دير سنبد وغزة والمجدل، وعاد إلى القاهرة ليتخرج فى كلية الأركان عام 1951- بعدها التحق بالفرقة الأولى مشاة فى رفح حيث التقى بالقائد الأعلى الرئيس السادات.

وفى عام 1953، أسند إليه السادات دوراً قتاليا فى عمليات الفدائيين ضد قوات الاحتلال البريطانى بالقناة عام 53/1954، ومنح الرجل نوط الشجاعة العسكرية.

وجاء عام 1955، وذهب إلى بعثة عسكرية فى إنجلترا وعاد إلى هيئة العمليات ثم تولى قيادة لواء مدفعية، وظل يتدرج فى وظائف السلاح، حتى أسند إليه الرئيس السادات قيادة المدفعية المصرية عام 1971، وقام بدوره فى حرب أكتوبر، وفى فبراير 1974 اختاره الرئيس كبيرا للياوران تكريما وإعزازا.

عنصر السبق:

قال لى الفريق الماحي:

إن المدفعية المصرية بأصالتها الموروثة وبأخطر مهامها التى أوكلت إليها، ظلت متفوقة على المدفعية الإسرائيلية دائماً، حتى بعد أن تطورت مدفعية العدو فى مراحلها الأخيرة، فإن المدفعية المصرية ظلت تحتفظ بعنصر السبق عليها، وأثبتت فى فترة حرب أكتوبر 1973، بل وما قبل ذلك خلال مراحل الصراع المسلح منذ 1967- الصمود والردع والاستنزاف – تفوقها الكامل على المدفعية الإسرائيلية بفضل وعى وكفاءة وتضحية أبناء السلاح، ولقد شهد للمدفعية المصرية أكثر من معلق عسكرى أوربى فى كتب الأمس البعيد عن حرب 56، وحرب 1973 ويحضرنى فى هذه المناسبة قول الكاتب الأمريكى كينت لاف فى كتابه “السويس- الحرب المتجددة”:

“إن المدفعية المصرية ظلت تقاتل ضد السفن المغيرة عليها وضد المدرعات والطيران المعادى فى وقت واحد، حتى أمسكت النيران بكل شبر من الأرض فى شرم الشيخ وأصبح من المتعذر إطفاؤها”.

ولقد تطور أسلوب العمل فى المدفعية المصرية من الأسلوب الإنجليزى إلى الشرقي، واستطاع رجال السلاح من المقاتلين الذين أعطوه سنى حياتهم استيعاب كل التطوير الذى أدخل على النواحى الفنية وعلى السلاح الحديث ومتابعة التقدم العلمى عبر العالم تكنولوجيا حتى أدخلت المدفعية المصرية عام 1971، الأجهزة الحاسبة الإلكترونية، وواكبت بذلك تطور المعدات الفنية، كما استوعبت التعديلات الأخرى فى التسليح من الصواريخ المضادة للدبابات إلى الصواريخ أرض- أرض ليس على المستوى التكتيكى فحسب، بل على المستوى الاستراتيجى ، وأثبتت كفاءتها فى سيناء خلال الحرب بصورة متفوقة.

قلت:

لقد تحدث الرئيس السادات عن صواريخنا الموجهة إلى ثلاث مدن رئيسية فى إسرائيل استعدادا لضرب العمق الإسرائيلى إذا لجأ العدو إلى الهجوم على العمق المصري.. هذه المهام كانت من المهام الموكولة إلى المدفعية المصرية.. أليس كذلك؟

نعم، ومن هنا ذكرت لك حساباتنا كانت على المستوى الاستراتيجى أيضاً، ففى يوم 22 أكتوبر 1973، أطلقت المدفعية المصرية أول صواريخها الموجهة ضد العدو وأعطى قوة تدميرية هائلة.

فقد قام الرئيس السادات بتعيين الأهداف فى عمق إسرائيل، واستعدت المدفعية المصرية لضربها بالصواريخ إذا صدرت التعليمات بذلك، ولما كان للمدفعية المصرية اليد الطولى فى المعركة، والذراع القادرة على الوصول إلى أى مدينة فى عمق إسرائيل، فقد قرر القائد الأعلى أن تصبح مدن القناة عمقا هى الأخرى لجمهورية مصر العربية.

عدت أسأل:

ما هى أنواع المدفعية التى اشتركت بها قواتكم فى حرب 1973، وكان لها هذا التفوق نوعا أو كما؟

لقد اشتركت المدفعية المصرية والصواريخ بمختلف الأعيرة فى مراحل الحرب المختلفة عام 1973 وكان بينها أسلحة جديدة متطورة، ولذلك أستطيع أن أقول إن المدفعية قامت بأخطر الأدوار فى هذه الحرب، وشكراً للقائد الأعلى الذى سجل هذه الحقيقة للسلاح قبل أن يتحدث أحد عن دوره.. إنه أعظم التقدير من رئيس الجمهورية لرجل المدفعية سواء من وحدات الصواريخ المضادة للدبابات التى أدخلت تعديلا كبيرا فى مفهوم معارك الدبابات فى الحرب الحديثة.. أو من معدات المدفعية ميدان فضلا عن الصواريخ التى قامت بمهام حاسمة خلال الحرب على المستوى الاستراتيجى والتكتيكي، لقد نالت بما قاله الرئيس السادات عنها أعظم الأوسمة.

وأحب أن أذكركم بأن المقاتل عبدالعاطى بطل معارك الدبابات فى 1973، وكان له شرف افتتاح معرض الغنائم حين دعاه القائد العام إلى ذلك هو من جنود المدفعية وليس المشاة كما ذكرت بعض الصحف، خطأ غير مقصود بالطبع».

عبور المدافع الثقيلة:

متى عبرت المدفعية الثقيلة إلى سيناء هل كان عبورها يوم 6 أكتوبر 1973؟

عبرت بعض أجزاء المدفعية الثقيلة المصرية إلى الضفة الشرقية يوم 6 أكتوبر فعلا حتى تتمكن من التعامل مع العدو بأقصى مسافات تسمح لها بمدى نيران مؤثر، واحتفظنا بجزء آخر فى غرب القناة كعمق للمدفعية يتعامل مع أسلحة العدو فى الوقت المناسب، وتم تنفيذ عبور المدفعية بكامل أعيرتها طبقا للتخطيط الموضوع إلا أن هناك بعض المواقف الطارئة التى اضطرتنا إلى تعديل فى برنامج العبور وخاصة ذلك الموقف الطارئ الذى ووجه به الجيش الثالث فى الليلة الأولى للقنال 6-7 أكتوبر 1973، حيث لم يتمكن من إنشاء الكوبرى المخصص لإحدى فرق المشاة، مما حال بين عبور وحدات المدفعية الثقيلة والدبابات إلى الضفة الشرقية فى التوقيتات المحددة- وكان هذا الموقف يشكل خطورة على قواتنا التى عبرت واحتلت رءوس كبارى محدودة فى سيناء وظلت تواجه نيران الدبابات الإسرائيلية المكثفة فى بطولة أقرب إلى المعجزات، هنا صدرت تعليمات القيادة العليا بدفع احتياطى من وحدات الصواريخ المضادة للدبابات وتعاونها مع المشاة إلى سيناء حتى تمكن المهندسون من إنشاء الكوبرى، وعبرت الدبابات والمدفعية الثقيلة إلى المعركة، وكان جنود المدفعية الصاروخية المضادة للدبابات قد حققوا الكثير من المفاجآت التى تحدث عنها العالم بعد ذلك ووصفوها باللحم ضد الصلب.

قلت لرجل المدفعية وبطلها:

كيف كان الرئيس يعمل معكم.. أريد بعض الملامح من قريب لقيادة القائد الأعلى الرئيس أنور السادات خلال الحرب..؟

كان دائماً فى مركز القيادة الرئيسى للعمليات يشاركنا كل صغيرة وكبيرة، وهو يتمتع بهدوء أعصاب ورباطه جأش غير عادية كان لها فى الحقيقة وزن كبير خلال عملنا .. فهناك قرارات حاسمة أصدرها فى هدوئه وثباته غيرت من بعض نتائج الحرب وأدت إلى النصر، كان دائماً مع كل قائد بمشاعره ورؤيته، فزودنا بالتفكير السليم، ولم يكن يبخل بأى وقت ليلا أو نهارا يقضيه قبل الحرب بين المقاتلين يشجع أو يتقصى أو يرى بعينيه، ولذلك كانت صورة مسرح العمليات بإمكانيات قواته كلها فى ذهنه تماما عندما بدأت الحرب، وأذكر أنه حين فقد البعض منا قدرته على التفكير السليم أن حزم الرئيس وثقته ورؤيته للموقف بكل الأبعاد، وقدرته على إصدار القرار السليم الحكيم كانت خلف استعادة الموقف والسيطرة على أرض القتال، مما أعطى قواتنا فى النهاية طريق النصر.

كان الرئيس السادات يتدخل مع المدفعية حتى أبسط التفاصيل وكأنه ضابط متفرغ فى السلاح، وقد حدد لنا الأهداف وأسبقيتها؛ حيث يجب أن تتعامل معها المدفعية المصرية، وراجعناها فوجدناها خطة سليمة 100 فى المائة، وحين تم التنفيذ كبدنا العدو خسائر باهظة.

بارليف الأول

سيادة الفريق:

لقد نسى الناس أن قواتنا المدفعية دمرت خط بارليف الأول، وأن حصون بارليف التى دمرتها قواتنا عام 1973، هى الحصون التى أقامها العدو للمرة الثانية.. هل نتكلم فى هذه العمليات؟

فعلا بعد عمليات 67، بدأ العدو فى إقامة خط حصين على طول شرق القناة، منتهزا وقف إطلاق النيران، وبمرحلة كسر وقف إطلاق النار بدأت المدفعية المصرية بمختلف أعيرتها فى التعامل مع هذه التحصينات ودمرنا أكثرها حتى صدر قرار وقف إطلاق النار فى أغسطس 1970، وكانت هذه المهام ذات نتائج تدريب طيبة بالنسبة لنا حين عاد العدو وأخذ ينشئ خط بارليف الجديد مستعينا بما حصل عليه أيضاً من خبرات المرحلة السابقة، وقد أقام هذه التحصينات بمستوى هندسى عال، وبالتالى زاد العبء على مدفعيتنا، وقبل الحرب استطعنا مع سلاح المهندسين أن نقيم نقطا قوية فى العمق المصرى مشابهة تماما لحصون بارليف حتى ندمرها ونصل بذلك إلى المعدلات الصحيحة المطلوبة من قذائف المدفعية لتدمير النقط القوية الإسرائيلية، وكانت النقط المصرية التى أقمناها تفوق نقط العدو من حيث القوة، والمناعة والتحصين والأسلاك والألغام، وبقى هذا العمل رغم تكاليفه هو السبيل الوحيد السليم لتدمير خط بارليف بالقذائف المصرية، ومن هنا استمر قصف المدفعية يوم 6 أكتوبر وقبل 2 ظهراً (53) دقيقة متواصلة للوصول إلى النتائج المطلوبة- بعدها عبرت قواتنا وطائراتنا.

لقد قامت المدفعية أيضاً ببعض المهام التى لم يكن من المعتاد أن تقوم بها كفتح الثغرات فى حقول الألغام والأسلاك على مستوى حصون بارليف، وكان قصفا محكما نتيجة التدريب والتجارب والمعلومات التى حصلنا عليها حتى الدقائق الأخيرة قبل الساعة صفر من 6 أكتوبر، وبذلك استطاعت قواتنا المشاة اقتحام هذه الحصون والاستيلاء عليها بعد أن أصبحت حصونا غير صالحة للاستعمال، وبقيت المعركة، جندى مصرى أمام جندى إسرائيلى وجها لوجه.. والنتيجة معروفة.

وأحب أن أضيف حقيقة عسكرية تغيب عن ذهن القارئ العادي، وهى أنه ما من قوة كبرت أو صغرت حين تواجه العدو فى عمليات صغيرة أو كبيرة إلا ورافقها رجال المدفعية لإدارة نيران المدفعية؛ ولتصحيح الضرب ولقد قدمت المدفعية المصرية خلال مراحل الاستنزاف وعبور بعض وحداتنا لتقاتل فى سيناء ثم تعود إلى الغرب أروع الأمثلة فى التضحية بالروح فى سبيل الحصول على النصر حتى جاءت حرب 1973، وكان للمدفعية دورها وشهداؤها الأبطال.

 

 
 
 
 
 
 

الاكثر قراءة