رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قراءة فى ملف التعليم المصرى (2) وهل يصلح نظام البكالوريا ما أفسد الدهر؟!


18-9-2025 | 22:18

.

طباعة
بقلـم: حمدى رزق

نذكره بالخير، الدكتور «طارق شوقى» وزير التربية والتعليم قبل خروجه من الوزارة، كان له شرف المحاولة فى تطبيق النموذج التعليمى السائد عالميا، ولكنه تعثر فى مواجهة الإرث المجتمعى القائم على الحفظ والتلقين، وما يستتبعه من أمراض تربوية مزمنة وسارية كالغش الجماعى والدروس الخصوصية .

ونلفت إلى أن معارضة منهج «شوقى التعليمى»، جاءت بالأساس من جروبات الماميز (أولياء الأمور)، الذين جُبلوا وتعودوا ويفضلون دفع الأموال مقابل شهادة معلقة فى الصالون.. لزوم الوجاهة وأهلية الزواج.. أبدا لا علاقة لها بسوق العمل والفرص المتاحة وفق خطة الدولة التنموية .

 

دليلنا فى هذا الطرح، بحث الدخل والإنفاق (2019-2020) الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ويقرر إجمالى إنفاق المصريين على التعليم بنحو 482.2 مليار جنيه (24 مليار دولار)، بينها أكثر من 136.4 مليار جنيه (حوالى 7 مليارات دولار) تنفق على الدروس الخصوصية سنويا.

كل هذه المليارات أخشى أن تذهب سُدى، المدرسة المصرية شهدت تراجعاً فى العقود السابقة، حيث غابت الأنشطة بكل أشكالها من فنون ورسوم ورياضة وتربية منزلية، فضلا عن عرض المعارف والمعلومات بشكل أحادى لا يحتمل حوارا، ولا يؤهل لمناقشات تثرى العملية التعليمية.

المنظومة التعليمية برمتها كانت تنشر قيماً لا علاقة لها بقيم الانتماء والمواطنة، وأننا كثيراً ما نجد روح العداء للدولة المدنية والمؤسسات المدنية والتشريع المدني، وأنه يوجد ارتباط واضح بين مناهج اللغة العربية والتربية الدينية وبين موضوع العنف الديني.

حجرات الدراسة، ومن خلال المنهج الخفى والنسق القيمى الذى يقدمه المعلمون، الذين تم إعدادهم وتأهليهم من قبل تيار الإسلام السياسي، الذى خطط منذ عقود لإعداد معلمين منتمين إليه، وتجنيدهم للعمل كمدرسين بمجرد تخرجهم، بل ومحاولة اختراق المؤسسات التى تقوم على وضع السياسات التعليمية وصياغتها ومراقبتها.

وقد انعكست تلك السياسات التربوية على المناهج التعليمية والإدارة المدرسية والأنشطة التى تم صبغها بالصبغة الإسلامية، وجرى إهمال الأنشطة الثقافية والفنية ورفضها والعمل على تسييد ثقافة وقيم التمييز، من خلال فصل البنات عن الصبيان فى حجرات الدراسة، وترهيب التلميذات لارتداء الحجاب بل النقاب فى بعض المدارس (نحيلكم لواقعة الإمام طنطاوى فى صدر الحلقة الأولى من هذه الدراسة نشرت الأسبوع الماضى)، وممارسة العنف البدنى واللفظى من خلال التأكيد على استراتيجيات تعليمية، تستند على التلقين والقهر ورفض قيم الحوار والحرية والديمقراطية فى البيئة الصفّية، وغياب مناهج تتناول حقوق الإنسان والتربية على المواطنة.

***

قبل أحداث 25 يناير العاصفة كانت السياسة التربوية يتنازعها أمران:

الأول: محاولة بعض التربويين رسم سياسة تربوية تتجه نحو التطوير، من خلال تحرير المدارس والتلاميذ من هيمنة النظام الاجتماعى التقليدى المحافظ، والتأكيد على حرية الطالب الأكاديمية. إلا أن هذا الاتجاه لم يحقق أهدافه لغياب الإرادة السياسية وقتئذ، وضعف الدولة فى مواجهة تيارات الإسلام السياسى، وعدم قدرتها على تحقيق نظام تعليمى يستند إلى العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. ومن ثم فإن جميع المحاولات الإصلاحية باءت بالفشل لغياب دور الدولة وانسحابها من تبنى قضية تطوير التعليم بشكل حقيقي.

أدّى ذلك إلى ظهور تيار الإسلام السياسى كبديل منذ عقود وإلى تأسيس مفارقة بين التعليم المدنى ومثيله التعليم الدينى، فقام الإسلاميون (سيما الإخوان والسلفيون) بإنشاء مدارس خاصة تحت لافتة إسلامية، وهى الآلية التى سعى من خلالها الإخوان إلى السيطرة على أبناء أسرة الطبقة الوسطى، خصوصاً الشرائح العليا التى سعت إلى فرص تعليمية أفضل لأبنائها، عبر إلحاقهم فى تلك المدارس التى انتشرت بشكل كبير فى جميع محافظات مصر، وعمل فيها ناشطون منتمون إلى تيار الإسلام السياسي.

التعليم كان ولايزال هدفاً ركزت عليه التيارات الإسلامية والإخوان على وجه التحديد؛ لإدراكها أهمية تلك المؤسسات فى نشر ثقافتها منذ عقود طويلة. وساعد على ذلك غياب الرؤية العلمية والنقدية فى ظل سياسة نظام حكم طيّب الذكر الرئيس حسنى مبارك، الأمر الذى أدى إلى تهيئة أرض خصبة وبيئة حاضنة لظهور ثقافة التمييز وتسييدها.

وساعد على تحقيق ذلك أيضاً تدنى مستوى الخدمة التعليمية، ولاسيما فى المدارس الحكومية، لضعف كليات التربية وافتقارها إلى برامج إعداد مهنى تستند إلى التحديث وكسب المهارات الاجتماعية والثقافية والمهنية المتطورة.

وأصبحت غالبية المعلمين إما لديهم انتماءات أيديولوجية «دينية إسلامية»، وإما ليس لديهم أى مهارات أو دور سوى البحث عن الثراء عبر الدروس الخصوصية.

السياسة التربوية قبل أحداث يناير 2011، تسببت فى تجريف العديد من العقول ونشر ثقافة انفعالية أو انسحابية. لكن ما تلى 25 يناير، برزت جهود تربوية نجحت فى تغيير العديد من القيم لصالح ظهور قيم المشاركة والتمرد. وإن كانت تللك القيم لم تتبلور لتصبح نسقاً متكاملاً، إلا أنه يمكن القول إن العديد من هذه الاتجاهات والقيم لدى الشباب، أصبحت فى طور التكوين.

***

تعرّضت المؤسسة التعليمية إلى هجمة شرسة من قبل الإخوان بعد استيلائهم على الحكم فى غفلة شعبية، وقاموا بأسلمة بعض المناهج وأخونة المؤسسة، من خلال تغيير العديد من القائمين على العمل فى المواقع القيادية، واستبدالهم بآخرين من الجماعة أو المحبين لهم، ونشر الأنشطة الصفّية وغير الصفّية الإسلامية، والعمل على تدريب المعلمين فى ضوء رؤى الجماعة وأهدافهم وتوجّهاتهم.

يمكن القول إن السياسة التربوية الجديدة فى ظل سلطة الإخوان لم تهتم بقضايا التعليم الجوهرية من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، ولم تهتم بنوعية التعليم وحل مشكلات كالعنف المدرسى والتسرب من التعليم، بل توجهت السياسة التربوية نحو الانفراد بالمؤسسة التعليمية شأن سياستهم فى الانفراد بالحكم.

سعوا سعيا مستميتا إلى تغيير المناخ التعليمى لصالح ثقافة بديلة، تمهيداً لتوجيه العقول لمسار جديد يخدم رؤية وأهداف وفلسفة الجماعة الاستبدادية .

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة