عاد الحديث الممجوج بشأن ملف «المصالحة» بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان الإرهابية إلى الواجهة من جديد، فقد رصد العديد من المتابعين تحركات سرية بالخارج لإعادة فتح ملف المصالحة مع الدولة المصرية من جديد.
يقود هذه التحركات المعارض الهارب أيمن نور والإخوانى محمد عمادالدين صابر، أحد أعضاء برلمان الإخوان فى 2012، ورئيس منتدى البرلمانيين فى الخارج، ويسعى الطرفان إلى تسويق المبادرة فى الأوساط السياسية والحقوقية الغربية، عبر التركيز على إظهار الجماعة فى صورة «حركة معارضة سياسية وطنية مصرية».
قبل أيام نشر «صابر» على صفحته على منصة «X» المبادرة باسمه شخصيًا للحوار مع الدولة المصرية، وهى ليست المرة الأولى التى يحاول فيها «صابر» إنقاذ الجماعة من التصنيف كجماعة إرهابية، فقبل خمس سنوات صرح بأن محاولات تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية فى عهد ترامب تعنى القضاء على الجماعة، وهذه المبادرات هى حيلة إخوانية قديمة يلجئون إليها عندما تُسد أمامهم كافة الأبواب، فيرتدوا عباءة المسكنة والمظلومية لفتح قنوات مع الدولة المصرية.
مبادرة إنشائية مليئة بالغرور والتعالى
لا تحمل المبادرة أى جديد، فكل ما قُدّم مجرد جمل إنشائية يكتنفها الغرور والتعالى، صيغت بحنكة حتى لا يعترفوا بجرائمهم فى حق الشعب المصرى قبل الدولة المصرية ولا الجيش المصرى، فلم يعترفوا أو يعتذروا عن دورهم فى نشر الشائعات عن الدولة المصرية خلال اثنتى عشرة سنة، ولم يقدموا أى تصور لدورهم فى المستقبل، فلم يعترفوا حتى بالسلطة القائمة ولا بإرادة الشعب الذى عزلهم وطردهم، فما زالوا يلوكون كلماتهم عن الانقلاب والشرعية وكل هذا الهراء، لم يشيروا من قريب أو بعيد لمساندتهم للجيش المصرى تجاه استفزازات جيش الاحتلال الإسرائيلى وادعاءاتهم الباطلة ضد الدولة المصرية، بل بكل تعالٍ منحط يزعمون ضرورة محاسبة الجيش وخضوعه للمساءلة.
الملاحظ أن المبادرة تخاطب الغرب أكثر مما تخاطب الداخل المصرى، وتقدم نفسها لهم كفصيل معارض يعانى من الاضطهاد، وأنهم مطاردون، وفى إشارة خاطفة ألمحوا لوقوعهم فى بعض الأخطاء السياسية نظرًا لسوء التقدير ليس إلا، هكذا ببساطة تحولت جرائمهم الإرهابية فى حق الدولة والشعب وجرائم التجسس لصالح دول إقليمية، أى سقوطهم فى جريمة الخيانة العظمى إلى أخطاء سياسية، وتحول عناصرهم المجرمين المدانين بأحكام قضائية إلى سجناء أى، هذه المغالطات والطرح المزيف ليس المقصود بها الشعب المصرى ولا الحكومة المصرية بل المقصود بها المؤسسات الغربية القانونية والحقوقية، فتستخدم الجماعة جملة من الأدوات حتى يتعاطفوا معهم، أولًا: خطاب المظلومية الذى تروّج له عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى لخلق رأى عام مريد للجماعة، ثانيًا: المبادرات التى يوهمون بها أن الجماعة تريد تقديم يد المصالحة والدولة المصرية هى التى تتعنت ضدهم، ثالثًا: تحركات شخصيات دولية وإقليمية لها ثقلها ولها قنواتها مع أمريكا والغرب لتخفيف الضغوط على الجماعة.
المبادرة الوهمية طوق نجاة وأمل زائف
إذا كانت المبادرة لا تقدم جديدًا، وإذا كانت تخاطب مؤسسات الغرب فلماذا كل هذه التحركات ولماذا كل هذا الصخب حولها؟، الحقيقة أن المتابع لحركة الإخوان الإرهابية فى الداخل والخارج، سيكتشف أنها تمر بأسوأ لحظاتها، فكابوس تصنيفها كمنظمة إرهابية يطاردها فى كل مكان، فنظرًا لإخفاقاتهم الشديدة فى كافة الملفات التى أوكلت لهم، فلم يتمكنوا من إسقاط الدولة المصرية سواء بالتفجيرات أو بالدعاية المضادة أو بالدعوة للتظاهرات والعودة للفوضى الأمنية، وأخيرًا فشلهم المريع فى معركة السفارات وتشويه سمعة مصر وتبييض وجه إسرائيل، أدى ذلك لانهيار سمعة الجماعة فى الغرب كفصيل معارض يستحق الرعاية والتمويل من أموال دافعى الضرائب الأوروبيين والأمريكان.
تسبب هذا الفشل وسوء سمعة الجماعة وتزايد الاتهامات لها بدعم التطرف وزعزعة الاستقرار فى المنطقة، فتصاعدت الدعاوى داخل دوائر القرار فى العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بتشديد الموقف تجاه أنشطة الإخوان الإرهابية، لذا قدم السيناتور الجمهورى تيد كروز، مشروع قانون أمريكيًا يصنف الإخوان رسميًا منظمة إرهابية.
ويحمل التشريع عنوان «قانون تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية لعام 2025»، ويتبنى ما وصفه فريق كروز بـ«استراتيجية حديثة» ترتكز على استهداف الفروع التابعة للجماعة بدلاً من التركيز على بنيتها العالمية غير المحددة، ويحظى مشروع القانون بدعم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، من بينهم جون بوزمان، وتوم كوتون، وديف ماكورميك، وآشلى مودي، وريك سكوت، وإذا نجح مشروع القانون وتم تصنيف الجماعة منظمة إرهابية فهذا يعنى منع قيادات الجماعة من دخول أمريكا وتوجيه التهم الجنائية، وتجميد الحسابات البنكية والممتلكات التابعة للجماعة ولقادتها، والأخطر تتبع التحويلات المالية منهم وإليهم، مما يعنى وقف التمويل وتفقد الجماعة قدرتها على الاستمرار، وتنهار فى كافة الأقطار.
أما على المستوى الداخلى بمصر؛ فالتنظيم يتفكك بفعل الضربات الأمنية الاستباقية لأى محاول لزعزعة الأمن الداخلى، ومع استمرار تجاهل الدولة المصرية لأى مبادرة للمصالحة، مما يعنى استمرار بقاء قياداتهم وغيرهم من عناصر الجماعة الإرهابية فى السجن لقضاء الأحكام القضائية دون بادرة أمل للخروج من وضعهم المأزوم أو حتى العودة لمربع ما قبل يناير 2011، كل هذا الفشل الخارجى والداخلى يسبب ضغطًا اجتماعيًا فى صفوف الجماعة، ومطالبتهم لقياداتهم بضرورة إيجاد حل لخروج هذه الأزمة، فيلجأ قادة الجماعة الإرهابية كل فترة بإيهام الصف الداخلى أن ثمة مبادرة لحل أزمتهم. كوسيلة لزرع الأمل والحفاظ على ولاء العناصر المرتبطة بالتنظيم.
السراب والوهم يتبدد على أعتاب الدولة المصرية
الدولة المصرية لم تغيّر استراتيجيتها تجاه الإخوان منذ ثورة 30 يونيو 2013، حتى اليوم موقفها ثابت يقوم على عدم الاعتراف بالجماعة كطرف سياسى أو تنظيمى يمكن التفاوض معه، أضف إلى ذلك حالة الرفض الشعبى للمصالحة مع الجماعة الإرهابية، فالشعب لا ينسى جرائم الجماعة التى أزهقت أرواح آلاف الشهداء من أفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، لهذا تدرك مصر حكومةً وشعبًا أن أى تعاون فى ملف الإخوان يعنى عودتهم بقناع جديد ليعاودوا ارتكاب جرائمهم وانتقامهم من الشعب المصرى، لذا فالوقوف ضد أى تهاون معهم مهمة وطنية، وبالمقابل أى داعٍ للمصالحة مع الجماعة الإرهابية يهدم ثوابت الأمن القومى المصري، ويخون الشعب المصرى، فانتبهوا أيها السادة.
