إذا كانت قطر أرادت من القمة العربية الإسلامية التى دعت لعقدها إعلان الدول العربية والإسلامية التضامن معها فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الذى تعرضت له ووصفه بالغادر والجبان والصارخ، فإنها قد ظفرت بذلك. وعبر بيان الدوحة بوضوح عن ذلك.. إنما إذا كانت قطر أرادت عقاب إسرائيل على ما اقترفته فى حقها وخرق القانون الدولى، وأيضًا حماية نفسها من أية اعتداءات أخرى هددها بها نتنياهو صراحة، وحماية مزيد من الدول العربية من عدوان دولة الاحتلال، فإنها لم تظفر بذلك... فإن إعلان الدوحة يطالب المجتمع الدولى القيام بمسئولياته فى هذا الصدد ومحاسبة إسرائيل على ما تقترفه من جرائم ضد أهل غزة منذ نحو عامين ومعهم أهل الضفة الغربية، وما قامت وتقوم به من اعتداءات ضد عدد من الدول العربية هى لبنان وسوريا واليمن.
ولكن الملاحظ أن البيان الختامى للقمة خلا من أى إشارة إلى أمريكا واكتفى بالإشارة إلى المجتمع الدولى، رغم أن أمريكا كانت حاضرة فى عدوان إسرائيل على قطر.. وإن لم تكن حاضرة بالتواطؤ مع إسرائيل فى هذا العدوان، فهى حاضرة جدا فى عدم إدانة هذا العدوان وعقاب إسرائيل عليه والوفاء بالإعراب عن عدم سعادة الرئيس الأمريكى به، رغم أن الإعلان استهدف، كما قال بيان الدوحة، ضرب عملية التوصل لاتفاق لوقف الحرب، ورغم أن قادة حماس كانوا يتدارسون مقترح ترامب لوقف الحرب والذى قال عنه إنه مقترح الفرصة الأخيرة.
إن من كانت تستحق أن يخاطبها بيان القمة العربية الإسلامية هى أمريكا؛ لأنها هى التى تساند وتدعم إسرائيل وتحميها وتوافق لها على ما ترتكبه من جرائم اتسع نطاقها ومداها العامين الأخيرين، بل توافق لها على ما سوف ترتكبه من جرائم بحق دول عربية أخرى مستقبلا، والتى أشار إليها نتنياهو، بإعلانه أنه يعمل لتحقيق إسرائيل الكبرى التى تشمل أراضى أردنية وسعودية ومصرية أيضا.
لقد كانت أمريكا تحتاج إلى أن تشعر بغضب الدول العربية والإسلامية منها هى تحديدا، وليس المجتمع الدولى على الإطلاق.. وأن يتضمن البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية ما يشعرها بالقلق من الغضب العربى والإسلامى على مصالحها الكبيرة والكثيرة المتعددة لدينا.. فهى لن تتحرك أو تحرك المجتمع الدولى لوقف العربدة الإسرائيلية فى المنطقة، إلا إذا خافت على مصالحها وشعرت أن هذه المصالح باتت مهددة ومعرضة للضياع أو التبديد. . أما الاكتفاء بمطالبة المجتمع الدولى بالقيام بدوره، فهو، وإن كان أمرًا ضروريًا، لا يكفى لتوجيه رسالة حازمة لأمريكا مؤداها أننا غاضبون منها ومن دعمها ومساندتها لإسرائيل، أو بالأصح لتواطئها مع إسرائيل ضدنا، أو بالأصح مشاركتها إسرائيل فى عدوانها ضدنا بما تقدمه لها من سلاح تقتلنا به، وأموال تنفقها إسرائيل على الإبادة الجماعية والتدمير الشامل، والحماية الدولية لها ولقادتها المطلوبين الآن للعدالة الدولية.
إن أمريكا لن تشعر بحجم ومدى غضبنا منها، إلا إذا تجمدت استثمارات الدول العربية والإسلامية لديها، وتراجع تعاون هذه الدول فى شتى المجالات والميادين معها، وتوقفت أو تجمد مشروع الاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
إن مَن يقود أمريكا رجل أعمال وليس قائدا سياسيا، وكل ما يهمه تدفق مزيد من الأموال الخارجية على بلاده، ولذلك المصالح مهمة جدا فى سياساته وقراراته، فضلا عن أنه يزيد تنفيذ وعوده للأمريكيين الخاصة ببناء اقتصاد قوى، وهو سوف يؤثر فيه حديث المصالح أكثر من أى حديث آخر، وسيهتم إذا كان الحديث موجها له بشكل مباشر وصريح، وليس حديثا غير مباشر من خلال المجتمع الدولى كما جاء فى إعلان الدوحة، أو أن يقول الإعلان إن القمة تؤيد قطر فى اتخاذ أى قرار أو إجراء لرد العدوان الإسرائيلى عليها، غير بالطبع الاستمرار فى الوساطة للتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة لأن الإعلان ذكره.