رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرئيس السيسى حذر «العدو».. ورسم خارطة طريق للمواجهة .. قمة «الغضب العربى»


18-9-2025 | 20:03

الرئيس السيسى في قمة الدوحة

طباعة
تقرير: محمد رجب

«يد واحدة».. رسالة عبر عنها الزعماء العرب فى قمة الدوحة الطارئة التى شهدتها قطر هذا الأسبوع، والتى جاءت فى ظرف تاريخى دقيق، أكد خلالها رؤساء وملوك الأمة العربية والإسلامية أن العرب والمسلمين يقفون صفاً واحداً فى مواجهة العدوان الإسرائيلي، ملتزمين بالدفاع عن قضاياهم العادلة مهما تعاظمت التحديات، معلنين رفضهم القاطع للانتهاكات الصارخة للمواثيق والأعراف الدولية، بعد إقدام «حكومة تل أبيب اليمينية المتطرفة» على استهداف دولة وسيطة لإفشال مفاوضات ومساعى وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، ومضيها فى انتهاك سيادة بلدان المنطقة واستمرارها فى سياسات التطهير العرقى وقتل أبناء فلسطين بالقصف والتجويع وتوسيع الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية.

 

الرسائل المصرية كانت واضحة وحاسمة بلسان مبين، أكدها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وشدد خلالها على ثبات الموقف المصرى واستراتيجيته فى التعامل مع الأزمات التى تحيط بالمنطقة العربية، رافعا صوتا حازما ضد السياسات الإسرائيلية، مؤكدا أنها تقوض فرص السلام وتهدد أمن المنطقة برمتها، ليؤكد أن حماية الحقوق الفلسطينية تتطلب موقفًا موحدا وإجراءات عملية وواقعية.

جاءت كلمة الرئيس السيسى أكثر صراحة ووضوحا وشجاعة مما اعتادت عليه المنابر الدبلوماسية، إذ لم يترك مجالا للالتباس بشأن موقف القاهرة من التصعيد الإسرائيلي، ما انعكس فى ردود الفعل السياسية، حيث اعتبر حديث الرئيس السيسى بمثابة إعادة تذكير بأن مصر لا تزال صاحبة اليد الطولى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، وصياغة مواقف جامعة للعالمين العربى والإسلامى.

الرئيس السيسى حذر من سلوك وممارسات إسرائيل التى تزعزع الاستقرار والأمن بالمنطقة، وقال :«إن ما نشهده من سلوك إسرائيلى منفلت، ومزعزع للاستقرار الإقليمى من شأنه توسيع رقعة الصراع ودفع المنطقة نحو دوامة خطيرة من التصعيد، وهو ما لا يمكن القبول به أو السكوت عنه».

وشدد الرئيس السيسى على تضامن مصر الكامل مع دولة قطر والأمير تميم بن حمد آل ثانى فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الآثم، معربا عن إدانته بأشد وأقسى العبارات لهذا العدوان الإسرائيلى، على سيادة وأمن دولة عربية، تضطلع بدور محورى فى جهود الوساطة مع مصر والولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار فى غزة، وإنهاء الحرب والمعاناة غير المسبوقة التى يمر بها الشعب الفلسطينى الشقيق.

واعتبر الرئيس أن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت أى منطق سياسى أو عسكرى، وتخطت كافة الخطوط الحمراء، مؤكدا رفض مصر الكامل لاستهداف المدنيين، وسياسة العقاب الجماعى والتجويع التى تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء على مدار العامين الماضيين، وأن الحلول العسكرية وإجهاض جهود الوساطة والاستمرار عوضا عن ذلك فى محاولة فرض الأمر الواقع بالقوة الغاشمة، لن يحقق الأمن لأى طرف.

وأوضح أن مصر ستواصل دعمها الثابت، لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه، وتمسكه بهويته وحقوقه المشروعة، طبقا للقانون الدولي، والتصدى لمحاولة المساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف سواء عبر الأنشطة الاستيطانية، أو ضم الأرض، أو عن طريق التهجير، أو غيرها من صور اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم عبر استخدام عناوين ومبررات، لا يمكن قبولها بأى حال من الأحوال.

وجدد السيسى رفض مصر القاطع لأى مقترحات من شأنها تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وقال :«إن مثل هذه الأطروحات ليس لها أساس قانونى أو أخلاقى ولن تؤدى سوى إلى توسيع رقعة الصراع، وهو أمر من شأنه زعزعة استقرار المنطقة بأكملها»، لافتا إلى أنه آن الأوان للتعامل بجدية وحسم مع القضية الفلسطينية، باعتبارها مفتاح الاستقرار فى المنطقة، وأن الحل العادل والشامل للقضية المركزية للعالمين العربى والإسلامى يقوم على إنهاء الاحتلال، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها «القدس الشرقية».

وأعرب عن تطلع مصر إلى أن يمثل مؤتمر «حل الدولتين» الذى سيعقد يوم 22 سبتمبر الجارى على هامش الشق رفيع المستوى لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، محطة مفصلية على طريق تحقيق حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، خاصة من خلال الاعتراف بدولة فلسطين، داعيا إلى الاعتراف الفورى بدولة فلسطين، من جانب جميع الدول التى لم تقدم على هذه الخطوة بعد، باعتبار ذلك السبيل الوحيد من أجل الحفاظ على حل الدولتين.

وقال :«إننا أمام لحظة فارقة تستلزم أن تكون وحدتنا نقطة ارتكاز أساسية، للتعامل مع التحديات التى تواجه منطقتنا بما يضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراعات، والحيلولة دون فرض ترتيبات إقليمية، تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة، وأن رسالتنا اليوم واضحة فلن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام وسنقف جميعا صفا واحدا، دفاعا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفى مقدمتها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، والعيش بحرية وكرامة وأمن».

وتابع «يجب أن تغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أى دولة عربية؛ مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام وهذه النظرة كى تتغير، فهى تتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة، حتى يرتدع كل باغ، ويتحسب أى مغامر».

واستطرد الرئيس السيسى «لقد أصبح لزاما علينا فى هذا الظرف التاريخى الدقيق، إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكننا جميعا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية التى تحيط بنا، حيث إن إقامة مثل هذه الآلية الآن، يمثل السبيل لتعزيز جبهتنا، وقدرتنا على التصدى للتحديات الراهنة، واتخاذ ما يلزم من خطوات، لحماية أمننا ورعاية مصالحنا المشتركة، ومصر كعهدها دائما؛ تمد يدها لكل جهد صادق، يحقق سلاما عادلا، ويدعم أمن واستقرار العالمين العربى والإسلامي».

كلمة الرئيس السيسى أكدتها مسودة مشروع البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية، التى أكدت أن العدوان الإسرائيلى على قطر واستمرار الممارسات الإسرائيلية العدوانية يُقوض فرصَ السلام ويُهدد كلَ ما تم إنجازُهُ على طريق إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بما فى ذلك الاتفاقات القائمة والمستقبلية.

الدكتور أشرف سنجر، أستاذ السياسات الدولية، يرى أن القمة العربية الإسلامية الطارئة التى عقدت فى الدوحة لبحث الاعتداءات الإسرائيلية، تمثل فرصة حقيقية لترجمة الموقف العربى والإسلامى الموحد إلى قوة رادعة ومؤثرة على الأرض، موضحا أن التأثير الحقيقى لهذه القمة يكمن فى تحويل العمل الجماعى العربى إلى «قوة عربية مشتركة»، واصفاً إياها بـ «ناتو عربي» يكون مستعداً لردع إسرائيل، مشددا على أن الهدف ليس الهجوم، بل «ردع إسرائيل» التى تخطت اعتداءاتها كل الحدود، ووصلت إلى دول عربية شقيقة مثل سوريا وآخرها قطر.

وأضاف «سنجر» أن على الولايات المتحدة أن تدرك أن ما تقوم به إسرائيل من اعتداء على سيادة الدول العربية ومحاولات «تهجير الفلسطينيين» هو «أم المشاكل» فى المنطقة، وأن استمرارها فى هذا النهج يجب أن يتوقف، موضحا أن نتنياهو فقد العقلانية والرشد، وينظر إلى أن الدول العربية خانعة وضعيفة، وهذا على غير الحقيقة .

وأشار إلى ضرورة تقديم صوت عربى موحد وواضح للولايات المتحدة، مفاده أن الدعم غير المحدود لإسرائيل سيكلف واشنطن الكثير على صعيد الاستثمارات والعلاقات العربية الأمريكية، خاصة بالنظر لكون قضية فلسطين هى قضية العرب والعالم الإسلامى أجمع، وأن الحل يتطلب أن تكون كل الدول العربية «على قلب رجل واحد» لمواجهة التحديات الراهنة.

وشدد على ضرورة أن تكون هناك وقفة حقيقية ووقفة عربية ودولية وأيضاً وقفة إنسانية ضد ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن مصر دائما فى الصف الأمامى لحماية الحقوق العربية والإسلامية، ورفض أى محاولات لفرض ترتيبات أحادية تخالف مصالح الدول العربية والإسلامية، مع التأكيد على أهمية وحدة الصف العربى والإسلامى فى مواجهة أى تهديدات أو تصعيد محتمل، مشددا على أن كلمة الرئيس السيسى كانت قوية، حازمة، وواقعية، حملت فى طياتها رسالة لكل من يحاول الاعتداء على الدول العربية بأن هناك من يردع، ومن يحمى الحقوق، ومن يقف صفا واحدا لحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي، وهذا هو دور مصر الريادى دائما.

الدكتور محمود السعيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال إن كلمة الرئيس السيسى بالقمة العربية بالدوحة، حملت العديد من الرسائل المهمة يأتى على رأسها الرفض المصرى لسياسة التوسع والهيمنة التى تسعى إسرائيل إليها على حساب الحق الفلسطينى والعربى، من خلال أعمال القتل والتدمير بهدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم لفرض الهيمنة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية.

وأضاف أن كلمات الرئيس السيسى كانت بمثابة تحذير للصمت العالمى على الجرائم الإسرائيلية بأن إسرائيل ليس لديها القدرة للتعامل مع السلام، وأن الاستقرار فى المنطقة لن يتحقق فى ظل الممارسات الإسرائيلية، بالإضافة إلى توجيه الرئيس لرسالة حاسمة للقيادات الإسرائيلية بأن مصر لن تقبل بما تسعى إسرائيل لفرضه على المنطقة من تصفية القضية الفلسطينية والهيمنة على قطاع غزة ولا بد من الوصول إلى حل الدولتين.

وأوضح أن الظروف الحالية تقتضى ضرورة إعادة النظر فى المقترح المصرى السابق بإنشاء قوات ردع عربية للتصدى لأى عدوان على الدول العربية، خاصة بعد التمادى الإسرائيلى فى عدوانها على الشعب الفلسطينى، وعلى الدوحة مؤخرا، وهو الأمر الذى يستوجب إعادة النظر إلى وجود قوات عربية موحدة خاصة وأن مصر لن تقبل المساس بأراضيها وهو ما يضع اتفاقية كامب ديفيد على المحك.

وشدد على أهمية أن ينشئ الإقليم منظومة للأمن والتعاون الإقليمي، تجمع إرادات دول من أجل مستقبل آمن لدولها وشعوبها فيتحقق من خلال هذه المنظومة التنسيق السياسي، والتعاون الأمنى والعسكرى للجميع، والعمل من أجل استثمارات وتجارة مشتركة تنهض بمنطقة الشرق الأوسط وجيرانها لمستقبل واعد تنظم فيه دولنا أمورها من أجل منظومة للأمن والتعاون الإقليمي، مشددا على ضرورة إنشاء منظومة للأمن الاستراتيجى تجمع دول الشرق الأوسط من أجل مصالح اقتصادية وتجارية واستثمارية وسياسية وعسكرية وأمنية تكفى لأمان هذه المنطقة من أجل صالح شعوبها.

ومن جانبه، أكد السفير مدحت المليجي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الدول العربية والإسلامية اختارت أن تقف صفاً واحداً دفاعاً عن أمنها وسيادتها ومصالحها، وأن تواجه التطورات المتسارعة فى المنطقة بروح من الحكمة والعقلانية، رغم مشاعر الغضب العارمة التى أثارتها مواصلة إسرائيل الإفلات من العقاب الدولي، مشيدا بما أبدته هذه الدول من ضبطٍ للنفس وابتعادٍ عن الانجرار إلى قرارات متسرعة أو انفعالية، مؤكداً أن التمسك بخيار الاستقرار والسلام يظل خياراً استراتيجياً يقى المنطقة من الانزلاق إلى دوامة العنف والتصعيد.

وأشار إلى أن الدول العربية والإسلامية ستكثف من جهودها للضغط على القوى الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها الداعم الأكبر لإسرائيل وفى الوقت ذاته شريكاً استراتيجياً للعالمين العربى والإسلامي، من أجل إلزام تل أبيب بالانصياع لمقررات السلام والشرعية الدولية، وردعها وإعادتها إلى طاولة المفاوضات.

ولفت إلى أن «قمة الدوحة» جاءت لتعكس وحدة الموقف العربى والإسلامى فى مواجهة السياسات الإسرائيلية المهددة لأمن المنطقة واستقرارها، داعياً فى الوقت ذاته إلى الحصول على ضمانات أمريكية واضحة تحول دون تكرار الاعتداءات، وتُلزم إسرائيل بالانخراط فى عملية تفاوضية جادة تقود إلى وقف الحرب على غزة، مشيدا بشجاعة القادة العرب والمسلمين الذين اجتمعوا فى الدوحة، وذلك عقب أيام من العدوان الإسرائيلى على الأراضى القطرية، فى سابقة خطيرة تعد انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتهديداً مباشراً للأمن القومى العربى والإسلامي.

وأشار إلى أن القمة عكست بوضوح حالة الغضب التى تجتاح العالمين العربى والإسلامي، نتيجة تقاعس المجتمع الدولى عن ردع حكومة تل أبيب ومنعها من مواصلة ممارساتها الإجرامية فى المنطقة، إضافة إلى استمرارها فى حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقى ضد أبناء قطاع غزة، محذّراً من أنّ الأوضاع العالمية ليست بخير، فى ظل عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها، واستمرار مجلس الأمن فى التعثر بسبب حق النقض الذى يعطّل قراراته.

 
 

أخبار الساعة