رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر «الضامنة»

18-9-2025 | 19:17
طباعة

 

الرؤية الشاملة والمنهج الواضح والعقيدة الثابتة، ثلاثية مصرية فى التعامل مع قضايا المنطقة خلال عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فلا تخبط فى التحركات، ولا عشوائية فى القرارات، ولا تراجع عن الثوابت، بل فى مختلف الملفات نجد الحكمة حاضرة، وفى جميع الأزمات نتيقن أن الاتزان متواجد، فتتحرك القاهرة بخطى مستقرة وهدوء أعصاب وقوة تحكم، ما يجعل مواقفها قوية، وتأثيرها فعالاً، وكلمتها مسموعة، ورأيها مقدر من جميع الأطراف، وعلى النواحى كافة، لأن المفاوض المصرى فى أى قضية يتمتع برحابة صدر، وقدرة على تقريب وجهات النظر، مع فضيلة التركيز على الهدف والوصول إلى حلول مرضية للجانبين دون انشغال بالمتربصين أو المتآمرين لضرب مسيرة المباحثات حتىلو كان من أحد أطراف التفاوض، ودائمًا تتعالى مصر على الصغائر، وتتنزه عن الدنايا، وتنأى عن أصحاب النفوس الخسيسة والقلوب المريضة، ولذلك تصبح الضمانة المصرية طريق النجاة، وسكة السلامة، ومسلك الخلاص فى أى صراع عندما تتفرق السبل بأطرافه، ويقودهم النزاع إلى الفشل، ويكاد تذهب ريحهم.

ويومًا وراء يوم يتأكد الرأى العام العالمى قبل المنظمات الأممية والجهات الرسمية أن الدولة المصرية صاحبة بصيرة ثاقبة، ودراية عميقة بالملفات الساخنة فى الشرق الأوسط، وأنها الدولة الوحيدة القادرة على إطفاء حرائق الإقليمالمشتعلة، وأزماته الملتهبة، لأن القاهرة ثبت بالدليل القاطع والبرهان الناصع أنها وسيط نزيه لا يوظف أى مشكلة يتدخل فى حلها من أجل تحقيق مصالح اقتصادية أو أغراض سياسية، كما تضبط متلبسة قوى عدة ودول شتى متورطة فى هذا المستنقع، ما يفقدها الحيادية ويسيء إلى سمعتها ويسحب من رصيدها، وفى كل المواقف يسجل المفاوض المصرى بأحرف من نور أنه منبع الشرف، فلا مجاملة لطرف على حساب الآخر، ولا مهادنة لخصم تملقًا له مهما كانت مكانته، فالجميع سواء كأسنان المشط، والضعيف عند الأجهزة المصرية على مائدة المناقشات قوى حتى ترجع له حقه، والقوى لديهم ضعيف حتى تأخذ الحق منه، فالصدق أمانة، والكذب خيانة، وقد وثقت الحالات المتكررة والأوضاع المتتابعة من العقبات المتلاحقة فى الإقليم أن مصر شريك أمين، عقيدته الراسخة هى عدم التدخل فى شؤون الآخرين، وحل الخلافات بالطرق السلمية، لأن أوهام القوة لن تجلب نصرا، ولا تحقق أمنا، ولا تؤدى إلى سلام دائم.

ويكفى أن تعلن مصر أنها مستعدة للوساطة، أو تبدى رغبتها فى رعاية المباحثات أو تفصح عن اهتمامها باستضافة الاجتماعات بين الطرفين المختلفين، وسرعان ما نجد ترحيبا من كل الجهات المعنية، والفرق المتناحرة، لأن الضمانة المصرية ماركة مسجلة فى الوصول للغاية، وهى إنهاء الصراعات بلغة الحوار وإسكات البنادق، والحفاظ على مقدرات الشعوب، وحماية المؤسسات الوطنية باعتبارها خط الدفاع الأول عن سيادة الدول، وحائط الصد حتى لا تذهب فىطريق اللاعودة، والأمثلة على تلك السياسة المصرية الناجحة عصية على الحصر، وصعبة فى العد خلال السنوات الـ 11 الأخيرة، فالقاهرة تريد الاستقرار للجميع، وتسعى لنزع فتيل الاشتعال من النزاعات كافة، والصراعات جمعاء، وهذه أخلاق الكبار وشيم الكرام.

وقد أجمع الكثيرون غربا وشرقا أن نجاح القاهرة فى كسر جمود المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتوصل لاتفاق استئناف التعاون بين الجانبين بوساطة مصرية، هو اتفاق تاريخى ما كان ليحدث إلا بدعم القيادة المصرية، والمتابعة المباشرة من الرئيس السيسى صاحب الرؤية السليمة والمنهج الصحيح والعقيدة الراسخة فى تقديم الحلول السلمية والخيارات الدبلوماسية فى التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وهذا ما أكد عليه عباس عراقجى، وزير خارجية إيران خلال استقبال الرئيس له مؤخرًا بقصر الاتحادية، وتقدير بلاده الكامل للجهود التى قام بها الرئيس السيسى للتوصل إلى الاتفاق، الذى يؤسس لمرحلة جديدة فى المنطقة، وبما يؤدى إلى تجنب التصعيد، ويمهد لاستئناف المفاوضات حول الملف النووى الإيراني، وهو ما سوف يسهم فى دعم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وتكرر نفس الكلام من رافاييل جروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أثناء لقائه بالرئيس السيسى فى نفس اليوم، وأن سبب نجاح المفاوضات، وإبرام الاتفاق بين إيران والوكالة يرجع إلى وزن مصر ووضعها ومكانتهاالاستراتيجية وإشراف الرئيس السيسى ومتابعته للمفاوضات، وأنه لولا ذلك ما كان ممكنا التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي. 

والأمر المؤكد أن اتفاق استئناف التعاون الذي تم التوصل إليه بالقاهرة بوساطة مصرية، خطوة إيجابية من شأنها إقناع الأطراف المعنية بالتراجع عن أى خطوات تصعيدية، وإفساح المجال أمام الدبلوماسية والحوار، وقد توالت ردودالفعل التى تشكر الرئيس السيسى على هذا الدور المصرى المحورى فى إتاحة المجال لحوار بناء بين طهران والوكالة الذرية، وفى مقدمتها اتصال مسعود بزشكيان، الرئيس الإيرانى، الذى أعرب عن تقديره العميق للدولة المصرية، موجّهًا الشكر للرئيس السيسى على جهوده ورعايته الشخصية فى التقريب بين إيران والوكالة، والتى أفضت إلى التوصل إلى اتفاق استعادة التعاون بين الجانبين، الذى تم توقيعه فى القاهرة، وذلك عقب وساطة مصرية امتدت لعدة أشهر

أما بالنسبة للرؤية المصرية المتكاملة للقضايا العربية، فحدث ولا حرج، فالقاهرة دائمًا سابقة بخطوات فى توقع السيناريوهات، ووضع الحلول لدرء الخطر قبل وقوعه، وحتى عندما يقع لديها من طرق المواجهة العديد لضمان الأمن القومى العربى، ومن باب أن الذكرى تنفع المؤمنين، علينا أن نعترف أن الرئيس السيسى كان محقا عندما طالب بتشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات، وحماية أمن الدول العربية جميعًا، ومن المنطقى أن نقول بالفم المليان لو تم تنفيذ هذا المقترح المصرى منذ 11 عاما ما كانت تساقطت سيادة الدول العربية تترى، وما تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، من اليمن إلى ليبيا، ومن السودان إلى سوريا، وما كان مجرم الحرب نتنياهو وعصابته فى حكومة المتطرفين دار بخيالهم المريض أوهام إسرائيل الكبرى، بعدما دمر قطاع غزة، وارتكب مجازر جماعية، وعمليات وحشية وصولا إلى التجويع الممنهج لتنفيذ مخطط التهجير الخبيث، وتصفية القضية الفلسطينية.

وبعد العملية الإسرائيلية الفاشلة فى الدوحة، شددت مصر إدانتها بأشد وأقسى العبارات العدوان الإسرائيلى الغاشم، وتأكيد التضامن معها، وأن أمن قطر من أمن مصر، ويأتى ضمن ركائز الأمن القومى العربى، وفى هذاالاتجاه تتابعت رسائل الرئيس السيسى فى كلمته خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة الداعمة للدوحة، فقد نقل الرئيس إلى قيادة قطر وشعبها تضامن مصر الكامل، وتضافرها مع أشقائها، فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الآثم، وأن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت أى منطق سياسى أو عسكرى، وتخطت كل الخطوط الحمراء، وسلوك إسرائيل المنفلت، مزعزع للاستقرار الإقليمى، ومن شأنه توسيع رقعة الصراع، ودفع المنطقة نحو دوامة خطيرة من التصعيد، وهو ما لا يمكن القبول به أو السكوت عنه، وأن رسالتنا واضحة؛ لن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام وسنقف جميعا صفًا واحدًا، وأشار الرئيس السيسى إلى أنه يجب أن تغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أى دولة عربية؛ مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والمحبة للسلام، ويجب إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون تمكننا جميعا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية، التى تحيط بنا، مع تجديد الدعوة للاعتراف الفورى بدولة فلسطين من جانب جميع الدول التى لم تقدم على هذه الخطوة بعد.

وعلى ذكر القضية الفلسطينية، لم تكل ولم تمل مصر من دعوات المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، ومحاولات تقريب وجهات النظر بين حركتى فتح وحماس حتى لا تجد دولة الاحتلال ذريعة للتآمر على القضية، وحدث ذلك كثير قبل أحداث 7 أكتوبر، ومازالت القاهرة تواصل جهودها فى هذا الاتجاه لأنه ركيزة أساسية لإفشال مخطط التهجير وإحباط مؤامرة «التصفية»، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلى الغاشم، ومن بعدها لا تتوقف المساعى المصرية لإنهاء الحرب، وإدخال المساعدات وعلاج المرضى، والتصدى لمخطط التهجير، وطرح خطة مصرية أجمع عليها العرب لإعادة إعمار غزة خلال 3 سنوات دون خروج فلسطينى واحد من القطاع، ولا ننسى كلمة العاهل الأردنى فى لقائه مع ترامب عندما قال ننتظر رؤية مصر لإعادة الإعمار، وبالصوت والصورة والفيديو دور مصر لم يتوقف عن رفض التهجير فقط، بل هدم المخطط كاملا بالضغط دبلوماسيا على أى دولة تفكر فى استقبال أهالى غزة عندها استجابة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، لتعود إلى صوابها.

وما الدور الذى تقوم به مصر فى مساندة الأشقاء فى السودان ببعيد، بل هو معلوم بالضرورة ومعروف بالفطرة منذ عقود متتالية وأزمنة متتابعة، وبالطبع تصاعد هذا الدعم خلال محنة السودان الحالية، فلا تتوقف التحركات المصرية لإخراج الشعب السودانى ومؤسسات الدولة من دوامة الفوضى، ومساعدة الخرطوم على النهوض والاستقرار من جديد، وأحدث تلك التطورات إصدار مصر، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية فى 12 سبتمبر الحالى بيانًا مشتركا لاستعادة السلام والأمن فى السودان، عقب مشاورات مكثفة بين الدول الأربع لعدة أسابيع فى إطار جهود الرباعية الدولية لإنهاء الحرب الجارية فى السودان، وجاء حرص مصر على الانضمام لتلك المبادرة من منطلق موقفها الراسخ الداعم لوحدة وسيادة السودان الشقيق، والداعم لصون مؤسساته الوطنية، فضلا عن استضافة نحو 5 ملايين داخل الأراضى المصرية، ومعاملتهم معاملة المصريين فى كل المستويات.

ونفس السيناريو تتبعه القاهرة فى تقريب وجهات النظر فى ليبيا وما أكثر اللقاءات التى تمت فى مصر من أجل رأب الصدع بين الفرقاء، وإفساد المؤامرات الخارجية ومخططات الميليشيات المتطرفة ضد الأمن القومى الليبى، وفتح الآفاق لعودة الأمن والاستقرار للشعب الشقيق، والشرح يطول فى الجهود المصرية للحفاظ على السيادة الليبية ومقدرات البلاد، أما فيما يخص مد يد العون إلى لبنان ومساعدته للخروج من أزمته، فلا تدخر الدولة المصرية جهدًا، ولا توفر وسعًا لكى تعود الأمور إلى طبيعتها لربوع لبنان، وكذلك فى الملف اليمنى، ومرارًا وتكرارًا يشدد الرئيس السيسى على دعم مصر الثابت لوحدة واستقلال الدولة اليمنية وسلامة أراضيها، مع التأكيد على ارتباط أمن واستقرار اليمن بالأمن القومى المصرى وأمن المنطقة العربية والبحر الأحمر، وتأييد مصر لكل الجهود الرامية إلى التوصل لحل سياسى للأزمة اليمنية.

والقول الفصل، الضمانة المصرية فى أى قضية أو ملف هى كلمة شرف تحظى بتقدير القاصى والدانى، ومحل تقدير من الجميع، وها هو الاتحاد الأوروبى يعترف على الملأ أن مصر شريك استراتيجى ومحورى لتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط وملف الوساطة فى حرب غزة، وتأكيد المجلس الأوروبى أن القمة الأولى بين مصر والاتحاد الأوروبى تنعقد أكتوبر المقبل ببروكسل، ويمثل الرئيس السيسى مصر فى تلك القمة غير المسبوقة بين الاتحاد الأوروبى والقاهرة، بينما ينوب عن الاتحاد الأوروبى، كل من رئيس المجلس الأوروبى، ورئيسة المفوضية الأوروبية، وسيكون على مائدة المباحثات بين القادة التحديات العالمية الراهنة، وخصوصًا الأزمة فى الشرق الأوسط، وحرب أوكرانيا.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

 

أخبار الساعة