متابعة الأحداث وكذلك الحوادث، رغم فرديتها، إلا أن تكرارها يشير للتغيرات الاجتماعية والفكرية وانعكاسها على السلوكيات بالمجتمع، ومنها حادث الواحات وإصابة شابات به، فهل هو مجرد حادث مرورى؟ أم أن له أكثر من انعكاس وقراءة اجتماعية، ثم الواقعة الثانية المتعلقة بالشاب عبد الرحمن صاحب فيديو المتحف، وتحرير بلاغ ضده، وقبلهم استقالة عدد من نائبات كلية الطب وحصر الأسباب بالعمل المستمر بل والإهانة فى التعامل.
الملاحظة الرئيسة فى كل الوقائع الثلاث الأخيرة من الحادثة الأولى والثانية والثالثة أن الضحايا والمتهمين هم من خريجى أو طلاب الجامعات، وسنجد أن العامل الظاهر والمشترك من الشكاوى والأحداث هو العنف فى السلوك والانتهاك النفسى أو فى رد الفعل أو المواجهة للمواقف، وهى ليست جرائم قتل فى الحوادث الثلاث، وأن أغلب الضحايا أو المتهمين من أبناء الطبقة المتوسطة.
فمثلا واقعة الشاب المبدع عبد الرحمن خالد، وما حدث منه لإنتاج فيديو سمعت أنه بديع ومبتكر للترويج لمصر والمتحف، وعلى العكس من آراء البعض السابقة جاءت وسمعت وبنفسى من الوزير الذى قدم البلاغ أن الفيديو قص ولزق وليس به إبداع، وتكلم عن حقوق ملكية فكرية؟ وبعيدا عن لغة الاستعلاء التى تحدث بها الوزير، وأننا شعب لازم يتغير وأن نترك ثقافة «معلش»، بالمناسبة هذه الكلمة تحمل مضمونا ثقافيا وإنسانيا كبيرا، يمتاز بالعمق من العقل الجمعى المصرى، وأفتخر بحبى للكلمة ولثقافة الشعب المصرى أحيانا فى استخدامها؟، ولكن الوزير قال ووصف فيلم عبد الرحمن المستخدم بالذكاء الاصطناعى بالقص واللزق، وذلك فى حواره مع الزميل أحمد موسى ببرنامجه، فهتفت بداخلى وقلت وكتبت أن إبداع وجوهر فكرة اختراع «تطبيق الذكاء الاصطناعى» أنها أيضا «قص ولزق» وجمع للمعلومات وتصنيفها وتخزينها سريعا؟! فتكون مواجهة الشاب بالإبلاغ عنه؟!، وأراها رد فعل وحالة عنف للمواجهة، ومقولة الملكية الفكرية والتى لم أستوعبها فى المثال، خاصة ونحن فى الصحافة مثلا نستعين بصور لمكان أو حدث أو شخصية فى مقالاتنا وغيرها، فهل هذا السلوك الصحفى والذى يتم ومنذ قرون وعقود يمثل انتهاكا للملكية الفكرية؟! وما هى الضوابط للشخصيات العامة والعالمية والتراث الإنسانى مثل صورة الأهرامات أو محمد صلاح وصورهم تملأ العالم من الملابس إلى الولاعات!.
وهذه أسئلة التى أطرحها فتحها بلاغ الوزير ضد الشاب، والمطلوب أن نتحاور حولها فى الصحافة والإعلام وكلياته والنقابة والمجلس الأعلى للإعلام، لنتفق على القواعد وحدود الاستخدام، خاصة أن كل شىء معلن ومكشوف بدلا من صراع الاتهامات والبلاغات؟! الغريب أننا نقول إننا سنرسل شحنات «استكشافية للمبدعين» وأفتح القوس (والحقيقة لابد نتوقف عند المثال فى الربط بين الشيخ الشعراوى وأم كلثوم، ولا أعرف فى ماذا كان الشيخ الشعراوى مبدعا بل كان ضد الغناء والإبداع؟! ونغلق القوس)، والغريب أنه وعندما يظهر شاب واجتهد بمفرده ومجهوده تكون النتيجة بلاغات وتحقيقات؟! ومفرخة اتهامات بالسوشيال ميديا، إنه تناقض لافت ويستحق الدراسة الجادة.
أما الواقعتان الثانية والثالثة والتعديات بهما، وليس بالضرورة قتلا وذبحا، كما حدث فى حوادث نيرة وغيرها، وإنما انتهاك نفسى وعنف وقع عليهن، ومعظم منْ أصابهن من النساء مثل واقعة استقالة 8 نائبات بكلية طب طنطا، والمعروف أن منْ يلتحق بالثانوى العام وكليات الطب هم أبناء الطبقة المتوسطة، وما حدث هو أن نصف قوة النساء النائبات بالقسم استقلن، وما كتبته بشجاعة وصدق آخر المستقيلات يدل على تعنيف شديد وتجاهل واستخدام قوة الوظيفة الأعلى -ربما هنا تشابه مع حالة عبد الرحمن -حتى فى الألفاظ المستخدمة تجاه النائبات، منتهى القسوة والاستعلاء الضمنى والحجة تعليمهن من أجل الصالح العام.
ثم الحادث الثالث والأخير وهو ما أطلق عليه حادث الواحات، فالمتهمون فى الواقعة من الذكور، ومن كليات القمة بالطب والاقتصاد والعلوم السياسية والهندسة، وثانيا أنهم والضحايا البنات وكذلك المتهمون من أبناء الطبقة المتوسطة أيضا، وليس الفئة العليا من الطبقة المتوسطة، والدليل أنهم جميعا يمتلكون سيارات وإن كانت البنات يركبن سيارة واحدة؟! والأولاد كل منهم لديه سيارة بمفرده، إذن وربما مما سمعته على السوشيال ميديا، أستنتج وبصرف النظر عن مقولة إن الواقعة حدثت فى الصباح الباكر فهى على كلا الطرفين البنات والأولاد، وبالتالى فاتهام البنات فقط؟! مقولة غير منطقية، وكذلك أن الواقعة بدأت من الكافيهات الكثيرة التى انتشرت مؤخرا لاسيما أنه لم يصبح لبعضها مواعيد إغلاق أو افتتاح أى الدخول مفتوح طوال الـ24 ساعة؛ لأنها ارتبطت بمكان خدمة هو محطات البنزين وحولها، أى متاحة باستمرار وعلانية وليست سرية، وهذا تغير اجتماعى آخر على عكس وجود المقاهى أو المحلات العادية فلها مواعيد للفتح والإغلاق، ويضاف إلى ذلك ما ألاحظه منذ سنوات هو وجود كبت اجتماعى وإنسانى لدى شباب الطبقة الوسطى تحديدا؟! رغم مظاهر الحرية النسبية للبنات والأولاد فى التعليم أو الخروج وغيره، وما أقصده بالكبت هو عدم وجود أماكن المعرفة بالآخر بالتحديد فى سنوات التعلم من الإعدادى والثانوى ثم المفاجأة تحدث فى الجامعة، وكذلك مع عدم وجود مراكز الأنشطة والرياضة واستيعاب العلاقات البريئة، ومعرفة الكل بالكل مثل النوادى أو المراكز الثقافية أو حتى السينما، وبالتالى أصبحت المقاهى هى المكان الوحيد للرغبة للتعرف على الآخر، ومن نفس الطبقة لارتفاع تكلفة المشروبات والأكل به.
يضاف لهما عامل مهم آخر، وهو افتقاد المضمون المعرفى والفنى والاجتماعى الذى يعتمد على احترام الآخر، وبالتحديد تجاه المرأة، وسنجد ذلك يتكرر فى واقعة طبيبات طنطا أيضا. ثم، وبالتحديد أكثر يظهر العنف اللفظى وربما السلوكى على منْ كانت لا تضع على رأسها ما يطلق عليه الحجاب - بدأت أعانى من ذلك خاصة من الأجيال الجديدة؟!-، لأن ذلك المضمون ارتبط بوعى متعمد منذ البداية عند هؤلاء الصغار، وبأن غطاء الرأس فريضة، وأكيد أغلب الأهالى هم كذلك، ولأنهم ليسوا أبناء تعليم أجنبى أو شهادات أجنبية؛ لأن القضية ليست فى ثراء المدارس والأهالى فقط، فتلك لها أمراضها -تكلمت وسأكتب عنهما تفصيلا لاحقا -وإنما لأن هذا النوع من التعليم ومدارسه ومناهجه يقدم مضمونا به احترام حرية الآخر، وبالتحديد المرأة سواء بالمناهج أو السلوك وغيره، ومنهم أنهم متجاورون فى الفصل وربما فى مكان السكن (الكمبوند)، مما يضفى بظلال على معرفة الآخر وسهولة التعامل معه، وأن الحل ليس فى رفع درجات التربية الدينية إلى 70 فى المائة، وإنما فى مضمون المناهج التى تدرس للطلاب والصور والعبادات بها، وكتبت كثيرا وعدة مرات ومؤخرا أعدت نشر الصور التى تصاحب كتاب الدين وفى التطوير الحالى والسابق وهو أن صورة الأم بمناهجه وهى -المقدسة - محجبة وبالمنزل أمام أطفالها، وذلك يعكس قمة التناقض.
إذن نحن نرسخ شكلا ونمطا واحدا فقط، وليس عبر قصص وسرديات تجاه المرأة واحترام آدميتها، وأنها إنسان بصرف النظر عن مقولات التدين الظاهرى بالصورة غطاء الرأس أو من غيره، والأفضل أن نشيع وننشر الفكر الدينى المستنير وأن المرأة والرجل متساويان فى الحساب عند الله فى الآخرة -بعيدا عن قواعد الميراث فى الدنيا - وهذه الأنماط والفوقية تحت حجج المجتمع وعاداته يعطى ميزة تفوق مجتمعى للرجل والأسرة تغذى ذلك، وأننا لا نغذى فى المقابل عبر المدارس ومناهجنا باحترام الآخر إلا ربما بسطر؟!
ولكن فى التطبيق هناك عشرات من السلوكيات تقول عكس ذلك ومن الأسرة المتوسطة نفسها التى لديها البنين تحديدا، أى أن العقل الجمعى للأسر بل والمجتمع مع تمييز نسبى، ثم نشيع بعدها مقولة ضرورة إرساء قيم الأسرة والتى لا أعرف ما هو المقصود بها تحديدا؟! وهو ما انعكس فى قضية البلوجرز، وأن أغلبيتهم من النساء أيضا بصرف النظر عما يقدمنه ولا أعرفهن؟ فهل مثلا الحل بغلق التطبيقات التكنولوجية العالمية والتى تعرض كل شىء، فلديهم نساء العالم بضغطة زر وليس أم سحلول فقط؟
ولماذا لم نفكر فى الحوار معهن، وأنهن بذلك أصبح لديهن دخل مادى مستقل، ولماذا العنف الشديد فى المواجهة والإصلاح رغم تحفظى، فأنا لا أشاهدهن أو أعرفهن، ولكن تطور عالم العمل والتكنولوجيا يفرض علينا تغيرات مستحدثة لابد أن نفكر فى كيفية التعامل معها وليس رد الباب فى وجههم.
خاصة أن هذا الجيل لاسيما من أبناء الطبقة المتوسطة بعيداً عن سلطان وسائل إعلامنا - والذى لا نعرف طريقا لتطويره - وللأسف ما زلنا نعمل بآليات قديمة ونمطية للتطوير وكأنها ستفرز الجديد؟! ولم ندرك أن هذا الجيل يمضى الأغلب من وقته مع الأجهزة وربما الألعاب والتواصل بها، وهى تستدعى مهارة سرعة الحركة قبل التفكير، وهو ما انعكس تحديدا فى واقعة الواحات وبدرجة أقل فى واقعة عبد الرحمن.
المدهش فيما يحدث والاستعلاء فى المواجهة أنه كشف عن أنه لحظى غير رادع والدليل تكرار الوقائع وبوتيرة سريعة، ويجعل من المشهد الشبابى أقرب إلى لوحة سيريالية مشخبطة.
إننا نحتاج إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية للبحث فى أحوال المجتمع لاسيما شبابه ومن الطبقة الوسطى، وما يحدث لها من تغيرات عميقة، خاصة أن كل شىء أصبح على العلن الآن أى مكشوف ومصور ومنشور، وأقترح أن يشارك فى التفكير والحديث والحلول الشباب أنفسهم بإعطائهم هامش أمان لحرية اجتماعية، وبدون عنف فوقى من الأجيال الأكبر؟! لأنهم أدرى بواقعهم وأحلامهم والوصول إليها ومواجهتها، فهذا الجيل يميل إلى الفردية حتى فى العمل، وهذه إحدى نتائج تطور التكنولوجيا والسوشيال ميديا بتعميق الفردية مع حب نشر كل شىء.
والأهم محاولة تضمين إرساء قاعدة احترام حرية الآخر والمرأة تحديدا، فلن نستطيع أن نفرض فى عصرنا الحالى سياجا حولها أو حولهم حتى لو كان سياجا سياحيا.
