غير صحيح أن عملية احتلال مدينة غزة وطرد سكانها منها ستبدأ فى أول الشهر المقبل، العملية بدأت بالفعل بتكثيف الإغارة على المدينة.. وليس صحيحا أيضا أنها تستهدف السيطرة على المدينة فقط، وإنما هى تستهدف دفع نحو مليون فلسطينى لاختراق الحدود المصرية نحو سيناء، وذلك بعد أن لم تثمر الجهود الأمريكية والإسرائيلية فى إقناع عدد من الدول العربية والإفريقية لاستقبال أعداد من أهل غزة وتوطينهم فى أراضيها، ولذلك تمت العودة إلى الخطة الأصلية التى تستهدف تهجير أهل غزة إلى سيناء والأردن.
فهذه الخطة التى انتهى رئيس أركان قوات الاحتلال من إعدادها وإقرارها، والتى سوف يستغرق تنفيذها عدة أشهر -ترمى إلى ترحيل سكان مدينة غزة وكل شمال القطاع إلى جنوبه بالقرب من الحدود المصرية، وهنا يمكن فهم الأنباء التى تتحدث عن أن هذه الخطة تتضمن توفير خيام للفلسطينيين بالقرب من الحدود المصرية، حتى لا يجدوا خيارا آخر أمامهم من القتل والتجويع الممنهج سوى اختراق الحدود المصرية.
وهذه الخطة تدركها مصر، وحذرت منها، واستعدت لإجهاضها ومنع تنفيذها، وقد أكد بيان «الخارجية» الأخير ذلك بوضوح، حينما قال إن مصر لن تقبل ذلك ولن تشارك فيه، والأهم لن تسمح به.
وتراهن مصر أولا على صمود أهل غزة حتى لا يتم تكديسهم وحشدهم فى جنوب القطاع بالقرب من الحدود المصرية، وعدم تورط أية منظمة فلسطينية لإعطائهم توجيهات باختراق تلك الحدود على غرار ما حدث فى عام 2008، حينما وجهت حماس أهل غزة وشجعتهم على اختراق الحدود المصرية فى اتجاه سيناء.
كما تسعى مصر لإحباط المخطط الإسرائيلى بالسعى الحثيث لإحياء مباحثات الهدنة للتوصل إلى صفقة جديدة تقضى بوقف إطلاق النار.. وهنا يمكننا أن نرصد أنباء عن قبول حماس خطة ويتكوف التى تقضى بهدنة ووقف إطلاق النار لنحو الشهرين لوقف زخم السيطرة على مدينة غزة واحتلال بقية القطاع ووقف دفع الفلسطينيين للتجمع بالقرب من الحدود المصرية.. مما يمكننا أن نرصد أيضا أنباء عن قبول نتنياهو صفقة جريئة مع حماس بعد أن كان أعلن رفضه للصفقات الجزئية وتمسك بصفقة شاملة، يتم بها الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين داخل غزة، وتفضى لإنهاء حكم «حماس» للقطاع وتسليمها سلاحها.
وتجرى مصر اتصالات مع الدول التى عرضت إسرائيل وأمريكا تهجير أهل غزة لها وتوطينهم فيها، مثل جنوب السودان وليبيا والصومال وأرض الصومال حتى ترفض هذه العروض.. وإن مصر، كما قال بيان الخارجية، لا تكتفى بمنع تهجير أهل غزة إلى سيناء فقط، وإنما لن تسمح به إلى أى مكان آخر.. التهجير مرفوض مصريا من حيث المبدأ أساسا.. وهذا يفسر إعلان بعض هذه الدول توطين أهل غزة فى أراضيها أو نفى تلقى عروض رسمية خاصة بذلك.
إن الإسرائيليين أعلنوا أن خطتهم للسيطرة على مدينة غزة وإخلائها من سكانها سوف يستغرق تنفيذها عدة أشهر.. وهذا يعنى أن هذه الأشهر المقبلة ستكون أشهرا للمواجهة لإجهاض مؤامرة تهجير أهل غزة.. وسوف نشهد مزيدا من الضغوط علينا من قِبل الأمريكان وبعض الدول الحليفة لهم والتى تأتمر بأوامرهم مثل إثيوبيا المرشحة لاستقبال أعداد من أهل غزة، كما هو مخطط إسرائيليا وأمريكيا.
وإذا كانت هذه المواجهة قد بدأت منذ السابع من أكتوبر عام 2023، فإن الأشهر المتبقية منها ستكون هذه المواجهة فيها أكثر حدة وأكثر شراسة وعلى نطاق واسع وعلى جبهات عديدة، ابتداء من سد النهضة الإثيوبى إلى مراجعة صندوق النقد لاقتصادنا، مرورا بحملات التضليل والتشكيك فى دعم مصر للأشقاء فى غزة.
إن مصر نجحت فى إجهاض مؤامرة تهجير أهل غزة خلال العامين الماضيين، وعليها أن تجهز على هذه الخطة بالكامل خلال الأشهر المقبلة، ويمكنها استثمار زخم الاعتراف بحق الفلسطينيين فى دولة مستقلة على أرضهم فى الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس الشرقية.
