رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

القراءة والاستثمار فى الشباب


21-8-2025 | 21:42

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

مشهد الشباب والشابات المصريين، وهم يشجعون فى مدرجات صالة استاد القاهرة أثناء مباراة اليد بين منتخب مصر أمام إسبانيا فى دور ربع النهائى لبطولة العالم تحت 19 سنة، رسالة مهمة، يجب على الدولة أن تقف عندها كثيرًا وتستثمرها.

نعلم جميعا أن كرة اليد ليست اللعبة الأولى أو الأكثر جماهيرية، بالإضافة إلى أن البطولة تحت 19 سنة، وليس المنتخب الكبير، ولكن عندما يعلن الاتحاد الدولى لكرة اليد أن هذه المباراة سجلت حضورا جماهيريا قياسيا بلغ 22 ألفًا و 150 متفرجًا فى رقم قياسى غير مسبوق بتاريخ البطولة، فهذا يؤكد على الوعى والانتماء عند الشباب المصرى، الذى ظل طوال المباراة يشجع منتخب مصر، ولن أتحدث عن النتيجة رغم السيطرة والتفوق طوال الشوطين، إلا فى آخر خمس دقائق. وحتى بعد الخسارة، ظل الجمهور يشجع الفريق هذا الجمهور، من بينهم كثيرون لا يعرفون قواعد اللعبة أصلا أو حتى أسماء اللاعبين، ولكنهم يشعرون بالانتماء للوطن، وهذا المشهد لم يكن بداخل صالة استاد القاهرة، بل كان فى المقاهى والكافيهات وفى أغلب البيوت، الكل أمام الشاشات يشاهد المباراة ويشجع منتخب مصر. 

 

وللعلم فى الأشهر الأخيرة، هناك العديد من الإنجازات الرياضية المصرية عالميا فى أكثر من لعبة على مستوى الشباب والناشئين، وهو أكبر دليل على أن الأجيال الجديدة بخير، وليست كلها أجيال تيك توك والسوشيال ميديا التى يصدّرها البعض عن الشباب المصرى، وعلى الحكومة أن تستثمر فى الأجيال الجديدة بشكل أفضل، ويتم وضع خطط مستقبلية تستهدف الشباب، فكما شاهدنا الرئيس السيسى الذى حرص على التواصل مع الشباب من خلال منتدى «شباب العالم»، واستمع لهم، وأخرج لنا كوادر شابة فى مجالات مختلفة، فعلى الحكومة أن تستمر فى هذا النهج، وتهتم بنشر الوعى بين الشباب من خلال الثقافة والاهتمام بها، وتعريف الأجيال الجديدة بالمثقفين المصريين وأعمالهم التى تشكل جزءا من القوة الناعمة المصرية، وإلا سوف تنتهى وتندثر بعد عدة أجيال، والبداية يجب أن تكون بخطة للدولة لتشجيع الأجيال الجديدة لقراءة الكتب.

فالقراءة ظلت متعة لأجيال كثيرة متعاقبة، وأتذكر أن والدى كان يدفعنى أنا وإخوتى للقراءة ونحن أطفال، وكانت البداية مع القصص الملونة، تبعها مجلات «ميكى» و«سمير» و«تان تان» و«ماجد»، وغيرها من مجلات الأطفال والتى حرصنا بعد ذلك على شرائها مجلدات، بجانب قصص الأنبياء. ومع التقدم فى المراحل السنية، كانت نقطة التحول مع «المغامرين الخمسة» و«رجل المستحيل» و«فلاش» وحتى «زهور»، ومع مرحلة المراهقة تعرفنا على إحسان عبدالقدوس بروايته وأعماله بجانب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وغيرهم، ولا أنسى يوسف السباعى الذى ارتبطت بأعماله بعد قراءة رواية «نائب عزرائيل»، التى كانت بالنسبة لى نقلة فكرية غير مألوفة فى بدايات سن المراهقة.

كنت محظوظا بأبى الذى أراه مثقفا، يملك مكتبة ليست بالكبيرة، ولكنها تضم الأساسيات للمعرفة، وكنت محظوظا أيضا أن ترتيبى بين إخوتى هو الثالث، فكنت أستطيع الاستفادة من تراكم الكتب والروايات عند إخوتى، بالإضافة إلى الصحف اليومية، والتى كانت تحوى مقالات لكبار الكتاب، وكان عشقى لكثيرين، ولكن يظل الكاتب الكبير مصطفى أمين ومقال (فكرة) صديقا لى لسنوات، وأقوم بتجميعها.

أنا هنا لا أتحدث عن حالة فردية، ولكن كانت حالة فى المجتمع، فالكل كان يقرأ فى ذلك الوقت، بل حريصا على الشراء، فأتذكر فى مدينتى شربين بمحافظة الدقهلية «عم حسب الله»، صاحب كشك الجرائد، بجوار محطة القطار، والذهاب له يوميا لشراء الجرائد والمجالات والكتب، وكيف كانت الصحف تنفد بسرعة، ولكن لأنه يعرف زبائنه كان يحرص على حجز عدد من النسخ لهم، خاصة فى الأعداد الأسبوعية للصحف، مثل يوم السبت عدد أخبار اليوم، وروعة الثنائى الكبيرين مصطفى حسين وأحمد رجب وغيرهما من كبار الكتاب، وعدد الخميس الأسبوعى لجريدة الجمهورية، وعدد الجمعة لجريدة «الأهرام»، وأتذكر جيدا مجلة «الشباب» الشهرية، والتى كانت طفرة فى ذلك الوقت، وكانت بالحجز كما كانت مجلة «الأهرام الرياضى» حدث جلل، وكان الحصول على نسخة انتصارا حقيقيا، وكأنها ممنوعات، كما كانت هناك الصحف الحزبية مثل «الوفد» و«الأحرار» و«الأهالى» و«الشعب»، والتى كانت تكشف الكثير من الحقائق والعديد من الفساد الحكومى، ولا يمكن أن ننسى مرحلة التوهج الصحفى التى حدثت بمجلة «روزاليوسف» فى عهد الكاتب الكبير عادل حمودة.

هذه كانت البدايات الأساسية لتشكيل فكر ووعى المجتمع، وأعقبها مشروع مكتبة الأسرة الذى يعد من أهم مزايا فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، والتى فتحت للجميع أبوابا كثيرة للمعرفة والثقافة بأسعار رمزية.

وليس معنى حديثى أن الأجيال الجديدة لا تقرأ ولا تهتم بالثقافة؛ لأن فى معرض القاهرة الدولى للكتاب نشاهد جميعا كثيرا من الشباب يشترون، كما نجد كثيرا من الشباب يكتبون روايات وكتبا، وبهم نماذج أكثر من ممتازة، ولكن تراجع القراءة فى المجتمع يعود لعدة أسباب، أهمها غلاء أسعار الورق، والذى بطبعه يؤثر على سعر الكتب، والتى بعضها يحتاج إلى ميزانية خاصة، إضافة إلى ذلك التطور التكنولوجى الذى جعل الحياة تتميز بالسرعة، فلم يعد أحد يهتم بالقراءة، فالأغلبية تريد «تيك آوى»، وهو الأمر الذى استغله تجار الدين لسنوات لبثّ سمومهم فى المجتمع بكُتيبات رخيصة لنشر أفكارهم. وبالطبع كان هناك تمويل كبير يقف خلفهم، ومن بعدها أصبحت السيطرة على المنابر أسهل للوصول والتوغل فى المجتمع؛ لذا تجد كل تجار الدين يحاربون القراءة والثقافة، لكى يستطيعوا فرض سيطرتهم على عقول البسطاء.

وبعد ذلك تخلفت الدولة عن نشر الثقافة فى المجتمع، وأصبحوا موظفين حكوميين يؤدون عملهم بدون خطة مدروسة، وعندما حاولت العودة مرة أخرى مؤخرا لم تأتِ بنتائج إيجابية؛ لأنها ما زالت تتعامل بفكر قديم لا يتناسب مع فكر الأجيال الجديدة.

الثقافة فى مصر تلعب دورا خطيرا فى تشكيل الوعى، وعلى الدولة أن تعيد التفكير فى أسلوب نشر الثقافة بين الأجيال الجديدة، وألا تكتفى الدولة بالأعمال الفنية فقط.

 

الاكثر قراءة