رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قمة «ألاسكا».. تُعيد رسم خريطة الأزمة الأوكرانية


21-8-2025 | 19:41

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلةً جديدةً مع عقد قمتين متتاليتين خلال أيام قليلة، الأولى فى ألاسكا بين الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب والروسى فلاديمير بوتين، والثانية فى واشنطن، حيث اجتمع ترامب بنظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بحضور قادة أوروبيين بارزين. ففى قمة ألاسكا، التى استمرت نحو ثلاث ساعات، لم يُعلن الطرفان أى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب، غير أن المحادثات أظهرت تحولًا واضحًا فى موقف ترامب، إذ تخلى عن فكرة الهدنة المؤقتة واتجه نحو تبنى الطرح الروسى القائم على اتفاق سلام شامل، ما فتح الباب أمام مشاورات لاحقة فى البيت الأبيض لتحديد ملامح هذا المسار.

تحت شعار «السعى إلى السلام»، عقد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكى دونالد ترامب مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا بعد اجتماعهما الذى استمر قرابة ثلاث ساعات فى قاعدة المندورف-ريتشاردسون المشتركة فى أنكوريج، فى أول قمة روسية أمريكية بعد بدء العمليات العسكرية فى أوكرانيا عام 2022. الظهور المقتضب للغاية اقتصر على تصريحات من كلا الزعيمين، والتى لم تسفر عن نتائج واضحة أو إعلانات رئيسية، دون تلقى أسئلة من الصحفيين، مما ترك العديد من التساؤلات.

وعلى غير العادة، كان بوتين أول المتحدثين، حيث أشاد بـ«الجو البناء القائم على الاحترام المتبادل» الذى ساد المحادثات «الودية»، كما شدد الزعيم الروسى على ضرورة معالجة «الأسباب الجذرية» للصراع قبل التوصل إلى تسوية طويلة الأمد، مؤكدًا موقف موسكو الثابت المتمثل فى الاعتراف بالسيادة الروسية على المناطق الأوكرانية: شبه جزيرة القرم، ودونيتسك، ولوغانسك، وزاباروجيا، وخيرسون، بالإضافة إلى موافقة أوكرانيا على نزع السلاح، والحياد، وعدم التدخل العسكرى الأجنبى، وإجراء انتخابات جديدة.

واقترح ترامب عقد لقاء بين بوتين والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي. أما بوتين فلم يتطرق إلى المقترح، لكنه يتوقع من أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين التعامل بشكل «بناء» مع نتائج المفاوضات، وعدم محاولة «عرقلة التقدم». كما عزز موقف الرئيس الأمريكى، مؤيدًا ادعاء ترامب بأنه لو كان فى البيت الأبيض لما غزت روسيا أوكرانيا.

وعلى الرغم من تأكيد ترامب على «التقدم الكبير»، لم يكشف عن أى شيء جوهرى فى قمة ألاسكا، قائلًا: «اتفقنا على العديد من النقاط. معظمها، أود أن أقول، نقطتان مهمتان لم نتوصل إليهما بعد، لكننا أحرزنا بعض التقدم». كما صرح أن على أوكرانيا الموافقة على صفقة لإنهاء الحرب مع روسيا لأن «روسيا قوة كبيرة جدًا، وهم ليسوا كذلك»، فى إشارة إلى عدم تكافؤ ميزان القوى بين الدولتين. وبعد انتهاء القمة، أجرى الرئيس ترامب مكالمة هاتفية مطولة مع زيلينسكى وقادة حلف شمال الأطلسى «الناتو» لاطلاعهم على نتائج الاجتماع الذى دار خلف الأبواب المغلقة.

ورغم أن بوتين يخضع لعقوبات أمريكية ومذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى أوكرانيا، إلا أنه تلقى استقبالاً حاراً يسوده الود والمحبة، حيث حلّقت طائرات أمريكية من نوع «B2» المعروفة بـ»الشبح» و«F35» فوق مكان الاستقبال فى سماء الولاية، وقام عناصر من الجيش الأمريكى بفرش السجاد الأحمر، فى تناقض صارخ مع استقبال زيلينسكى الفاتر فى البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن قمة ألاسكا لم تُسفر عن اختراق فوري، جاءت قمة البيت الأبيض يوم الإثنين الماضى لتؤكد أن نتائج لقاء ألاسكا لم تكن مجرد حدث بروتوكولي، بل بداية لمسار تفاوضى أوسع. فقد اجتمع ترامب بالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى وعدد من القادة الأوروبيين لبحث مخرجات المحادثات مع بوتين، وسط حديث عن «ضمانات أمنية» غربية وصياغة تسوية طويلة الأمد بدلًا من وقف إطلاق نار مؤقت. ورغم الأجواء الإيجابية التى سادت اللقاء، فإن المواقف بدت متباينة، حيث يطالب الأوروبيون وكييف بوقف فورى للأعمال العسكرية، فى حين يصر ترامب على المضى قدمًا فى المفاوضات حتى دون هدنة. كما طرح الرئيس الأمريكى فكرة قمة ثلاثية تجمعه ببوتين وزيلينسكي، الأمر الذى اعتبره مراقبون محاولة لاختبار جدية الأطراف كافة فى الوصول إلى اتفاق شامل.

وعن قمة ألاسكا، أوضح بسام البنى، الكاتب والباحث السياسى من موسكو، فى تصريحات خاصة لـ«المصور» أن القمة تاريخية بامتياز، حيث حركت المياه الراكدة فى العلاقات الروسية الأمريكية، وأعادتها إلى مجاريها تقريبًا. كما دفنت فكرة العزلة الروسية مرة واحدة وللأبد، فضلًا عن الدعوة إلى قمم أخرى لإنهاء الصراع فى أوكرانيا. وأكثر ما لفت نظر «البنى» هو وجود نقطة تحدث عنها الأمريكيون، وهى التخلى عن فكرة وقف إطلاق النار، والحديث عن السلام الدائم الذى يمكن الوصول إليه سريعًا. كما كشفت القمة عن نقاط أخرى، منها التعاون الأمريكى الروسى فى مجال الاقتصاد والأمن وغيرها من المجالات. ويرى «البنى» أن هذا الأمر موضوعى، حيث وصل الغرب إلى قناعة أنه لا يمكن هزيمة روسيا على الأرض تدريجيًا كما كانوا يحلمون. كذلك لا يمكن الوصول إلى وقف إطلاق نار مؤقت من أجل إعادة تسليح أوكرانيا وأوروبا والهجوم بشكل أشرس على روسيا.

وأضاف «البنى» أنه كان من المتوقع ألا تنهى القمة الحرب الأوكرانية فى اللقاء الأول بشكل سريع، لكنها وضعت النقاط على الحروف، ولقاء يوم الإثنين بين ترامب وزيلينسكى وبعض قادة أوروبا الذين تلقوا دعوة من البيت الأبيض خير مثال لمعرفة قدرة أمريكا على إقناع كييف وأوروبا بالحل الذى تم اقتراحه فى اللقاء بين بوتين وترامب. كما أكد «البنى» أنه على كل حال يجب أن تنهى المفاوضات الحرب عاجلًا أم آجلًا، فكل الحروب تنتهى هكذا. والحرب الأوكرانية حرب معقدة ومتعددة الأوجه، لذلك تأخذ كل هذا النقاش والحديث والمفاوضات. لكن كيف ستنتهى ولصالح مَن، سنرى. وإن كنت أعتقد أنها ستنتهى لصالح روسيا فهى لن تتراجع.

وعن الرؤية الأوكرانية لمخرجات قمة ألاسكا، قال الدكتور عماد أبوالرب، رئيس المركز الأوكرانى للتواصل والحوار، إن كييف تتابع باهتمام تبعات القمة التى عُقدت بين ترامب وبوتين، وتريد أن تتعرف أكثر على تفاصيل ما تم الحديث عنه فى الشق الأوكرانى . وواضح أن هناك عروضًا أو مبادرات أو خيارات تحتاج إلى تشاور وتوافق مع الجانب الأمريكى ومع شركاء أوكرانيا. وحتى الآن، أوكرانيا غير متفائلة؛ لعدم وجود هدنة بين الأطراف، وعدم وجود توافق بينهم على النقاط الأخرى. لذا من الصعب التكهن بما إذا كانت العروض المقدمة لأوكرانيا ستتناسب معها؛ لكن مجرد لقاء الرئيس الأوكرانى بنظيره الأمريكى يؤكد على وجود شيء يستحق التحدث عنه.

 

الاكثر قراءة