رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قرارات «المركزى».. هجمة تكتيكية على العشوائية المصرفية


21-8-2025 | 19:11

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

لا شكّ أن نافذة القرار النقدى تأتى من البنوك المركزية، لذلك دائمًا هناك سؤال يفرض نفسه على المشهد: من يملك القرار، السياسيون أم المصرفيون

فى هذا المنحى؟

الحكومات قد تتغير، ويبقى البنك المركزى ليفصل القول عمن يحكم المال، السلطة السياسية أم البنوك المركزية التى تدرس البيانات ومؤشرات الأداء وحركة العملات المحلية والدولية والاحتياطى النقدى لأى دولة.. وهناك مدرسة اقتصادية تقول القرار للدين العام وتحركاته والتدفقات النقدية، ويساعد البنك المركزى دائمًا فى حالة الاستقلالية التامة بالتعرف على البيانات المهنية ودورها فى رفع الحدود أو تخفيضها أو سياسات التشديد النقدى أو التيسير أو خفض أسعار الفائدة.

من هذا المنطلق، فإن الدولة المصرية وبنكها المركزى قررت تخفيف القيود على استخدام البطاقات الائتمانية فى الخارج، وألغى البنك المركزى إلزام المسافرين بتقديم إثبات سفر لاستخدام بطاقاتهم فى الخارج، مع تأكيده على حق البنوك فى متابعة الاستخدامات والتأكد من أنها خارج البلاد، وفى حالة امتناع أو عدم تقديم العميل المستندات المطلوبة والداعمة طبقا للكتاب الدورى الصادر فى أكتوبر 2023 والمعدل فى فبراير 2024 يطبق البنك الإجراءات اللازمة.. وعطفاً على ما سبق تم رفع الحد الأقصى لشراء العملات الأجنبية للمسافرين إلى الخارج لنحو 10,000 دولار أمريكى أو ما يعادله بالعملات الأخرى، كما تم تخفيض الرسوم الخاصة بتدبير العملة من 5 فى المائة إلى 3 فى المائة.

وتأتى هذه الإجراءات فى إطار سعى القطاع المصرفى المصري، لتلبية احتياجات المواطنين المسافرين وتوفير العملة من خلال النافذة الشرعية، مع ضمان الضوابط اللازمة التى وضعها البنك المركزى المحلي.

فيما يخص توسعة مروحة التحرك الدولاري، هو إجراء جاء فى ظل توافر النقد الأجنبى وكيفية التعامل معه وانتهاء المسار غير الشرعى للسوق الموازية فى إطار من الشفافية والحوكمة لإعادة صياغة معامل الارتباط والثقة الاكتوارى بين المتعاملين مع واحد من أهم مناطق دعم الثقل النقدي، ألا وهو البنك المركزى.

ولا شكّ أن القاهرة جادة نحو أهدافها للوصول إلى اقتصاد قادر على المنافسة والنمو، ولذلك جاءت الإجراءات التى أعلن عنها البنك المركزى أخيرًا، من واقع رؤية اقتصادية تعرف أين تضع خطوطها، فى وقت تتداعى فيه الأزمات المالية العالمية التى فرضت على كل الدول والمؤسسات والسياسات المالية دروسًا مستفادة وتدابير، يتعين على الجميع أن يستفيد منها.

وقد علت الأصوات والنبرات من قبل رفض قرارات البنك المركزى الخاصة بعمليات الاستيراد عن طريق «الاعتمادات المستندية»، ووقف التعامل بـ«مستندات التحصيل»، ثم عادت الدولة المصرية لتنفيذ ما يخص الصالح العام، مع الأخذ فى الاعتبار اهتمام القيادة السياسية بالتصنيع المحلى والنمو الاقتصادي.. وعند اتخاذ قرار بشأن الاقتصاد القومى، لا بدّ أنه يتحرك من قاعدة أكثر صلابة وقوة..

ونوضح للقارئ أولًا ماهية الاعتمادات المستندية، فهى طريقة دفع للمستورد والمصدر فى عقد البيع، وهو تعهد تم الاتفاق فيه بين المستورد والمصدر بالدفع عن طريق الاعتمادات المستندية، حيث يقوم المستورد بفتح اعتماد مستندى بالبنك الخاص به يكون لصالح المصدر، ويبدأ البنك بدراسة طلب العميل وشروط التعامل، وتتم الموافقة على الطلب وإرسال الاعتماد إلى بنك المصدر فى الخارج حيث يراجع ويتم التبليغ لبنك المستورد، حتى يتم التعزيز، ويقوم بنك المصدر بتبادل المستندات الخاصة بالشحن مع وكيل الشحن وإرسال المستندات إلى بنك المستورد ووثائق الشحن لتراجع وتتم عملية المطابقة بشروط الاعتماد المستندى، وعند وصول البضاعة يقوم المستورد بالإفراج عنها داخل جمارك بلد المستورد بعد التأكد من سلامة الفاتورة التجارية الأصلية وقائمة المحتويات وفحص البضاعة للاطمئنان على سلامتها ومطابقتها لمعايير الجودة العالمية، ثم يقوم بنك المصدر والمستورد بتصفية العلاقة وإغلاق الاعتماد بشكل نهائى وعمل ترتيبات التغطية.

مستندات التحصيل، هى علاقة ودية بين المستورد والمصدر نابعة من الثقة بين الطرفين دون توافر رؤية للبنوك فى هذه العلاقة.. ويرى البنك المركزى فى قراراته إطارًا من الحوكمة فى عمليات الاستيراد العشوائى وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات، وهى التى تم تطبيقها إلزاميًا، وقد استثنى القرار فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة، وسمح بقبول مستندات التحصيل الواردة، مع العلم أن هذا الإجراء ليس جديدًا على البنوك المصرية أو السوق المحلية، فمعظم الشركات الكبرى والصناعات الاستراتيجية تعتمد على فتح الاعتمادات المستندية لضمان جودة مدخلات الصناعة وضمان الحقوق المالية ومراجعة وفحص المستندات الخاصة بالاعتماد المستندى عن طريق بنك المستورد والمصدر، وكذلك وثائق الشحن وشهادات «اليورو ون» عند الاستيراد من دول الاتحاد الأوروبى، التى تمنح المستورد إعفاء من البند الجمركى.

الغريب فى الأمر أن هذا الإجراء ليس مستحدثًا، فالبنوك المصرية لديها باع كبير فى هذا الأمر، ولولا ما حدث من بعض الأمور التى أثرت على جودة السلع وتدعيم للصناعة الوطنية والاستيراد العشوائى، لما كانت القاهرة تلجأ إلى وضع نظام لعملية الاستيراد وتمويل المستوردين، وكان الهدف منه حصول المواطن على سلعة جيدة وبسعر تنافسى ومعايير جودة عالية.. ولقد قامت الدولة المصرية والبنك المركزى بدراسة قرارها برفع الحدود الائتمانية فى ضوء المتغيرات الاقتصادية العالمية، وأيضًا عدم وجود سوق موازية مرة أخرى، وتوفير الائتمان المصرفى المطلوب وفرملة كل ما هو عشوائى داخل عملية التداول المصرفية، فى توازٍ ناجح لاقتصاد تشغيلى مبنى على إنتاج سلع وخدمات وتجارة، وصناعة اقتصاد تنافسى ومعايير جودة عالية وبأسعار تنافسية.

وبالتالى، فإن الدولة المصرية ليست ضد فتح آفاق التعامل البنكي، وإنما تحاول جاهدة وضع ضوابط حمائية لكل ما هو فى صالح الوطن والمواطن، سواء للصناعة الوطنية أو توفير النقد الأجنبى للاستيراد والسفر من خلال قرارات الحدود وخلق نوع من الحوكمة فى إطار الشمول المالى.

وأخيرًا، يجب على الجميع التكاتف من أجل التغلب على المعوقات وإثارة أزمات ونبرات لا داعى لها فى ظل قرارات مبنية على نهج تكتيكى لاستراتيجية مصرفية ناضجة، والتجربة ستحكم أن الدولة المصرية فى نهجها الجديد تدرس أبعاد قراراتها الاقتصادية جيدًا لصالح كافة الأطراف.

الاكثر قراءة