بداية.. هل أنت راضٍ عن حصة الحزب في القائمة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ، لا سيما وأنه هناك من يرى أنها لا تعبر عن تاريخ الحزب؟
لست راضيًا على الإطلاق عن هذه الحصة، فهي لا تتناسب مع رمزية الحزب ولا تاريخه العريق. لكننا نترقب ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ذكرت في اجتماع القائمة الوطنية أن الوفديين يشعرون بمرارة تجاه هذه الحصة.. هل هناك إمكانية لتحسين وضع الحزب؟
بالتأكيد، نحن نبذل جهودًا كبيرة لتحسين وضع الحزب واستعادة مكانته المستحقة.
هل تعتقد أن الحزب سيحقق نتائج جيدة في معركة الفردي؟ وكم عدد المرشحين حتى الآن؟
لدينا حوالي 10 مرشحين تقدموا بأوراق الترشح، ونسعى لتحقيق نتائج إيجابية رغم التحديات.
هل أثارت هذه المواقف أزمة داخل الحزب، خاصة بعد الدعوة لسحب الثقة منك؟
نعم، أثارت بعض الضجة، لكني لا أرغب في الخوض في تفاصيل هذا الأمر الآن، خصوصًا أننا في وقت لا يحتمل القيل والقال.
ماذا ستفعل في الفترة المقبلة لاحتواء الغضب داخل الحزب؟
نعمل جميعًا في الحزب على احتواء الموقف خلال الفترة القادمة، ولكن ليس من المناسب الحديث حاليًا عن ما يدور داخل الحزب، ونحاول بكل قوة الحفاظ على هيبة الحزب واستقراره، وندعو الجميع للالتفاف حول مبادئ الوفد والعمل على دعمه في هذه المرحلة الدقيقة.
وسط هذا الكم من الخلافات.. كيف تنظرون لمسيرة حزب الوفد التاريخية فى تحقيق الاستقلال الوطنى ونهضة مصر السياسية والاقتصادية قبل ثورة 1952؟
«الوفد» هو حزب الأمة بحق، فقد لعب دورًا محوريًا فى حصول مصر على استقلالها، إذ كانت البلاد قبل ظهوره خاضعة للسيادة العثمانية فى عهد الخديو ثم الملك فؤاد. ومع قيام ثورة 1919، قاد الحزب مسيرة الكفاح الوطنىالتى أثمرت عن اعتراف العالم باستقلال مصر عقب الحرب العالمية الأولى.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام 1952، تصدّر حزب الوفد الحياة السياسية فى البلاد، وأسهم فى إرساء قواعد النهضة الاقتصادية والصناعية، كما كانت تلك الحقبة من أزهى الفترات التى نالت فيها مصر حريات عامة وحقوقًا سياسية حقيقية. غير أن ثورة 23 يوليو 1952 جاءت لتحل الحزب وتصادر ممتلكاته، قبل أن يُعاد تأسيسه رسميًا عام 1978، ويشهد انطلاقة جديدة فى الحياة النيابية عام 1984، بقيادة جيل جديد من الوفديين، واليوم، لا يزال حزب الوفد يمثل تراثًا سياسيًا وتاريخًا وطنيًا عريقا بفضل جهود الجيل الأول، والآن هناك آثار من رموز الجيل الثانى، ومع ذلك، يبقى «الوفد» عنوانًا للهوية الوطنية والنضال من أجل الديمقراطية.
هل تتذكر أول أيامك داخل حزب الوفد؟
انضممت إلى حزب الوفد عام 2004، حيث التقيت بالدكتور سيد البدوى، وكان يشغل حينها منصب أمين عام الحزب، وتم اختيارى وقتها لعضوية الهيئة العليا للحزب، ثم ترشحت لاحقًا لرئاسة الحزب، وفى عهد المستشار بهاء الدين أبو شقة، تم تعيينى عميدًا لمعهد الدراسات السياسية بالحزب، وما زلت أشغل هذا المنصب حتى الآن، حيث أشرف على نشاط المعهد والمكتبة التابعة له، وكان لى شرف كبير أن أمثّل حزب الوفد كمرشح لرئاسة الجمهورية، وهو حدث مهم فى تاريخ الحزب، إذ سبقنى لهذا المنصب الدكتور نعمان جمعة.
منْ القادة الوفديون القدامى الذين يمثلون قدوة لك، ولماذا؟
كان قدوتى فى العمل السياسى هو الزعيم سعد باشا زغلول، مؤسس حزب الوفد وقائد ثورة 1919، ثم جاء من بعده خليفته مصطفى باشا النحاس، الذى حافظ على الحزب وقيادته حتى قيام ثورة 1952. ثم جاء فؤاد باشا سراج الدين، الذى أعاد إحياء حزب الوفد بعد أن تم حله، وجمع شمل الوفديين من جديد، وكان إلى جانبه الدكتور نعمان جمعة، الذى تولى رئاسة الحزب لاحقًا. وأتوقف عند الدكتور نعمان، رحمه الله، فقد كان له دور بارز ومؤثر، أما منْ جاء بعدهم، فلن أذكرهم لأنهم لا يزالون على قيد الحياة، وأترك تقييمهم للتاريخ، ليحاسبهم على ما قدموه للحزب، ومدى التزامهم بلائحة الوفد وأدائهم فى الحفاظ على مبادئه.
حزب الوفد يمر بتحديات داخلية ملحوظة، من وجهة نظرك ما جذور هذه الخلافات؟
الاختلاف سُنة الحياة، ومن الطبيعى أن يكون هناك تباين فى وجهات النظر داخل الأحزاب السياسية، لا سيما أن هذه الأحزاب قائمة بالأساس على الديمقراطية، التى تعنى الرأىوالرأى الآخر، مع احترام كل رأى ومنح الجميع حقهم فى التعبير. ومن هذا المنطلق، فإننى أرى أن الاختلاف يُعد ميزة داخل حزب الوفد، لأنه يعكس حيوية الحزب وثراءه الفكري.
لكن ما لا يمكن قبوله أو التساهل معه، هو التجاوز أو دخول المال السياسى إلى العمل الحزبى، لأن ذلك يُفسد كل قيمة حزبية ويضرب مبادئ الديمقراطية فى مقتل. وأؤكد أننى، منذ أن توليت مسئولياتى داخل الحزب، لم أدفع «مليم أحمر» لأحد، ولم أقم بتعيين أحد أو تفضيل شخص على آخر داخل جريدة الحزب. فأنا أؤمن تمامًا باحترام النظام السياسى، وبأهمية المشاركة فى صناعة القرار، حتى وإن كان طموحى أكبر من ذلك بكثير، إلا أننى أحرص دائمًا على التعبير عن رأيى، وأرفض الانفراد بالقرار أو اتخاذ قرارات بعيدة عن روح المشاركة.
ولعل الدليل على ذلك ما حدث فى انتخابات رئاسة الجمهورية، حين اجتمعت الهيئة العليا للحزب بكامل أعضائها وعددهم 60 عضوًا، من بينهم الدكتور سيد البدوى رئيس الحزب آنذاك، والمستشار بهاء الدين أبو شقة سكرتير عام الحزب، وقرروا جميعًا عدم مشاركة الحزب فى الانتخابات. بل إنهم نظموا مظاهرة داخل صالة الهيئة العليا تعبيرًا عن رفضهم للترشح، وكان الدكتور سيد البدوى قد قدم بالفعل أوراق ترشحه للرئاسة، وأجرى الكشف الطبى اللازم. فى ذلك الوقت، نصحته وأكدت له أن مشاركة حزب الوفد فى انتخابات الرئاسة تُعد مصلحة سياسية عليا للحزب، ومكسبًا له فى مشهد سياسى بالغ الأهمية، ورغم أننى كنت وقتها أتولى الدفاع عنه فى أكثر من 55 قضية، إلا أننى تمسكت بموقفىفى ضرورة خوض الحزب للانتخابات، وفى ظل تلك المظاهرة العارمة والرفض الجماعى، لم يتمسك بالمشاركة إلا شخص واحد فقط، هو الذى يحدثكم الآن: عبد السند يمامة، وهنا أقول بوضوح: «أنا مع المشاركة لا المقاطعة السياسية».
كيف تردون على الانتقادات الموجهة لكم بشأن الإدارة المالية والوظيفية بالحزب، وما حقيقة ما أثير حول فيديو الآثار؟
جئت إلى رئاسة حزب الوفد عبر انتخابات شرعية، وكانت خزينة الحزب فارغة تمامًا، ومع ذلك تحملت المسئولية، ونحن لدينا جريدة يعمل بها حوالى 300 شخص، ولم أفصل أحدًا منهم، رغم أن رئيس التحرير أخبرنى بأن إدارة الجريدة لا تحتاج لأكثر من 50 فردًا. ومع ذلك، لم أقم بتسريح أى عامل، وأعدهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور اعتبارًا من شهر أكتوبر المقبل.
كذلك، لم أقترب من ودائع الحزب، وعندما أردت استحداث وظائف جديدة داخل المعهد، كنت أنوى دفع رواتبهم من أموالى الخاصة، لأننا مجموعة تتحمل مسئولية الحزب، وأنا أكثر منْ يدفع من ماله الخاص، وأعتبر هذا الأمر واجبًا وشأنًا عامًا، وسأواصل حتى نهاية ولايتي. عرضت الترشح على السكرتير العام فؤاد بدراوى، فاعتذر، ثم عرضت على الدكتور بهاء أبو شقة، فقال لي: «انزل أنت وسأساندك فى الانتخابات»، وبالفعل ترشحت، ولم أكن أسعى للمنصب، لكن إرادة الله كانت أن أنجح، وأعتبر أن فترة ولايتى أمانة أتمنى أن أكون قد وُفّقت فى حملها.
أما بخصوص فيديو الآثار قد تم فتح تحقيق رسمىفى واقعة الفيديو الذى تم تداوله، ويظهر فيه أشخاص يتحدثون عن بيع قطعة أثرية داخل قاعة الحزب. وقد توفى الشخص الذى قام بتصوير الفيديو، وعند فحصه فنيًا تبيّن لنا أن الفيديو مفبرك، والخلفية فيه مركبة. فمثلًا، تظهر صورة سعد باشا زغلول دون وجود الأعلام المعتادة بجانبها، ما يؤكد التلاعب فى المحتوى. اللجنة الفنية والإدارة القانونية بالحزب راجعت الأمر بشفافية كاملة، وخلصت إلى أن الفيديو مُلفّق، وتم نشره لتشويه صورة الحزب، وتناولته القنوات المعادية بأسلوب مغرض.
ورغم أن التحقيق أثبت زيف الفيديو، رأت لجنة النظام فى الحزب ضرورة اتخاذ إجراء تنظيمى، فأصدرت قرارًا بفصل المتورطين ومنعهم من دخول مقر الحزب. ورغم أننى كنت أرى إمكانية الدفاع عنهم، إلا أننى احترمت قرار اللجنة، لأن الدفاع عنهم فى ظل تلك الملابسات كان سيُساء فهمه وقد يُسيء إليّ.
كيف تردون على الانتقادات التى تتهم القيادة الحالية بإضعاف الحزب وفقدان دوره فى المعارضة، وما تعليقكم على انسحاب سيد البدوى وما قاله حول «غياب الشكل والدور السياسي»؟
الدكتور سيد البدوى لم ينسحب ولكن تم فصله، فقد كان رئيسًا للحزب، وتقدمت ضده بشكاوى عديدة لن أذكرها، إلا أن الأمور كادت تصل إلى حد فصله من الحزب، وقد رفضت ذلك بشدة، وحرصت على حضور التحقيقات نيابة عنه، رغم أن العلاقة المهنية بينى وبينه كمحامٍ كانت قد انتهت، وفى هذا الوقت كنت أقمت ضده عدة قضايا أطالب فيها بأتعابى القانونية التى لم أتقاضاها، وقد قمت بهذا الموقف مساندا له، إلا أن الهيئة العليا للحزب قامت بفصله برئاسة المستشار بهاء الدين أبو شقة ، وعندما توليت رئاسة الحزب، أصدرت قرارًا بعودته، ورغم هذا الموقف، فإنه لم يذكر هذا الدور الذى قمت به لصالحه.
كيف تصفون العلاقة مع شخصيات بارزة مثل عمرو موسى، محمود أباظة ود. مصطفى الفقى؟
كان عمرو موسى رئيسًا شرفيًا لحزب الوفد، وقد التقيت به فى إحدى المناسبات وسألته بصراحة: «إذا كنت تنوى الترشح لرئاسة الجمهورية، فأنا على استعداد لأن أتنحى لك»، فرد علىّ قائلاً: «لا، لن أترشح للرئاسة»، وكان هذا الحديث بيننا خلال دعوة فى منزل محمود أباظة، الرجل الذى أكنّ له كل احترام وتقدير. فعلاقتى بمحمود بيه أباظة، علاقة طيبة، فهو رجل يُشهد له بالكفاءة والنزاهة. وقد أدار انتخابات ديمقراطية حقيقية داخل الحزب، ورغم أنه لم ينجح بها، فإنه ترك الحزب وخزانته تضم 100 مليون جنيه. أما من جاء بعده، وللأسف، فقد ترك خزانة الحزب وهى تعانى من عجز مالى، وبالنسبة للدكتور مصطفى الفقى، فقد قمت بإصدار قرار بتعيينه رئيسًا شرفيًا لحزب الوفد، تقديرًا لقيمته الفكرية ومكانته الوطنية.
كيف يمكن لحزب الوفد أن يعود لاعبًا مؤثرًا فى الحياة السياسية كما كان؟
أود أن أؤكد أن الدولة لم تُقصّر أبدًا مع حزب الوفد، وأشهد على ذلك من خلال تجربتى الشخصية حين خضت انتخابات رئاسة الجمهورية. وقتها، طرحت برنامجىالانتخابى بكل حرية، وكنت أعبّر عن آرائى السياسية والدستورية بصراحة، ولم تتواصل معىأى جهة أمنية أو سياسية، ولم يعترضنى أحد، ولم يُمارَس علىّ أى تضييق. وهذا يؤكد أن الدولة حريصة على بقاء حزب الوفد وعلى احترام تاريخه العريق، وهى لا تتدخل فى اختيار المرشحين، بل تقتصر مسئوليتها على المراجعات الفنية والأمنية دون المساس بحق المواطن فى الترشح أو الانتخاب، وهذه معلومة مؤكدة وليست مجرد استنتاج.
أما التقصير، فقد جاء للأسف من بعض منْ غادروا الحزب واتجهوا إلى أحزاب أخرى، فحدث استنزاف كبير لقيادات الوفد وكوادره، وإذا نظرنا اليوم إلى عدد من قيادات الأحزاب على الساحة سنجدهم من أبناء الوفد الذين حملوا معهم خبرتهم الوفدية وأسهموا بها فى تشكيل الكوادر داخل تلك الأحزاب.
هل تفكرون فى التحالفات الحزبية أو التكتلات السياسية فى الفترة القادمة؟ وهل هناك نية لتجديد الدماء داخل الحزب بقيادات شبابية؟
بالتأكيد، أفكر فى تحالف شبابى وتحالف يضم المرأة، لأن الواقع السياسىالحالى يفرض علينا ذلك. فالحزب لا يمتلك فى الوقت الراهن كتلة تصويتية كبيرة، وبالتالى لا بد من تحالف انتخابى (وليس سياسيا)، يحقق مصلحة الحزب فى هذه المرحلة الحرجة.
وكيف تواجهون التحديات الشخصية فى ظل مسئولياتكم الحزبية والمهنية؟
لقد تجاوزت السبعين من عمرى، ولم أعش فترة من القلق والتعب مثل تلك التى أعيشها منذ توليت رئاسة حزب الوفد، فالمنصب مسئولية ضخمة ومرهقة، خاصة فى ظل الاختلافات بين الشخصيات والآراء داخل الحزب، ولكنى أجد ملاذىفى صلاة الفجر وقراءة ورد من القرآن الكريم، وأمارس هوايتى المحببة، وهى القراءة فى الأدب العربىوالفرنسى والإنجليزي.
وعلى الصعيد المهنى، ما زلت أعمل أستاذًا جامعيًا، كما أمارس مهنة المحاماة. وكنت ضمن هيئة الدفاع فى أكبر قضية بالتاريخ، وهى قضية انهيار برجى التجارة العالمىفى أمريكا، حيث شكّل حاكم الحرمين الشريفين لجنة للدفاع، وكنت المصرى الوحيد ضمن هذه الهيئة. واستمرت هذه القضية لست سنوات كاملة.
كلمة أخيرة من الدكتور عبد السند يمامة..
حزب الوفد لم يكن يومًا مجرد حزب سياسى، بل كان ولا يزال بيت الأمة وصوتها الحقيقي. ورغم التحديات والمتغيرات، سيظل الوفد ثابتًا على مبادئه، وفى موقعه الطبيعى كأحد أعمدة الحياة السياسية فى مصر. ومع كامل تقديرى للأحزاب الأخرى، فإننى أؤمن بأن الوفد هو الحزب الأصيل الذى وُلد من رحم الشعب، وسيبقى دائمًا مدافعًا عن الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية. هذه أمانة أحملها حتى نهاية ولايتى، وأدعو الله أن أكون قد وُفقت فى حملها كما يليق بتاريخ هذا الكيان العريق.