في أعقاب «حرب الأيام الـ12» مع إسرائيل، وجدت إيران نفسها أمام حقائق قاسية أعادت صياغة حساباتها العسكرية والإقليمية؛ فالصواريخ وحدها لم تكفِ لفرض الردع، والحلفاء لم يتحركوا كما توقعت، ما دفعها لسباق تسليح وتحديث شامل لإعادة ترميم ميزان القوة.
ويؤكد الدكتور علاء السعيد، خبير الشأن الإيراني، أن طهران تتحرك بدافع القلق من المستقبل؛ فالسعي وراء امتلاك طائرات حربية روسية وصينية، إلى جانب الدعم الصيني المتزايد لإيران في مجال الصواريخ والمسيّرات، يعكس رغبة واضحة في كسر العزلة وتثبيت توازن ردع يمنع أي طرف من التفكير في «ضربة سهلة»، في ظل التحولات السياسية والعسكرية الجارية.
وأضاف السعيد، في تصريح لـ«دار الهلال»، أن إيران لا تبحث عن تحالف كامل، لأنها لن تحصل عليه عمليًا، بل تبحث عن شراكات تمنحها الخبرة والتقنيات، وتفتح لها باب المناورة دون أن تضع قرارها العسكري في يد أحد.
ويشير السعيد إلى أن «حرب الـ12 يومًا» كانت رسالة قاسية لطهران، إذ كشفت أن الصواريخ وحدها لا تكفي، وأن الاعتماد على سلاح واحد يجعل أي دولة مكشوفة في لحظة الاختبار.
ولهذا بدأت إيران، وفق قوله، تفكر في بناء قوة عسكرية أكثر تكاملاً تشمل الدفاع الجوي والقدرات البحرية والطائرات المسيّرة والحرب الإلكترونية؛ والهدف ليس الدخول في حرب شاملة، بل جعل أي مواجهة محتملة مكلفة ومليئة بالحسابات، ومؤجلة قدر الإمكان.
ويرى السعيد أن «محور المقاومة» يمر بمرحلة ضاغطة وغير مريحة لإيران، بدليل الدعوات المتزايدة لنزع السلاح في العراق ولبنان، ما يعني أن هذا المحور لم يعد يتحرك بالمرونة نفسها كما كان في السابق.
وعند سؤاله: هل خسرت طهران الرهان؟.. يقول السعيد إن الإجابة الأدق أنها لم تخسره بالكامل حتى الآن، لكنها أيضًا لم تعد تتحكم فيه كما كانت؛ فإيران اليوم تحاول حماية ما تبقى من نفوذها، وتقليل الخسائر، وتحويل السلاح من عبء سياسي إلى ورقة تفاوض يمكن استخدامها عند الحاجة.
ويؤكد السعيد أن إيران لا تريد حربًا مفتوحة بالتأكيد، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل بالتراجع الكامل، على الأقل أمام الداخل الإيراني، فهي تعيد ترتيب أوراقها، وتخفف من حدة الشعارات التقليدية، وتتعامل مع الواقع بلغة المصالح لا العواطف.
وشدد على أن القوة الحقيقية في هذه المرحلة ليست في كثرة السلاح فقط، بل في معرفة متى يُستخدم، ومتى يُحتفظ به، ومتى يتحول إلى رسالة سياسية لا أكثر.