انتقادات موسعة يواجهها مؤتمر المناخ هذا العام بسبب بطء العملية الدبلوماسية بصفة عامة، وحتى وُجهت انتقادات موسعة للدولة المضيفة البرازيل وذلك بسبب تنقيبها المستمر عن البترول، كما أنه من المرجح أن تغيب الولايات المتحدة وذلك بعد أن أعلنت الولايات المتحدة فى أبريل الماضى إغلاق المكتب المعنى بالدبلوماسية المناخية فى وزارة الخارجية، وذلك ضمن خطة تخفيض العمالة فى الوزارة، مما يعنى غياب أكبر اقتصاد فى العالم عن مؤتمر الاقتصاد المقبل كوب 30.
أتت هذه الخطوة بعد ثلاثة أشهر من إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، فى الوقت الذى تواجه فيه البشرية أخطارا متزايدة وتحديات غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، وتعد خطوة جديدة تؤكد تراجع «الملوثة الكبرى» عن التزاماتها البيئية الدولية.
لذا يترقب الجميع أن يتزايد الضغط بصفة عامة على هذه القمة لإصلاح النظام دبلوماسية المناخ برمته الذى أرسى بموجب اتفاقية باريس للمناخ قبل عشر سنوات، ومحاولة إيجاد طرق ممكنة لإجبار الدول الأكثر تلويثا لخفض انبعاثاتها بالسرعة التى تجنب الكوكب خطر الانحباس الحرارى.
ووسط كل هذا، تواجه البرازيل خطرًا من نوع آخر يهدد المحادثات المقبلة، والمؤتمر بصفة عامة، حيث يشكو العديد من الدبلوماسيين من ندرة حادة فى أعداد الغرف ذات الأسعار المقبولة فى «بيليم» المدينة التى تقع على أطراف الأمازون، والتى من المقرر أن ينعقد فيها المؤتمر، حيث إن ثلثى الدول لم تحجز غرفًا بعد.
واحدة من هذه الدول هى دولة بالاو، وهى دولة جزرية فى المحيط الهادئ، يهدد تغير المناخ وجودها، حيث قالت إيلانا سيد، وهى دبلوماسية من هناك: «لا يمكننا طرح القضايا الحاسمة المتعلقة ببقائنا، إذا لم نتمكن من الوصول هناك».
ووفقًا لرئيس مجموعة من الدبلوماسيين الأفارقة، اقترح المسئولون البرازيليون على بعض الدول أن يتشارك مندوبوهم الغرف، لكن اعترض المندوبون على هذه الفكرة.
لكن الدبلوماسى البرازيلى المسئول عن المفاوضات، أندريه كوريا دو لاغو، صرح بأن الأمر مجرد «سوء فهم»، وقال إن الحكومة وفرت 53000 غرفة إجمالا، وهو عدد أكثر من كافٍ لـ50000 شخص متوقع حضورهم المفاوضات، بما فى ذلك غرف تتراوح أسعارها بين 100 و200 دولار لأفقر البلدان والدول الجزرية مثل غرفة السيدة سيد. وأكد فى مقابلة هاتفية أنه تم تخصيص غرف بالفعل لضمان تواجد جميع الدول بالفعل فى بيليم بأسعار معقولة.
وحقيقة الأمر أن هذا الجدل حول الغرف زاد الطين بلة، وساهم فى تفاقم أزمة انعدام الثقة الذى يخيم على دبلوماسية المناخ الدولية، فى الوقت الذى لم تنسحب فيه الولايات المتحدة فحسب، بل تقوض فيه أيضا جهود التصدى لتغير المناخ العالمى من خلال تعزيز إنتاج النفط والغاز، لذا أضاف دو لاغو بأن الظروف ليست مثالية، وأن الأجواء الجيوسياسية صعبة للغاية، حتى إنه فى منتصف أغسطس أقر فى رسالة إلى المندوبين بالصعوبات اللوجستية، وطلب من زملائه الدبلوماسيين إيجاد حلول مبتكرة للتحديات الجديدة.
وقالت الحكومة إنها رتبت غرفًا فى الفنادق وسفينتين سياحيتين و«ممتلكات خاصة منظمة»، وإنها تبحث فى تحويل بعض المدارس إلى بيوت شباب. وفى يوم الجمعة، قال كوريا دو لاغو إن البرازيل طلبت من البنوك والمنظمات الخيرية المساهمة لمساعدة بعض الحاضرين على تغطية التكاليف التى ارتفعت بسبب الطلب الكبير.
وفى بيليم، ارتفعت أسعار الغرف منخفضة التكلفة إلى ما يصل إلى 600 دولار فى الليلة. وهناك إعانات متاحة من الأمم المتحدة لعدد محدود من المندوبين الأكثر احتياجًا، وقالت البرازيل إنها ستخصص أماكن إقامة تبدأ من 100 دولار للوفود من أفقر البلدان. كما اقترحت البرازيل حدًا أقصى قدره 15 غرفة لكل وفد للغرف المخفضة. وقالت الحكومة أيضًا إنها شكلت فرقة عمل للحماية من «ممارسات الإقامة المسيئة».
اشتهرت بيليم، «المدينة المضيفة»، الواقعة بالقرب من ساحل البرازيل الأطلسي، بدورها فى تجارة السكر عندما كانت البرازيل مستعمرة برتغالية، وفى تجارة المطاط من الغابات المطيرة فى القرنين التاسع عشر والعشرين. واليوم، يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، وتعد إحدى أفقر ولايات البرازيل. ولا تستقبل سوى عدد قليل من الرحلات الجوية الدولية. وهى ليست وجهة سياحية، لذا لا توجد بها منتجعات ومراكز مؤتمرات تستوعب الزوار من جميع أنحاء العالم بسهولة، وهذا هو السبب المباشر فى ارتفاع أسعار الغرف بها.
لكن بالنسبة للرئيس البرازيلى، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، تعد بيليم المكان الأمثل لجذب انتباه العالم إلى أهمية غابات مثل الأمازون فى امتصاص ثانى أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحرارى من الغلاف الجوى. وقد أبطأت البرازيل من وتيرة إزالة الغابات فى عهد الرئيس لولا، وتسعى حاليا إلى جذب استثمارات عالمية لإنشاء صندوق جديد للحفاظ على الغابات.
لكن اختيار بيليم، حتى وإن كانت الخيار الأمثل للرئيس دا سيلفا، لكنها ليست كذلك فى وجهة نظر المندوبين والوفود المشاركة، فهناك أقل من شهرين على المؤتمر، وتقول العديد من الدول إنها ما زالت تحاول تأمين غرف بأسعار معقولة بدلا من التحدث حول الحلول الممكنة. وبحسب البعض أيضا، قد يؤدى ذلك إلى تمثيل أقل من الدول المشاركة مما يهدد المؤتمر برمته، لكن البرازيل تصر على انعقاد المؤتمر فى بيليم، رغم مطالبات بعض الدول بنقل جزء على الأقل من المؤتمر فى مدينة أكبر، مما يضع عبئا أكبر على الرئيس دا سيلفا، حتى على الوفود المشاركة، التى تبحث عن حلول أكثر جدية هذه المرة.
ويقول الدكتور علاء سرحان أستاذ اقتصاديات البيئة إن أهم حدث يواجه المؤتمر هذا العام هو انسحاب الولايات المتحدة ثانى أكبر ملوث بالكربون بعد الصين من اتفاقية باريس للمناخ، وبالتالى من المؤتمر وهذا تخلٍ واضح عن مسئولياتها التاريخية، حيث يرى ترامب وإدارته أن تغيرات المناخ ما هى إلا دورات طبيعية ولا دخل للبشر فيها، وهذا عكس ما تبنته الأدلة العلمية الدامغة، وأضاف سرحان أن ذلك يعنى عدم التزام أمريكا بالاتفاقات السابقة ورسالة للعالم بأن قضايا المناخ لم تعد من الأولويات الأمريكية، وحتى فى المؤتمر لن يمثل أمريكا وفد رسمى من الحكومة الفيدرالية، لكن الوفد سيكون شكلياً ولن يمنع هذا مشاركة مؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص.
والمشكلة الأخرى حسب سرحان إن بعض الدول سوف تقلل من تمثيلها بسبب المشاكل اللوجستية وارتفاع أسعار الغرف هناك، وقد أبدت معظم الدول استياءها من ذلك، من بينهم رئيس النمسا الذى قال إن ذلك ربما يهدد مشاركة بلاده فى هذه القمة، لكن مع المجهود الحالية لدعم الوفود ربما يتم حل هذه الأزمة وأضاف سرحان أن تحدى التمويل أيضا سيزيد مع الغياب الأمريكى وما يبعثه من رسائل سلبية لجميع الدول المشاركة. ومن بينها دول الاتحاد الأوروبى.