رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصــــر مركز إقليمى للطاقة.. الهدف المنتظر


21-9-2025 | 10:21

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم

«مصر مركز إقليمى للطاقة» واقع تسعى له الدولة المصرية فى الجمهورية الجديدة، أعدت له عبر استراتيجيتها للطاقة 2040، ووضعت العناصر والسياسات التى تمكنها من تحقيق هدفها، فمركز إقليمى للطاقة لاقى اهتماما من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وضع نصب عينه تحقيقه فى لقائه مع وزيرى الكهرباء والبترول.

 

«هدف سهل»، بهذا الوصف بدأ المهندس الاستشارى أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، رئيس جمعية المهندسين المصرية، حديثه عن الوصول لمركز إقليمى للطاقة، مضيفًا أن «مصر تملك مقومات تجعلها مركزا إقليميا للطاقة، دون النظر لما تمتلكه من بترول أو غاز ولكنها تمتلك كافة المقومات التى تؤهلها كمركز إقليمى للطاقة».

الوزير الأسبق، تحدث عن أهم هذه المقومات وقال: مصر تمتلك بترولاً وغازاً وتمتلك 9 معامل تكرير، ومحطتى إسالة، ومحطة استقبال لمنتجات بترولية وغاز طبيعى فى ميناء السخنة فى سوميد، ومحطة شحن فى سيدى كرير، كل هذه المقومات تؤكد أن أى دولة تمتلك غازا أو بترولا أو منتجات خام يمكن أن يتم تمريرها من الدولة المصرية، أو يمكن استخدامها داخل الدولة المصرية فى مشروعات أخرى.

وضرب «كمال» مثالاً عن إمكانية هذه المقومات قائلاً: تمتلك مصر 9 معامل تكرير، وبلد صديق مثل العراق أو ليبيا معامل التكرير لديهما تم تدميرها، يمكن أن تستقبل مصر الخام من الدولتين على أن يعاد إليهما فى صورة منتجات، وهنا تتضاعف الاستفادة للجميع.

وأضاف: عندما تسبب الحوثيون فى اضطرابات الملاحة بالبحر الأحمر وباب المندب، كل الغاز السعودى تم تمريره من جدة إلى ينبع وعبر البحر الأحمر ثم العين السخنة وتمت تعبئته فى الخزانات ونقله بالمواسير الكبيرة إلى سيدى كرير ومنه إلى القارة الأوروبية.

الأمر لا يتوقف على المنتجات البترولية من غاز وبترول، حسبما أوضح رئيس جمعية المهندسين المصرية، فمصر تمتلك أكثر من 50 محطة كهرباء تستطيع أن تولد 60 جيجا وات بخلاف الطاقة النووية والطاقات المتجددة، ففى أكثر درجات الذروة فى صيف 2025 اقتربنا من 40 جيجا وات، هذا يعنى وجود احتياطى يُقدر بـ 20 جيجا وات من القدرات الكهربائية، يمكن تصديرها فى ظل وجود شبكة حتى المغرب العربى ومع الأردن، وهناك ربط يتم حالياً مع المملكة العربية السعودية، فهو أمر آخر إيجابى لتحول مصر لمركز للطاقة.

كما أشار إلى أن هناك مصانع بتروكيماويات موجودة فى مصر تنتج 4 ملايين ونصف المليون طن، بجانب أن مصر بوابة لإفريقيا وأوروبا نظرًا لوجود إعفاءات جمركية وضريبية، وهو ما يشجع المستثمرين على تنفيذ مشروعاتهم، فجزء كبير منها يوجه للسوق المحلية وجزء أكبر يتم توجيهه للتصدير، ومصر تمتلك محطتى إسالة وشبكة كبيرة فى البحر المتوسط تستطيع ربط جميع الآبار المنتجة، والتى بدأت مع إسرائيل والآن يتم الربط مع قبرص ومستقبلاً سيتم الربط مع اليونان، باعتبارها المنفذ الوحيد لخروج غاز شرق البحر المتوسط إلى أى مكان من خلال محطتى الإسالة، أو استهلاك جزء منه فى السوق المحلية، فالسوق المصرية سوق كبيرة فيها 110 ملايين مستهلك».

«م.أسامة»، لفت إلى أن «مصر تمتلك مقومات عدة تجعل المنتج النهائى المصرى قادراً على أن يوفر به ما بين 80 إلى 120 دولارا للطن الخام فى حالة تصنيعه فى مصر، منها قوى بشرية عاملة ماهرة بسبب العمالة الماهرة منخفضة التكاليف، فهى غير مستوردة مقارنة بكل الدول المجاورة لمصر نجد عمالة مستوردة رغم أن المادة الخام متوفرة وبسعر أرخص من مصر سواء غازاً أو بترولاً، ورسوم عبور قناة السويس فى مصر غير موجودة عند تأسيس المصانع فى مصر، ووجود مجموعة من الإعفاءات الضريبية والجمركية كذلك، مثل الجات والكوميسا، ووجود سوق مستهلكة محلية كبيرة جداً بجانب السوق الأوروبية والإفريقية، وهو ما يعطى فرصة كبيرة لمصر.

وتابع: مصر تمتلك ثروات تعدينية مختلفة من سيليكون وفوسفات وذهب وحديد، بجانب تأصيل صناعات قديمة لدى مصر مثل صناعة الحديد والصلب والغزل والنسيج تحتاج فقط إلى تحديث، فكل المقومات السابقة تؤكد أن مصر مركز إقليمى للطاقة.

وتبقى المشكلة، كما يرى الوزير الأسبق، فى حُسن الإدارة، حيث قال: لا بد من توفير الإدارة المتخصصة، التى تدير ملف التحول لمركز إقليمى للطاقة، فالأمر لا يتوقف على قطاعى البترول والكهرباء، ولكنه يمتد ليشمل قوانين الاستثمار.

«كمال»، انتقل بعد ذلك للحديث عن إحدى أهم مشكلات الإدارة وهى «تسديد مستحقات الشركات»، مؤكدًا أن «عدم تسديد حصة الشريك الأجنبى، بسبب دخول كل قيمة الوقود البترولى فى منظومة مجالات الدعم الذى يباع بأقل من سعره وبالتالى غير قادر على تحصيل ثمنه وهو ما ينعكس فى عجز تسديد مستحقات الشريك الأجنبى».

كما دعا إلى المشروعات التكميلية وضرب مثالًا بمشروع الهيدروجين الأخضر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، فتم تأسيس أول مشروع للهيدروجين الأخضر فى مصر والشرق الأوسط فى مصانع كيما، والاعتماد على السد العالى، فى إطار المشروعات التكميلية، فمع مشروع السد العالى كانت هناك صناعات تكميلية قائمة عليه منها الألومنيوم فى نجع حمادى و الأسمدة فى كيما بأسوان، ومشروع الحديد والصلب فى حلوان، لاستهلاك كمية الكهرباء ونعمل قيمة مضافة لها.

بدوره، قال الدكتور حافظ سلماوى، أستاذ هندسة الطاقة، رئيس جهاز تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك الأسبق: مصر مؤهلة لأن تكون مركزا إقليميا للطاقة، بسبب تمتعها بالعديد من المميزات منها الموقع الجغرافى المميز للدولة المصرية بين القارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأوروبا، ومصر لديها سوق محلية كبيرة لاستهلاك الطاقة، كمنتج ومستورد ومصدر وممرر للطاقة.

«سلماوى»، تحدث حول أن هناك منافسين إقليميين يحاولون أن يلعبوا هذا الدور، منهم ما هو مؤهل قدر الدولة المصرية ليكون مركزا إقليميا للطاقة كتركيا، وآخر غير مؤهل لكنه يسعى ليكون مؤهلا لهذا المركز كدولة الاحتلال، موضحًا أن «تركيا ممر رئيسى للطاقة على الأخص الغاز فى بحر قزوين إلى أوروبا، وخاصة مؤخراً مع التسويات التى تتم مع أذربيجان وأرمينيا، فهناك أربعة مشروعات خاصة بمد خطوط غاز من منطقة بحر قزوين من غرب قزوين أو من الشرق من دولة تركمـانستان التى تمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعى، على أن يتم تمريره من أسفل بحر قزوين أو ما عُرف بممر ترامب بين أذربيجان وأرمينيا وهى مشروعات تأخذ محل الاهتمام المشترك وهى صفة يعطيها الاتحاد الأوروبى للمشروعات التى لها أثر إيجابى على أكثر من دولة أوروبية».

وتابع: كما تمتلك تركيا مثل مصر بنية أساسية حديثة للطاقة، وتركيا سوق كبيرة للطاقة سواء منتجاً أو مستهلكاً، وبالتالى هناك منافسة قوية، لكن فى حالة دولة الاحتلال لا تمتلك مقومات لكن هناك محاولة عبر مشروع محور الهند وهو ما طرح فى اجتماع الـ 20 دولة الأكبر اقتصاديا فى العالم فى 2023، ويشترك فيه كل من الهند والإمارات والسعودية وإسرائيل والاتحاد الأوروبى، ويروج له أن يكون ممرا للسلع والبضائع الهندية لتمر عبر الإمارات ثم يتم شحنها بخطوط سكك حديدية لإسرائيل وتُصدر إلى أوروبا، ويشمل المشروع مد شبكات الكهرباء وخطوط الغاز والبترول، للاستفادة من خط الربط الإسرائيلى سواء للكهرباء أو البترول وهو (إسرائيل، قبرص، واليونان) لهذا الممر، فهناك دعم أوروبى وأمريكى على الأخص لأن تكون إسرائيل نقطة ارتكاز وممر إقليمياً.

وأوضح «سلماوى»، أنه بعد الحرب «الروسية - الأوكرانية» أصبحت أمريكا المصدر الأساسى للغاز إلى أوروبا، ليصل 80 مليار متر مكعب لأوروبا وانخفض إلى 50 مليار متر مكعب بعد استقرار الوضع، لكن أمريكا أصبحت لاعبا رئيسيا فى إمدادات الغاز للسوق الأوروبية، لهذا اعترضت على مشروع غاز شرق المتوسط الذى يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان، لكن لا يمكننا أن ننكر أن هناك جهودا لتحويل إسرائيل لمركز إقليمى للطاقة، وهى جهود ليست ناجحة حتى الآن لأنها مصطنعة لا تُبنى على مقومات طبيعية لكنها جهود مكثفة.

كما أن «السعى لتحول مصر لمركز وسوق إقليمية للطاقة ليس تحديا فقط لوزراة الكهرباء أو البترول، لكنه تحدٍ للدور المصرى فى المنطقة، وهنا يجب أن يكون التعامل مع هذا الملف الهام من مستوى الدولة وليس مستوى الوزارات، فالأمر لا يخضع للأمور الفنية فقط، ولكنه خاضع لأمور سياسية استراتيجية»، وكذلك فإن «عملية التحول المصرية تواجهها عدة تحديات»، وضرب مثالا على ذلك وهو الربط الغازى بين مصر وقبرص، فلا بد من وجود استثمارات لتنمية الحقول القبرصية وربطها بالشبكة المصرية، وتحدى تكامل شبكات الكهرباء والغاز للدول العربية وهى نتائج الدراسة التى قامت بها جامعة الدول العربية فى 2014 وأجراها استشارى دولى وتم تمويلها عن طريق الصندوق العربى.

وأوضح أنه على الدولة المصرية أن تؤسس مجلسا يجمع بين جميع الجهات السياسية والفنية الخاصة بالتحول كمركز إقليمى للطاقة لدراستها من جميع الجوانب، فالأمر لا يتوقف فقط على الأمور الفنية ولكن يلعب الجانب السياسى دوراً مهماً، مشددًا على أهمية الإسراع فى التحول فى ظل المنافسة الشرسة التى تواجهها الدولة المصرية، لأن أى تأخير يعنى ترك فراغ سيسعى آخرون لشغله، وأن التأخير سيترك الفتات للدولة المصرية، فتركيا تسعى جاهدة عبر مميزاتها أن تتحول لمركز إقليمى وإسرائيل يتم دفعها من كل من أوروبا وأمريكا.

«د.حافظ»، أشاد بالاهتمام الرئاسى من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى بملف تحول مصر لمركز إقليمى للطاقة، وقال: الإرادة السياسية أمر مهم وحاسم فى كثير من الملفات، وفى ملف المركز الإقليمى للطاقة أمر هام، فالرئيس انتبه مبكراً لأهمية هذا التحول، والاستراتيجية المصرية أظهرت سياساتها المستقبلية، لكن يبقى التنفيذ الفورى.

كذلك، أشار إلى أن «جهود قطاع الكهرباء المصرى شهدت فارقاً كبيراً خلال السنوات الماضية، بداية من عملية الإصلاح وإعادة بناء البنية التحتية لقطاع الكهرباء ووصولاً للتشريعات الخاصة بالكهرباء مرورا بالتوسع فى الطاقات النظيفة والمتجددة والطاقة النووية، ثم آليات التوسع فى الاستثمارات للطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والربط الكهربائى مع دول الجوار، وكلما تم الإسراع حجزت مصر مكانها كمركز إقليمى للطاقة»، متابعًا أن «التحول كمركز إقليمى للطاقة ليس صراعاً ولكن كيف تنجح مصر فى أن تحصل على أكبر قدر من الأسواق الخارجية وأن تكون ممرا عابرا للطاقات للسوق الأوروبية وسوق الدول الخليجية وغيرها من الأسواق».

الاكثر قراءة