يرى محللون وباحثون فى الحركات الإسلامية، أن هذه المحاولات المشبوهة يُنظر إليها باعتبارها محاولة جديدة لغسل سمعة الجماعة، وضمن مساعى التنظيم الدولى للخروج من أزماته، ومحاولة إنقاذ الجماعة من المأزق الكبير الذى تواجهه بعد التحركات الجادة فى الولايات المتحدة وأوروبا لتصنيفها كيانًا إرهابيًا، لترمى عناصر الإخوان بورقة المصالحة لإيجاد مخرج للجماعة من ورطتها ومحاولة تجميل صورتها بعد تأكد طبيعتها الإرهابية وتغليبهم مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن.
وفى لعبة المصالحة، تظهر يد الغدر بمظهر المتسامح، إذ يعتقدون واهمين أن من تلوثت أيديهم يوما بدم المصريين سيتركون دون حساب، فتلك الجماعة التى لا عهد لها ولا كلمة، يلعبون على وتر العواطف، ويحاولون الإقناع بأنهم تغيروا، بينما دعواتهم بالمصالحة تتناقض مع قيام عناصر التنظيم وجناحها المسلح «حسم» بتبنى خطاب العنف والتخطيط للعمليات النوعية الإرهابية والتحريض على زعزعة استقرار الوطن.
ولكى لا ننسى، فقد تبنت اللجان النوعية للجماعة الإرهابية أعمال العنف واغتيال عدد من ضباط الشرطة والمسئولين، وفى إطار محاولاتها أيضًا لنشر الفوضى والتحريض على العنف، تقوم لجانها الإلكترونية بإدارة حملاتها على مواقع التواصل الاجتماعى لبث سمومها ونشر الأكاذيب والشائعات الممنهجة بهدف ضرب ثقة المواطن فى الدولة وتشويه الإنجازات والتحريض ضد الأجهزة الأمنية.
وتكشف تلك الصفحات التى يديرها عناصر الإخوان الهاربون بالخارج أن الجماعة تعتمد على التضليل الرقمى وتتَبنى مبادرات أكدت مدى كراهيتهم للدولة وللشعب المصرى، حيث تحولت تلك الصفحات إلى منصات تدعو لاستخدام السلاح فى مواجهة الدولة وبث رسائل تحفيز لعناصرها باستهداف الأمن القومى المصرى، ما يؤكد أن يد الغدر لا تبحث عن المصالحة، بل تبحث عن استعادة مكانتها وقوتها بكافة الوسائل، وذلك فى إطار محاولات الجماعة لإعادة تدوير أدواتها القديمة من أجل العودة للعمل السياسى.
ويؤكد المحللون أن ورقة المصالحة لعبة قديمة تُستخدم كقناع لإخفاء النوايا الحقيقية، وهذا هو نهج الجماعة فى تبرير الشيء ونقيضه تحت شعار «فقه الضرورات» الذى تتبعه، وهى النسخة الميكافيلية من «الغاية تبرر الوسيلة»، ففى فقه الضرورة.. الكذب عند الإخوان سنة مؤكدة، وأنه لا حرام عند الضرورة والمصلحة.
«الإخوان تنظيم متطرف لم يعرف فى تاريخه لغة حوار منذ نشأته، ولن يعترف بأى حوار».. هذا ما يؤكده تاريخ التنظيم الذى يعانى حاليًا من أزمات داخلية وانقسامات ومعارك بين أجنحته المتصارعة على زعامة الجماعة، وهو أمر غير مسبوق فى تاريخها، فالتنظيم مترهل ومنقسم على نفسه إلى ثلاثة كيانات وهى جبهة لندن، وجبهة تركيا، والتيار الثالث «تيار التغيير أو الكماليون» الجناح المسلح للتنظيم «حسم»، الذى يُعتبر التيار الأكثر تشددا لأدبيات وتعاليم حسن البنا وسيد قطب.
وبالتالى فنحن أمام تنظيم منشق على نفسه لعدة جبهات، وبالتالى تأتى فكرة التلويح بالمصالحة لتعكس حالة ارتباك داخل التنظيم، فالإخوان انقسموا على كل شيء لكنهم اتفقوا على أمر واحد وهو العمل ضد أوطانهم، كما أن تلك الخلافات والانقسامات كشفت الجماعة على حقيقتها، وأظهرت عجزهم.
منير أديب، الباحث المتخصص فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، يؤكد أنه منذ تفكيك تنظيم الإخوان، على خلفية ثورة المصريين فى يونيو 2013، تحاول الجماعة الإرهابية العودة إلى المشهد من جديد، فاتخذوا من إثارة الفوضى والعنف وسيلة لهم لمحاولة العودة إلى ما كانوا عليه، ثم بدأوا بالبحث عن بديل آخر من خلال طرح بعض المبادرات من جانبهم للحوار مع الدولة، وعندما لم يجدوا أى اهتمام سواء على مستوى مؤسسات الدولة أو الشارع، كان العمل الدؤوب من جانب منصاتهم على تشويه النظام السياسى ونشر الأكاذيب والشائعات، فلديهم عقيدة ثأرية مع النظام السياسى ومع سلطة الشعب التى خرجت عليهم وأسقطت حكمهم.
وأضاف أن فكرة طرح الإخوان وحلفائها مبادرة للحوار ليس هدفها الأساسى المصالحة لأنهم لا يؤمنون بأى حوار، ولكن الهدف من ورائها هو العودة للمشهد السياسى من جديد، وهذه العودة لن تكون إلا بالتحاور مع السلطة كونها الوسيلة التى تضمن لهم العودة مرة أخرى.
«أديب» أكد أن الهدف من هذه المبادرة التى طرحها الإخوانى الهارب عماد صابر بالتنسيق مع شخص محسوب على التيار الليبرالى وهو أيمن نور فى هذا التوقيت، إنما هى دعوى خبيثة هدفها هو التمنى بإعادة إنتاج جماعة الإخوان وإحيائها مجددًا، واستغلال الأوضاع الإقليمية التى تحدث فى المنطقة، ولكن المشكلة التى تواجههم بطرح هذا النوع من المبادرات هى تناسيهم أن «الخصومة» ليست سياسية، وإنما مرتبطة بـ«الدم»، وأنها مع الشعب أكثر من كونها مع النظام السياسى، لافتًا إلى أن دعوات المصالحة الإخوانية تعكس انفصالهم عن الواقع السياسى والاجتماعى.
وأشار إلى أن عمق الصراع الذى تعيشه الجماعة الإرهابية يؤكد أن الجماعة لا مستقبل لها، بعد أن تفجرت الانقسامات والتشرذم من داخلها، وأن التنظيم يعيش حالة من التقلص الفكرى والتنظيمى، كما تأتى دعوات المصالحة لتكشف حالة اليأس التى وصل إليها عناصر التنظيم، وأن الجماعة تبحث عن حل للخروج من أزمتها، مؤكدًا أن الإخوان تنظيم متطرف يسعون لإسقاط الدولة وضرب استقرارها، والثأر لأنفسهم من المجتمع المصرى الذى لفظهم وأسقطهم فى ثورة شعبية فى 30 يونيو.
من جانبه، يقول ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل الديمقراطى: لقد اعتدنا منذ عقود أن تنظيم الإخوان كلما ضاق به الحال واشتدت عليه الأزمات، خرج علينا بدعوات خادعة تحت مسمى «المصالحة»، وهو فى الحقيقة لا يؤمن بالحوار ولا بالدولة الوطنية.
«الشهابى» أكد أن هذه الجماعة لا ترى فى مصر إلا وسيلة لتحقيق مشروعها الخاص لإقامة دولة دينية فاشية على أنقاض الدولة الحديثة، لذلك فدعواتهم المتكررة ليست إلا محاولة للالتفاف على جرائمهم الكبرى بحق الشعب المصرى، ومحاولة لتبييض وجه تنظيم تاريخه ممتلئ بالدم والإرهاب.
وعن الهدف من ورائها ومغزى التوقيت، يقول «الشهابى»: الهدف واضح وهو إنقاذ الجماعة من المأزق الكبير الذى تواجهه بعد افتضاح مؤامراتها، خصوصًا بعد التحركات الجادة فى الولايات المتحدة وأوروبا لتصنيفها كيانًا إرهابيًا، ومن هنا جاء التنسيق المشبوه بين أيمن نور والإخوانى الهارب محمد عماد الدين صابر لطرح مبادرة سرية، ليس حبًا فى الوطن أو اعترافًا بخطاياهم، وإنما خوفاً على مصير التنظيم ومستقبل قياداته، أما مغزى التوقيت، فمرتبط بمحاولتهم استباق قرار وشيك سيعزلهم دوليًا ويؤكد حقيقتهم الإرهابية أمام العالم أجمع.. وتساءل: فكيف لتنظيم يُحرّض ليل نهار ضد الدولة ومؤسساتها، ويستهدف أبناء الجيش والشرطة فى عمليات إرهابية تنفذها ذراعه المسلحة «حسم»، أن يتحدث فى الوقت ذاته عن التصالح؟! هذا هو التناقض الأكبر الذى يكشف زيف دعواتهم؛ إن يدًا ملطخة بدماء الأبرياء لا يمكن أن تُمد للسلام.
وأكد «الشهابى» أن الإخوان اعتادوا أن يوظفوا مفهوم «المصالحة» كتكتيك مؤقت يحمون به أنفسهم حين يشعرون بالهزيمة أو العزلة، ثم ينقلبون فورًا على أى اتفاق. ولذلك فالدولة المصرية وشعبها لن يقبلوا بأى حوار مع جماعة خانت الوطن وتآمرت على الشعب، ولا مستقبل لهم إلا فى عزلة تامة ومحاسبة عادلة.
وهم المصالحة الإخوانية
«إن الأفاعى وإن لانت ملامسها.. عند التقلب فى أنيابها العطب».. هكذا حذر إبراهيم ربيع، الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية، من دعوات الإخوان الخادعة بالمصالحة مع الدولة، مؤكدًا أن تنظيم الإجرام الإخوانى لا يمل من الإلحاح على كسر الجدار العازل بين التنظيم والشعب المصرى، حيث كانت معارك الإخوان على مدار تاريخهم مع الأنظمة الحاكمة، بينما الشعب كان يمثل حضانة التفريخ الاجتماعى لعناصره، أما منذ 3 يوليو 2013 فأصبحت معركته مع الشعب، ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية هى الراعية لهذه المعركة الشعبية مع تنظيم يجيد الكذب والتدليس والتحايل والمراوغة ونقض العهد.
وأضاف ربيع أن التنظيم المأزوم يحاول اختراق جدار الممانعة الشعبية لإرباك وعى الشعب المصرى ليعود ويسمم حياة المصريين، حيث يدرك التنظيم الإخوانى أن المزاج المصرى العام يرفض وجوده سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، ويدرك أيضًا أنه يتم الآن بناء الوعى الجمعى لإنهاء التنظيم، إلا أنه وكعادة التنظيم فى الإرباك والشوشرة ومحاولة الاختراق يقوم بين الحين والآخر بإثارة موضوع المصالحة، بالتوازى مع حملة مصاحبة لابتزاز المصريين وإرباك وعيهم الجمعى بخصوص عودة تنظيم الإخوان الإرهابى من جديد إلى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية.
وأكد أن ما يطلبه الإخوان من دعوات للمصالحة مرفوض من حيث الشكل والمضمون، فهو تنظيم إجرامى خارج عن القانون قام باستهداف البنية التحتية ومنشآت الدولة وافتعال الأزمات الاقتصادية مثل أزمة العملة وافتعال أزمات السلع الغذائية، والقيام بنشر الأكاذيب حول المشروعات القومية لضرب استقرار الدولة وإرباكها، متسائلًا: ماذا عن مصير أنشطتهم الاقتصادية وكياناتهم الاستثمارية فى الخارج، وعلاقتهم بالتنظيم الدولى للإخوان، وخريطة التحالفات بين التنظيم والدول الداعمة له تمويلاً وإعلامًا ومخابراتيًا وإيواءً؟
وأشار ربيع إلى أن تنظيم الإجرام الإخوانى العنصرى الطائفى تم تكوينه بالمخالفة الصارخة لكل الأعراف والقوانين الدولية والمحلية ليكون دولة موازية، وآن الأوان لإنهاء كل كيان موازٍ لتحرير الانتماء الوطنى وإزالة آثار العدوان الإخوانى على الشخصية المصرية، مؤكدًا أن «المعركة صفرية» بين تنظيم الإجرام الإخوانى والدولة المصرية بكل مكوناتها من حكومة وشعب ومؤسسات وأجهزة أمنية.
وأضاف قائلًا: يبقى القرار واضحًا، لا مصالحة مع من خانوا الوطن، ولا مكان ليد الغدر فى بناء المستقبل، هذا الرفض يعكس رغبة الشعب المصرى فى الحفاظ على استقراره وأمنه، ويجب أن نبقى يقظين، نحمى وطننا، ونرفض أى محاولة للخيانة أو التآمر، لأن الأوطان تُبنى بالوفاء والولاء، لا بالخيانة والغدر».

