مع اقتراب وصول بعثة خبراء صندوق النقد الدولى إلى القاهرة لإجراء المراجعتين «الخامسة والسادسة» من برنامج الإصلاح الاقتصادى خلال الفترة المقبلة، تتجه الأنظار إلى الخطوات التى اتخذتها الحكومة المصرية وما أنجزته من إصلاحات مالية ونقدية وهيكلية فى مواجهة تحديات داخلية وخارجية معقدة، لا سيما أن المراجعات لا تعد مجرد إجراء فنى روتينى، لكنها اختبار حقيقى لمدى التزام الدولة المصرية ببرنامجها الإصلاحى، وفرصة لتقييم ما تحقق على أرض الواقع من نتائج فى ملفات حساسة، خاصة فى ظل تعليمات واضحة من الصندوق بأنه قد «حان الوقت لإجراء إصلاحات أعمق».
الخبير المصرفى، «محمد عبد العال»، أكد أن الحديث عن الاستعدادات والإجراءات التى قد تتخذها الحكومة المصرية قبيل وصول بعثة صندوق النقد الدولى، يظل فى إطار الاستقراء والتوقع الافتراضى المبنى على ما صدر من تصريحات حكومية سابقة وبيانات الصندوق، مضيفًا أنه من أبرز الاستعدادات، إعداد تقارير مالية واقتصادية مفصلة توضح أداء الاقتصاد الوطنى منذ انتهاء المراجعة الرابعة وحتى الوقت الراهن، مع تزويد البعثة بكافة البيانات والمعلومات المطلوبة بشكل واضح ودقيق، كما يشمل ذلك تقديم تقارير دورية عن التطورات والإنجازات المحققة فى خطة الإصلاحات الهيكلية.
«عبد العال» أوضح أن من بين الاستعدادات الفنية المهمة، إعداد جداول دقيقة توضح تطور تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية وخطوات تخارج الدولة لصالح القطاع الخاص، بما يعكس التقدم المحرز فى هذا الملف الحيوى، لافتًا إلى أن الحكومة سيكون عليها تقديم تفسير واضح ومفصل للأسباب والمبررات التى حالت دون تنفيذ بعض البنود المتفق عليها بشكل جزئى أو كلى، وتوضيح أن هذه الأسباب تتوزع بين عوامل داخلية مثل عدم ملاءمة بعض الإجراءات للأوضاع الاجتماعية الراهنة، أو نقص التمويل نتيجة استمرار تراجع إيرادات قناة السويس بعد الأزمة العالمية فى حركة التجارة، إضافة إلى عوامل خارجية لا تقل تأثيرًا مثل الصدمات المالية الدولية، وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، والتوترات الجيوسياسية والإقليمية التى ألقت بظلالها على الاقتصاد المصرى.
الخبير المصرفى عاد ليؤكد أن «مصر نجحت حتى الآن فى تنفيذ جانب كبير من الالتزامات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولى، حيث تمكنت من تحسين عدد من المؤشرات المالية والنقدية والالتزام بالخطوط العامة لسياسات الإصلاح الاقتصادى، مشيرًا إلى أن استيفاء كامل الالتزامات وتطابقها مع أبرز الاشتراطات التى وضعها الصندوق لا يزال يتطلب استكمال بعض البرامج والإصلاحات الهيكلية التى ما زالت قيد التنفيذ، وضرب مثالًا على ذلك بملف برنامج الطروحات الحكومية الذى واجه بطئًا نسبيًا فى التنفيذ نتيجة للتداعيات المعقدة التى فرضتها الأزمات العالمية المتلاحقة، وهى كلها عوامل خلقت مناخًا من عدم اليقين وأثرت على شهية المستثمرين وسرعة إنجاز هذا البرنامج الاستراتيجى».
كما أوضح أن «الحكومة تواصل العمل على إصلاحات جوهرية فى ملفى الدعم والضرائب باعتبارهما من الركائز الأساسية لتقليص عجز الموازنة وتعزيز استدامة المالية العامة، ففيما يتعلق بالدعم، أوضح أن الدولة قامت بخطوات مهمة نحو تحسين إدارة منظومة دعم الطاقة، إلى جانب إدخال تعديلات تدريجية على أسعار الكهرباء والوقود لتخفيف الأعباء الواقعة على الخزانة العامة، رغم أن بعض الإصلاحات فى هذا المجال لا تزال قيد التنفيذ وتحتاج إلى استكمال.»
وفيما يخص إصلاحات الضرائب، أكد «عبد العال» أن الحكومة قطعت شوطًا ملحوظًا فى تطوير نظم التحصيل الضريبى وتحديث آلياته بما أسهم فى زيادة الإيرادات العامة، إلا أن توسيع القاعدة الضريبية وتحسين كفاءة الإدارة الضريبية لا يزالان من الملفات التى تتطلب مزيدًا من الجهود خلال الفترة المقبلة، بما يتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولى ويعزز قدرة الدولة على تحقيق استقرار مالى مستدام.
كما شدد على أن هناك دائمًا مساحة لاختلاف الرؤى بين الحكومة وصندوق النقد الدولى فيما يتعلق بمدى استيفاء كل بند من البنود المتفق عليها، والحكم النهائى فى هذا الملف وغيره يظل معلقًا على تقرير بعثة الصندوق التى تقوم بتقييم موضوعى لمدى التقدم الفعلى مقارنة بالبرامج الزمنية المتفق عليها، وهو ما سيحدد بدقة درجة التزام مصر بمتطلبات المراجعتين الخامسة والسادسة.
