رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الاعتراف بالدولة الفلسطينية بدأ من القاهرة وانتهى بالأمم المتحدة


20-9-2025 | 21:02

.

طباعة
تقرير: دعاء رفعت

بعد نحو عامين من حرب الإبادة الجماعية التى شنتها إسرائيل، وبينما لا يزال شبح التهجير يلوح فى الأفق، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على قرار الاعتراف بدولة فلسطين. وجاء هذا التطور التاريخى فى ظل موجة متصاعدة من الاعترافات الدولية، أطلقت شرارتها قمة استثنائية جمعت الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ونظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون فى قلب القاهرة، التى ما برحت منبرًا لصوت فلسطين وحقوق شعبها فى تقرير مصيره وتحقيق حلم الدولة المستقلة وفق حل الدولتين.

حصل مشروع القرار، المُسمى «إعلان نيويورك» لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، على 142 صوتا مؤيدا و10 أصوات معارضة، من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل والأرجنتين، وامتناع 12 دولة عن التصويت، منها ألبانيا وإثيوبيا والإكوادور. وطبقًا لوكالة الصحافة الفرنسية، نص الإعلان المكون من 7 صفحات على استنكار هجوم السابع من أكتوبر واستبعاد حركة المقاومة الفلسطينية حماس مطالبًا إياها بإلقاء السلاح، وكانت الجمعية العامة قد اعتمدت النص قبل 10 أيام من القمة التى سترأسها باريس والرياض يوم 22 سبتمبر الجارى فى الأمم المتحدة، حيث تعهد ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو تصريح أدلى به من قلب القاهرة، خلال زيارته إلى مصر ولقائه الرئيس المصرى، الذى سعى جاهدًا منذ انطلاقة الشرارة الأولى لحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة لمساندة الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، مصرًا على رفض مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدًا على ضرورة حل الدولتين لإضفاء السلام على المنطقة. وعلى الرغم من اعتراف نحو 3 أرباع الدول الأعضاء فى الجمعية العامة بدولة فلسطين منذ إعلانها عام 1988، فإن استمرار الحرب فى غزة وتوسع الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية يهددان فرص قيام الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى جهود الاحتلال المستمرة فى تضييق الخناق على القطاع وفرض التهجير على سكانه لإفراغ غزة التى عانت ويلات الحرب منذ ما يقرب من عامين، وأسفر ذلك عن نحو 64 ألفًا و368 شهيدًا، و162 ألفًا و367 مصابًا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 382 فلسطينيا، منهم 135 طفلا.

وتحدث الدكتور محمد عبدالعظيم الشيمى، أستاذ العلاقات الدولية، حول تأثير خطوة الاعتراف بفلسطين ودور مصر فى الدفع باتجاه تعزيز الاعتراف على المستويين العربى والدولى، موضحًا أن الاعتراف الدولى بأى دولة هو جزء من تمثيل الدولة بالخارج وممارسة دورها فى إطار مصداقيتها عالميًا، خصوصًا أن هذا الاعتراف يتخذ أكثر من مسار من ضمنها الاعتراف الرسمى من خلال قبول عضويتها فى العديد من المنظمات الدولية، وحتى الاعتراف الرسمى بها من قِبل عدد من الدول إقليميًا ودوليًا، وهو الأمر الذى مرت به الدولة الفلسطينية منذ إعلان المجلس الفلسطينى فى عام 1988، عن قيام الدولة وبالتالى تم الاعتراف بفلسطين من قِبل عدد من الدول، معظمها من الدول العربية ودول إفريقيا وآسيا ودول عدم الانحياز حتى وصلنا إلى عدد 147 دولة، وبالتأكيد كانت الحرب فى غزة إحدى محطات الاعتراف، وشهدنا فى الأعوام الأخيرة اعتراف كل من النرويج وآيرلندا وإسبانيا وسولوفينيا، وذلك منذ بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع وبالتحديد فى عام 2024، وكذلك تزايد عدد الدول المعترفة مع دخول فلسطين الأمم المتحدة بإعلانها عضوا مراقبا غير معترف به عام 2002.

وأشار «الشيمى»، إلى أهمية مبادرات العديد من الدول التى أعلنت عن رغبتها فى الاعتراف بفلسطين بالتزامن مع دورة جمعية الأمم المتحدة التى تُعقد سنويًا فى شهر سبتمبر، وذلك فى ظل الضغوط المتزايدة التى تعانى منها القضية الفلسطينية، ومحاولة الكيان الصهيونى طمس القضية واستخدام كل الوسائل الممكنة الاستحواذ على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالى الإعلان عن عدم وجود الدولة الفلسطينية، ويحدث شتات فلسطينى، ولكن يبرز هنا دور الدول الكبرى التى دخلت على مسبار الاعتراف الدولى بفلسطين، وعلى رأسها كل من فرنسا –التى أعلنت عن رغبتها بالاعتراف بفلسطين– وبريطانيا التى أشارت إلى تحديد مسار اعترافها خلال الشهر الجارى. ومع ذلك لا يمكن أن ننسى موقف كل من إيطاليا وألمانيا بأن هذا الاعتراف سيقوّض طرق التفاوض، وبهذا، انحازت كل منهما للجانب الأمريكى برفض الاعتراف بدولة فلسطينية.

وأما عن الموقف المصرى، فأكد الشيمى، أنه كان، ولا يزال، موقفًا داعمًا منذ بداية القضية وحتى اليوم، إذ تبذل القاهرة كل ما لديها من جهود وخبرات ورؤى للمسار الفلسطينى، وترى أن هذا الاعتراف يمثل إحدى أدوات الضغط الدولى، وأيضًا الدعم المطلوب والذى يمكن للمجتمع الدولى تقديمه للقضية الفلسطينية فى هذا الاتجاه، وخصوصًا مع انضمام دولتين كبيرتين بأوروبا لمسألة الاعتراف. وبالتالى، مارست القاهرة العديد من الاتصالات، وبذلت الكثير من جهدها لحشد دعم أكبر بمسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة لاستمرار تقديم الدعم على المستويين الإنسانى والسياسى للقضية الفلسطينية فى هذا الموقف الحرج. ولعل هذا ظهر جليًا بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع ماكرون، أو باتصالاته المستمرة مع رئيس الوزراء البريطانى، والتى كانت ضمن مسار التأكيد على ضرورة الوصول إلى الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط ووجود مجال آمن للخروج من هذه المرحلة، التى وضع من خلالها الكيان الصهيونى كامل المنطقة تحت ضغوط متصارعة، وأن الحل الوحيد سيكون من خلال حل الدولتين، وأن يكون هناك اعتراف دولى بفلسطين ومسار للتعايش السلمى لشعب فلسطين بشكل آمن، بعيدًا عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التى يمارسها الاحتلال على سكان غزة منذ عامين. فالدعم المصرى كان جليًا بكافة المحافل الدولية، وعلى كافة المستويات سواء السياسية أو الإنسانية أو الدعم اللوجستى والاستراتيجى، من أجل الخروج من هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها القضية.

وتحدث السيد ياسر أبو سيدو، القيادى فى حركة فتح الفلسطينية، حول أهمية وحدة الصف الفلسطينى، ونبذ الانقسام الداخلى كشرط أساسى للاستفادة من الاعترافات الدولية، وتعزيز الموقف الفلسطينى فى مواجهة الضغوط الإسرائيلية، موضحًا أنه مع موجة الاعتراف بدولة فلسطين أن الشعب الفلسطينى يقف فى خندق واحد، وأنه يدرك أن الإرهاب والقتل الصهيونى موجهان ضد الإنسان الفلسطينى دون تمييز بين فتح أو حماس أو أى فصيل آخر. مشيرًا إلى أنه إذا كانت إسرائيل تحاول أن تلعب على وتر التمييز سعيًا لتفريغ الصفوف، فهى أعلنت، وبوقاحة، أنها لن تترك غزة لحماس أو للسلطة الفلسطينية؛ لأنّها تدرك أن التوجه والهدف الفلسطينى يصبان فى اتجاه واحد: من يقاتلها هو الفلسطينى أيًا كانت آراؤه.

وأضاف أبو سيدو، أنه لو تعمقنا فى آراء الفلسطينيين لوجدناها متطابقة رغم صورة الخلاف التى يروّج لها البعض. وكل فلسطينى يُسهم فى تأكيد ضرورة الاعتراف بفلسطين كنتيجة للعلاقات التى يقيمها كل فصيل، أيًا كان. وللأسف، يسعى بعض إخواننا العرب إلى شدّ الأطراف الفلسطينية إلى جانب أفكارهم تبريرًا لعجز عربى عن اتخاذ موقف إيجابى. أما الكيان الصهيونى، فهو يشيع كذبًا أنه لا يجد مَن يتفاوض معه، وهذا تعبير صارخ عن رفض الصهاينة لأى فكرة سلام، والدليل تدمير اتفاق أوسلو وإنكاره من قِبلهم ومحاولة قتل المفاوض الفلسطينى فى دولة الوساطة. وأكد: «نحن سنقف وراء كل فلسطينى يصل إلى السلام العادل، ونرفض السلام الصهيونى مهما كلّفت التضحيات».

وحول الاستراتيجيات التى تتبعها إسرائيل لإفشال جهود الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو تقويضها، وكيف يمكن للدول العربية، وخاصة مصر، مواجهة هذه المخططات بشكل عملى وفعّال، أوضح الدكتور أشرف الشرقاوى، أستاذ اللغة العبرية والمتخصص بالشئون الإسرائيلية أنه لم يتأثر موقف إسرائيل كثيرًا ببدايات الاعتراف الدولى بفلسطين، فقد وضعت إسرائيل لنفسها منذ عقود هدفًا هو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وهى تنفذ هذا الهدف بشكل تدريجى، بغضّ النظر عن مواقف الدول الأخرى، ولتنفيذ هذا الهدف تقوم إسرائيل ببناء مستوطنات بشكل مكثف فى الأراضى التى يُفترض قيام دولة فلسطينية عليها، بحيث تمنع وجود أى امتداد إقليمى يتيح قيام الدولة الفلسطينية فعليًا. وأغلب الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية تعرف هذا فعليًا، وتكتفى فى بعض الأحيان بالرد على هذه النوعية من إجراءات الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية وتهويدها والاستيطان فيها ببيانات إدانة أو شجب أو استنكار، كثيرًا ما تكون ذات صياغة مائعة وغير حازمة.

وأشار «الشرقاوى» إلى أن حكومة إسرائيل تعلم أن هذه البيانات غير مؤثرة، ولهذا، فإنها مستمرة فى مخططها وكأن العالم الذى يدّعى الاعتراض عليها غير موجود والمشكلة الحقيقية هى أن أغلب حكومات العالم، وخصوصًا الحكومات الغربية والحكومات العربية، تُظهر معارضة علنية للاستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ولكنها فى السر، إذا لم تدعمه، فإنها على الأقل لا تُبدى معارضة حقيقية له، وأحيانًا لا تُبدى اهتمامًا بالموضوع أصلًا. أما كيفية مواجهة هذه المخططات بشكل عملى، فتستطيع الدول التى ترغب فى مواجهتها أن تفرض على إسرائيل عقوبات تصاعدية مثل وقف تصدير الأسلحة والذخيرة، ووقف تصدير الأسمنت وحديد التسليح وخامات البناء، أو حتى وقف التبادل التجارى مع إسرائيل تمامًا، وصولًا إلى العقوبات السياسية والدبلوماسية المتمثلة بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسى فى إسرائيل أو تجميد العلاقات الدبلوماسية معها. ولكن لا توجد دول لديها استعداد لهذه الإجراءات الجادة.

وفى تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، رصدت الصحيفة العزلة الدولية التى تكتسبها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتنياهو، مشيرة إلى أن حرب إسرائيل على غزة أضعفت التعاطف العالمى مع دولة الاحتلال، وعرضتها لأن تصبح دولة منبوذة حتى بين حلفائها بسبب قتلها المدنيين، وانتشار ذلك على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعى. وذكرت الصحيفة الأمريكية -فى تقرير بقلم ديفيد لوهنو وجوشوا تشافين– أنه خلال العامين الماضيين أدت الحرب المستمرة على غزة إلى تآكل هذا التعاطف، بسبب ما أدت إليه من قتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين وانتشار الجوع بين سكان غزة، وبثّ ذلك بانتظام على مليارات الهواتف فى جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى أن ما يقرب من نصف البالغين البريطانيين يقولون إن إسرائيل تعامل الفلسطينيين كما عامل النازيون اليهود فى الهولوكوست. فيما أكد مايكل كوبلو -من منتدى السياسة الإسرائيلية– إنه عندما تتوقف الحرب لن تعود الأمور كما كانت وستتغير صورة إسرائيل لدى الناس بشكل دائم، وهذا يخلف آثارًا شتى على إسرائيل اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا، ولعل هذا يتكشف جليًا بعدد الدول الغربية الصديقة لإسرائيل تقليديا والتى عقدت العزم على الاعتراف بدولة فلسطينية، بل إن ألمانيا ثانى مورد للسلاح إلى إسرائيل علّقت بعض صادراتها. وحتى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلونى، المؤيدة لإسرائيل منذ زمن طويل، قالت مؤخرا: «لم نتردد فى الدفاع عن إسرائيل، ولكن فى الوقت نفسه لا يمكننا الصمت الآن فى مواجهة رد فعل تجاوز مبدأ التناسب».

الاكثر قراءة