رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. جمال عبدالجواد فى قراءة للإقليم المشتعل: «القاهرة» تتحرك بمعادلة «أقصى استعداد لأسوأ احتمال»


20-9-2025 | 21:03

الدكتور جمال عبدالجواد.. مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

طباعة
حوار: أحمد جمعة

وسط عاصفة إقليمية ساخنة لا تهدأ منذ قرابة العامين، تزداد فيها التهديدات الإسرائيلية اتساعًا، والمخاطر الاستراتيجية عمقًا، تبقى المنطقة على حافة انفجار كامل لا يملك أحد رفاهية استبعاده، خاصة مع تصاعد الممارسات الإسرائيلية إلى أقصى درجات التمادي، متجاوزة كافة «الخطوط الحمراء»، مدعومة بغطاء أمريكى فج، مع غياب لـ«الكوابح الدولية».

فى هذا الحوار، يُحلل الدكتور جمال عبدالجواد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، المشهد الإقليمى الملتهب، ويفند ما وراء رسائل تل أبيب الاستفزازية، مؤكدًا أن ما أقدمت عليه إسرائيل فى العامين الأخيرين يعكس انتقالها إلى طور «الحد الأقصى» من المطالب التوسعية.

ومع ذلك يُشدد «عبدالجواد»، على أن رفض تهجير الفلسطينيين يمثل موقفًا مصريًا ثابتًا لا يقبل المساومة، وأن أى محاولة لفرضه ستُعتبر «عملًا من أعمال الحرب»، كما يرى أن «أقصى درجات الاستعداد مع أقل درجات التصعيد» هى المعادلة الأمثل لمصر وسط بيئة إقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات. وينظر مستشار مركز الأهرام للدراسات إلى الوساطة المصرية بين إيران ووكالة الطاقة الذرية بأنها تأتى تجسيدًا لموقف القاهرة النشط والأساسى فى المنطقة، كما يأتى الانفتاح المصرى الإيرانى كجزء من عملية إعادة تموضع بما يتناسب مع ما جرى فى المنطقة.. وإلى نص الحوار:

 

بداية.. ما قراءتك لمجريات القمة العربية الإسلامية التى احتضنتها الدوحة وما تمخّضت عنه؟

القمة بالتأكيد مهمة، وتعكس رغبة وإرادة الدول العربية والإسلامية فى أن تتصرف بجدية، وتظهر جديتها فى التضامن مع قطر والتصدى للعدوان الإسرائيلي.. فهى إجراء سياسى شديد الأهمية.

لكن علينا ألا نتوقع حدوث تحول 180 درجة فى سياسات دول المنطقة بعد العدوان الإسرائيلى على قطر، غير أننى أتصور أنها ستكون بداية تُشير لنا إلى الاتجاه الذى ستتحرك فيه الدول العربية فى المرحلة اللاحقة، لأن حجم المخاطر كبير، والتحديات جسيمة، ولا يوجد حل متاح وسهل يمكن إنجازه بـ»كبسة زر» أو بإجراء واحد يحقق الأهداف المطلوبة عربيًا وإسلاميًا.

وبالتالي، سيكون مطلوبًا من الدول العربية والإسلامية أن تبدأ عملية تدريجية لتحسين أوضاعها الأمنية، وتحالفاتها، وعلاقاتها فيما بينها، وهذا ما نستقرئه من نتائج القمة.

ما الاتجاه الذى ستتحرك فيه الدول العربية لدرء مخاطر التحديات المقبلة؟

القمة تُشير لنا إلى الاتجاه الذى تنوى الدول التحرك نحوه، لكن لا أتوقع أن تظهر نتائج مباشرة فى مدى قصير للرد على هذا التحدى.. فالرد على هذا التحدى لا يكون بإجراء واحد، وإنما بسياسات، ولا يكون بانفعال، بل بخطط طويلة المدى.

فإصلاح ما فسد من أوضاع سياسية وأمنية فى المنطقة سيستغرق وقتًا، والوصول إلى هذه النقطة استغرق زمنًا طويلًا، والعودة منها إلى وضع أفضل لصالح العرب والمسلمين والفلسطينيين أيضًا ستستغرق وقتًا طويلًا.. فهى قمة للبداية وليست للوصول إلى نتيجة نهائية.

حتى بعد استهداف إسرائيل للدوحة، خرج نتنياهو ليهدد قطر والدول التى تستضيف قادة حماس.. كيف تنظر إلى هذا التمادى الإسرائيلي؟

من عدة زوايا.. من الزاوية الأولى، أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يبعث برسالة مفادها أنه «لا يريد مزيدًا من المفاوضات».. فإذا أردت مفاوضات، فأنت تتفاوض مع حماس، وإذا أردت أن تتفاوض مع حماس فلا بد أن يوجد وسطاء يلتقون بها، ولا بد أن تكون حماس فى مكان يستضيفها حتى يمكن التواصل مع قيادتها فى محاولة للوصول إلى اتفاق.

فإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلى يقول إن قيادات حماس ستكون مستهدفة فى أى مكان فى المنطقة، فهذا يعنى ببساطة أنه لا يريد مزيدًا من المفاوضات.. هذا هو الاستنتاج السياسي، وعلى الفلسطينيين والدول العربية أن يدركوا أن هذه الرسالة الرئيسية.

رئيس الوزراء الإسرائيلى خطته واضحة تتمثل فى السيطرة على قطاع غزة، وإجلاء الفلسطينيين وطردهم من القطاع، بالإضافة إلى أهداف أخرى فى الضفة الغربية، أما موضوع المفاوضات والرهائن، فهو بالنسبة له أمر ثانوي، غير معنى بالرهائن، ومستعد تمامًا للتضحية بهم، ولهذا لا يريد مفاوضات.. وهذا بالتالى تحدٍ فى مواجهة حماس والدول العربية.

حماس اختطفت هؤلاء الرهائن على أساس أنها ستفاوض عليهم من أجل تحرير أسرى فلسطينيين، ومن أجل تحسين أوضاع أهل غزة.. لكننا نعرف النتيجة الآن، بعد مرور عامين من الحرب فى غزة، فهذا لم يحدث.. ما زالت حماس تفاوض، وتم ضرب وفدها التفاوضي، وإسرائيل تقول بوضوح «لا مكان لهم، ولا أريد مزيدًا من المفاوضات»، هذا هو جوهر رسالة تهديد نتنياهو.

ماذا تفعل دول المنطقة وحماس إزاء هذا التعنت الإسرائيلي؟

حماس عليها أن ترسم خطة أو سياسة أو استراتيجية جديدة.. وكذلك دول المنطقة والوسطاء بالتحديد، عليهم أن يتخذوا موقفًا واضحًا أو يعيدوا تقييم الموقف بناءً على هذه الرسالة الإسرائيلية.

هل هذه الرسالة نهائية، أو هى رسالة جدية؟.. وهل حليف إسرائيل الأكبر، الولايات المتحدة، موافق على هذه الرسالة؟ هل يشارك إسرائيل نفس التوجه؟ أم لديه رغبة فى مواصلة المفاوضات؟ وهل سيستطيع أن يُلزم إسرائيل باحترام الوساطة والتفاوض؟ أم أننا أمام أفخاخ جديدة ومصائد معدة لقيادات حماس، سواء فى قطر أو فى غيرها من الدول العربية؟.. كلها تساؤلات بحاجة إلى إجابات حاسمة وواضحة.

الموقف من ناحية إدارة الأزمة الحالية أصبح شديد التعقيد والغموض، ويحتاج إلى تقييم سياسى دقيق، كما يحتاج إلى إجراءات بديلة فى هذا المجال.

ماذا يريد نتنياهو فى نهاية المطاف؟

بعد كل ما حدث فى المنطقة خلال العامين الماضيين، يرى رئيس الوزراء نتنياهو نفسه قادرًا على أن يفعل ما يريد دون تكلفة.. فعل ما فعله فى غزة، وما يفعله فى الضفة، وفى لبنان، وفى إيران، وفى اليمن.. فإسرائيل الآن تركب حصان «الحد الأقصى»، أى الحد الأقصى من المطالب الإسرائيلية، وهذا طور خطير جدًا من أطوار المشروع الإسرائيلي.

حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى عن «إسرائيل الكبرى» لا يجب أن يمر مرور الكرام.. فأظن أن هناك داخل إسرائيل قوى كانت فى فترة سابقة هامشية، لكنها الآن لم تعد كذلك، ترى إمكانية تحقيق هذا الحلم الصهيونى التوراتى بإسرائيل الكبرى.. وفى ظل اختلال ميزان القوى الراهن، يصبح الأمر شديد الخطورة ويجب أن نأخذه بجدية.

فنتنياهو يهدد عواصم عربية حليفة للولايات المتحدة، وهى عواصم دفعت ثمنًا باهظًا، وأموالًا طائلة، لشراء أمنها عبر علاقتها بالولايات المتحدة.. ومع ذلك نرى رد فعل أمريكى شديد الوداعة تجاه إسرائيل.

اجتماع هذه المعطيات شديد الخطورة، لأنه يمنح إسرائيل وهمًا -وأؤكد أنها أوهام غير قابلة للتحقق- بأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء فى المنطقة، وأنها ربما تصل إلى حلم «إسرائيل الكبرى»، بما يعنى تعريض عدد أكبر من البلدان للعدوان الإسرائيلي.. وفى الوقت نفسه، لا توجد كوابح.. الولايات المتحدة هى الكابح الممكن لإسرائيل، لكنها فى ظل قيادتها الحالية لا تكبح أحدًا، ولا تكبح إسرائيل.

وربما توجد داخل الولايات المتحدة، وداخل هذه الإدارة الأمريكية تحديدًا، قوى تشارك إسرائيل الأهداف ذات الطابع الصهيوني، الذى يختلط فيه الدين بالعقيدة بالسياسة.. فالسفير الأمريكى فى إسرائيل، على سبيل المثال، هو رجل دين من دعاة الصهيونية المسيحية، ويشارك إسرائيل هذا الحلم.

إذن نحن نتحدث عن رؤية توسعية موجودة بالفعل داخل الإدارة الأمريكية، لا أقول بالضرورة إنها سياسة الرئيس ترامب أو الإدارة الأمريكية الرسمية، لكنها موجودة وتمارس تأثيرها فى كل لحظة.. وهذا ما يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلى يشعر بالثقة المطلقة وهو يطلق تهديداته ضد قطر وضد دول عربية أخرى.

ومرة أخرى، أكررها: الوضع خطير جدًا، ومفتوح على تصعيد كبير.

إزاء هذا المشهد الإقليمى المرشَّح للتصعيد الكبير.. ما مساحة الحركة للدولة المصرية وما خطوطها الحمراء؟

أقصى درجات الاستعداد لأسوأ الاحتمالات؛ وعدم استبعاد أسوأ السيناريوهات فى التخطيط السياسى والأمنى والاستراتيجى والعسكري، لأن هذه الأشياء السيئة قد تحدث -وهى ما لا نتمناه.

لذلك، أقصى درجات الاستعداد مع أقل درجات التصعيد.. الموقف فى حد ذاته ملتهب، والتصعيد قد يحدث تلقائيًا، وإسرائيل مندفعة فى اتجاه التصعيد، ولذلك لا يجب تسريع هذا التصعيد؛ بل على العكس، كلما توافرت فرصة لتهدئة الموقف كان ذلك أفضل، لأن ميزان القوى الدولى والإقليمي، بعد عامين من الحروب التى شهدنا نتائجها، أصبح مختلًا إلى حد بعيد.

كسب الوقت للمزيد من الاستعداد قد يتيح ظهور فرص لتهدئة الأزمة وإيجاد مخارج لها، وفى الوقت نفسه يجب التحسب لأقصى وأَسوأ الاحتمالات الممكنة.

وفيما يتعلق بملف التهجير، مصر ترفض بشكل قاطع هذا الملف فى ظل رغبة إسرائيلية واضحة وصريحة بدفع سكان غزة جنوبًا.. كيف نتعامل مع هذا التهديد المباشر؟

رفض التهجير هو الموقف المصرى الثابت والصحيح الوحيد، ولا بديل لهذا الموقف «رفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو إلى أى مكان آخر».. الفلسطينيون يجب أن يبقوا فى بلادهم ويحققوا أهدافهم الوطنية على أرضهم.. هذا خط أحمر، ومصر أعلنت ذلك بوضوح؛ وتكرار الإعلان أمر بالغ الأهمية حتى لا يعترى أى طرف وهم بأن هذا قابل للتحقق.

ما أعلنت عنه مصر حتى الآن أن أى إجراء تقوم به إسرائيل لكسر الحدود ودفع الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية ستعتبره القاهرة عملاً من أعمال الحرب ضدها، وهذا يستدعى ردًّا من جانبها.

توضيح الموقف بهذا الشكل والتحسب لكل الاحتمالات هو الموقف المصرى الصحيح؛ فالطريقة الوحيدة لمنع التهجير هى الموقف الواضح والصريح ضد أى محاولات تهجير.

نقترب من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتى من المقرر أن تعترف فيها دول أوروبية، على رأسها فرنسا، بالدولة الفلسطينية.. كيف ترى تأثير هذه الخطوة؟

هذه خطوة جيدة جدًا، كما أن قرار الجمعية العامة المؤيد لحل الدولتين مهم للغاية، وإعلان بعض الدول عن نيتها الاعتراف بفلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة هذا العام أمر مهم جدًا كذلك.

ودعنى أقول إن كل هذه الجهود تسعى لإنقاذ حل الدولتين، لأنه كان على وشك الموت، فقد أوشكت تل أبيب على الإجهاز عليه؛ إذ كان لدينا فى الماضى حكومات إسرائيلية مستعدة لقبول حل الدولتين، وآخرها حكومة إيهود أولمرت التى انتهى حكمها عام 2008، أى منذ ما يقارب 20 عامًا، ومنذ ذلك الحين تتوالى الحكومات اليمينية الرافضة لفكرة حل الدولتين، والتى تعمل جاهدَة على تحويله إلى أمر غير ممكن التطبيق.

ولعل التوسع فى بناء المستوطنات، والحملة الأخيرة التى قسمت الضفة الغربية عمليًا إلى أقسام غير متصلة شمالًا وجنوبًا، كانت خطوة واضحة فى اتجاه قتل هذا الحل.

حل الدولتين لم يعد يحظى بشعبية فى الولايات المتحدة، خصوصًا لدى هذه الإدارة الأمريكية، ربما كان حاضرًا لدى إدارات سابقة، لكن الإدارة الحالية لا تراه خيارًا مطروحًا.

أما بالنسبة لحماس، فموقفها من حل الدولتين غامض؛ إذ قادتنا بقرارات كثيرة خاطئة إلى هذه النقطة، وحتى الآن موقفها غير مكتمل وغير واضح، فهى تحرير كامل الأراضى الفلسطينية.

لكن، دعنا من حماس لأنها لم تعد الطرف الأهم الآن، فهى أصبحت طرفًا ضعيفًا.

ما يهم هو أن حل الدولتين يتم قتله فعليًا فى إسرائيل وفى أمريكا، بينما ما يجرى العمل عليه الآن فى الأمم المتحدة، بجهد عربى واضح، تلعب فيه مصر والسعودية دورًا مهمًا جدًا، هو جهد لإنقاذ حل الدولتين وإبقائه حيًا حتى تتاح فرصة لإعادة تحويله إلى واقع.. لا أعرف متى ستأتى هذه الفرصة، لكن هذا هو جوهر ما يحدث.

كل جهد يُبذل بشأن حل الدولتين، سواء فى الأمم المتحدة أو فى غيرها، ليس لأننا سننشئ الدولة الفلسطينية غدًا، الدولة الفلسطينية لن تُنشأ غدًا؛ حلم الدولة الفلسطينية ما زال بعيدًا جدًا، ما نحاول فعله الآن هو فقط الإبقاء على هذا الحلم «على قيد الحياة»، بوضعه فى غرفة إنعاش، حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.

الوضع بشأن القضية الفلسطينية غير جيد على الإطلاق، لكن هذا الجهد مفيد وضرورى لتوفير نوع من شريان الحياة، خط حياة للحلم الوطنى الفلسطيني.

لكن فى المقابل، هل تجهضه الإدارة الأمريكية الحالية؟

الإدارة الأمريكية الحالية تعمل بكل جهد لإجهاض حل الدولتين.. الإدارة الأمريكية الحالية تبدو إسرائيلية أكثر من إسرائيل.

إزاء هذا الجهد الدبلوماسى الكبير لدعم القضية الفلسطينية، هناك محاولات مستمرة لتشويه الموقف المصري، كانت ذروتها خلال الأسابيع الماضية.. كيف نجحت القاهرة فى الرد على هذه الأكاذيب؟

جزء من هذه المحاولات لتشويه الجهد المصرى كان مقصودًا به دفع مصر إلى التصرف بحماقة واندفاع، ما يدخلها فى مصيدة تستغلها إسرائيل لصالحها، وبعضها الآخر صادر عن أطراف تُغلب المكايدة السياسية ضد النظام المصرى على المصلحة الوطنية، وترى أن أى ضغط أو إحراج للنظام أمر جيد، حتى لو أدى إلى كارثة وطنية أو قومية.

لكن الجهد المصرى فى الفترة الأخيرة نجح فى تبديد هذه المحاولات، وواضح الآن أنها تراجعت إلى حد بعيد جدًا، وكما أصبح واضحًا، بعد التطورات الأخيرة، حجم المخاطر الكامنة فى الوضع الراهن، وكذلك حجم المخاطر الكامنة فى محاولات من نوع دفع نشطاء ناحية الحدود والمعابر أو ما شابه ذلك.

ربما استغرق الأمر بعض الوقت من الدولة المصرية لتبديد هذه التشوهات، لكننى أعتقد أننا وصلنا الآن إلى نقطة يتسم فيها الموقف المصرى بوضوح شديد.. بل على العكس، أصبحت كل الأطراف تقريبًا فى المنطقة تراهن على الموقف المصرى فى التصدى للهجمة التوسعية الإسرائيلية.

لقد انتقلنا من حالة كانت تُوجّه فيها أصابع الاتهام إلى مصر، إلى حالة نتلقى فيها التأييد والتشجيع بوصفنا طرفًا يتصدى ويتحدى العدوان الإسرائيلي.

علينا أن ندير هذا الملف بدقة شديدة.. مصر نجحت فى توضيح موقفها للإقليم بأسره، كما نجحت فى توصيله للعالم، وعلينا أن نستمر على هذا النهج بألا ننجرف وراء التصعيد، وأن نمارس سياسة منضبطة، وأن نواصل الاستعداد الجاد لأسوأ الاحتمالات.

بينما كانت إسرائيل تستهدف الدوحة، كانت القاهرة تحتضن اجتماعًا مهمًا بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية أسفر عن اتفاق فى شأن المفاوضات النووية.. كيف قرأت هذا المشهد؟

مصر لها دور نشط وأساسى فى المنطقة، فهى دولة محورية، وأرى أن الانفتاح المصرى على طهران جزء من عملية إعادة تموضع بما يتناسب مع ما حدث فى المنطقة، خاصة أن تعزيز شراكات جديدة وخلق شركاء يمكن التعاون معهم لدرء بعض المخاطر أمر منطقي، ومن ثم فتحت أبواب بين القاهرة وطهران، ما زالت فى بدايتها لكنها تمنح البلدين فرصة لاستكشاف إمكانيات تطوير علاقاتهما.

هذا تحول استراتيجى مهم وآثاره على المدى الطويل أكبر بكثير من أثره على المدى القصير؛ فليس فى مصلحة الأطراف العربية والإسلامية البحث عن حلول قصيرة المدى فى مثل هذا السياق المعقد.

على المدى القريب قد يكون ميزان القوى مختلاً، لكن عبر التعاون والعمل الجاد على المدى الأبعد يمكن أن تتكون بدائل جديدة، وأعتقد أن تطور العلاقات بين مصر وإيران مهم فى هذا السياق.

أخيرًا، ونحن نقترب من الذكرى الثانية لما حدث فى 7 أكتوبر.. هل ترى أن ما حدث كان خطأ استراتيجيًا من حماس أم ضرورة لوقته؟

إن حكمت بالنتائج، فكان خطأ كبيرًا للغاية.. حال الفلسطينيين فى غزة اليوم ليس أفضل مما كان عليه قبل عامين؛ الحلم الوطنى الفلسطينى بدولة مستقلة أصبح أبعد بكثير عما كان قبل 7 أكتوبر، التغول الذى وصلت إليه إسرائيل لم يكن بهذه الدرجة قبل 7 أكتوبر، ونفوذ التيار اليمينى المتشدد فى إسرائيل بات مسيطرًا على السياسة الإسرائيلية بدرجة لم تكن موجودة سابقًا.

لذلك، 7 أكتوبر كان خطأ استراتيجيًا جسيمًا، وهو ما أوصل المنطقة إلى هذه النقطة، لكن لأكمل الصورة، دعنى أقول إن موت عملية السلام وتجميد العملية السياسية طوال السنوات التى سبقت 7 أكتوبر هما اللذان جعلا ذلك اليوم يبدو، لدى البعض، كحل متاح أو مبرر.

لست أتحدث هنا عن قيادات حماس فقط، بل عن قطاعات من الجماهير فى المنطقة التى شعرت بأنه لا يحدث شيء، فذهبت إلى هذا أبعد مدى من اجتياح حدود واختطاف رهائن.

بالتالى ما أريد قوله هو أن 7 أكتوبر خطأ فادح، لكنه جاء أيضًا نتيجة لتجميد العملية السياسية وانقطاع الأمل فى حل سياسى للقضية الفلسطينية قبل ذلك التاريخ، العاملان معًا أوصلانا إلى هذا الوضع، لكن من ضغط على الزناد وأطلق هذه التطورات المريرة كانت حماس، وبالتالى هو خطأ استراتيجى قولًا واحدًا.

الاكثر قراءة