رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الذات والمرأة» صورة الرجل فى السرد النسوى العربى


21-12-2025 | 20:23

.

طباعة
تقرير: نورا محمد

 «الذات والمرأة صورة الرجل فى السرد النسوى العربى بين التشكيل والتأويل» كتاب صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، لأستاذ الدراسات الأدبية والناقد الأكاديمى محمد سليم شوشة. ضمن «سلسلة كتابات نقدية» وبه يتتبع الكاتب بالدراسة صورة الرجل فى السرد النسوى الحديث مع محاولة مقاربة هذه الصور وتجلياتها تحديدًا فى أربع روايات هى على الترتيب رواية «مسرى الغرانيق فى مدن العقيق» للكاتبة السعودية أميمة الخميس، ورواية «صيف مع العدو» للسورية شهلا العجيلى، ورواية «شمس بيضاء باردة» للروائية الأردنية كفى الزعبى وأخيرًا رواية «النبيذة» للروائية العراقية إنعام كجه جى. 

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وثلاثة فصول جاءت المقدمة لتقدم موجزًا لمحتوى تلك الفصول، بالإضافة إلى توضيح السبب إلى اختيار هذه الروايات الأربع، حيث أرجع الكاتب هذا الاختيار لسببين الأول يعود إلى الروايات نفسها فهى روايات حديثة زمنيًا، مما يؤدى إلى المزيد من الدقة فى استجلاء صورة الرجل فى التشكل والتصور الجديدين أو الآنى كما ذكر الكاتب صراحة، والسبب الآخر يعود إلى الروائيات فالروائيات الأربع اللاتى وقع اختيار الكاتب عليهن هن الأعلى تأثيرًا وكتاباتهن من الأعلى توزيعًا وانتشارًا مما يجعلهن نموذجًا ثريًا للبحث والدراسة. كما تطرق الكاتب إلى توضيح النهج الذى عمد إليه فى دراسة الروايات الأربع مؤكدًا على تركيزه على الجانب الدلالى التفسيرى لصورة الرجل جنبًا إلى جنب مع التركيز على القيمة الجمالية والتوظيف السردى للرجل فى السرد النسوى.

جاء الفصل الأول من الكتاب بعنوان «السرد التاريخى ودلالة الرجل على عصره» وبه يتتبع الكاتب بالبحث الرواية التاريخية ممثلة فى رواية مسرى الغرانيق فى مدن العقيق، وبطلها «مزيد الحنفى» النجدى من أهل اليمامة الذى يعيش فى القرن الخامس الهجرى وأبرز ما يميز شخصيته فى الرواية هو ولعه ونهمه للمعرفة، والذى يعد سمة من سمات شخصيته وتكوينه للبحث عن الذات ومعرفه نفسه.

وقد فصل الكاتب الحديث حول ما تمثله هذه الرواية كخطاب روائى ثرى فيما يخص تصوير السرد النسوى للرجل وتقديم أبعاد عديدة من زوايا مختلفة من النظر والإدراك، حيث يندرج تحت هذا الباب العديد من العناوين الفرعية والتى يحمل كل منها بعدًا مختلفًا من أبعاد صور الرجل فى الخطاب السردى وهى على الترتيب:

الجانب الذكورى فى الرجل وبه تفصيل لشخصيتين بعينهما من شخصيات الرواية وهما الأب والشيخ التميمى.

الرجل بين رفض الآخر والتعايش معه، وفيه يُفصل الكاتب الحديث حول كيفية عرض رواية مسرى الغرانيق لنوعين متباينين من الرجال أحدهما يتعايش مع الآخر وينسجم معه والنوع الآخر يرفضه ويتشدد دينيًا معه.

الرجل بين ثنائية التبعية/ التحرر، حيث يقدم شوشة عرضًا وافيًا لطرح أميمةالخميس نمطًا مركبًا لشخصيات الرواية وهو نوع الرجال الذى يجسد فكرة التبعية والذى يتفرع منه نوعان هما المتبوع والتابع فى مقابل نمط الرجل المتحرر المتمرد الذى يبدو على قدر كبير من الحركة الفكرية وغياب الثبات أو الجمود.

وعن الشخصية الجامدة والوصف الجسمانى لها، يسلط الكاتب الضوء على اهتمام أميمةالخميس فى تصوير الأبعاد الجسمانية للشخصيات الجامدة فى روايتها ممثلة فى المتشددين دينيًا ومركزًا على كون هذا التصوير يمثل صورة تقليدية قد نجدها فى خطابات روائية أخرى.

صورة غير المسلمين فى الرواية وتحت هذا العنوان يعرض الكاتب كيف طرحت الرواية نموذجًا إيجابيًا لغير المسلم المندمج فى الحضارة الإسلامية، وكيف نجحت الرواية فى إبراز ملامح متكاملة لرجل العصر الذى تدور حولة الرواية من خلال معالجة صورة الأنا والآخر.

فى خاتمة الباب الأول للكتاب يركز المؤلف على تعمد الكاتبة رسم شخصية بطل الرواية تحمل سمات الرقة ورهافة الحس، فقوة الرجل هنا تتخذ شكلاً مغايرًا عن المعتاد والمتعارف عليه من القوة الجسدية فقوة «مزيد» تأتى من مصارعته ومنازعته لتحصيل العلوم والمعارف، فحربه ليست حربًا تقليدية وإنما هى أقرب لجهاد النفس.

يأتى الفصل الثانى من الكتاب بعنوان «الرجل (الأزمة/ الإشكالي) فى رواية «صيف مع العدو» أفرد الكاتب الفصل الثانى من كتابه لتحليل شخصيات رواية الكاتبة السورية شهلا العجيلى وهى رواية تندرج تحت ما يُسمى روايات المهجر أو الشتات وبها يعرض الكاتب أثر الرجل وأنماطه العديدة فى حياة بطلة الرواية «لميس»، ففى هذه الرواية تحديدًا يتم طرح صورة شديدة التعقيد للرجل فى الخطاب السردى يجعل من بطله الرواية أقرب لكوكب صغير يدور فى فلك الرجال ويقع تحت تأثير أدوارهم المتباينة والمتفاوتة.

وعلى عكس البابين الأولين للكتاب يأتى الباب الثالث والأخير (الأبعاد الرمزية للرجل) ليتناول بالتحليل روايتين بدلاً من واحدة وهما رواية شمس بيضاء باردة للروائية كفى الزعبى ورواية النبيذة للروائية إنعام كجه جى.

يقدم الكاتب تحليلاً وافيًا لشخصية “راعى” بطل رواية شمس بيضاء باردة موضحًا كيف استطاعت الروائية تشكيل الشخصية بنمط مختلف عن بقية الشباب. فجعلت منه المثقف المرهف الذى يعيش فى معاناة دائمة، فكانت شخصيته على قدر من الانقسام والتناقض فهو الرجل الذى يتوغل فى الأخطاء، بينما يرفضها ويؤنبه ضميره عليها وهو لا يقوى على أن يمنع نفسه من السقوط فى فخ الخطيئة ويرغب فى تكفير الأمر بالموت ولكنه يبدو جبانًا وأضعف من التنفيذ، وهو الذى يرغب فى مساعدة صديقه وإنقاذه من الإفلاس بينما لا يقدم له شيئًا، ليكون بذلك نمطًا ثريًا ومشحونًا بالصراعات الداخلية التى تخلق قدرًا كبيرًا من التوتر والتشويق فى نسيج هذا الخطاب السردى. ووضح الكاتب أن الروائية رسمت شخصية «راعى» بطريقة لا يمكن فهمها بمعزل عن صورة المرأة فى الخطاب الروائى، فكل امرأة تقريبًا تصبح ذات صلة بالشخصية الرئيسة «راعى» تمثل على نحو ما مرآة لهذه الشخصية، إلا أن هناك شخصيتين هما المحركتان لشخصية البطل الأولى هى عائشة وهى التى تكشف عن الجانب الذكورى فى شخصية “راعى” وعن ضعفه وعدم قدرته على مقاومة شهواته والشخصية الأخرى هى شخصية الحبيبة التى تكشف عن الجانب الرومانسى والمثالى فيه، ومما ينتج عن هاتين الشخصيتين فى الخطاب السردى تكشف الرواية عن مقدار تراكب شخصية «راعى» وتعقدها، وللمزيد من توضيح أبعاد شخصية «راعى» يعرض الكاتب شخصية الأب محللاً لها تحليلاً دقيقًا وموضحًا أهم سماتها الممثلة فى الجمود ومجافاة الفن والجشع والتدين الشكلى، وهى الشخصية التى شكلت مصدرًا للصراع الدائم مع شخصية “راعى”.

ثم يتطرق المؤلف إلى (رواية النبيذة) للأديبة العراقية إنعام كجه جى والتى رأى أنها تتمتع بعدد من المقومات الجمالية المهمة والتى تثير قدرًا من الأسئلة حول تاريخ العراق الحديث من المرحلة الملكية والاحتلال الإنجليزى وحتى فترة غزو العراق والاحتلال الأمريكى.

وقد وضح أنها تطرح نمطين متباينين للرجل أولهما الرجل الطارد الممثل للعديد من القيم السلبية الطاردة والتى تمثل مصدرًا للأعباء والقسوة والمعاناة بالنسبة إلى المرأة والمتمثلة فى شخصية زوج الأم وابن الشيخ، والنمط الثانى من الرجال هو نموذج الحبيب الذى يغدو مطرودًا من الوطن ويمر بتجربة الهجرة والفقد والمتمثلة فى شخصية منصور البادى والذى يبدو معادلاً للوطن المفقود، وهذان النمطان يكسبان الرواية حالة من الحزن تزيد من شعرية السرد.

فى النهاية يبين المؤلف أن هذه الخطابات السردية النسوية فى الروايات الأربع التى تناولها بدراسته هى نماذج حية تخضع للحركة والتطور وتطرأ عليها تحولات وتنامى الشخصية أو تبدلها بفعل السياق الثقافى الذى عاشته. 

 

أخبار الساعة