بنبرات حاسمة واتصالات ولقاءات عربية ودولية مكثفة، أعلنت مصر بكل قوة «رفضها إعادة احتلال إسرائيل العسكرى لقطاع غزة»، وطالبت بشكل عاجل وفورى «وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، والإفراج عن الرهائن والأسرى»، وشددت مصر فى أكثر من إفادة على موقفها السابق برفض «تهجير الفلسطينيين». وحذرت من «استمرار سياسة التجويع الممنهج والإبادة الجماعية التى تؤجج الصراع وتعمق الكراهية ونشر التطرف فى المنطقة»، وترى أنه «لا أمن ولا استقرار لإسرائيل أو للمنطقة دون تجسيد الدولة الفلسطينية»، كما تواصل جهود الوساطة من أجل «هدنة» جديدة فى القطاع تنقذ الفلسطينيين من القتل والتشريد.
جاءت خطة بنيامين نتنياهو الاستعمارية الأخيرة لتحويل القطاع إلى «معتقل كبير لأهل غزة»، وانعكاسا حقيقيا للنوايا الإسرائيلية منذ بداية الحرب فى 7 أكتوبر 2023، وتتمثل فى إعادة احتلال القطاع بالكامل، وطرد أكبر عدد ممكن من سكانه إلى خارجه، وهو ما ترفضه مصر والدول العربية وبعض الدول الغربية رفضا قاطعا.
د.ياسر طنطاوى، خبير الشئون العربية والإسرائيلية، قال إن «قرار إسرائيل باحتلال القطاع، هو قرار وحشى ومدمر للشعب الفلسطينى، ولا يخضع لأى شكل إنسانى، وعواقبه وخيمة على جميع الأطراف وفى مقدمتهم إسرائيل، ويضرب بكافة الاتفاقيات الدولية عرض الحائط ويرسخ الاحتلال الإسرائيلى غير الشرعى للأراضى الفلسطينية، إضافة إلى استمرار المذابح وحرب الإبادة فى غزة، وسوف يؤدى القرار الإسرائيلى إلى إنهاء كافة أشكال الحياة فى المنطقة، وينهى على أى محاولات لإقامة دولة فلسطينية».
وبحسب د.أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس، فإن قرار الاحتلال بالسيطرة على بقية القطاع، هو بالفعل يسيطر الآن على أكثر من 80 فى المائة منه، وتحديده أن العملية يجب أن تدخل حيز التنفيذ فى السابع من أكتوبر المقبل، قد تحمل دلالتين، الأولى هى أن نتنياهو وحكومته تركوا الباب موارباً للوسطاء عبر الضغط على «حماس» للعودة من جديد إلى المفاوضات بسياسة «العصا والجزرة»، وعبر التهديد باحتلال بقية مناطق قطاع غزة، للذهاب إلى صفقة، وهذا وارد، والثانية ربما يحمل «خديعة» لأننا جميعاً كنا نتوقع أن يبدأ الهجوم على منطقة دير البلح وخان يونس ومنطقة المواصى وليس مدينة غزة وشمالها، فالإعلان عن ذلك قد يكون فيه خديعة ليربك المقاومة التى تنقل قوتها من غزة إلى الجنوب أو الوسط، وبالتالى يتمكن الاحتلال من الانقضاض عليهم بسهولة، وأعتقد أن هذه الأمور فى الخيارين واردة.
عن الوضع فى غزة بعد قرار نتنياهو الأخير، ذكر «الرقب» أولاً إذا دخل الاحتلال بهذه الطريقة، فالرهائن الإسرائيليون والأسرى سيموتون بالتأكيد، لأن الاحتلال سيقتلهم ويقتل المقاومين، نتنياهو فعّل برتوكولا سابقا من خلال «قتل الخاطف والمخطوف»، ولا أعتقد أنه يكترث للمظاهرات التى تخرج فى المدن الإسرائيلية وتطالب بالوصول إلى «صفقة» لوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، لكن إذا ذهب نتنياهو إلى ذلك، فإنه يغامر بحياة الأسرى.
وأضاف خلال فترة المفاوضات بين إسرائيل و«حماس»، تل أبيب كانت ترغب فى صفقة جزئية، ثم تعود إلى الحرب مرة أخرى، والواضح أن الأمريكان اقتنعوا بالرأى الإسرائيلى، وهو تنفيذ عمليات احتلال كامل لغزة لتغير المعادلة وتهجير جزء كبير جد من سكان القطاع، فالموقف الأمريكى تغير بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وواضح أنه أقنعهم بإنشاء «معسكرات اعتقال كبرى» يُطلق عليها «مدن إنسانية» باتجاه مدينة رفح فى منطقة لا تتجاوز مساحتها من 40 إلى 50 كيلو مترا، أى قرابة من 10 إلى 15 فى المائة من مساحة قطاع غزة، يضع فيها 2 مليون نسمة، ولا يكون لديهم سبيل؛ إلا أن يهاجروا من القطاع إلى المجهول، وهذا ما يرغب الاحتلال فى تنفيذه.
وتواصل مصر جهودها للتصدى لقرار إسرائيل باحتلال بقية أراضى قطاع غزة، وأدانت بأشد العبارات قرار المجلس الوزارى الإسرائيلى بوضع خطة احتلال القطاع بالكامل، والتى تهدف إلى ترسيخ الاحتلال غير الشرعى للأراضى الفلسطينية، ومواصلة حرب الإبادة فى غزة.
«طنطاوى» أكد أن مصر هى المدافع الأول عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطينى، وضحت بالغالى والنفيس من أجل «القضية»، وما تقوم به مصر الآن، هو من أجل الحفاظ على «القضية» والهوية الفلسطينية ورفض التهجير، فمصر تتحرك بشكل دبلوماسى، عبر المنظمات الدولية، ومن خلال التواصل مع رؤساء الدول للدفاع عن القضية الفلسطينية، لكنها تضع «خطوطا حمراء» لا يمكن تجاوزها من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى، فما تقوم به إسرائيل «حرب إبادة ومذابح وخرق لكافة الاتفاقيات والمعاهدات، والقضاء على السلام فى المنطقة»، فالحل الوحيد الذى اتفقت عليه كافة الدول والمنظمات الدولية هو «حل الدولتين».
وتعيد مصر دائما التأكيد على أنه «لا أمن ولا استقرار ستنعم به إسرائيل والمنطقة؛ إلا من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو سنة 1967 عاصمتها القدس الشرقية».
فيما أكد «الرقب» أن مصر وقطر تتحركان بشكل أساسى لإنهاء عمليات القتل والتجويع بحق الشعب الفلسطينى، والوصول إلى اتفاق تهدئة، خاصة أن حركة «حماس» أبدت مرونة فى جولة المفاوضات، فالحركة توافق بشكل واضح على ألا تكون فى الحكم خلال اليوم التالى، لكنها تريد «صفقة شاملة» ليأخذ الإسرائيليون أسراهم ووقف الحرب بشكل كامل على قطاع غزة.
ويرى أنه بالإمكان طرح أفكار «خارج الصندوق» من خلال «وجود قوات دولية، أو رعاية دولية لقطاع غزة بشكل مؤقت» حتى يتم ترتيب الأوراق، وبعد ذلك تأتى السلطة التى تحتاج إلى إصلاح وترتيبات لتولى الوضع فى غزة، لكن هذا بالتأكيد يحتاج إلى إقناع الاحتلال الإسرائيلى، وقبل ذلك إقناع الأمريكان.
بشأن ما الذى يمكن أن يقوم به العالم العربى والغربى تجاه هذا التطور الخطير فى القطاع، يرى «طنطاوى» أنه لابد من اتحاد العالم العربى فى ظل هذه الظروف لاتخاذ قرار موحد وقوى للحفاظ على الأمن القومى العربى، ومطلوب تضافر جهود الدول العربية وتفعيل التعاون العربى المشترك فى مختلف المجالات، فأمننا العربى أمن واحد، ولابد من التواصل مع كافة المنظمات الدولية للحفاظ على الحقوق العربية.
وبحسب «الرقب» فإنه بإمكان أوروبا رغم اللوبى الصهيونى القوى، استخدام أوراق مؤثرة بشكل كبير جدا، وبخاصة ملفات الشراكة الإسرائيلية الأوروبية التجارية أو الأمنية أو الاقتصادية، وهى ملفات عديدة تؤثر بشكل كبير جدا فى دولة الاحتلال، وحتى الآن هناك تلويح باستخدامها، لكن من دون استخدامها بالشكل الحقيقى، وبالإمكان الضغط على الاحتلال لوقف هذه العمليات.
«الرقب» يرى أنه إذا أكمل الاحتلال عملية احتلال قطاع غزة، فهو ذاهب إلى التهجير، والخطة التى نشرت فى ذلك ونشرها إعلاميون بارزون مقربون من نتنياهو، هى إقامة مدينة عازلة أو معسكر اعتقال كبير قيل وقتها فى منطقة رفح بالخيام وزج الكتلة السكانية إلى هناك، ولن يسمح لهذه الكتلة السكانية بالخروج؛ إلا خارج غزة أو خارج فلسطين، وبالتالى لا يكون لديهم سبيل إلا أن يستمروا فى العيش بهذا «المعتقل الكبير» يتلقون الغذاء والدواء دون مستقبل أو حياة، وبالتالى نحن أمام عربدة أمريكية إسرائيلية، وقد يستمر هذا الوضع لسنوات، ومن يتمكن من الهجرة أعتقد أن الاحتلال سوف يسمح له بذلك ويسهل لهم الخروج خارج القطاع.