موقف حركة «حماس» من «الهدنة» والأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، بات مثار تساؤل تصاعد هذه الأيام مع تجاهل الحركة لمعاناة أهل غزة، وغياب الخطط الحقيقية للتعامل مع الكارثة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.
وبات واضحًا أن «حماس» تُفضل مصالحها على حساب وحدة الصف الفلسطينى، فهى ترفض تقديم أى تنازلات من أجل «هدنة» وتتمسك بالسيطرة على غزة وعدم نزع السلاح.
ليس هذا فقط؛ بل تضرب عرض الحائط بكل المواقف التى قدمتها مصر من أجل التوصل لاتفاق خلال الأشهر الماضية، بل سمحت لـ«الإخوان» بالتظاهر ضد القاهرة، وخرج رئيس الحركة، خليل الحية ودعا بشكل سخيف إلى «الزحف نحو فلسطين برًا وبحرًا وحصار السفارات».
فيما لم تعلق الحركة على هذه الدعوة والاتهامات لمصر، إلا أن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، استنكر «الحملات الممنهجة ضد الدور المصرى الداعم للشعب الفلسطيني»، وقال إنها «تعكس أغراضا مشبوهة ومضللة»، مشيرا إلى أن مصر «قدمت 70 فى المائة من المساعدات الإنسانية التى دخلت قطاع غزة».
وأكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أن مصر «تتمسك بثوابتها تجاه القضية الفلسطينية»، وأشار إلى أن «القاهرة ترفض تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، وتعمل مع الشركاء فى قطر والولايات المتحدة، للتوصل لوقف إطلاق النار»، إلى جانب «اعتزام مصر استضافة مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى قطاع غزة».
وتصاعدت الاحتجاجات أمام السفارات المصرية فى الخارج، مع دعوات لحصارها، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع قطاع غزة، وإيصال المساعدات للغزاويين، رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة بعدم إغلاق المعبر من الجانب المصرى.
وجاء رد وزارة الخارجية حاسمًا بأن التظاهر أمام السفارات المصرية يجحف بالدور المصرى التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية والتضحيات التى قدمتها مصر منذ النكبة، ويصب تمامًا فى مصلحة الاحتلال الإسرائيلى ويقدم له هدية مجانية، ويسهم ذلك فى تشتيت الرأى العام الدولى والعربى عن المسئول الحقيقى عن الكارثة الإنسانية فى القطاع.
د. عبد المهدى مطاوع، المحلل السياسى الفلسطينى، قال إن «حماس» تعتقد أن الأزمة الإنسانية فى غزة ستشكل ضغطًا على إسرائيل، لأن العالم سوف يشاهد صور الجوعى ويضغط على إسرائيل، لكن معاناة الفلسطينيين أفضل استثمار لـ «حماس» لتحقيق أهدافها دون أن تتنازل عن شيء.
ويرى أن تجاهل معاناة المدنيين فى حديث قيادات «حماس» كان واضحًا منذ بداية الحرب، فمثلًا حديث قيادات الحركة عن أن الشهداء خسائر تكتيكية، وأنه ليس عليهم مسئولية حماية الفلسطينيين، بل على الأمم المتحدة، وأن الخسارة تحسب فى القيادات وليس فى المواطنين، لافتًا إلى أن «حماس» تقوم بسرقة المساعدات، والحصول عليها وتوزعها على عناصرها ليلًا، وهذا الأمر كل من فى غزة يدركه، مؤكدًا أنه منذ البداية اعتبر «الإخوان» غزة مكسب لهم قطعة أرض يديرونها يجمعون تبرعات لها، وبها جناح مسلح، منطقة تشكل إزعاجا لجيرانها، خصوصا مصر، لذا فحماس لا يهمها المواطنين الموجودين فى غزة.
د. فهد الشليمى، المحلل السياسى، رئيس المنتدى الخليجى للأمن والسلام، قال إن «حماس» الآن لا تكافح من أجل الشعب الفلسطيني، لكن تكافح لبقائها، فالحركة خسرت معركة القلوب والعقول فى الداخل الفلسطينى، لذا هى تريد الآن أن تربح معركة البقاء والتواجد، وتستخدم فى ذلك الأسرى الإسرائيليين والمعاناة الإنسانية للفلسطينيين ويعززها فى هذا الاتجاه التعاطف العالمى مع معاناة الشعب الفلسطينى وليس التعاطف مع «حماس»، فالحركة تستفيد من هذا التعاطف كورقة تفاوضية، إذ نجح هذا التعاطف فى كسر الإرادة الإسرائيلية، «حماس» تقول نحن ربحنا، لذلك لا يوجد أمامها خيار إلا الاستمرار إلى أقصى حد.
ولفت إلى أن إسرائيل خسرت معركة الجوع والعطش فى غزة و«حماس» منها، فالحركة تعتقد أن الشعب الفلسطينى والأسرى أدوات تستخدمها لبقائها فى السلطة خلال اليوم التالى، وليس لديها أى موقف تفاوضي، ولن تقدم أى تنازلات.
ووفق «الشليمى» فإن «حماس» لا تريد وحدة الصف الفلسطينى، فهى تريد وحدة صف «إخوانجى»، لذلك سنجد كل تنظيم «الإخوان» يدعم «حماس» وهى تريد إمارة فى غزة، وتعتقد أن وجود إمارة لها فى غزة قد يوسع القاعدة الفلسطينية، فالحركة لم تقدم مثالا ناجحا، بل جلبت الحصار والتجويع لغزة منذ 2007 وإن كان هناك فى البداية دعم من إسرائيلى مخفى لضرب منظمة التحرير الفلسطينية، وشق الصف، ونجح التكتيك الإسرائيلى، لذا تعتقد «حماس» أن خروجها من المشهد سوف يكون خروجا كارثيا نهائيا، و «الإخوان» يعتقد أن خروج «حماس» من المشهد سوف يكون هزيمة للتنظيم، لذا فخروج «حماس من المشهد هو خروج للإخوان من آخر معقل للتنظيم الشرير، فالحركة خسرت معركة الإعلام ومعركة القلوب والعقول.
«الشليمى» ذكر أن «حماس» تعتقد أن مرور المساعدات من خلالها يجعل لها يدًا عليا فى المجتمع الفلسطينى ويعزز كوادرها وقيادتها فهو السلاح الوحيد الذى بقى لها، والإسرائيليون يعلمون هذا تماما، لذا لا يريدون أن يعطوه لحماس، والحركة تعلم أن هذا الكارت، هو المدخل الوحيد للسيطرة.
د. أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، قال إن غزة تعيش وضعا إنسانيا صعبا جدا، حيث الجوع الذى وصل لكل مناطق القطاع، تجويع ممنهج من الاحتلال، غير القتل فى كل أطياف الشعب الفلسطينى، فـ«حماس» تدين إجراءات الاحتلال؛ لكنها أيضا بالنسبة لهم إذا كان هناك شهداء مقابل التحرير، كما يعتقدون بهذا، فهو أمر لا خلاف عليه، فاليوم لا توجد سلطة عمليا لـ «حماس» فى ظل الحرب على غزة، وقد يعودون للمشهد مرة أخرى إذا كان هناك بُد، هم الآن لا يتحملون ما يحدث فى غزة، رغم أنهم سبب المعاناة لأبناء الشعب الفلسطينى.
وأضاف أن «حماس» أهم شيء مصالحهم الحزبية، وعندما تتحدث الحركة عن معاناة الشعب الفلسطينى تتحدث بمحدودية أو باستخدام هذه الورقة؛ لكن من دون رؤية للخروج من هذه الأزمة، حتى عندما يتم عرض حلول تظل «حماس» فى مراحل المراوغة، وبالتالى تضيع فرص حقن دماء الشعب الفلسطينى.
وحول ازدواجية «حماس» فقيادات الخارج تنعم بالأمان، بينما المدنيون تحت القصف، أوضح «مطاوع» أن «حماس» الداخل والخارج بنفس الأيديولوجية، ومن دفع الثمن فعليا هو الشعب الفلسطينى غير محسوب على حماس التى لا تهتم بمعاناتهم، وهو نهج «الإخوان». وقال إن «حماس» لا يمكن أن تُسلم لأنها تعبر نفسها بديلا ومشروعا إسلاميا، وتريد أن ترسخ هذا المشروع، بالإضافة إلى أن هناك «سبوبة» أموال كثيرة وأشكال مختلفة من التبرعات وفى نفس الوقت هم لا يدفعون شيئا فى الصحة أو التعليم أو غيرهما، فقط يتاجرون بمعاناة الناس، والأدهى أن ذلك يتقاطع مع مصالح اليمين المتطرف الإسرائيلى بالفصل بين غزة والضفة، وهذا الذى جعل بنيامين نتنياهو يبحث عن تمويل لحماس حتى تبقى سيطرتها فى القطاع.
وذكر «د. عبدالمهدى مطاوع» أن «حماس» جزء من «الإخوان» حسب ميثاقها، والوثيقة التى أصدرتها فى 2019 ليس معناه تعديل الميثاق، فما زالت الحركة تتبع الإخوان فكريا وأيديولوجيا، والآن «حماس» شعرت أنها بدأت تفقد أوراقها لذلك تلقى بالكرة على مصر والأردن لمزيد من الضغط.
وحول دفع «حماس» الإخوان للتظاهر فى تل أبيب ضد مصر، قال «مطاوع» إن الإخوان فى إسرائيل أيضا هم جزء من الإخوان فى فلسطين، ويتبعون تنظيم الإخوان الدولى، و «حماس» جزء ثان منها ويتلقون نفس التعليمات، وهذه التظاهرة فضحتهم.
ونظم رائد صلاح، رئيس ما يسمى بالحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، ونائبه كمال الخطيب مظاهرة أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، تنديدا بما وصفوه بـ«الحصار والتجويع والحرب على قطاع غزة»، وكان لافتًا أن المظاهرة لم ترفع أى لافتة تنديد لإسرائيل، بل كانت اللافتات كلها تنتقد مصر، وهو ما أثار حالة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة بعد تأكيد مسئولين من السلطة الفلسطينية أن تلك التظاهرة حصلت على تصريح رسمى من السلطات الإسرائيلية.
فما جرى من اصطفاف مشبوه بين «الإخوان» و»حماس» بتمويل وتسهيلات من سلطات الاحتلال، ضمن مخطط خبيث يستهدف ضرب استقرار الدولة المصرية.. فالسماح لقيادات محسوبة على ما يُسمى بالحركة الإسلامية الفلسطينية بالتحرك العلنى ضد مصر داخل أراضى الاحتلال، يفضح النوايا الخفية لتلك الأطراف.
وهنا أكد «الرقب» تابعنا تصريحات خليل الحية الذى دعا الشعوب للتظاهر، ونقول له عندما قررتم توريط الشعب الفلسطينى فى هذه المعركة، ألم تحسبوا حسابات، إنكم قد لا تحققون أهدافكم، وطالما إنكم وافقتم على توريط الشعب الفلسطينى لماذا تسعون لتوريط دول أخرى، هذه معركة أنتم قررتم خوضها، عليكم إما أن تعلنوا هزيمتكم أو تستمروا فى «تدفيع» الشعب الفلسطينى ثمن هذه الأسلوب الذى خضتم به هذه المعركة، لكن أن تخرج بعض أصوات حماس وعلى رأسهم الحية ليوجهوا اتهامات هنا وهناك، فها مرفوض منا فلسطينيا، مطلوب أن يكون هناك رد لحماس.
أما «الشليمى» فقال إن خليل الحية أو آخرين ليس لديهم ما يقدمونه، هم فشلوا تفاوضيًا فى معركة الجوع والعطش، لذلك هم يرمون بالمسئولية على مصر والأردن ويدعون للتظاهر، للتهرب من المسئولية، فمظاهرات «الإخوان» وفق برنامج متفق عليه، وأتساءل لماذا لم تخرج هذه المظاهرات فى بداية الحرب، موضحًا أن حصار السفارات نوع من التملص من المسئولية وجعل «معبر رفح» هو المشكلة، لإبعاد الحديث عن فشلهم فى المفاوضات.. وكنا نتمنى من «الإخوان» أن يتظاهروا أمام السفارات الإسرائيلية ويحملوا صور الضحايا ويدعموا «حل الدولتين»، لكن هذا لم يحدث.
عودة إلى «الرقب» الذى قال إن من أعطى التعليمات للإخوان فى الداخل وللحركة الإسلامية فى الشمال للتظاهر، هو نتنياهو شخصيًا، بدليل عندما طلب رائد صلاح وكمال الخطيب تنظيم المظاهرة وافق لهما نتنياهو وأجهزته الأمنية بشكل سريع، وبالتالى كان هناك رغبة من إسرائيل للفت انتباه العالم لتحميل دول أخرى هذا الأمر، مؤكدًا أن هذا التنظيم مشبوه، ومظاهرات مشبوهة، وتوقيت مشبوه، بدليل أن 660 يوما من الحرب على غزة لم نسمع لهم تصريحا و «خرسوا» ولم يطالبوا بمظاهرات عند وزارة الدفاع الإسرائيلية للتعبير عن رفضهم لما يقوم به الاحتلال، لم نرهم يشاركون فى المظاهرات التى نظمها الإسرائيليون ضد الحرب على غزة، لكن فى اللحظة التى بدأ العالم يتحدث عن عملية التجويع التى يقوم بها الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطينى، وهناك اهتمام عالمى وتحميل إسرائيل مسئولية هذا الأمر، خرج هؤلاء «الخونة الإخوان» فى مظاهرات فى تل أبيب وأمام السفارات المصرية ليبعدوا عن الاحتلال جريمة التجويع والقتل.
«الشليمى» ذكر أيضًا أن «الإخوان» يحرض ضد مصر التى تقوم فى الحقيقة بدور كبير فى المفاوضات، والجماعة تبرر فشلها للداخل الفلسطينى بأن السبب مصر، ويعلمون هم وحماس أنهم لو تفاوضوا بشكل جاد واستمعوا للنصائح المصرية لما تهدمت البيوت ولما حدثت مجاعة، ولو أنهم استجابوا لدعوات التهدئة فى الأشهر الأولى، ولكنه الحُمق السياسى لدى قادة «حماس» وقلة الخبرات التفاوضية، فما يحدث من حماس هو خبرة تفاوض خاطفة مع محتل وليست خطوات تفاوض سياسية، لأن السياسة تعتمد على كسر المعاناة، وإسرائيل وحماس لا يريدان تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، فما قام به الإخوان عمل «مدبر» تم الاتفاق عليه لكى يخففوا من إلقاء المسئولية عن حماس ويقولون بالمسئولية على مصر، فحماس هى من أهملت وجعلت معبر رفح يتحول من إدارة فلسطينية إلى سيطرة إسرائيلية، فليس أمام الحركة الآن إلا الضغط على الدول المجاورة لتحميلهم المسئولية.
بشأن ضلوع «حماس» فى تعطيل المساعدات أو سوء توزيعها، أكد «الرقب» أن حماس من مصلحتها أن تصل المساعدات للفلسطينيين، وبالتالى هم يستفيدون منها، لكن من يعيق المساعدات هو الاحتلال، لأن لدينا دليل الشاحنات التى تدخل غزة لا يتم حمايتها، ومن يقترب أو يحاول تأمينها يقوم الاحتلال بقذفه، فى حين أن الشحنات التجارية التى يقوم بها طرف إسرائيلى تاجر وطرف فلسطينىي تم تأمين بالطائرات حتى تصل إلى المخازن ثم التجار، فحركة حماس لمصلحتها أن يكون هناك بضائع فى غزة، لأن ذلك يخفف الضغط عليهم وتستطيع هى أن تأخذ منها.
وأضاف بين غزة ودولة الاحتلال 7 منافذ، وبين مصر وغزة منفذ واحد وهو منفذ أفراد، فمن يتحمل الحصار هو الاحتلال، ومصر منذ الأيام الأولى للحرب أدخلت المئات من الشاحنات، ومصر كانت سدا منيعا لمشروع التهجير وتصفية القضية، فالموقف المصرى ثابت وداعم للقضية، رغم خروج بعض من هؤلاء الشواذ لانتقاد مصر.