رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

العلاقات «المصرية – السعودية».. شراكة استراتيجية ومصير مشترك


25-7-2025 | 15:05

.

طباعة
بقلـم: د. عبد المنعم السيد

تُعد العلاقات المصرية السعودية نموذجًا رائدًا فى المنطقة العربية لعلاقات الشراكة الاستراتيجية المتكاملة، والتى تقوم على أسس قوية من التفاهم المشترك، والرؤى المتقاربة، والمصالح المتبادلة. فالعلاقة بين القاهرة والرياض ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود طويلة شهدت خلالها العديد من المحطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى عززت من روابط الأخوة ووحدة المصير بين أكبر قوتين عربيتين فى الشرق الأوسط.

أولًا: العمق السياسى وتطابق الرؤى الإقليمية والدولية، حيث تتسم العلاقات السياسية بين مصر والمملكة العربية السعودية بالثبات والعمق الاستراتيجي، وهو ما يتجلى فى التنسيق الدائم بين قيادتى البلدين فى المحافل الدولية والإقليمية، ومواقفهما الموحدة تجاه القضايا العربية والإسلامية.

وتتطابق وجهات نظر القاهرة والرياض فى العديد من الملفات الحساسة، مثل القضية الفلسطينية، حيث يحرص البلدان على دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. والأزمة الليبية، إذ يتفق البلدان على ضرورة الحل السياسى ورفض التدخلات الخارجية فى الشأن الليبي. والأزمة السورية، حيث يدعمان وحدة الأراضى السورية ورفض تقسيم الدولة. والملف اليمني، حيث دعمت مصر التحالف العربى بقيادة السعودية لحماية الشرعية فى اليمن ومواجهة التهديدات الإقليمية. ومواجهة التدخلات الإيرانية فى شئون الدول العربية، حيث تقف مصر والسعودية صفًا واحدًا فى رفض أى مساس بأمن الخليج. ومكافحة الإرهاب والتطرف، وهو أحد أبرز مجالات التعاون الأمنى والاستخباراتى بين الجانبين.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تكثيفًا للزيارات المتبادلة بين القيادات السياسية، على رأسها لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، والتى أكدت على عمق العلاقات وحرص الجانبين على تعزيزها فى كل المجالات.

ثانيًا: محاولات الوقيعة ومتانة التحالف، فلم تخلُ المسيرة التاريخية للعلاقات المصرية - السعودية من محاولات التشويش أو الوقيعة التى قامت بها أطراف خارجية أو جماعات مشبوهة تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة العربية. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، بسبب وعى القيادات السياسية بأهمية الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية. والنسيج الشعبى القوى بين الشعبين، حيث يوجد ملايين المصريين بالمملكة، وآلاف السعوديين المقيمين فى مصر. وتشابك المصالح الاقتصادية والأمنية التى تجعل من العلاقة تحالفًا استراتيجيًا يصعب اختراقه.

وقد شهدنا فى بعض الفترات الإعلامية تصعيدًا مفتعلًا، أو نشر شائعات على منصات التواصل الاجتماعى تهدف إلى خلق فتنة بين البلدين، إلا أن البيانات الرسمية الصادرة من الجهات المعنية فى البلدين كانت دائمًا حاسمة فى نفى الإشاعات والتأكيد على استمرار العلاقات بروح الأخوة والتعاون.

ثالثًا: العلاقات الاقتصادية والاستثمارية عبر اتفاقيات اقتصادية وشراكات واعدة، حيث ترتبط مصر والسعودية بأكثر من 160 اتفاقية ومذكرة تفاهم فى مختلف القطاعات الاقتصادية، مما يعكس حجم التعاون الواسع، ومن أبرزها توقيع 14 اتفاقية استثمارية فى عام 2022 بقيمة 7.7 مليار دولار.

وشملت هذه الاتفاقيات مجالات البنية التحتية وإدارة وتشغيل الموانئ والصناعات الغذائية والدوائية والطاقة التقليدية والمتجددة والخدمات المالية والتقنية ومنظومات الدفع الإلكترونى والخدمات الطبية واللوجستية.

واللافت أن معظم هذه الاتفاقيات تمت بين القطاع الخاص السعودى والمصري، مما يعكس التحول الكبير نحو تمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره كمحرك للنمو الاقتصادي.

حجم الاستثمارات والتبادل التجاري: فالاستثمارات السعودية فى مصر تتجاوز حاليًا 33 مليار دولار من خلال أكثر من 6,800 شركة سعودية، ما يجعل المملكة أكبر دولة عربية مستثمرة فى مصر. وتحتل السعودية المرتبة الثانية كأكبر شريك تجارى لمصر بعد الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم التبادل التجارى 12.8 مليار دولار عام 2023، بزيادة ملحوظة مقارنة بالأعوام السابقة. وتسعى المملكة إلى رفع حجم استثماراتها فى مصر إلى 50 مليار دولار، وهو هدف يجرى العمل عليه من خلال مجلس الأعمال المصرى السعودى و»اللجنة المصرية السعودية المشتركة».

الاستثمارات المصرية فى السعودية: ويبلغ عدد المشروعات المصرية فى السعودية 1300 مشروع بإجمالى استثمارات تجاوزت 4 مليارات دولار. وهناك أكثر من 1000 مشروع منها مملوك برأس مال مصرى 100 فى المائة. كما حصل المستثمرون المصريون على 5767 رخصة استثمارية داخل المملكة.

وقد تم توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار المتبادل بين البلدين، بالإضافة إلى تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودي، بما يضمن إطارًا مؤسسيًا لتعميق التعاون وتذليل العقبات أمام المستثمرين.

رابعًا: المشروعات المشتركة والمستقبلية، حيث تتجه العلاقات بين القاهرة والرياض نحو مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجى من خلال الربط الكهربائى المصرى السعودي، وهو مشروع ضخم يربط بين شبكتى الكهرباء فى البلدين، وسيساهم فى دعم استقرار الطاقة وزيادة الصادرات الكهربائية. والاستثمار فى محور قناة السويس، حيث توجد فرص ضخمة للتصنيع والخدمات اللوجستية التى يمكن أن تجذب الاستثمارات السعودية. ومشروعات تنمية سيناء، والتى يمكن أن تكون مجالًا جديدًا للتعاون خاصة فى قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة.

فضلًا عن القطاع السياحى والعقارى، من خلال إقامة مشروعات فندقية وترفيهية مشتركة فى المدن السياحية المصرية، خاصة فى البحر الأحمر والعلمين الجديدة. والتوسع فى المشروعات الصناعية، فى ظل سعى السعودية لتنويع اقتصادها ضمن رؤية 2030، ومصر لتوطين الصناعات وتعميق التصنيع المحلى.

كما يجرى الحديث عن إمكانية تأسيس منطقة اقتصادية مشتركة أو منصات تصديرية ثنائية للأسواق الإفريقية والآسيوية، مستفيدين من اتفاقيات مصر مثل الكوميسا، اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، واتفاقيات السعودية مثل الأفتا والميركوسور.

خامسًا: الدعم المالى والتحويلات والسياحة، حيث قدمت المملكة ودائع بقيمة 10.3 مليار دولار لدعم البنك المركزى المصرى، مما ساهم فى تعزيز الاحتياطى النقدى واستقرار السوق. وكذا تحويلات المصريين العاملين بالسعودية بلغت قرابة 10 مليارات دولار سنويًا، وتُعد من أهم مصادر العملة الأجنبية لمصر.

ويبلغ عدد المصريين العاملين فى السعودية 1.8 مليون مواطن بالإضافة لأسرهم. ويبلغ عدد السعوديين المقيمين فى مصر 700 ألف مواطن سعودي. كما أن السياحة السعودية تمثل أكثر من 20 فى المائة من السياحة العربية إلى مصر، وتُعد مصر من أهم وجهات السياحة العلاجية والتعليمية والاستثمارية للسعوديين.

سادسًا: العلاقات الشعبية والثقافية والدينية، فالعلاقة بين الشعبين المصرى والسعودى علاقة متجذرة، تعززها الروابط الدينية والثقافية والاجتماعية، ومن أبرز مظاهر ذلك وجود عشرات الآلاف من الطلاب المصريين فى الجامعات السعودية، والعكس. والتبادل الثقافى والفنى من خلال الأعمال المشتركة فى الدراما والموسيقى. والتعاون فى ملف الحج والعمرة وتسهيل الإجراءات لملايين المصريين سنويًا.

خاتمة: شراكة راسخة لمستقبل عربى مشترك، فإن العلاقات المصرية السعودية ليست مجرد علاقات ثنائية بين بلدين، بل هى ركيزة أساسية للأمن القومى العربى، و»محور التوازن» فى المنطقة. ومهما حاولت بعض الأطراف المساس بهذه العلاقة، فإن التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة أقوى من أى خلاف عابر أو محاولة عبثية.

وفى ظل التحديات العالمية والإقليمية، تكتسب هذه الشراكة أهمية مضاعفة، سواء فى مكافحة الإرهاب، أو تعزيز الأمن الغذائى والمائى والطاقة، أو بناء تكتلات اقتصادية عربية قادرة على المنافسة عالميًا.

ومن المؤكد أن السنوات القادمة ستشهد مزيدًا من التكامل بين القاهرة والرياض، فى ضوء القيادة السياسية الواعية، والرؤية الاقتصادية الطموحة، والإرادة المشتركة لتحقيق مستقبل أفضل للشعبين الشقيقين.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة