رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الدراما أخرجت «إرهاب الجماعة» عبر الشاشات


7-7-2025 | 14:43

.

طباعة
تقرير: سما الشافعى

فى الثلاثين من يونيو عام 2013، خرج ملايين المصريين إلى الميادين والساحات، لرفض جماعة إرهابية حكمت كما لو أرادت أن تُسقط الدولة المصرية فى بئر سحيق من الإبادة الأهلية والاقتتال الداخلي.. غادر الملايين المنازل إلى الشوارع، لاسترداد هوية أُمَّة وإنقاذ وطن من الانجراف نحو المجهول.. لم تكن الثورة لحظة سياسية فحسب، بل كانت بوابة لتحولات اجتماعية وثقافية.. هنا ظهر الفن والفنون كقوة موازية - لا غنى عنها، تسهم فى إعادة تشكيل الوعى الجمعي.

الفنانون والمثقفون فى مقدمة الصفوف

منذ اللحظة الأولى، كان الفن والثقافة فى قلب المشهد، بدأ مع مايو 2013، حين اعتصم المثقفون داخل جدران وزارة الثقافة، رفضًا لمحاولات «أخونة» المؤسسة الثقافية.. وفى ساحة الوزارة، قُدمت عروض الباليه والمسرح والغناء الشعبى، حيث وصف الكاتب والشاعر زين العابدين فؤاد هذه اللحظات قائلًا: «ما حدث أمام وزارة الثقافة كان ثورة داخل الثورة، ترفع راية التنوير فى وجه الظلامية، ولم نكن ننتظر من الدولة أن تتحرك، بل كنا نحن أصحاب المبادرة، الفن، والشعر، والمسرح، والغناء، كلها كانت أسلحة مقاومة سلمية نواجه بها تيارًا أراد طمس الهوية».

أما المخرج خالد يوسف، أبرز المشاركين فى الثورة ضد الظلام، فقال: «30 يونيو كانت ذروة التقاء إرادة المثقفين مع إرادة الشعب، الفن تصدّر لحظة الدفاع عن الهوية، وكانت الكلمة والقصيدة والمشهد أداة مقاومة لا تقل عن الهتاف فى الميادين، حيث إننا عشنا زمنًا كنا نخشى فيه أن نفقد القدرة على التعبير، فجاءت الثورة كإعلان حرية شامل، أعاد للفنان والمثقف دوره الطبيعى، أن يكون ضمير الوطن، لا تابعًا لأى سلطة».

أما المخرجة كاملة أبو ذكرى، التى كانت ضمن الفنانين المشاركين فى ثورة يونيو، فقالت: «حين تتعرض هوية أمة للخطر، يكون على الفنان مسئولية مزدوجة، أن يصون تراثه، وأن يصوغ رؤيته للمستقبل.. الثورة أنقذت الروح الفنية من التهميش، وأعادت للمرأة المخرجة صوتها المستقل والجريء.. وبعد 30 يونيو، أصبح الفن أكثر شجاعة، وانفتح على قضايا المجتمع بقوة وجرأة لم نرها من قبل، وهذا التغيير انعكس فى طبيعة الأعمال التى قُدمت، وخاصة فى تناول موضوعات الطبقات الشعبية والعدالة الاجتماعية والهوية الوطنية».

صناعة الوعى الوطنى

ومن أبرز الأعمال التى ارتبطت مباشرة بثورة يونيو وتداعياتها، مسلسلا «الاختيار» بأجزائه الثلاثة و»الكتيبة 101»، الذى جسد تحولًا جذريًا فى طبيعة السرد الدرامى المصرى، حيث تناول العمل حكايات حقيقية من أرض المعركة، خاصة ما جرى من مواجهات مع التنظيمات الإرهابية التى نشطت بعد 2013، حيث جسّد الفنان أمير كرارة شخصية الشهيد العقيد أحمد منسى فى الجزء الأول من الملحمة الدرامية «الاختيار»، الذى أصبح رمزًا وطنيًا يُقتدى به كل جندى مصرى يعشق تراب هذا البلد.

بدوره، قال الفنان أمير كرارة: «لم أكن أتصور أن هذا الدور سيغيرنى إنسانيًا بهذا الشكل، فأنا تعايشت مع الشهيد منسى ووجدته ليس محاربا وبطلا فقط، لكنه كان قدوة فى الانضباط والإيمان بالوطن، وما وصلنا إليه بعد ثورة يونيو حتى الآن من استقرار داخلى وبناء، هو ثمرة تضحيات رجال الوطن أمثال منسي».

أما الفنان كريم عبد العزيز، الذى تصدّر بطولة الجزء الثانى من العمل، فقال: «مسلسل الاختيار 2» قدم شهادة بصرية على أحداث عايشناها جميعًا، من اعتصام رابعة مرورا بأحداث كرداسة، حيث قضينا شهورًا فى قراءة تقارير حقيقية، وجلسنا مع رجال فى الواقع شاركوا فى العمليات، ووجدت أن هذا العمل لم يكن تمثيلًا، بل شعرت بأنه أمانة نؤديها لأشخاص ضحوا بأرواحهم، وأيضاً لنوثق التاريخ إلى الأجيال القادمة خشية التلاعب والتزوير، فهو عمل وطنى بكل المقاييس».

بينما أشار المخرج بيتر ميمى، قائلا: «كنت أؤمن أن الدراما قادرة على إعادة صياغة وعى أمة، ونحن لا نحكى فقط عن أبطال، بل نعيد للمصريين الثقة فى هويتهم، بعد سنوات من محاولات تشويه الوعى والتلاعب بأفكار الأجيال الجديدة التى لم تعاصر تلك الأحداث، وبالفعل ثورة يونيو أنقذت الروح المصرية، ونحن نحاول أن نحافظ على هذه الروح حيّة فى أعمالنا، وأنه من دون دعم مؤسسى، لم يكن لمسلسل مثل الاختيار أن يرى النور بهذا المستوى، فهناك إرادة سياسية حقيقية بأن يكون للفن دور فى بناء الوعى، وهذا هو جوهر ما نفعله: «إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية على أساس من الحقيقة والكرامة».

سرد البطولات الشعبية والمؤسسات الأمنية

لم تقتصر الأعمال الدرامية على البطولة العسكرية فقط، بل تناولت السياق الأوسع لما بعد الثورة، وعلى سبيل المثال وجدنا فى مسلسل «هجمة مرتدة»، الذى كتبه المؤلف والسيناريست باهر دويدار وأخرجه أحمد علاء الديب، أن المخابرات المصرية ظهرت كعنصر فاعل فى حماية الأمن القومى خلال مرحلة ما بعد 2011.

من جانبه، قال الفنان أحمد عز، بطل العمل: إن «الدراما الوطنية كانت مغيّبة لفترة طويلة، ولكن بعد ثورة يونيو، أصبح هناك إدراك بضرورة أن يعرف الناس ماذا يحدث خلف الكواليس، كيف تُحمى البلاد، والفن هنا لم يعد تجميلًا أو ترفيها، بل نقل للواقع كما هو، مع محاذير دقيقة وسباق درامى خفيف حتى لا نفسد صدق القصة».

بينما أكد المؤلف باهر دويدار أن ثورة يونيو فتحت الباب لدراما أكثر جرأة فى تقديم الحقائق، قائلاً: «لم نكن نجرؤ على مناقشة ملفات الأمن القومى فى أعمال درامية سابقة، لكن ما حدث بعد 2013 خلق مناخًا أكثر وعيًا وثقة، وأصبح الجمهور أكثر رغبة فى أن يعرف الحقيقة وأن يفهم ما يُحاك ضد الوطن».

إلى جانب الأعمال الكبرى مثل «الاختيار» و»هجمة مرتدة»، ظهرت أعمال أخرى قدمت الثورة ضمن السياق الاجتماعى الأوسع.

وأضافت الفنانة إنجى المقدم، التى شاركت فى «الاختيار 2» و»هجمة مرتدة»، قائلة:» تشرفت بأننى كنت جزءًا من لحظة تاريخية، فإن هذه الدراما لم تكن تصويرًا فقط، بل كانت مشاركة وجدانية فى توثيق وجعنا وأملنا، وما حدث بعد 30 يونيو غيّر نظرتنا لأنفسنا، والفن أصبح انعكاسا صادقا لهذا التغيير».

فيما قال المخرج تامر محسن: «الدراما لا تصنع الحدث، لكنها توثق أثره، الثورة غيّرت موقع المثقف والفنان، وأصبح يُنتظر منه أن يقول كلمته بوضوح، فنحن لم نعد فى زمن الحياد الرمادى، والدراما باتت مرآة لأمة تستعيد وعيها».

وفى كواليس تلك الأعمال، لم يكن الحماس وحده هو المحرك، بل الإيمان بأن الفن يستطيع أن يوقف الزمن، ويوثق الحقيقة، ويروى القصة كما حدثت، لا كما يُراد لها أن تُروى، حيث وصف الفنان طارق لطفى ثورة يونيو بأنها «عيد وطنى لاستعادة الروح المصرية، وعلق قائلا: «الدراما كانت سلاحًا لتثبيت المعنى الوطنى، وتوثيق تضحيات رجال الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب، فنحن الآن أمام جيل جديد يعلم عن بطولات رجال لم يكن يعلم عنهم شيئًا، على مدار سنوات، حيث كانت الشخصيات البطولية مهملة فى الدراما، ولكن بعد 30 يونيو، بدأنا نعيد الاعتبار للبطولة الحقيقية، غير المتكلفة، التى خرجت من واقع الناس، فأصبحت الدراما تنحاز للحقائق، وتُشبه جمهورها من جديد».

كما أكدت النجمة الكبيرة يسرا قائلة: «ثورة يونيو كانت بمثابة طوق نجاة للمصريين من واقع كان يُقصى الفن ويهمش الثقافة، ونحن بعد ثورة يونيو استعدنا الوعى، وصار للفنان دور ملموس فى التأثير والتنوير، حيث كنا نعيش لحظة تهديد وجودى، وكان الخوف يسكن الجميع، حين جاءت الثورة، شعرت أن مصر استعادت نبضها، وأننا كفنانين أصبح لنا دور محورى فى توثيق ما جرى وتفسيره للأجيال القادمة، حيث إن الفن لم يكن تابعًا، بل كان شاهدًا وفاعلًا».

واستكمل الفنان القدير صلاح عبد الله: «البلد تغيّرت بعد الثورة، يمكننى الشعور بهذا فى ملامح الناس، فى موضوعات الدراما، فى أغانى الشارع، هناك هوية جديدة تتشكل، والفن جزء رئيسى من هذا البناء، ونحن لسنا مجرد مُمثلين نقرأ النص، نحن شهود على مرحلة، علينا أن نؤدى شهادتنا بإخلاص، سواء على الشاشة أو على خشبة المسرح أو فى الحياة نفسها، الثورة علّمتنا أن الفن لا يجوز أن يكون محايدًا عندما تكون البلاد فى مفترق طرق».

وفى تصريحات خاصة لمجلة «المصور»، قال الناقد الفنى محمد عبد الرحمن: «إننا خلال 12 عاما مرت على ثورة 30 يونيو، خرجت العديد من الأعمال التى وثقت هذا الحدث العظيم، والفترة التى سبقته ومهدت لخروج الشعب المصرى عن بكرة أبيه ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين للبلاد بعد عام واحد فقط من وصولهم إلى سدة الحكم، ولعل الدراما المصرية قامت سريعا بعملية التوثيق، بل إن هذا الحدث يعتبر من الأحداث الأكثر اهتمامًا من جانب صناع الفن المصرى، ولعل هذا الاهتمام لم يكن بالظاهرة الجديدة أو المبالغ فيها، فبعد انتصار أكتوبر عام 1973 خرجت العديد من الأعمال التى وثقت لهذا الانتصار الكبير، لكن المميز فى الأعمال التى خرجت عن ثورة 30 يونيو أنها لم تتناولها من زاوية بسيطة أو «سطحية» بعض الشيء كما حدث مع بعض الأحداث الوطنية الكبرى من قبل، وقد ساعد على هذا، التقدم الكبير على مستوى صناعة الدراما، والذى كان له الأثر الأكبر فى خروج مثل هذه الأعمال بصورة فنية جيدة، كذلك فإن اللافت فى العديد من الأعمال التى قدمت خلال العقد الماضى، أنها تنوعت ما بين تقديم السيرة الذاتية مثل مسلسل «الاختيار 1» الذى قدم سيرة الشهيد أحمد منسى، وأيضا تنوعت بين التغطية السياسية والاجتماعية لتلك الحقبة المهمة من تاريخ مصر، مثلما حدث فى الجزأين الثانى والثالث من «الاختيار» ومسلسل «هجمة مرتدة».

بقى أن نقول، إنه عقب ثورة يونيو، تغيّر المشهد الثقافى من حيث البنية والدعم، حيث أعادت الدولة صياغة علاقتها بالفن، عبر كيانات مثل «المتحدة للخدمات الإعلامية»، التى ضخت استثمارات فى الإنتاج الدرامى والسينمائى، كما أطلقت وزارة الثقافة مبادرات مثل «ابدأ حلمك» و»حياة كريمة ثقافيًا» لدعم المواهب الشابة، لذلك تظل ثورة 30 يونيو نقطة تحوّل مضيئة فى التاريخ المصرى، وفى قلبها، بل لا يزال الفن يكتب سطره الأكثر صدقًا وخلودًا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة