عمرت دولة 30 يونيو مساجد ومقامات آل البيت في مصر، وافتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعمال التطوير الشاملة التي شملت مساجد ومقامات «الإمام الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، وأضرحة ومساجد شارع الأشراف، كالسيدة رقية، والسيدة سكينة»، وخارج القاهرة شمل التطوير مسجد إبراهيم الدسوقي ، والبيلي أبي غنام ، وغيرها كثير ، وفي هذا التحقيق يفسر لنا عدد من مشايخ الطرق الصوفية أسباب دعمهم لثورة 30 يونيو، ووقوفهم ضد حكم الإخوان ، ويشيدون بما أنجزه الرئيس «السيسي» خلال 12 سنة من التعمير والبناء والتنمية.
إن المشهد العام قبل وبعد 12 سنة ، يؤكد تحقيق طفرة تطوير لمقامات ومساجد آل البيت مع طفرة عمرانية وحضارية تليق بمراقد هؤلاء الأعلام الذين شرفوا مصر واختاروها ملاذا وسكنا ، ويوقرهم كل المصريين .
في مشهد ما قبل 30 يونيو 2013م صور كثيرة لخذلان وتعد وهجوم على الأولياء والصالحين وآل البيت الكرام ، ووصلت الحال بالرئيس الإخواني أنه عندما صلى الجمعة في مسجد السيدة زينب لم يزر مقامها الطاهر ، وأكثر من ذلك وضعوا ستارة على الجدار لحجب المقام عن المسجد ، مع أنه يقع جغرافياً في آخر المسجد وليس في اتجاه القبلة !
وكان بعض «المتسلفة» قد طعنوا في الصلاة في مساجد آل البيت والصالحين بحجة أن الحديث النبوي الشريف يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود ، اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد ) ، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ) ، ورد علماء الأمة الثقات في كل عصر حتى عصرنا المتأخر بأن الصلاة في مساجد آل البيت والصالحين تجوز شرعا ولا شبهة فيها ، وأن المقصود باللعن في الحديث هو الصلاة فوق القبر أو إليه ، أي اتخاذه قبلة ووجهة من دون الله تعالى أومن دون الكعبة المشرفة ، واستشهد علماء الأمة بما كان من صلاة الصحابة والتابعين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه دفن النبي وصاحباه أبو بكر وعمر ، وذهب الشيخ صالح الجعفري إمام الجامع الأزهر إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصص أياماً في كل عام لزيارة عمه حمزة وشهداء أحد خارج المدينة ، كما كان يزور موتى المسلمين في البقيع باستمرار ، وزار قبر أبيه ، وزار قبر أمه وقد دفنت في ( الأبواء ) بين مكة والمدينة ، ولم يقل أحد إن في ذلك شدّاً للرحال أو خلافه ، بل هي زيارات للرحمة والوفاء من نبي عظيم لأبويه وعمه وأصحابه .
وأكثر من ذلك قال الشيخ صالح الجعفري إن كلمة «مدد يا فلان»، لا غبار عليها ، والمقصود بها طلب البركة أو الدعوة الصالحة ولا دخل لها في الشرك من عدمه ، فإذا رأيت عالماً وقلت له ( مدد ) أي اعطني دعوة صالحة ، وإذا رأيت أحداً يأكل البطيخ وقلت له ( مدد ) ، أي اعطني قطعة منه .
وكان الصالحون على مر العصور يتبركون بأضرحة آل البيت في مصر ، وآخرهم إمام الدعاة الشيخ الشعراوي الذي حزن حين هم بمغادرة السعودية ، وكان مبعوثا للتدريس في جامعاتها ، فزار روضة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذته سنة من النوم فرأى النبي يبشره قائلاً : ( لا تحزن على فراقنا فإن لنا باباً في مصر هو الحسين ) ، وكان أول ما فعله الشعراوي حين وصل مصر أن بحث حتى عثر على شقة تطل على مقام سيدنا الحسين ليكون إلى جواره .
وعرف السلاطين والأمراء حب المصريين لآل البيت والأولياء عبر العصورفكانوا يتقربون إلى الشعب المصري بالمشاركة في إحياء موالدهم وذكراهم ، وتعمير مساجدهم ، والإنفاق عليها من أوقافهم ، وأكثر من ذلك سعوا للدفن إلى جوارهم ، كما حدث في مقبرة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي ، فقد دفن كثير من الخلفاء والأمراء إلى جوارها ، وفي مقبرة الإمام الشافعي ،دفن بعض سلاطين الدولة الأيوبية إلى جواره تبركاً به ، وظل المصريون لقرون نموذجاً للشعب السمح المعتدل المزاج غير المتطرف ، المحب للأولياء والقديسين ، دون تفرقة في عقيدة ، وشارك المسلمون إخوانهم المسيحيين أعيادهم ، وشارك المسيحيون إخوانهم المسلمين أعيادهم واحتفالاتهم .
حتى كانت سنة سيطرة ( الإخوان ) على مصر ، وظهور نذر الحرب الأهلية بين طوائف الأمة وعناصرها ، فقد قتل شيخ صوفي في شمال سيناء من ( الدواعش ) ، وقتل أكثر من ثلاثمائة مصل في ( مسجد الروضة ) في بئر العبد ، وجرى التعدى على أضرحة صغيرة في قرى نائية ، وارتفع الخطاب الإعلامي لقنواتهم بتكفير جماعات كبيرة من المصريين ، وأصبحت صكوك الجنة والنار في أيديهم يوزعونها كما أرادوا !
وجاءت 30 يونيو لتنقذ الأمة المصرية من سيطرة التطرف والتشدد ، ومن حكم الأقلية المنظمة ، وتعود مصر للمصريين ، بكل توجهاتهم ومستويات تفكرهم .
وبعد استقرار أدوات الحكم الصلبة وعودة مؤسسات الدولة , ودوران عجلة الإنتاج ، بدأ عهد الرئيس «السيسي» بالتنمية والبناء على كل مستوى ، من إزالة العشوائيات الخطرة ، وخير مثال «تل العقارب» الذي تحول إلى «روضة السيدة» وكان بؤرة صديدية في قلب القاهرة التاريخية يقع بين مساجد السيدة زينب وعلي زين العابدين والسيدة نفيسة.
وامتدت يد التطوير أولاً لمسجد مولانا الإمام الحسين عميد آل البيت في مصر ، وجرى افتتاحه في رمضان قبل عامين ، بعد أن أصبح في أبهى صورة ، كذلك والساحات المحيطة به ، ثم طال التطوير مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها ، ومسجد علي زين العابدين ، وشارع الأشراف في حي الخليفة الذي يضم مزارات آل البيت من مقام رقية بنت علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ،وتم بناء مسجد عالي القدر بجوار الضريح ، وكذلك تطوير الأضرحة القريبة منها، ووصل قطار التطوير إلى مسجد ومقام الإمام الشافعي إمام أهل مصر ، بعد تطوير مسجد ومقام الإمام الليث بن سعد ، وأخيراً تم افتتاح مسجد ومقام السيدة زينب رضي الله عنها ، وهي حبيبة المصريين ، ومن دعت لهم ، ومن فرط حب الناس لها أطلقوا عليها أوصافاً شتى ، فهي ( المشيرة ورئيسة الديوان والطاهرة وأم هاشم وعقيلة بني هاشم وأم العواجز ) وغيرها .
أشراف مصر
والمعروف أن أقدم تنظيم مؤسسي للأشراف في مصر هو نقابة الأشراف، التي مر عليها ألف ومائتا عام، حسبما أوضح نقيب الأشراف السيد محمود الشريف، قائلاًَ: قريبا سوف تحتفل بهذا التاريخ الذي يشهد على حيوية المجتمع المصري عبر القرون، وكان نقيب الأشراف وقت حملة نابليون على مصر هو السيد عمر مكرم الذي قاوم الحملة الفرنسية أكثر من مرة ، وأقام محمد علي باشا حاكما على مصر بشرط العدل ، وكانت للسادة الأشراف أوقاف كثيرة ومساجلات ومواقف مشرفة عبر التاريخ .
وثمن نقيب الأشراف السيد الشريف، ما جرى من تطوير لمساجد وأضرحة آل البيت في مصر وقال : لقد شهدنا نهضة غير مسبوقة في مصر في عهد الرئيس السيسي ، حيث استعادت مساجد ومقامات آل البيت رونقها الحضاري ، ووجهها الوضاء الذي يليق بمصر وشعبها ، وشمل التطوير الميادين والشوارع المحيطة بمساجد آل البيت ، وأهل مصر من شيمهم الوفاء ولذلك يشكرون القيادة على ما قامت به ، ونحن نصطف جميعا خلف قائدنا في بناء مصر المعاصرة القوية .
مساندة الصوفية للدولة
أما الطرق الصوفية ، وهي التنظيم الرسمي المعبر عن محبي الأولياء في مصر وأتباعهم فتبلغ ثمانين طريقة في مصر ، أقدمها الطريقة الرفاعية المنسوبة إلى سيدي أحمد الرفاعي ، يليها الطريقة الأحمدية المنسوبة إلى سيدي أحمد البدوي في طنطا ، ثم الطريقة الدسوقية المنسوبة إلى سيدي إبراهيم الدسوقي في دسوق ، ومن الطرق الشهيرة أيضا الشاذلية نسبة لسيدي أبي الحسن الشاذلي المدفون في جنوب مصر على ساحل البحر الأحمر بعد عيذاب .
ويبلغ أتباع الطرق الصوفية ما بين عشرة إلى عشرين مليونا من المحبين الذين يحبون وطنهم كما يحبون كل الناس دون تفرقة ، وقد جرى توسعة وتطوير ميدان إبراهيم الدسوقي في دسوق بعد توسعة مسجده وتطويره ، كما جري الانتهاء من ترميم وتطوير مسجد سيدي البيلي أبي غنام في بيلا ، وهو رفاعي الطريقة وأقدم مساجد بيلا وكفر الشيخ ، وافتتح للصلاة في أول رمضان الفائت بحضور محافظ كفر الشيخ والقيادات التنفيذية والدينية .
وبحسب الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العام للطرق الصوفية فإن الصوفية أول من طعنوا من «الإخوان»: كنا في الطريقة العزمية أول من واجهنا حكم الجماعة ، وعقدنا أكثر من مؤتمر للتحذير منهم ، وقمنا باعتصام مفتوح لأيام أمام قصر الاتحادية ضد الرئيس الإخواني ، وكما كان جدنا شوكة في حلق الاستعمار الإنجليزي ، فنحن ضد كل مستعمر وضد أذنابهم في المنطقة ، ونعلم أن ( الإخوان ) صنيعة الاستعمار، وأكثر من ذلك أصدرنا فتوى دينية ضد ( الإخوان ) واعتبرناهم من أعداء الأمة ، وحرمنا التعامل معهم أو التزاوج منهم أو التجارة معهم ، وقلنا إنهم أخطر من الصهاينة ومن المنافقين ، ووقفنا صفا واحدا خلف الرئيس السيسي للدفاع عن مصر وبناء الجمهورية الجديدة بالعلم والعمل الجاد ، وأطلقنا مبادرات داخل الطريقة وبين أتباعنا من الصوفية ، مثل مبادرة سداد ديون مصر بالمساهمة بين الجميع ، ومبادرة تشجيع البحث العلمي في الجامعات ، وإحياء القدوة بين الشباب ، ونعقد ندوات التوعية باستمرار في كل مدن وقرى مصر مع أتباعنا من الصوفية والمحبين لهم ، ونعمل على التوعية بحب الوطن والانتماء إليه ، فحب الوطن من الإسلام ، وليس ( حفنة تراب ) كما قال ( مرشد الإخوان ) ، ودورنا لم يتوقف في التوعية ، ومساندة الدولة ، ودعم قواتنا المسلحة ومؤسساتنا الوطنية .
وقال د. محمد أبو هاشم شيخ الطريقة الهاشمية ورئيس قطاع التصوف في المجلس الأعلى للطرق الصوفية : جموع الصوفية البالغ عددهم أكثر من عشرة ملايين صوفي يقفون صفا واحدا خلف القيادة السياسية وما تقوم به من تنمية وبناء وتطوير على كل المستويات ، وكنا مع القيادة قبل 12 سنة ضد حكم الإخوان ، وكنا بين صفوف ملايين المصريين ، وشاهدنا جميعا كيف طورت الدولة مساجد ومقامات سادتنا من آل البيت ، ونحن المصريين كلنا نحبهم ونقدرهم ، صوفية أو من غيرهم ، ونحن نؤمن بالوطن ، ونعتبر محبته من الدين ، كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم هاجر من مكة إلى المدينة ، ونحن نحيا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ربوة عالية مشرفة على مكة وقال : ( والله إنك لأحب بلاد الله إلي ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) ، فرغم أنه مهاجر ، وطاردته قريش إلا أنه لم يخف محبته لمسقط رأسه ، ونحن على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في محبة الوطن ، ومساندته ودعمه ، وعلى مر التاريخ كان الصوفية خلف دولتهم في البناء والتنمية ، فالطرق الصوفية جزء أصيل من الشعب المصري العاشق لتراب وطنه .

