رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«صناعة الأكاذيب».. مؤامرة هدم المجتمع من الداخل


18-12-2025 | 09:26

.

طباعة
تقرير: منار عصام

فى عالم اليوم، لم تعد الحروب تقاس بالقوة العسكرية وحدها، بل أصبحت عقلية ونفسية، تدار عبر الشائعات والحروب الرقمية. هذه الأسلحة الحديثة لا تهدف فقط لإضعاف عزيمة الشعوب، بل أصبحت أداة أساسية لإسقاط الدول والأنظمة بأقل تكلفة ممكنة وبأقل خسائر محتملة.

 

على مدى السنوات الماضية، شهدت وسائل التواصل الاجتماعى والفضاءات الإعلامية موجات متلاحقة من الشائعات، المصممة بعناية لإرباك المجتمع، وتقويض الثقة بين المواطنين وقياداتهم، وزرع الشعور بالإحباط واليأس.

«المصور» تسلط الضوء على أساليب إنتاج الشائعات، آلياتها، وطرق الوقاية منها.

الشائعات هى إحدى أدوات الحرب النفسية التى توجه من دول معادية إلى الداخل أو من مجموعات تنظيم فى الداخل لإرباك المجتمع والرأى العام والتأثير عليه بالسلب وتحطيم الروح المعنوية للشعب وإفقاده الثقة فى القيادة السياسية وإضفاء روح سلبية تجاه وطنه مما يعرضه للإصابة بالإحباطات المستمرة، كما يوضح اللواء محمد عبدالواحد المستشار فى الأمن القومى والعلاقات الدولية، لافتًا إلى أن للشائعات أهدافًا مختلفة منها أهداف سياسة أو اقتصادية أو اجتماعية.

ويشير إلى أن الدول الكبرى بدأت تتعامل مع الحروب النفسية كسلاح من الأسلحة المقاتلة فى الجيش كالمشاة والمدرعات، بل إن تلك الدول تدمج الإدارات المختصة بالحرب النفسية داخل قوى الدولة الشاملة مع توظيفها لتعزيز قدرات الدولة وتعزيز ثقة المواطنين فى دولتهم وأنفسهم.

وعن أسلوب عمل الشائعات، يقول «عبدالواحد» إنها عملية مركبة تبدأ بتحديد الشريحة المستهدفة من المواطنين وعادة ما يلجأ مروجو الشائعات إلى وسائل التواصل الاجتماعى كونها الجهة الأكثر إقبالاً خلال العشر سنوات الأخيرة من قبل المستخدمين، فضلاً عن اختيار التوقيت المناسب، حتى يتقبل المتلقى الشائعة.

ويرى أن الأمية والجهل من العناصر التى تساعد على زيادة تلقى الشائعة وتصديقها، لذلك يجب على الدول القضاء على الأمية والجهل عبر برامج تعليمية متخصصة وعصرية قادرة على تثقيف المواطنين بصورة تمكنهم من التفريق بين الشائعات والأخبار الصحيحة، فضلاً عن مستوى التعليم المقدم للطلبة فى المراحل الدراسية المختلفة، والذى يجب أن يكون مواكبًا للتطور التقنى المتسارع فى العالم حاليًا، بجانب البيئة العامة المحيطة، هل هى بيئة تعانى من ويلات الحروب والإرهاب؟ وبالتالى ستكون أرضًا خصبة لأى شائعة، أم أنها مستقرة وآمنة، لذلك يجب على الدولة وضع استراتيجيات توعوية من خلال الثقافة والدراما والسينما والمدارس والجامعات ودور العبادة بخطر الشائعات وتأثيرها.

ويؤكد «عبدالواحد» أن تكرار الشائعة أمر خطير لا يجب الوقوع فيه، لذلك يجب أن يكون لدى الدول جهاز خاص للرد على الشائعات فى توقيت سريع قبل انتشارها، مع ضرورة توضيح تفاصيل الأحداث المهمة التى تشغل بال المواطنين، وذلك لأن تأخر الدولة فى توضيح تفاصيل أى حدث يفتح المجال أمام الشائعات.

ويرى أن التشريع ضرورى لمواجهة الجرائم، ولكن تغليظ العقوبة من الممكن أن يؤدى إلى نتائج عكسية، فبمجرد أن يعلم مروجو الشائعات بأنه تم تغليظ العقوبة، سينتقلون إلى بث الشائعات بطرق أخرى للتحايل على القانون، ولكن من الممكن منع دخول بعض الفئات العمرية إلى مواقع التواصل الاجتماعى، حتى لا يتعرضوا لتأثير الشائعات كما حدث فى أستراليا حيث منعت دخول الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعى.

ويشدد «عبدالواحد» على أن المواطن يجب أن يعلم جيدًا كيف يفرق بين الشائعات والأخبار الحقيقية، خاصة أن الشائعة يمكن أن تحمل جزءًا من الحقيقة حتى تكتسب المصداقية لدى المتلقى، وتتناول موضوعًا يشغل بال المواطنين ويكون ضمن دائرة اهتمامهم، فضلاً عن البيئة المحيطة.

اللجان الإلكترونية المعادية

الهدف من الشائعات وحملات التضليل هو استهداف الإدراك لدى البشر وتقليل ثقة المواطنين فى مؤسساتهم ومجتمعهم بما ينعكس سلبًا على تماسك المجتمع وترابطه، كما يوضح الدكتور جورج لطيف سيدهم استاذ مساعد في الإعلام الرقمى بجامعة الجلالة ، ولزعزعة ثقة المواطنين فى أنفسهم ومجتمعهم يعتمد مروجو الشائعات على عدد ضخم من اللجان الإلكترونية المعادية التى تقوم بهيكلة وتشكيل الشائعة بما يكسبها صفة الواقعية وتعطى إيحاء للمتلقى بأنها حقيقية.

ويشير «جورج» إلى أن الشائعات يمكن إطلاقها من داخل المجتمع المستهدف نفسه أو من خارجه، وتتميز الشائعات التى يتم إطلاقها من الداخل بأنها يسهل تتبعها وتحديد مصدرها ومروجيها، بل إن التشريعات نفسها يمكنها التعامل مع مروجيها، ولكن فى حال كان مصدر الشائعة من الخارج، فإن التشريعات وحدها لا تكفى لأن نطاق تطبيقها يسرى داخل الدولة فقط ولا تتعدى حدودها.

ويرى أن الشائعات وترويجها وبث أخبار كاذبة ومفبركة تعتبر جريمة ولا تقل فى تأثيرها عن أى جريمة تبث الفرقة فى المجتمع مثل إثارة الفتنة الطائفية، لذلك فإن التشريعات ضرورة من أجل إحكام السيطرة على تلك الجريمة ومتابعة مرتكبيها.

ويشدد «جورج» على ضرورة أن تقوم الدولة بالرد السريع والفورى على كافة الشائعات التى يتم ترويجها عبر مختلف وسائل الإعلام سواء المرئية أو المقروءة أو المسموعة، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعى، والتى يعتمد عليها قطاع كبير من المواطنين فى استقاء معلوماتهم وهو أمر خطير للغاية، مضيفًا أن الجهات الرسمية يجب أن تقوم بتفنيد الشائعات لحظة اكتشافها، وذلك من أجل تجنب الوصول إلى مرحلة «الفجوة المعلوماتية»، وهى عبارة عن حالة من التشبع والإدراك التام للشائعة من قبل المواطنين تحدث نظرًا لتأخر الرد الرسمى عليها مما يعمل على زيادة تداولها بين الأوساط المختلفة.

بناء الوعى المجتمعى ضد الشائعات

يعتبر «جورج» أن التعليم هو المحطة المهمة فى مرحلة بناء وعى مجتمعى ضد الشائعات، لذلك يجب الاهتمام ببناء وعى الاجيال الشابة بالمدارس والمراحل التعليمية المختلفة عبر إدخال مناهج التربية الإعلامية والتربية المعلوماتية، مع الأخذ فى الاعتبار أن تصبح تلك المناهج ليست مجرد معلومات يتلقاها الطالب ويستذكرها فقط من أجل امتحان، ولكن يجب أن يبحث الطالب عن المعلومة بطريقة البحث العكسى من أجل الوصول إلى المصدر الحقيقى للمعلومة، بما يعزز قدرة الطلبة على البحث والوصول إلى مصدر المعلومات وتحليل الأخبار التى يتعرضون لها.

ويسلط الضوء على الدور الكبير الذى يقع على المؤسسات الصحفية والتى تعتبر خط الدفاع الأول للجمهور، لذلك يجب أن تكون لديها القدرة والمساحة لتتبع الشائعات وتصحيحها، لذلك يجب أن تخلق كل جريدة ومؤسسة إعلامية منصة من أجل الرد على الشائعات ومواجهتها، مضيفًا أن المؤسسات الدينية أيضًا يقع عليها مسؤولية التوعية والتأكيد على القيم الدينية التى تتحرى الصدق وتحرم الشائعات والكذب من خلال الأنشطة التى يتم تنظيمها داخل دور العبادة المختلفة.

ويشدد «جورج» على ضرورة أن يتم توحيد الرسائل بين مختلف الجهات، التى يتم الرد من خلالها على الشائعات، فمثلاً عند إطلاق شائعة تتعلق بوزارة ما فلا يجب أن يخرج المتحدث الرسمى باسم الوزارة بتصريحات مغايرة عن مجلس الوزراء وكذا كافة الجهات المعنية بالشائعة، مضيفًا أنه يحب أن تتبنى الدولة أيضًا عدة برامج لزيادة الوعى بمخاطر الشائعات وتأثيرها والغرض من إطلاقها، مع الاهتمام بفئة الطلبة بالمدارس والجامعات باعتبار أن الشباب هم الفئة الأكثر استهدافًا من المواطنين.

ويوضح أن هناك فاصلاً صغيرًا جدًا بين مكافحة ومقاومة الشائعات من جهة وتقييد حرية الرأى من جهة أخرى، لذلك فإن أهل التشريع يعتبرون أن تلك المنطقة شائكة جدًا، لذلك على من يطبق القانون أن يميز بين هل هى شائعة أم موضوع رأى وقضية رأى عام؟ مع ضرورة العودة إلى القوانين العالمية المتعلقة بتنظيم الرأى العام والرأى الآخر، وتطبيق التدرج فى الردع والعقوبة، وعلى الجانب الآخر يجب أن نوفر الحماية لأصحاب الآراء السياسية المختلفة من الإرهاب الاجتماعى ويتحقق ذلك عندما يتوفر لدينا تربية إعلامية جيدة وشفافية مؤسسية تساهم بشكل كبير فى تقليل عدد الشائعات.

ويلفت «جورج» إلى أن الذكاء الاصطناعى أصبح واقعًا نعيشه الآن، لذلك يجب استغلاله كأحد الأدوات الفعالة فى تتبع ورصد واكتشاف الشائعات، مستشهدًا بتجارب العديد من الدول التى نجحت فى مقاومة الشائعات مثل سنغافورة وألمانيا والسويد التى أنشأت وكالة دفاع نفسى من أجل توجيه استجابة شاملة ضد الشائعات، حيث يتم الرد على الشائعات بشكل سريع جدًا بعد التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية، بل وتقدم برامج توعية وتأهيل للمجتمع، فيما شرعت ألمانيا فى حذف كافة المحتويات غير القانونية عبر منصات التواصل الاجتماعى فى غضون أقل من 24 ساعة، بينما قامت سنغافورة بعمل جهاز حماية من الأكاذيب الإلكترونية، والتى تسمح للحكومة بإصدار أوامر تصحيح أو حجب للمحتوى غير المناسب، وذلك بالتنسيق مع مواقع التواصل الاجتماعى نفسها.

وعن مكافحة الشائعات العابرة للحدود، يؤكد «جورج» أن معايير مكافحة تلك الشائعات تختلف من دولة لأخرى ولكن يجب أن يكون هناك تعاون مثمر بين الدول وبعضها البعض لمعالجة تلك الشائعات، فضلاً عن ضرورة بناء قدرات مشتركة بين مختلف الدول، بحيث يكون هناك شكل موحد لقدرة الشعوب على التعامل مع الشائعات، مع ضرورة توحيد السياسات الخاصة بالشائعات، وذلك عبر إطلاق مدونة سلوك كشكل تشريعى رادع دوليًا.