رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الترندات المفبركة.. سلاح المتآمرين ووسيلة «الثراء الحرام»


18-12-2025 | 09:28

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم

الترند الكاذب، آفة العصر الرقمى، ترندات شبه يومية كاذبة يتم تصنيعها وخلقها لتغييب وتزييف الوعى، ترند تلو الآخر، ورغم اختلاف أغراض هذه الترندات الكاذبة فهناك من يطلقها فى إطار خطط استهداف الدولة المصرية، سواء لجهات خارجية أو دول أو جماعات، وهناك من يطلقها من أجل الثراء وتحقيق الكسب السريع، لكن الاثنين يجتمعان فى أنهما سبب فى هدم وعى أجيال كاملة.

الترندات الكاذبة، وهى خلطة شيطانية تجمع ما بين الكذب والأخبار المفبركة والشائعات والأخبار المضللة، كان لها تأثير كبير على المجتمع المصرى كما كشف مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فى تقريره السنوى «جهود مواجهة الشائعات على مدار 2024».

تقرير مجلس الوزراء أظهر أن قطاعى الاقتصاد والصحة هما الأكثر استهدافًا، وأن الجهود التنموية وتداعيات الأزمات العالمية تعد من أبرز أسباب تصاعد وتيرة الشائعات، التقرير استعرض معدل انتشار الشائعات التى استهدفت الدولة المصرية عبر المنصات الاجتماعية والرقمية، فبلغت 16.2 فى المائة فى 2024، مقارنة بـ 15.7 فى المائة فى 2023، و13.9 فى المائة فى 2022، و13.1 فى المائة فى 2021، و12.4 فى المائة فى 2020، و10.8 فى المائة فى 2019، و7 فى المائة فى 2018، و5 فى المائة فى2017، و3.5 فى المائة فى 2016، و1.6 فى المائة فى 2015، و0.8 فى المائة فى 2014.

التقرير كشف استهداف الدولة المصرية بالشائعات الرقمية التى تضاعفت ما يقرب من 20.25 مرة خلال العقد الماضى، بما يعكس تصاعدًا كبيرًا فى حجم الأخبار المضللة وتأثيرها على الرأى العام، ليكشف حجم المخاطر التى تواجه الدولة المصرية من الترندات الكاذبة.

الترندات بين الحقيقى والمصطنع

يقول الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها، وخبير الإعلام الرقمى، إن الترند مصطلح ظهر مع شبكات التواصل الاجتماعى وتطبيقاته المختلفة، ووجود ملايين من المستخدمين وعدد كبير من التطبيقات التى تشهد تنافسا فيما بينها، ومن هنا ظهر الترند باعتباره معيارا عما هو رائد أو متداول على مختلف التطبيقات، فعند القول إن قضية معينة هى ترند على تطبيق «فيسبوك»، فهذا يعنى أن القضية متداولة بين عدد كبير من مستخدمى المنصة ورائج فى هذا التوقيت وتحدث عليه عمليات بحث كبيرة ويتصدر نسبة المشاهدة والمتابعة والمشاركة والتعليقات والتفاعل.

ويضيف أن «الترند مطلوب للجانب الإعلانى وتحقيق الأرباح، فكلما زادت نسبة المشاهدة والمتابعات ومعدل الدخول والتفاعل كان ذلك يعنى وجود ربح مادى عبر ميزات إعلانية لصاحب ذلك التطبيق، ولهذا كل تطبيق يبحث عن وجود ترند معين، فهناك تطبيقات تبحث عن تصدر المنصة التى يتواجد عليها سواء إكس أو فيسبوك أو جوجل أو انستجرام».

ويفرق الدكتور حسام بين عدة أنواع من الترند أولها هو ترند حقيقى وموجود وغير مفتعل أو مصطنع، فالترند قد يكون رواجاً لقضية أو موضوع أو حدث أو شخص حقيقى توافر فيه كل عناصر الرواج والانتشار والاهتمام بين مستخدمى الفضاء الإلكترونى، ولهذا يتحول إلى ترند، لكن هناك من يرغب تصدر الترند من أجل تحقيق أرباح مالية عبر الإعلانات أو من أجل الشهرة عبر الدعاية والترويج الشخصى، ليتحول إلى ترند مصطنع أو مفتعل، ليصبح الترند وسيلة لنشر الشائعات والأخبار المفبركة على نطاق واسع وهو الترند الكاذب.

وعن المعايير التى تكشف عن كون الترند مصنوعا وغير حقيقى، يشير أستاذ الإعلام بجامعة بنها إلى أن أولها طبيعة المحتوى، فإذا كان يخالف التقاليد ويعتمد على الإثارة، فمن المؤكد أنه مفتعل، والمعيار الآخر إذا كان يتعرض لأشياء غير حقيقية، تخالف الواقع والمنطق والعلم والحقيقة، كما أن الشخصية المتصدرة الترند تكشف هل هو ترند مصنوع أم حقيقى، ومعيار التخطيط لظهور ترند بعينه فى مقابل إهمال ترند آخر، كأن يتم تسليط الضوء على واقعة غريبة بشكل مكثف من أجل تصدرها الترند، والمعيار الأخير هو العناوين التى ترغب فى تصدر الترند مثل «شاهد قبل الحذف»، «شاهد اللقطات الممنوعة»، «شاهد لقطات محـظورة»، «شاهد إطلالة»، فهذه العناوين من المؤكد أنها مصنوعة بغرض المشاهدات وزيادة نسبة التفاعل.

وفى النهاية الجهة أو الصفحة المسؤولة التى تصدرت الترند، إذ على المستخدم أن ينتبه لطبيعة الصفحة، هل هى معتادة على نشر أخبار مفبركة أم أنها صفحة ذات مصداقية فى نشر أخبارها؟

صنيعة الترندات الكاذبة

عما إذا كان الترند الكاذب صنيعة منصات التواصل الاجتماعى أم المواقع الإلكترونية، يلفت «النحاس» إلى أن الكل مساهم فى صنيعة الترندات الكاذبة، فالموضوع أو القضية تتحول إلى ترند عندما يتم نشرها أو بثها على منصات التواصل الاجتماعى، على أن يتم اقتطاعها واجتزاؤها مصحوبة بعناوين مثيرة وتحديدًا على الصفحات المليونية لتتناقلها بعدها وسائل الإعلام، سواء عبر مواقعها أو صفحاتها فيندمج الاثنان ويدفعان فى جعل الموضوع ترند على الفضاء الإلكترونى.

ويبين دكتور النحاس أن إحدى أهم أدوات حروب الجيل الرابع والخامس هى وسائل التواصل الاجتماعى، عبر آليات تنفيذية وهى اختراع ما يسمى الترند، حتى إن هناك تفاعلات وهمية مقابل مبلغ مالى لتحقيق وتصدر الترند، من أجل تزييف وتغييب الوعى ونشر الجهل، حتى يتم هدم الدول من الداخل واحتلال العقول والسيطرة عليها والتحكم فيها.

ويشير إلى أن من يقف خلف هذه المنصات والتطبيقات جهات قد تكون تابعة لدول أو جماعات تريد هدم المجتمع من الداخل عبر خلايا نائمة أو متآمرين، وتلجأ إلى استخدام هذه الأداوت بكثافة واستمرارية لتحقيق أهدافها، ولهذا نستيقظ على ترندات تافهة لا تعبر عن قيمنا المجتمعية والدينية، وما إن ينتهى ترند حتى يظهر ترند آخر، وهكذا فهى دورية مستمرة لا تنتهى، ترغب فى تخريب العقول عبر خلق حالة من الوعى المنقوص والمزيف، لخلق سلوك واتجاهات وقيم تختلف عن قيمنا.

ويلفت إلى وجود مسارين للتصدى للترندات الكاذبة أولهما الوعى والثانى هو القانون، فالوعى يحتاج إلى استراتيجية تضم كل مؤسسات الدولة وتحديدًا الإعلام، ثم التربية والتعليم والتعليم العالى، والأزهر والكنيسة والشباب والرياضة والثقافة، على أن تأتى الأسرة المصرية الركيزة الأساسية فى الوعى، ومع هذا الوعى نحتاج إلى نوع آخر من الوعى وهو الوعى الرقمى، للتعامل مع المنصات الرقمية.

«من لم يردعه الوعى يردعه القانون»، هكذا يؤكد أستاذ الإعلام، إذ يلزم وجود بنية قانونية تشريعية متكاملة للتعامل مع هذا الأمر، مشيدًا بحديث دكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، عن إصدار قانون حرية تداول البيانات والمعلومات لمواجهة الشائعات، ورغم أنه جاء متأخرًا، فهو من القوانين المكملة للدستور وكان يلزم إقراره منذ سنوات، ولكن يبدو أننا على أعتاب إصدار مع الفصل التشريعى الثالث لمجلس النواب، ليكون قانونا صارما على أن يتم تغليظ العقوبات والجمع بين الحبس والغرامات لتحقيق مبدأ الردع العام والخاص بما لا يخل بمهنة الصحافة والبحث عن آليات إتاحة المعلومات والبيانات ثم محاسبة من يخالف ذلك بعقوبات رادعة.

دور الخوارزميات فى توجيه الرأى العام

من جانبه يُعرف الدكتور حسام الضمرانى كاتب وباحث فى مجال الإعلام الرقمى «االترند Trend» أو ما يعرف علميًا «بخاصية الأكثر تداولًا فى الفضاء الإلكترونى»، على أنه الموضوع أو المحتوى الذى يحظى بأعلى معدل انتشار ومشاركة بين المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعى خلال فترة زمنية محددة.

ويتابع: «هنا تُطرح أسئلة حول دور الخوارزميات فى توجيه الرأى العام فى المجتمع المصرى والمجتمعات العربية بشكل عام، والآلية التى يتكوَّن بها الترند، خاصة فى المنطقة العربية، فقد أظهرت الأدلة أن هذه الآلية يمكن أن تُصنع وتُستغل، إذ من الممكن اصطناع الترند عبر حسابات وهمية خلال فترة قصيرة، وتوظيفه غالبًا لأهداف سياسية».

ويوضح د. الضمرانى أن عدد الخوارزميات المستخدمة فى مواقع التواصل الاجتماعى يُقدَّر بنحو 150 ألف خوارزمية تُعرف باسم «الحافة» (Edge Rank)، والتى تعتمد على توقع المحتوى الذى قد يجذب انتباه المستخدم ويثير إعجابه، وبما أن الخوارزميات تؤثر على حجم المحتوى الذى نراه، فإن توظيفها لدفع المستخدمين لاتخاذ قرارات ذات أبعاد سياسية واجتماعية أصبح أمرًا واضحًا فى العديد من الدراسات العلمية.

وعن تحوّل الترند الكاذب إلى صناعة، يقول د. الضمرانى الواقع أثبت ارتباط الترند الكاذب بأهداف سياسية أو اقتصادية، إذ يقف وراء صناعة الترند عادة أحزاب وجماعات ضغط أيديولوجية لتحقيق أهداف سياسية، فى حين يأتى فى المرتبة الثانية بعض المحتالين الذين يسعون لتحقيق عوائد مالية.

الدراسات العلمية كشفت تأثيرات الترندات الكاذبة، إذ تناولت الدراسات الأجنبية أبعادًا اقتصادية أوسع للترند الكاذب، وأظهرت هذه الدراسات أن مواقع المعلومات المضللة تتلقّى ما يُقدَّر بـ 2.6 مليار دولار سنويًا من عائدات الإعلانات الرقمية عبر الشبكات الإعلانية وبرامج العرض الإعلانى العادية، وهو جزء من إنفاق العلامات التجارية ضمن الإنفاق الإجمالى العالمى على الإعلانات الرقمية.

تكلفة الأخبار المضللة

تشير بعض التقارير الدولية إلى أن الأخبار المضللة تكلف الاقتصاد العالمى أكثر من 2.5 تريليون دولار سنويًا، بما فى ذلك الخسائر المباشرة وغير المباشرة عبر تأثيرها على الأسواق والقرارات الاقتصادية.

«تزييف الوعى» هو المهمة الأولى للترند الكاذب، كما يوضح خبير الإعلام الرقمى، فعادةً ما يُستغل الترند لتحقيق أهداف سياسية فى المقام الأول من قبل بعض أصحاب المصالح، فى حين تأتى العوائد الاقتصادية فى المرتبة الثانية، فهو يُستخدم لإحداث حالة من الفوضى والصراعات بين الشعوب، سواء داخليًا أو على المستوى الخارجى، وذلك عبر إحداث الفتنة والوقيعة بما تحقق تأثيرات على الاقتصاد مسببةً البلبلة وتهديد السلم المجتمعي، وهو ما يُعرف بـ«فقاعة الترشيح» فتلعب دورًا كبيرًا فى توجيه وعى المستخدمين، وحجبهم عن التعرض للمعلومات المخالفة لاهتماماتهم ومصادرهم المعتادة.

إنها «ظاهرة عالمية» برزت بشكل واضح أثناء الانتخابات الأمريكية بين دونالد ترامب وهيلارى كلينتون فى 2016، عندما استخدمت حملة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب طرقًا غير مسبوقة للترويج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان الترند أحد أهم العوامل التى ساعدته على تحقيق النجاح، فلم يكن الترند مجرد انتشار محتوى، بل تحوّل إلى أداة سياسية موجهة تؤثر على السلوك الانتخابى وتعيد تشكيل الرأى العام.

وفى مصر ظهرت العديد من الترندات الكاذبة، سواء للإضرار بمصالح البلد أو لتحقيق أرباح كما يقول دكتور حسام، فتقريبًا تتعرض الدولة المصرية يوميًا لمحاولات استهداف بأخبار ومعلومات مضللة تستهدف قطاعات حيوية مثل الصحة، الاقتصاد، السياسيين، ومشاهير الفنانين، ويسهم فى زيادة انتشار هذه المعلومات وتأثيرها قيام بعض المواقع الصحفية بالانشغال بها، لمواكبة ما يعرف بالترافيك عبر نشر أخبار وتقارير وإجراء بث مباشر لتناولها بشكل مكثف، مما يعزز من وصولها للجمهور ويزيد من تأثيرها على الرأى العام.

ونوه «الضمرانى» بأن هذه الأدوات أسهمت فى إعادة النشر التلقائى وساعدت شبكات الحسابات المؤيدة فى تضخيم هذا المحتوى المضلل المفبرك، ليبدو شائعًا وموثوقًا حتى لو كان مفبركًا بالكامل، وخفّضت هذه التكنولوجيا تكلفة التضليل، بل إنها سهّلت انتشار الأخبار الكاذبة، بما سمح لجهات صغيرة بالتأثير على الرأى العام وإحداث أضرار اجتماعية وسياسية حقيقية.

واختتم حديثه قائلًا: «من المهم إقرار قانون حرية تداول المعلومات بشكل عاجل لدوره الحيوى فى تعزيز الشفافية، خاصة فى وقت تراجعت فيه الثقة فى وسائل الإعلام التقليدية، ليس فى مصر فحسب، بل فى العديد من دول العالم، وهذا التراجع تسبب فى لجوء ملايين المستخدمين إلى منصات التواصل الاجتماعى كمصدر رئيسى للأخبار والمعلومات، ما يجعلهم أكثر عرضة للوقوع فى فخ الترند والأخبار المضللة التى تجد ملاذها فى هذه المنصات.

    كلمات البحث
  • الترند
  • الكاذب
  • آفة
  • العصر
  • الرقمى