رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

استعدادات حكومية لمواجهة تداعيات الحرب «الإسرائيلية _ الإيرانية».. اقتصاد مصر صامد.. والاحتياطيات آمنة


28-6-2025 | 13:37

.

طباعة
تقرير: محمد رجب

«مواجهة تداعيات الحرب».. شعار رفعته حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، منذ بدء المناوشات «الإسرائيلية _ الإيرانية»، التى تحولت إلى «ضربات جوية» متبادلة، حيث عملت الحكومة على متابعة مجريات الأمور وإعداد السيناريوهات المستقبلية للعديد من الملفات، والتى كان من بينها ملف «السلع الغذائية والاستراتيجية»، واتخذت الحكومة فى سبيل ذلك عدة خطوات لدعم الاحتياطى من السلع لتحقيق توازن يضمن توفير كل احتياجات المواطن المصرى، رغم الأوضاع المتأزمة عالميًا، والتوترات المقلقة التى أثرت على أسعار النفط والمعدن واليورو والدولار فى السوق العالمى، حيث شدد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، على أن الحكومة تتابع تطورات هذا النزاع بشكل لحظى ودقيق لمواجهة تداعياته المحتملة على الداخل المصرى، ومواكبة تأثيراته الإقليمية المتوقعة فى مختلف القطاعات.

 

رئيس الوزراء، أوضح أن «هناك تنسيقًا مباشرًا ومكثفًا بين محافظ البنك المركزى، حسن عبدالله، ووزير المالية أحمد كجوك، من أجل اتخاذ إجراءات استباقية تضمن تعزيز المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية والمتنوعة، بهدف حماية السوق المصرى من أى اضطرابات محتملة قد تنتج عن الوضع الأمنى المتدهور فى المنطقة».

وأشار «مدبولى» إلى أنَ الحكومة تستعد لجميع السيناريوهات، حيث تم عقد اجتماع رفيع المستوى مع وزيرى الكهرباء والبترول، وذلك لبحث الآثار المحتملة للأحداث الجارية على قطاعى الطاقة والوقود، واستعراض خطط الطوارئ والجاهزية للتعامل مع أى تطورات قد تؤثر على إمدادات الطاقة أو حركة التجارة الدولية.

ويأتى هذا التحرك الحكومى فى ضوء توقعات بحدوث تأثيرات اقتصادية إقليمية مباشرة نتيجة تصاعد الصراع بين طهران وتل أبيب، خاصة فيما يتعلق بأسواق الطاقة، وخطوط الملاحة، وتدفقات السلع الاستراتيجية، بما يستلزم استعدادًا مصريًا شاملًا لضمان استقرار السوق المحلى وتأمين احتياجات المواطنين من السلع الحيوية.

الخبراء، أوضحوا أن الحرب بين إيران وإسرائيل تمثل صدمة مزدوجة للاقتصاد المصرى فى توقيت شديد الحساسية، وتفرض تحديات خطيرة على الأمن الاقتصادى القومى، حيث أكد الدكتور محمود السعيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن «اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل يمثل تطورًا بالغ الخطورة فى المشهد الإقليمى، خاصة بعدما تصاعدت الضربات المتبادلة لتشمل منشآت حيوية ومناطق مأهولة، ما وسّع نطاق آثار الصراع إلى خارج حدوده الجغرافية، ليصل صداه إلى القاهرة وغيرها من عواصم المنطقة».

«السعيد» أوضح أن «الاقتصاد تلقى ضربة مباشرة نتيجة توقف الإنتاج فى الحقول الإسرائيلية للغاز الطبيعى، وهو ما يمثل فقدانًا لمصدر مهم من مصادر العملة الصعبة، نظرًا لاعتماد مصر على الغاز الإسرائيلى لإعادة التسييل فى مصانع إدكو ودمياط ثم تصديره، وهذا الانقطاع سيحدث اضطرابًا واضحًا فى منظومة الطاقة، ما سيدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية فى استهلاك الكهرباء، قد تشمل تقنين الإمدادات للمصانع الثقيلة مثل مصانع الحديد والأسمدة، مع إعطاء الأولوية للمنازل».

وأضاف: الأزمة لن تتوقف عند ملف الطاقة، بل ستمتد إلى قطاع الملاحة وقناة السويس، مثلما حدث سابقًا، حيث أدت زيادة وتيرة الهجمات الحوثية فى البحر الأحمر إلى تحويل عدد كبير من السفن العالمية مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، متجنبة المرور عبر القناة، وهذا التحول المفاجئ تسبب فى انخفاض حاد فى إيرادات قناة السويس، والتى تعد ركيزة رئيسية فى دعم الاحتياطى الأجنبى ومصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، ما زاد من الضغط على الموازنة العامة للدولة.

أستاذ الاقتصاد، شدد على أنه «إذا استمر التصعيد العسكرى فى المنطقة فإنَّ الاقتصاد المصرى سيجد نفسه أمام ثلاثة تحديات رئيسية: نقص الطاقة، وتراجع مصادر النقد الأجنبى، واضطراب بيئة الاستثمار»، لافتًا إلى أن التعامل مع هذه التحديات يتطلب استجابة سريعة وذكية من صناع القرار، ترتكز على تنويع مصادر الغاز الطبيعى، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، وتسريع الجهود لجذب استثمارات مباشرة فى قطاعات واعدة مثل الطاقة المتجددة، والزراعة، والصناعات التصديرية.

وأضاف أن الحرب بين إيران وإسرائيل ليست أزمة عابرة، بل اختبار حقيقى لقدرة الاقتصاد المصرى على الصمود والتكيف مع التحولات الجيوسياسية الكبرى، خاصة فى وقت لم يتعاف فيه بعد من صدمات متتالية بداية من جائحة كورونا، مرورًا بالحرب الروسية – الأوكرانية، وصولًا إلى التصعيد الحالى فى الشرق الأوسط.

بدوره، أكد الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن مصر لم تُفاجأ بالأزمة، بل استعدت لها من خلال تعاقدات طويلة الأجل مع موردين كبار مثل «قطر غاز» و«أرامكو« و«أوكيون»، ما أبعدها عن مخاطر السوق الفورية شديدة الحساسية للأزمات.

وأشار «د. جمال»، إلى أن توقف حقل «ليفياثان» الإسرائيلى لم يؤثر على مصر، بفضل وجود بدائل جاهزة، وتفعيل خطة وضعتها وزارة البترول منذ أكثر من 6 أشهر، كما دعّمت مصر قدراتها من الغاز المسال عبر 4 وحدات تغييز موزعة بين السخنة والبحر المتوسط، بقدرة إجمالية تبلغ 1.5 مليار قدم مكعب يوميًا.

وأضاف: رغم الأزمة، لم تصدر الحكومة قرارات بتخفيف الأحمال حتى الآن، وبدلاً من ذلك، أطلقت وزارة الكهرباء خطة صارمة لترشيد الاستهلاك فى الجهات الحكومية، تشمل تقليل استخدام المصاعد، وضبط التكييف على 25 درجة، وفصل الإنارة غير الضرورية، وتقليل الإضاءة فى الشوارع بنسبة تصل إلى 60فى المائة، وتستهدف الخطة خفض استهلاك الجهات الحكومية بنسبة لا تقل عن 30فى المائة، فى ظل توقعات ببلوغ الأحمال القصوى 37 ألف ميجاوات، بينما تملك مصر قدرات إنتاجية تصل إلى 43 ألف ميجاوات، منها 2800 ميجاوات من الطاقة المتجددة تدخل الخدمة هذا الصيف.

فى حين أوضح الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، أن «إصدار مجلس الوزراء قرر بتشكيل لجنة أزمات برئاسة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، لمتابعة تداعيات التصعيد العسكرى الإسرائيلى الإيرانى، وتضم فى عضويتها رئيس البنك المركزى والعديد من الوزراء وممثلى الهيئات، الهدف منها الاستعداد لأى مستجدات طارئة جراء هذه الحرب، خاصة لو استمرت لفترة، تهدف لبحث التداعيات الاقتصادية الناتجة عن هذه الحرب ومدى تأثيرها على الوضع الداخلى، خاصة أنها إذا استمرت ستتسبب فى اضطراب سلاسل التوريد عالميًا وارتفاع فى أسعار النفط والغاز والحبوب وغيرها بالتزامن مع التهديد بغلق مضيق هرمز ومضيق باب المندب اللذين يمثلان شريانًا كبيرًا لمرور ما يقارب من نصف صادرات البترول والغاز الطبيعى والحبوب».

«غراب»، أشاد بتشكيل الحكومة هذه اللجنة، موضحًا أنها «تعد أمرًا استباقيًا استعدادًا لأى تطورات تحدث لمواجهتها والبحث عن بدائل لتوفير الواردات المصرية من الغاز الطبيعى والسلع الاستراتيجية وخامات الإنتاج، خاصة إذا استمرت الحرب وأثرت على سلاسل التوريد العالمية، بالرغم من أن مصر لديها احتياطى كبير من السلع الضرورية الاستراتيجية يكفى لشهور طويلة، وهو من سياسات الدولة المصرية منذ سنوات مضت بتوفير مخزون احتياطى من السلع الأساسية لمواجهة أى تحديات أو أزمات طارئة عالميًا أو إقليميًا»، مضيفًا أنه «منذ بدء الحرب بين طهران وتل أبيب قفزت أسعار النفط والغاز وهناك توقعات تشير إلى أنها فى تزايد إذا استمرت الحرب بينهما».

كما أكد أن «الدولة المصرية بدأت سريعًا بالفعل فى البحث عن بدائل لواردات الغاز الطبيعى بعد انقطاعه من إحدى دول الشرق، وتعمل على توفير البترول والغاز الطبيعى حتى لا يتأثر الاقتصاد المصرى بتلك الأوضاع»، مضيفًا أن «ارتفاع النفط والغاز عالميًا بالطبع سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية العالمية ومن بينها مصر، لأنه سيسهم فى رفع أسعار الطاقة والشحن والنقل، وبالتالى سيؤثر على الأسعار ويشكل ضغوطًا تضخمية عالمية»، لافتًا إلى أن «استمرار الحرب أيضًا تؤثر على حركة رؤوس الأموال والسياحة بالشرق الأوسط، وتراجع سلاسل الإمداد ما يؤثر على حركة التجارة العالمية».

وكشف أيضًا أن الحكومة المصرية استعدت بالفعل لتوفير الغاز الطبيعى بالاتفاق على 4 شحنات جديدة وفقًا للبيانات وسيتم استقبالها خلال الأسبوعين المقبلين لتوفير الناقص من الغاز، إضافة لاستباق مصر على إجراء تعاقدات مبكرة قبل ارتفاع الأسعار لتوفير منتجات البترول والغاز الطبيعى.

فى حين أكد هشام الدجوى، رئيس شعبة المواد الغذائية فى غرفة الجيزة التجارية، أن المصانع العاملة فى قطاع الأغذية تواصل الإنتاج بكامل طاقتها، دون أى خفض فى معدلات التشغيل، مشيرًا إلى استقرار ملحوظ فى أسعار السلع بالأسواق المحلية، وأوضح أن الأسواق لا تشهد أى زيادات سعرية، حتى الطفيفة منها، لافتًا إلى أن «الأسعار مستقرة وعادلة، ولا يوجد ما يدعو للقلق من جانب المستهلكين».

«الدجوى»، أشار إلى أن الدولة تمكنت من توفير احتياطى استراتيجى من السلع الأساسية يكفى لفترة تتراوح بين ستة أشهر إلى عام، مستفيدة من تطوير البنية التحتية لقطاع التخزين، خاصة الصوامع، مما أسهم فى تقليل نسب الفاقد بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية.

وأضاف أن «المخزون المتوفر حاليًا يلبى احتياجات المواطنين والمقيمين على حد سواء»، مشيدًا بجهود وزارة التموين والجهات المعنية فى تأمين السلع وتوزيعها بشكل منتظم، مشددًا على أن مصر حققت اكتفاءً ذاتيًا فى عدة منتجات رئيسية، منها الأرز والسكر وبعض أصناف الفاكهة، مؤكدًا استمرار الدولة فى دعم الإنتاج المحلى وتعزيز منظومة الأمن الغذائى الوطنى.

من جانبه، كشف سيدالنواوى، نائب رئيس غرفة القاهرة ونائب رئيس شعبة المستوردين، أن «الحكومة المصرية، تعمل بشكل مستمر على تلبية كافة احتياجات السوق المصرية من السلع الغذائية المحلية والمستوردة»، مشيرًا إلى أن الاعتماد الأكبر يكون على المنتج المحلى ذى الجودة العالية، ومؤكدًا أن مصر لديها احتياطى من السلع الغذائية الاستراتيجية يكفى لأكثر من نصف عام، وبعض المنتجات بها احتياطى يكفى 12 شهرًا.

وشدد نائب رئيس غرفة القاهرة، على أنه لن تحدث أى زيادات فى الأسعار خلال الفترة المقبلة، موضحًا إن مصر استوردت كميات محدودة من اللحوم الحية من دولة تشاد خلال الأشهر الماضية، مشيرًا إلى احتمالية مضاعفة تلك الكميات فى حال حدوث أى نقص فى المعروض من اللحوم المبردة والمجمدة داخل الأسواق المحلية.

وأوضح «النواوى» أن تشاد تُعتبر من البدائل المطروحة لتعزيز الإمدادات، ضمن خطة تنويع مصادر الاستيراد، لتأمين احتياجات السوق وضمان استقرار الأسعار، مشيرًا إلى أن واردات مصر من الحيوانات الحية القادمة من السودان شكّلت نحو 57فى المائة من إجمالى وارداتها من الخرطوم خلال عام 2022، بقيمة قاربت 193 مليون دولار من إجمالى 504.4 مليون دولار، ما يعكس الدور الحيوى للسودان كمصدر رئيسى فى هذا القطاع الحيوى.

من جانبه أكد حازم المنوفى، عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن السوق المصرى لم يشهد حتى الآن أى زيادات مباشرة فى أسعار السلع الأساسية نتيجة التطورات الإقليمية الأخيرة بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى أن الدولة اتخذت خطوات استباقية لتأمين احتياجات السوق المحلى وتعزيز المخزون الاستراتيجى من المواد الغذائية.

وقال «المنوفى»: أسعار السلع ما زالت مستقرة نسبيًا رغم التقلبات العالمية، وذلك بسبب تنويع مصادر الاستيراد، وتوافر مخزون كافٍ من الزيوت، الحبوب، السكر، والبروتينات، فضلًا عن الدعم المستمر من الدولة لسلاسل الإمداد، كما أن الشعبة تتابع عن كثب حركة الأسواق العالمية والتغيرات المحتملة فى أسعار النقل والشحن، خصوصًا فى حال استمرار التوترات، ورغم هذا لا توجد مؤشرات حالية على موجات غلاء مفاجئة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة