لماذا كتاب «فى ظلال القرآن»؟
يمر الفرد الإخوانى بعدة مراحل داخل تنظيم الإخوان الإرهابي، تبدأ باستقطابه من المجتمع ومن أسرته، ثم الدفع به إلى ما يسمى بالأسرة، أى الخلية الأولى لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وفيها يلقنونه القرآن الكريم بتفسير ورؤية سيد قطب، من كتاب الظلال ليبث فى وجدان وعقول الحاضرين أفكاراً دموية، ويظن المستمع أنها من صلب الدين، فهى مكتوبة فى كتاب تفسير يطلقون على صاحبه الشهيد، ويُطبع على مرأى ومسمع الجميع، لذلك مهم جدًا أن نلقى الضوء على الكتاب وما يحتويه من أفكار تكفيرية ودموية.
لماذا الآن؟
سؤال جيد لماذا الآن؟ والإجابة ولماذا ليس الآن؟ على العموم الإجابة هي: أولاً لأننا تأخرنا كثيرا فى بدء معركتنا الفكرية مع التنظيم الإرهابي، ثانيا: ارتفاع بعض الأصوات التى تنادى بإعادة تأهيل أعضاء الجماعات المتطرفة والإرهابية (الإخوان) ودمجهم فى المجتمع، ومفهوم «الدمج فى المجتمع» مفهوم مخادع ومراوغ، فهم واقعيًا موجودون بالمجتمع وغير معزولين، ويمارسون أعمالهم سواء موظفين أو أصحاب أعمال حرة أو مهنيين أو حرفيين، ولا أجد تفسيرا لـ»إعادة التأهيل» سوى أنه باب خلفى للسماح للجماعة بالعودة بالتدريج تحت هذا المسمى، وأزعم أن المطلوب هو وقف ملاحقتهم أمنيًا أو الإفراج عن عناصرهم المسجونين.
لهذا فإن الكتابة عن أهم كتاب صاغ عقلية الإرهابيين أصبح فرض عين على كل من يعرف خبايا الجماعة؛ لأنه من أهم الكتب التى صاغت عقول الجماعات الإرهابية والمتطرفة التى لن تندمج مع المجتمع، ولن تتراجع عن أفكارها إلا إذا أعلن الفرد وبشكل مستقل ومراجعة ذاتية عن تراجعه عن الانتماء للأفكار والتنظيم، ثالثا: سنكتشف أن السماح لكتب الإخوان بالطبع والتناول هى جريمة فى حق المجتمع والأجيال التالية، فضلاً عن السماح لهم بالعودة تحت مسمى إعادة التأهيل ودمج التائبين.
لماذا سيد قطب؟
لأنه وببساطة هو المرجع الفكرى لكافة الجماعات المتطرفة سواء بأفكاره فى الظلال أو فى باقى كتبه، والتعرف على سيد قطب من بداياته والتعرف على مراحل تحوله، وكيف أن مجرد اقترابه من الإخوان والتعاون معهم، حوَّله من ناقد أدبى له مشروع ومستقبل واعد، كان من الممكن أن يستفيد منهم عالم الفكر والأدب، وأن الإخوان أفسدوه، ربما يعلمنا هذا ضرورة منع تدفق الأفراد للجماعة، والتحذير من مجرد الاقتراب منهم أو التعاون معهم.
منْ هو سيد قطب وما هى تحولاته؟
وُلد سيد قطب إبراهيم الشاذلي بتاريخ 9 أكتوبر1906 فى قرية موشا بمحافظة أسيوط، لأبٍ متزوج من امرأتين، كانت أمّه هى الزوجة الثانية، وكانت أسرته فى مستوى اجتماعى متميز، بدّد الوالد تلك الثروة، ممّا سبب حزناً لوالدته واعتبرته رجلها، لهذا لم تسمح له باللعب وسط الأطفال، هذا الاهتمام والتنشئة وإلقاء المسئولية على طفل تركت أثراً بالغاً فى تكوينه النفسى والاجتماعي، فتحوّل الطفل إلى رجل رغماً عنه، ولم يبلغ عامه الثانى عشر بعد.
التحوّل الأوّل: من طالب إلى شاعر بسبب عباس العقاد
انتقل سيد قطب إلى القاهرة عام 1920، وأقام عند خاله أحمد الموشي، ومكث عامين حتى يكتمل عمره 16 عاماً ليلتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية، كان خاله وفدياً ويعمل بالصحافة والتدريس، وصديقاً لعباس العقاد، وجد سيد نفسه فى العقاد ما يعوّضه غياب الأب، ويوفر له حماية يفتقدها، وبسببه أُتيحت لسيد قطب الكتابة فى العديد من الصحف، فشعر بذاته الصحفية والأدبية، وهو لم يزل طالبا حديث السن، ثم التحق بكلية دار العلوم عام 1929، وبدأت ذاته تتضح وتتضخم، فدخل فى نقاشات حادة وقاسية مع أقرانه منحازاً للعقاد ضد الرافعي، ثم تضخمت ذاته أكثر بعد طبع محاضرة ألقاها بعنوان «مهمّة الشاعر فى الحياة وشعر الجيل الحاضر» فى كتيب العام 1933.
تخرج سيد عام 1933، وعُيّن مدرّساً، وعمل إلى جانب التدريس محرّراً فى الأهرام، فى صفحتها الأدبية، بمقابل مادي، وكان أوّل ديوان تناوله (هدية الكروان) للعقاد، وعلى صفحاتها خاض معارك أدبية شرسة، لصالح أستاذه العقاد.
لا نعرف على وجه التحديد متى أحبّ سيد قطب، ولكن فى مقابلة بين صلاح الخالدى مع محمد قطب أوضح أنه أحب فتاة فى منتصف الثلاثينيات، ولكنها رغم علمها بحبه لها لم تبادله الحب بالقدر الكافي، وكتب رواية أشواك كتجربة ذاتية له، ويبدو أن التجربة جرحت كرامته وانتقصت من ذاته المتضخمة كثيرًا.
أصدر سيد قطب ديوانه الأول «الشاطئ المجهول» فى يناير العام 1935، الذى لم يلقَ أى تجاوب من الأدباء، ولا حتى من العقاد أستاذه، ولا من رفقاء عصره من شباب الأدباء ولا من النقاد والكتّاب، ممّا ترك أثراً سلبياً عليه، تفرغ قطب لخوض معارك مع الأدباء والنقاد
التحوّل الثاني: الخروج من عباءة العقاد
أصدر كتابه الإسلامى الأوّل (التصوير الفنى فى القرآن) العام 1945، وطلب من العقاد أن يكتب مقدّمة له، لكنه لم يستجِب لطلبه، استُقبل الكتاب استقبالاً جيداً فى أوساط الأدباء والنقاد، فقد أشاد به نجيب محفوظ وعلى أحمد باكثير وتوفيق الحكيم، وعبد المنعم خلاف، لكنّ موقفاً غريباً من العقاد زلزل كيان سيد قطب، فقد فوجئ به يقرّظ كتاباً لمحمد خليفة التونسي، وبدأ الانتماء للعقاد يتصدّع، ثم ظهر كاتبٌ نجدى هو عبد الله القصيمى فى عالم الثقافة المصرية بكتابه (هذه هى الأغلال)، واحتُفى به بشكل مبالغ، لم يطق سيد قطب هذا الترحيب وعلى وجه الخصوص من أستاذه عباس العقاد.
التحوّل الثالث والاقتراب من الإخوان
شعر سيد قطب بأنّ عمره يضيع فى ركاب العقاد الذى لم يقدّمه أديباً ولا ألمعياً، وها هو ذا يفضّل عليه كاتباً آخر، وبدأ سيد قطب يكتب مندفعاً فيما يبدو أنه يدافع عن الدين، فى حين أنه يدافع عن كيانه وذاته الإسلامية الجديدة، التى جاءت دون قصد، فلم يكن سيد إسلامياً بالمعنى المعروف، بل كان كاتباً أديباً وجد فى الدفاع عن الدين وسيلة للانتصار لنفسه، دون أن يجرؤ أى من نقاده على مهاجمته، فوقتها سيكون مهاجما للإسلام ذاته، أعجبته الحالة الجديدة فأصدر كتابه الإسلامى الثانى (مشاهد القيامة فى القرآن الكريم) فى عام 1947، واكتسب سيد قطب جمهور الإسلاميين، وهو جمهور كبير وواسع ومتعدد، فذاق لأوّل مرّة حلاوة أن يكون له متابعون، فى هذه اللحظة أدرك أنّ عليه أن يعلن عن ذاته الأدبية الإسلامية الجديدة.
بحلول العام 1948، أخذ سيد قطب يقترب من الإخوان المسلمين، ويلوذ بهم، فذلك الموهوب استهلكه العقاد فى صراعاته الفكرية حتى بهت، ثم وجد يد الإخوان تتقدم لتنقذه، فقد اتفق معه الحاج محمد حلمى المنياوي، وهو قيادى إخوانى وصاحب دار الكتاب العربى أن يموّل له مجلة أسبوعية (مجلة الفكر الجديد)، آمن سيد قطب بأنه صاحب نظرة إيمانية إسلامية على منهاج ثوري.
ثم فجأة قرّرت وزارة المعارف ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى مهمّة تعليمية فى منتصف العام 1948، ولم تكن البعثة مرتبطة بمدّة معيّنة، ولا بمهمّة محددة، كما هى عادة البعثات، ولم يكن مرسلاً إلى جامعة بعينها كما جرى العرف أيضاً، ولم تكن من أجل الحصول على درجة علمية، لهذا نظر الباحثون إلى تلك البعثة بارتياب شديد.
وفى أثناء وجود سيد فى أمريكا طبع كتابه الإسلامى الثالث، (العدالة الاجتماعية فى الإسلام)، فى العام 1949، ثمّ حسم أمره فقرّر الانقطاع كلياً عن النقد والدراسات النقدية والابتعاد عن دنيا الأدب والأدباء، وقرر أن يخصص ما بقى من حياته لبرنامج اجتماعى كامل، يستغرق أعمار الكثيرين!
عاد سيد قطب إلى القاهرة فى 20 (أغسطس) 1951، وتسلم عمله فى وزارة المعارف، ثمّ كتب كتابه الإسلامى الرابع (معركة الإسلام والرأسمالية)، ولم يكد العام ينتهى حتى أصدر كتابه الخامس (السلام العالمى والإسلام)، روّج الإخوان لكتابات سيد قطب، وأصبح كاتباً لامعاً يُشار إليه بالبنان، ثمّ حصل صالح عشماوى القيادى الإخوانى المعروف على رخصة (مجلة الدعوة)، فكتب فيها سيد قطب بعضاً من مقالاته الاجتماعية والدينية، كما كتب فى مجلة «المسلمون» التى أسسها سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، مقالاً شهرياً فى تفسير القرآن الكريم، واختار له عنوان: «فى ظلال القرآن”.جمع مقالاته (فى ظلال القرآن) وأصدرها فى كتاب فى أكتوبر من العام 1952، ثمّ أصدر على مدار عامين بعد ذلك 16 جزءاً من الظلال حتى نهاية سورة طه.
التحوّل الرابع: نواب صفوى
انضمّ سيد قطب إلى صفوف الإخوان رسمياً وتنظيمياً فى العام 1953، وأسنِدت إليه قيادة الأعمال التثقيفية فى الجماعة، مثل إصدار جريدة «الإخوان المسلمون»، وإلقاء أحاديث الثلاثاء فى المركز العام للإخوان المسلمين، وإلقاء المحاضرات الإسلامية فى المناسبات المختلفة التى كانت تنظّمها الجماعة، ثم أصبح ممثلا عن الجماعة فى حضور المؤتمرات مثل: « المؤتمر الشعبى الإسلامي» المنعقد فى القدس عام 1953، وهناك التقى بنواب صفوى قائد جماعة «فدائيان إسلام» الإرهابية التى تغتال قادة الحكم لإرهابهم لتطبيق ما تراه هذه الجماعة، هذا اللقاء ترك أثراً بالغاً فى تفكير سيد قطب، ثمّ وقعت محاولة اغتيال عبد الناصر فى المنشية، وحوكم سيد قطب وحكم عليه بالسجن 15 عاماً، وفى السجن تشكّلت أفكار سيد قطب، ولمعت ذاته الإسلاموية أكثر.
النهاية:
خرج سيد قطب يحمل أفكارا متطرفة صاغها فى كتبه وفى مذكراته «لماذا أعدموني؟»، وقاد تنظيم الإخوان فى 1965 والذى خطط لحرق القاهرة وهدم الكبارى والقناطر الخيرية واغتيال شخصيات فى الحكومة ومؤسسات الدولة الحساسة بزعم أنهم يحاربون الله ورسوله، وهى ذاتها استراتيجية كل الجماعات الإرهابية.
فى النهاية أُعدم سيد قطب فى (أغسطس) 1966 وانتهت حياته، واندثر مشروعه الأدبى ومقالاته النقدية، وبقيت أفكاره الإسلاموية المتطرفة حية تهدّد آلاف الأرواح من الأبرياء، من المسلمين وغيرهم.