رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السيف والنار فى السودان


13-6-2025 | 18:40

.

طباعة
بقلـم: يوسف القعيد

أهدتنى الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى نُطلق عليها من باب الاختصار: الثقافة الجماهيرية، كتابًا جديدًا من الكُتب التى أصدرتها. والكتاب عن أحداث جرت فى السودان الشقيق، ومنذ أن زرت السودان قبل سنوات لحضور مؤتمر للمجلس العربى القومى لحقوق الإنسان بدعوة من الدكتورة سعاد الصبَّاح، واكتشفت مدى عُمق الروابط التى تربط مصر والسودان. وتجعل منهما كيانًا مترابطًا، وأنا أنظر لهذا البلد على أنه جزءٌ من بلادنا.

 

وعندما كان يحضر إلى مصر الروائى السودانى العظيم الطيب صالح، كنتُ أذهب إليه، ونذهب معًا وثالثنا صديق العمر وتوأم الروح المرحوم جمال الغيطانى إلى سيدنا الحسين، حيث كانت تحدُث للطيب صالح حالة نشوة نادرة بمجرد التواجد فى المكان.

وقد ذكَّرنى بالسودان وأهل السودان عندما أهدانى منذ فترة الأصدقاء محمد عبدالحافظ ناصف، ومسعود شومان، والحسينى عمران، وإسلام عبدالحميد زكى، وسعيد شحاتة، المسئولون عن النشر فى الثقافة الجماهيرية التى اسمها الرسمى الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتاب: السيف والنار فى السودان. من تأليف سلاطين باشا.

وسلاطين باشا مؤلف هذا الكتاب هو ضابط نمساوى وُلد فى سنة 1857 فى فيينا، وجاء إلى مصر عام 1878 ودخل فى خدمتها فعينه غوردون باشا حاكمًا لدارفور سنة 1881، ولم يمض عليه فى منصبه هذا وقتٌ قليل وزمنٌ قصير حتى اعتقلته جيوش المهدى، فبقى أسيرًا يدَّعى الإسلام والإيمان بالمهدوية إلى سنة 1893 وحينئذ فر إلى الجيش المصرى، واشترك معه فى استرداد دُنقلا، وبقى سلاطين باشا موظفًا فى حكومة السودان بين سنة 1900 وسنة 1914، ثم تم إعلان الحرب العالمية الأولى، فترك الخدمة فى السودان وعاد إلى بلاده النمسا.

تاريخ ما أهمله التاريخ

وفى مقدمة هذا الكتاب يتم الربط بينه وبين كتاب: التاريخ السرى لاحتلال إنجلترا مصر، لمستر ويلفريد سكاون بلنت، وكان من الطبيعى أن يصدر من بعده كتاب: السيف والنار فى السودان لسلاطين باشا. وهذان الكتابان يُعدان من المستندات التاريخية التى لا بد من الاطلاع عليها لمعرفة الحوادث التى تقلَّبت على مصر والسودان منذ سنواتٍ بعيدة. وهى الحوادث التى مازلنا نُعانى من نتائجها، ربما حتى وقتٍ قريب.

والكتاب وثيقة تاريخية مهمة فى تاريخنا المعاصر، يكتُبها مَن عاصر تلك الأحداث فى كتابة أقرب للمذكرات الشخصية، حيث تسود الرؤية الإنسانية بشكل غير عادى.

يكتُب سلاطين باشا:

- إن الأوروبى – كائنًا من كان – لن يستطيع اجتياز ذلك السودان كزائر أو عامل، وأقصى ما يحدث لذلك الأوروبى لا يختلف عن أدنى ما يصيبه، سواء اختلافًا جزئيًا لا يؤثر شيئًا فى النفس التى اعتادت الحرية، والتى خلقها الله سبحانه وتعالى فى جسم الإنسان لتشعر بسعادة الحياة الهادئة البعيدة عن العزف والمظالم.

وللإنجاز أقول إن أقصى ما يصيب الأوروبى فى السودان هو الموت. وأدنى ما ينتابه هو البقاء طول حياته أو يظل أسيرًا مغلوبًا على أمره، قد لا يجد فى الحقيقة فرقًا بين الموت وبين تلك الحالة المؤلمة، ولكن عن شخصى أجد اختلافًا ظاهرًا هو تمتعى بالنجاة والحياة الحرة قبل موتى الطبيعى الهادئ والذى جاء فى وقته.

السودان وحُكم مصر

يكتُب المؤلف: لم يكن السودان تحت حُكم مصر على حال شديد مثل شِدَّة الأوروبيين عليه، فتحت حُكم المصريين انتشر التُجار المصريون والأجانب على السواء فى مُدن السودان الرئيسية، وفى الخرطوم ذاتها كان للدول الأوروبية العُظمى ممثلون محترمون من الجميع. وقد كان الأجانب من جميع الدول الأوروبية متمتعين بحق الدخول إلى السودان والخروج منه.

وهم فى كل الحالات على أتم ما يتمنون من أمن وهدوء وسلام. إلى جانب ذلك سهولة المواصلات إلى السودان وأبعد الممالك الأوروبية بواسطة الرسائل التلغرافية والبريدية المنظمة.

إن أعظم ما تمتع به السودان أثناء الوجود المصرى الطويل هو قيام كل فرد بشعائره الدينية وبنشر العلوم حسبما يوحى إليه ضميره. فكنت ترى مساجد المسلمين وكنائس المسيحيين فى أماكن قريبة يقصدها أبناؤها بمطلق الحرية. وفى هدوء واطمئنان كنت ترى مدارس المسيحيين الأوروبيين المنتشرة لتعليم العلوم الحديثة. لا فرق بين الفلسفية منها والدينية والعلمية المحضة.

تلاشى المهدية ونهايتها

يكتُب المؤلف: تكلمت كثيرًا عن احتمال تقلص ظل الإمبراطورية المهدية وتلاشى نفوذها فى الوقت الذى تتقدم فيه دولة متدينة متمدينة فى قلب السودان، ولكن أُريد فى ختام مؤلَفى أن أتكلم عن مستقبل السودان وعن ما يستحقه الشعب السودانى الطيب العظيم من حياة رغدة وجميلة.

إن أعظم ما يتمتع به السودان أثناء الوجود المصرى الطويل هو قيام كل فرد بشعائره الدينية وبنشر العلوم حسبما يوحى إليه ضميره. وهكذا يقدم لنا المؤلف رؤيته لأهل السودان وما فعلوه من أجل النهوض ببلدهم والدور المصرى العظيم والذى لا ينساه التاريخ أبدًا الذى قامت به مصر من أجل تأسيس السودان الحديث. لذلك عندما تمشى لحظة الغروب فى أى مدينة مصرية فإن السودانيين الذين يزورون مصر، والبعض يعيش فيها يشكلون الأغلبية المطلقة بين مَن تراهم فى الشوارع.

ستة عشر عامًا

لقد عاش المؤلف فى السودان ستة عشر عامًا يصفها بأنها مُدهشة، وهى تشكل السنوات الأخيرة من عُمر السودان. وقد سعى جهده خلالها للحصول على اختبارات واسعة من أبسط عيشة فى أيامه العادية البعيدة ومظاهر الحياة المتعددة، وكم تُكلِّف الأهالى لكى يواصلوا الحياة فيها.

ويؤكد المؤلف أنه لا يهدف من وراء كتابه الذى يقع فى أكثر من 300 صفحة من القطع الكبير إلى توليد الاهتمام والشعور بالخطر. ولكن كل ما يهدفه أن يكون للتفاصيل التى نشرها فى كتابه أهمية. كأن السودان بلد يستحق أن يعيش حياةً جميلةً وجيدةً. فهو من أطيب الناس الذين خلقهم الله سبحانه وتعالى.

إنه كتابٌ مهم عن السودان الشقيق، وأهل السودان الأشقاء لنا فى كل لحظة تمر علينا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة