باتت الألعاب الإلكترونية، إحدى صناعات الترفيه الرقمية التى احتلت مركزاً متقدماً فى إنتاجية الدول، وذلك بعد أن قفزت اقتصاداتها إلى 200 مليار دولار، وبلغ عدد مستخدميها 2,5 مليار شخص على مستوى العالم، وحتى الآن، لا يزال قطاع الألعاب الإلكترونية يشهد نمواً كبيراً على مستوى صناعة اللعبة وبرمجتها وتسويقها ومتاجر بيعها.
وكانت مصر أحد أبرز هذه الأسواق، حيث شهدت السوق المحلية خطوات متسارعة متقدمة فى مجال الألعاب الإلكترونية، بعد أن تم تأسيس قسم جامعى لتصميم هذه الألعاب، لاستهداف تأهيل كوادر شابة متميزة لتصميم ألعاب إلكترونية بهوية مصرية وعربية.
«نور العلم» لعبة إلكترونية من أربعة مستويات، الغرض منها إحياء التراث المصري، هى أول تصاميم الطالبة سوسن رانى بالفرقة الثالثة كلية الفنون والتصميم قسم تصميم الألعاب الإلكترونية بجامعة مصر للمعلوماتية.. حيث تقول سوسن: «أنا من محبى الرسم، وعندما أنهيت المرحلة الثانوية بتفوق وكنت من أوائل الثانوية العامة وحصدت المركز الرابع، ثم حصلت على منحة تعليمية، واخترت كلية تجمع بين الفن والبرمجة أو الديجيتال أرت Digital Art والمجسمات ثلاثية الأبعاد، وهى من التخصصات التى تحتاج إليها الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، فكان الاختيار هو الالتحاق بكلية الفنون والتصميم قسم تصميم الألعاب الإلكترونية».
«الألعاب الإلكترونية صناعة مؤثرة فى سوق الترفيه الرقمى»، هكذا تقول سوسن رانى، مضيفة أن سبب اختيارها لقسم التصميم، لأنه يركز على أحدث التكنولوجيات فى ابتكار وتطوير الألعاب الرقمية، فيجمع بين الإبداع الفنى والتكنولوجيا، عبر استخدام تطبيقات الميكانيكات والعوالم الافتراضية وتطوير الشخصيات، وسلاسة أسلوب من أجل إنشاء ألعاب مبتكرة تتوافق مع مختلف المنصات، موضحة أن تصميم الألعاب الإلكترونية تخصص جديد فى مصر مثير للاهتمام ومجال مفيد ومهم، لأننا من خلاله نجمع بين الفن واللعب وتقديم معلومات، ولا نترك الأطفال للألعاب الخطرة على شكل «بابجى» التى تتسم بالعنف والقتل.
وقع اختيار «سوسن» على تصميم «نور العلم»، وهى لعبة إلكترونية من ضمن مشاريع السنة الدراسية، وأيضاً لعبة تعليمية للتعريف بالتراث والتاريخ والثقافة المصرية، من أكلات وأماكن مشهورة داخل كل محافظة، فهدف المشروع إعداد لعبة تعليمية تتضمن دروس المنهج المصرى للمراحل التعليمية، حتى يسهل على الطالب حفظه.
وتابعت تقول: (مشاريع تصميم اللعب الإلكترونية، تبدأ مع الفرقة الثانية، على أن يتم إعداد لعبتين فى كل ترم دراسى، ليصل إلى 7 ألعاب عند التخرج، ولهذا وقع اختيارى على لعبة تعليمية ترفيهية، من منهج رابعة ابتدائى من مادة الجغرافيا وتحديداً من دروس توثق آثار وتراث المحافظات المصرية)، مشيرة إلى أن اللعبة من عدة مستويات، بطلتها «البنوتة نور» التى تجوب المحافظات وتتعرف على الأماكن المشهورة بها وأشهر أكلاتها ومعالمها والملوك والشخصيات المصرية الشهيرة فيها.
وتشير الطالبة سوسن، إلى أنها كانت تفاضل بين اسمين، الأول «مهمة نور»، والثانى «نور العلم»، ولكنها اختارت الأخير، لأنها أكثر تعبيراً عن اللعبة.. (الطفلة نور لديها مهمة فى إعادة إحياء التراث المصرى، تبلغ من العمر 16عاماً، ترتدى ألوانا ترابية، تحاول استعادة ذكريات وإحياء التراث من اسم ومساحة ومعالم أثرية فى كل محافظة، لتصل فى نهاية المستوى الرابع وختام اللعبة، إلى كتاب كامل للذكريات، يضم كافة المعلومات عن جميع المحافظات المصرية) .
وتنوه سوسن رانى، بأن تجميع المعلومات الخاصة باللعبة، خضع لدقة ومنهجية علمية، فتمت الاستعانة ببنك المعرفة المصري، والاستفادة من كافة الدوريات والموسوعات العلمية - سواء العربية والإنجليزية، ووقع الاختيار لأغنية «الأقصر بلدنا» من فرقة رضا الاستعراضية.
كيف تم تصميم لعبة «نور العلم» الرقمية؟
اللعبة تخضع لعدة مستويات فى تصميمها - كما كشفت سوسن، قائلة: «أولها هو تسجيل اللعبة أو Game Design Document وثيقة تصميم اللعبة، وفيها يتم تسجيل كل تفاصيل اللعبة، والفئة المستهدفة، وكل مراحل القصة بداية من الفكرة والمصادر والمراجع والتصميمات والمجسمات».
وتستكمل سوسن قائلة: يبدأ بعدها الإعداد، هى مرحلة تصميم المستوى level design، وخطة اللعبة التى ستتكون من 4 مستويات، يتم عبرها رصد المحافظات والأماكن الأثرية على مستوى قبلى وبحرى والحدود الصحراوية، على أن يتم إعداد خطة لكل مستوى، ويتم البدء بمادة التحريك animation ثلاثية الأبعاد ومجسمات ثلاثية أخرى وفقاً لخطة التحريك، وذلك بهدف الوصول إلى إعداد البرمجة والأصوات والتعليق الصوتى «الفويس أوفر»، لنصل إلى المنتج النهائى للعبة، ليتم تحميلها على أجهزة الموبايل والكمبيوتر واللاب توب.
الألعاب الإلكترونية لا تزال تخصصاً جديداً، سيحدث فارقاً فى مجال تصميم الألعاب الإلكترونية فى مصر، كما تقول سوسن.
مصر اقتحمت سوق الألعاب الإلكترونية بطريقة علمية
مصر لم تتخلف عن سوق الألعاب الإلكترونية، لكنها بدأت تأسيسه بشكل علمي، من خلال تدشين كيان متخصص فى هذا المجال، وهى كلية الفنون والتصميم بجامعة مصر للمعلوماتية، بقسمين، أولهما تجربة المستخدم، وهو خاص بالاختبارات قبل استخدام المنتج ومحاولة إصلاح كافة المشاكل قبل الاستخدام، والقسم الثانى هو تصميم الألعاب الإلكترونية.
«فرصة لتعلم مهارات جديدة ومختلفة»، كان سبب اختيار ياسمين الشافعي، الطالبة فى الفرقة الثالثة بقسم تصميم الألعاب الإلكترونية.. فتقول: «أنا مهتمة بالرسم، وتكوين الشخصيات والخلفيات، وكلها مهارات يتم استخدامها فى تصميم الألعاب الإلكترونية».
أول لعبة صممتها ياسمين الشافعي، كانت فى الترم الأول من الفرقة الثالثة، وأطلقت عليها «Isomertric»، وهى لعبة ثلاثية الأبعاد.. وهنا تقول ياسمين: «كنت أفكر فى تصميم شخصية بنت مسؤولة عن تنظيم متحف للأعمال الخيرية يعرض رسومات الأطفال، على أن يتم الانتهاء من تنظيم هذا المتحف قبل وقت الافتتاح، وكان الهدف من اللعبة، توعية الأشخاص بإمكانية جمع تبرعات ومساعدة المجتمع، بأبسط الأشياء المتاحة».
دمج الكيمياء وعلم النفس فى الألعاب المصرية
«أنا بحب الألعاب جدا منذ الصغر، وتصميم الإلكترونيات من التخصصات الجديدة التى سيكون لها مستقبل»، هكذا تقول زينة عصام، طالبة فى الفرقة الرابعة بكلية الفنون الرقمية والتصميم، قسم تصميم ألعاب إلكترونية.. وتضيف: «أردت أن أكون من أوائل المصممين المصريين الذين يتركون بصمة فى المجال وتطويره، وأرغب أن أعمل فى استوديوهات عالمية بدولة إيطاليا، أتعلم وأكتسب خبرة، وفى الوقت نفسه أعود إلى مصر وأنقل ما تعلمته مع الطليان، من أجل تطوير صناعة تصميم الألعاب الإلكترونية فى بلدى».
زينة عصام، عملت على لعبة تعليمية فى الكيمياء لطالبة فى الصف الثانى الإعدادى.. اللعبة تنشأ فى بيئة ثلاثية الأبعاد، واللاعب يجيب عن أسئلة فى الكيمياء وهو يتنقل بين مستويات اللعبة، فالفكرة أنى أجعل الدراسة أسهل وأمتع لأن الطلاب فى هذه المرحلة العمرية يهوون الاستمتاع بالألعاب، فقررت أدمج اللعب مع التعليم، كما أننى أشتغل على تصميم لعبة مشروع التخرج «رفيقRafiq»، وهى لعبة مغامرة وألغاز ثلاثية الأبعاد، تحكى عن ولد تحول لدمية خشب، ولابد أن يواجه مخاوفه حتى يعود لحجمه الطبيعي، اللعبة تحتوى ألغازا وتحديات بصرية وتقدم تجربة نفسية عميقة.
زينة عصام، توجت بجائزة المركز الأول فى المسابقة، التى نظمتها هيئة البريد المصري، حيث لتصميمها طابع مخصص عن مكافحة جريمة الاتجار فى البشر، وتحلم بأن تصمم لعبة مثل It Takes Two.. وتقول: أعتبرها نموذجا ولعبة ملهمة بالنسبة لي، ونفسى أصل لهذا المستوى فى تصميم الألعاب، لأنها ستجمع بين القصة الممتعة والتفاعل مع البيئة بشكل إبداعي، لهذا أتمنى تصميم لعبة تصل لهذا المستوى وتؤثر بقوة على مشاعر اللاعبين).
مصر لديها سوق واعدة تحتوى
على أكثر من 100 مليون مستخدم
من جانبه، يقول الدكتور أشرف محمد أحمد مهدي، مدير برنامج الألعاب الإلكترونية بكلية الفنون الرقمية والتصميم، إن مصر لديها سوق جاذب للألعاب الإلكترونية، لافتاً إلى أن هناك عددا كبيرا من المتخصصين فى المجالات المختلفة التى تعتبر روافد مهمة لتصميم الألعاب، بخلاف أعداد اللاعبين والمهتمين بالمجال الذين يعتبرون دعامة أساسية لتطور الصناعة، لكننا لا نزال فى بدايات الطريق بشأن هذا السوق، فالأمر يتطلب مزيداً من الاستثمار والتنمية لتحقيق النمو المطلوب.
ويشير «مهدي» إلى أن كلية الفنون الرقمية والتصميم Digital Arts and Design بجامعة مصر للمعلوماتية، هى أول كلية فى مصر تجمع فى أقسامها أو برامجها، التصميم الرقمي، حتى إن بعض البرامج تعتمد بشكل أكبر على الفنون الرقمية، لافتاً إلى أن برنامج تصميم الألعاب الإلكترونية يعتمد على الفنون الرقمية والتصميم الرقمى فى الوقت نفسه ، إلا أن مفهوم الفنون الرقمية لا يلغى المهارة اليدوية واستخدام الأصول المتعارف عليها فى التصميم والتكوين لكل المنتجات.
وعن طبيعة المقررات التعليمية المقدمة، يقول د.أشرف مهدى، «يتم التعليم التدريبى ومحاكاة الواقع فى العمل من خلال منظومة احترافية تشبه استوديوهات وشركات صناعة الألعاب الإلكترونية العالمية، مع التركيز على إنتاج صانع مستقل قادر على تنفيذ جميع خطوات صناعة اللعبة، من بداية طرح الأفكار وتطويرها درامياً، حتى خروج اللعبة للمتلقى بشكل نهائي، ويتم تدريس عدد مناسب من البرامج والتطبيقات الرقمية لمساعدة الطالب فى جميع مراحل تنفيذ اللعبة.
«إقبال نسبى يزداد عاماً بعد عام»، هكذا يرى د.أشرف مهدي.. ويشير إلى تهافت الطلبة على تخصص تصميم الألعاب الإلكترونية، رغم أن التخصص فى البداية كان مجهولا لعموم الطلاب، إلا أنه مع بداية الدراسة منذ ثلاثة أعوام، والتخطيط الاستراتيجى الجيد للمقررات التى يتم تدريسها، وكيفية الربط بينها تحت مظلة علمية وعملية محكمة، أدت إلى نجاحات متعددة وإنتاج أعداد أكبر من الألعاب الإلكترونية، التى لاقت إشادة العديد من الجامعات الأجنبية والوزارات والسفارات.
خطة طموحة لـ 10 سنوات قادمة
رؤية مستقبلية واضحة ومحددة لتصميم الألعاب الإلكترونية يؤكد عليها د. أشرف محمد أحمد، ويعلق قائلاً: (البرنامج يهدف خلال العشر سنوات القادمة إنشاء مجتمع خاص بصناعة الألعاب من خريجى البرنامج، مجتمع قادر على التواصل والتفاعل والتكامل، وتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية فى مصر بشكل عام، من خلال ضخ منتج متفرد من الطلاب تحت مسمى (صانع الألعاب المستقل)، قادر على التعامل مع جميع مراحل اللعبة وإنتاجها بشكل منفرد، على أن يتم دمج خريجى الكلية ضمن فريق عمل شركة ما أو استديو لصناعة الألعاب، وفى التخصصات المطروحة.
وعن شروط الالتحاق بالبرنامج، يقول الدكتور أشرف مهدي: «فى البداية كان امتحان الالتحاق لدخول الكلية بشكل عام بعد شهادة الثانوية العامة وما يوازيها لتحديد مستوى الطلاب، ولم يكن الاختبار لتحديد القبول والرفض، إلا أنه من المؤكد مع زيادة الإقبال الذى حدث بالفعل، سوف يكون الاختبار أكثر قوة وحسما لدخول البرنامج بشكل خاص، مما يتطلب نوعا من المهارة فى الرسم والتصميم الخاص، وسوف يعلن عن نوعية الاختبار وطريقته فى وقتها» - حسب حديثه.