رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السيطرة على الحدود واجب الدولة الأول.. واستعمال السلاح وامتلاكه حقها وحدها


28-3-2025 | 10:45

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

تتلقى إسرائيل بين حين وآخر هدايا مجانية من بعض الأطراف فى العالم العربى، وعادة تساعدها تلك الهدايا على تحقيق هدف ما أو خطة بعينها، من ذلك ما حدث صباح السبت الماضى فى الجنوب اللبنانى، إذ تم إطلاق خمسة صواريخ على مستوطنة إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية، الصواريخ سقطت؛ منها ثلاثة داخل قرى لبنانية، أما بقية الخمسة الأخرى فلم توقع أى خسارة فى الجانب الإسرائيلي، الصواريخ وُصفت بأنها بدائية، لكن إسرائيل على الفور أعلنت أنها موجهة من الجانب اللبناني، وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلى اجتماعا مع وزير الدفاع، رئيس الأركان الإسرائيلى قال إن الجيش سوف يرد.

 

الرئيس اللبنانى جوزيف عون أعلن على الفور أن الجيش اللبنانى سوف يبحث الأمر، وأنهم ملتزمون بالهدنة، وكذلك قال رئيس مجلس النواب نبيه برى، ثم أعلن حزب الله أنه لم يطلق الصواريخ وأنه ملتزم بموقف الدولة اللبنانية.. بدائية الصواريخ وطريقة إطلاقها أكدتا أن حزب الله ليس مسئولا عنها، قيل إنها قد تكون أُطلقت من خلال فصيل فلسطينى مسلح موجود بالمنطقة، ولم نتأكد من ذلك، كل الأطراف اللبنانية أعلنت أنه لا مصلحة للبنان فى تلك العملية، إسرائيل ردت بأن لبنان هو المسئول عما انطلق من أراضيه.

ما يُقال فى لبنان طوال يوم السبت الماضى إن الصواريخ ربما كانت موجهة نحو الداخل لمكايدة رئيس الحكومة، لكن عدم كفاءة من استعملوها دفع باثنين منها نحو إسرائيل، وقيل كذلك إنها قد تعود لأطراف غير لبنانية بالمرة، بل أطلقها أناس على صلة بأطراف خارجية أو بعض السفارات الأجنبية فى بيروت، هناك تلميحات نحو دول لا تريد أن يتجاوز لبنان المرحلة الصعبة وتسيطر الدولة على كل شيء، تردد أيضاً أن من فعلها قد يكونون عملاء لإسرائيل تم تحريكهم كي تواصل إسرائيل أهدافها داخل لبنان.

الشأن اللبنانى متروك لأهله وجهاته الرسمية، أما إسرائيل فقد بادرت بشنّ غارات على قرى فى الجنوب وبعض الغارات وصلت إلى مدينة صيدا اللبنانية، وبسبب ذلك ألغى وزير الثقافة اللبنانى د. غسان سلامة زيارة كان مقررا القيام بها إلى مدينة صيدا مساء السبت، بلغت الغارات خمسين غارة بالطيران الإسرائيلى، وقال رئيس الأركان الإسرائيلى إن تلك الغارات تمثل الموجة الأولى من الرد على الصواريخ، ولم يستبعد رئيس الأركان أن تمتد الغارات إلى بيروت العاصمة نفسها، الولايات المتحدة سارعت إلى إعلان تأييدها لما تقوم به إسرائيل لتأمين مواطنيها، الخارجية الفرنسية عبرت عن قلقها لتجدد الاشتباكات فى جنوب لبنان، لكنها لم تدِن الجانب الإسرائيلى، وفى بيروت أعلن صباح الأحد أن الرئيس عون تمكن بإتصالاته مع الإدارة الأمريكية من تحييد الهجمات على بيروت.

على الأغلب لن تتوقف الغارات الإسرائيلية، سوف تستكمل ما بدأته العام الماضى من تدمير أهداف داخل لبنان، مواقع معينة تريدها وغير ذلك.. هذه الغارات جعلت دعاة المقاومة المسلحة بعيدا عن الدولة يرفعون أصواتهم بأن نجاح العهد الجديد الذى بشّر به الرئيس اللبنانى جوزيف عون ورئيس الوزراء ليس مجديا، ومن ثم تعود دائرة العنف والغارات أشد مما كان، بما يُضعف الدولة اللبنانية ويؤدى إلى تأجيل خطوات التنمية وإعادة الإعمار، ويعيد السياحة العربية فى لبنان مجددًا إلى نقطة الصفر.

هذا عن النتائج المباشرة، أما النتائج البعيدة فإن الأطراف الدولية سوف تحاول أن تتدخل لتهدئة الأجواء بين إسرائيل ولبنان، وهنا يُطرح على المائدة المطلب الإسرائيلى بضرورة عقد اتفاقية سلام والتطبيع بين البلدين وهو ما رفضه لبنان كثيرا، لسان الحال الآن ما دامت لبنان الدولة غير قادرة على السيطرة على أراضيها وحدودها، إذن قد يتم التفاهم والتنسيق المباشر بين لبنان وإسرائيل، الولايات المتحدة تضغط فى هذا الاتجاه، إسرائيل تحلم به، أوربا لا تمانع فيه.. الضغوط الشديدة على لبنان من جهة الحدود مع سوريا والحدود مع إسرائيل دفعت بعض الأصوات داخل لبنان إلى تبنى فكرة التطبيع.

ما يجرى فى لبنان منذ صباح السبت الماضى وقبل ذلك بكثير هو حالة نموذجية يجب الوقوف عندها لتدارس بعض الاعتبارات عن معنى الدولة وهويتها، ثم اختصاصاتها وحدودها.

أول ما ينبغى التوقف عنده هو أن الدولة يجب أن تؤمّن حدودها جيدا، فلا تسمح لعابث ولا مراهق، دعنا من العميل والخائن ومن الإرهابى كذلك، لا يصح أن تكون الحدود مسرحا لعبث وصغار أو إجرام أى من هؤلاء.

تأمين الحدود أول مهام الدولة، يجب أن تقوم به لمنع المتسللين والعابثين والمغامرين، فى كل الأحوال وفى معظم الدول هناك، المهربون من تجار المخدرات والمهربات، فضلا عن عصابات تهريب البشر، يحدث ذلك فى الأحوال العادية، إما إذا كانت الحدود ملتهبة كما هى الحال فى المنطقة العربية، فإن الخطر يكون مضاعفا، إذ يفتح ذلك الباب لجر دولة وشعب بأكمله إلى حرب لم يردها ولا خطّط لها وربما لم يستعد لها، وهو ما استشعره الجميع فى لبنان، هناك مَن يريد جره إلى حرب كاملة.

ونحن فى مصر عانينا شيئًا من ذلك، حين حاول تنظيم إرهابى العبث بحدودنا فى سيناء أو على الحدود الغربية مع ليبيا، ناهيك عما يجرى فى الجنوب، وحين اتخذت مصر بعض الإجراءات الضرورية لتأمين الحدود منذ سنة 2014، صاح دعاة الإرهاب بمقولة «افتحوا الحدود أمام إخوتنا»، ولما تبين أن ذلك هدف إسرائيلى وأمريكى فى المقام الأول، لم يخجل هؤلاء ولا اعتذروا، بل راحوا يدورون حول نفس المطلب بطرق وأدوات أخرى.

قبل تلك التنظيمات الإرهابية، كانت هناك دعوات رومانسية لفتح الحدود بين البلاد العربية، بزعم أن الاستعمار هو الذى وضع تلك الحدود، فيلم دريد لحام “الحدود” نموذجا لتلك الدعوات، لكن تجارب السنوات فى العقود الستة الأخيرة تقول إنه لا بد من تأمين الحدود، حرب سنة 1967 بدأت بأن بعض الفدائيين الفلسطينيين كانوا يهاجمون إسرائيل من الحدود السورية، وتطورت الأمور على النحو المعروف، الذى انتهى بكارثة عربية تامة.

كثير من الحروب بين الدول كانت بسبب عدم ضبط الحدود أو عدم السيطرة عليها من أحد الجانبين، أو كليهما معًا، لذا فإن أول أدوار الدولة وأكثر واجباتها إلحاحاً هو السيطرة على الحدود وبسط السيادة عليها وعلى كامل التراب الوطنى.

المعنى الثانى يرتبط بالأول، وهو أن السلاح لا ينبغى أن يكون موجودًا ولا مسموحًا به خارج نطاق الدولة، ويزداد هذا المعنى إلحاحًا فى ظل تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، والسلاح لا يصح أن يكون متاحًا لحزب من الأحزاب ولا جماعة بعينها، العصابات تحاول الحصول على السلاح لجرائمها وبعض التنظيمات تبنى ميليشيا مسلحة، تستخدمها فى إرهاب الداخل أو العدوان على طرف خارجى، مما يهدد لجر الدولة كلها نحو حرب مع أطراف خارج حساباتها وتقديراتها، أحيانا تتشكل الميليشيا بدعوة بريئة مثل «حى على الجهاد»، ومع الوقت يصبح السلاح موجهًا ضد الدولة والشعب فى المقام الأول، وقد تتعمد الميليشيا إلى الدخول فى عداءات وحروب خارجية، لترغم المجتمع كله على الانصياع لها وتبتز الدولة بشكل فجّ، وتصبح الميليشيا مع الوقت أقوى من المجتمع ومن الدولة كلها، وهذا ما عاناه لبنان مرتين.. الأولى سنة 2006 حين تم تدمير العاصمة والجنوب اللبنانى، وفقد لبنان الكثير، لكن حزب الله أعلن الانتصار الإلهى، وعمليا سحق الدولة اللبنانية وعطلها، ثم قطع أواصر العلاقات بين الدولة وعدد من الدول العربية.

والآن مع التكنولوجيا الحديثة، بات سهلا استعمال الطائرات المسيّرة والصواريخ قصيرة المدى، وأصبح ميسورا تصنيع بعض المتفجرات، وهكذا يمكن لأى مجموعة أن تزج بدولة ومجتمع فى حرب كبرى، كما حدث صباح السبت الماضى فى جنوب لبنان.

الدولة فى أحد تعريفاتها، أنها هى الكيان الوحيد المخول بامتلاك السلاح وحق استعماله، لذا تبنى الدولة الجيوش وتسلحها، بل تؤسس الصناعات الحربية، وأى محاولة لحمل السلاح من الجماعات أو الأفراد خارج القانون -هو فى معناه المباشر تهديد للدولة وخروج عليها، ثم إنه قد يجر ويلات على الوطن بأكمله، لذا وجدنا أن بعض الدول إذا أرادت هدم دولة بعينها فإنها ترسل السلاح وتكوّن ميليشيات تابعة لها داخل الدولة، فكرة الأذرع فى المنطقة نشأت من تلك الحالة.. وحتى دون تدخل خارجى، فإن حصول مجموعة على السلاح قد يغرى مجموعات أخرى منافسة لها أو حتى معادية، فى النهاية تتفتت الدولة ويتم شلّها، بعض الدول المجاورة حدث فيها ذلك الشيء، لذا تراجع دور الدولة واستقوت بعض المجموعات بقوى أجنبية، بما هدد سيادة الدولة فعليا.

الدولة هى الدولة، وجودها ضرورى، وأدوارها يجب أن تُحفظ وتُصان، لا يجور أحد فى المجتمع على أى من تلك الأدوار والمهام، ولا يصبح كيانا موازيا للدولة ولا حتى مساويا ولا منافسا لها، ولعل هذا المعنى كان واضحًا تمامًا فى خطاب التنصيب الذى ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يونيو سنة 2014، لأننا كنا مررنا منذ منتصف سنة 2011 بفترة من الاضطراب أغرت بعض الكيانات الإرهابية من جماعة حسن البنا بأن يصبحوا كيانا موازيا للدولة يجمعون السلاح ويجرون تدريبات على استعماله، لكن من حسن الحظ أن أجهزة الدولة كانت تتابع وترصد جيدا.

صباح السبت الماضى تلقت حكومة بنيامين نتنياهو هدية مجانية من بعض الصغار فى جنوب لبنان، أتاحت لها تلك الهدية مواصلة الهجوم والغارات على لبنان وتنفيذ عمليات الاغتيال بحق بعض الشخصيات، وكثيرة هى الهدايا التى تتلقاها حكومة نتنياهو من بعض الأطراف العربية، مرة باسم المقاومة ومرة باسم «افتحوا الحدود لإخوتنا»، بعض هؤلاء قد يكونون عملاء متخفين.

بداية الإصلاح والحفاظ على الدولة وسيادتها وحماية الشعب هى سيطرة الدولة على الحدود تماما وتأمينها، وقصر حمل السلاح والتدريب عليه واستعماله على الدولة، قرار الحرب هو قرار الدولة وليس قرار تنظيم بعينه ولا حزب ولا ميليشيا، هو قرار سيادى للدولة وحدها، والسلام أيضا هو قرار الدولة، دون ذلك تكون الغارات الإسرائيلية والاغتيالات وهدم الدولة من داخلها.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة