رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

خلال 2025.. "التضامن": 742.6 مليار جنيه للحماية الاجتماعية و54 مليارًا للدعم النقدي

23-12-2025 | 10:41

وزارة التضامن الاجتماعي

طباعة
محمود بطيخ

شهد عام 2025 تحولًا لافتًا في مسار الحماية الاجتماعية في مصر، مع تصاعد غير مسبوق في حجم التمويل الاجتماعي واتساع نطاق المستفيدين؛ بما يعكس انتقال الدولة من منطق التدخلات المؤقتة إلى بناء منظومة حماية متكاملة ومستدامة، قائمة على الحق الدستوري والاستثمار في الإنسان، فقد بلغت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 742.6 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2025/2026، في حين خُصص 54 مليار جنيه للدعم النقدي، بزيادة قدرها 32% عن العام السابق، ليصل متوسط قيمة الدعم للأسرة الواحدة إلى نحو 900 جنيه شهريًا، بحد أدنى 700 جنيه.

ويعكس هذا التوسع الكمي والنوعي إدراك الدولة لأهمية البعد الاجتماعي كأحد ركائز الاستقرار المجتمعي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، حيث لم تعد الحماية الاجتماعية مجرد أداة لتخفيف آثار الأزمات، بل أصبحت سياسة عامة طويلة الأجل، تستهدف بناء قدرات الأسر، وتعزيز قدرتها على الصمود، وتحسين جودة حياتها.

من التزام دستوري إلى سياسات مستدامة

واصلت 2 خلال عام 2025 تنفيذ حزمة متكاملة من السياسات والبرامج الاجتماعية، في إطار رؤية الدولة المصرية لترسيخ مفهوم الحماية الاجتماعية كحق أصيل للمواطن، وليس مجرد منحة أو إعانة، وترتكز هذه الرؤية على التزامات دستورية واضحة، واتفاقيات دولية لحقوق الإنسان، وأجندة التنمية الوطنية، بما يرسخ مسؤولية الدولة عن توفير الحماية الاجتماعية بصورة شاملة ومستدامة، ويضمن قدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكس هذا التوجه في اتساع نطاق التدخلات الاجتماعية، وتنوع أدواتها، وربطها بشكل متزايد بأهداف التنمية البشرية والتمكين الاقتصادي، بما يضمن عدم الاكتفاء بسد فجوات الاحتياج الآني، بل العمل على معالجة أسبابه الجذرية.

قانون الضمان الاجتماعي… تتويج لمسار تشريعي ممتد

مثل صدور قانون الضمان الاجتماعي الجديد رقم 12 لسنة 2025 محطة مفصلية في مسار تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، باعتباره أحد أهم التشريعات المفعلة للمادة (17) من الدستور، والتي تقر حق المواطنين في الضمان الاجتماعي بما يضمن لهم حياة كريمة، وجاء القانون ليحول المساعدات الاجتماعية من تدخلات إدارية قابلة للتغيير إلى حق قانوني منظم، يستند إلى معايير واضحة وآليات استهداف دقيقة.
ولا يقتصر القانون على كونه تحديثًا لتشريعات سابقة، بل يمثل نقلة نوعية تنهي فكرة "العون المشروط بالشفقة"، وتؤسس لمنظومة حقوق اجتماعية قائمة على الاستحقاق، حيث تنتقل العلاقة بين الدولة والمواطن من طلب ومعونة إلى حق والتزام متبادل قابل للمساءلة.
وينص القانون في مادته الثانية على شمول الحماية لكل من لا يتمتعون بتأمين اجتماعي أو دخل كافٍ، مع إعطاء أولوية للفئات التي تواجه أشكالًا مركبة من الهشاشة، مثل كبار السن غير القادرين على الكسب، والأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء المعيلات، والأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، فضلًا عن الأسر التي تتعرض لظروف قهرية كفقدان العائل أو الكوارث أو الأزمات المفاجئة. ويُعد هذا التعريف الموسع للاستحقاق انعكاسًا لفهم اجتماعي أكثر عمقًا لتشابك أسباب الفقر والتهميش.
كما تلزم المادة (6) الدولة بتقديم دعم نقدي منتظم إلى جانب خدمات أساسية تشمل التعليم والصحة والتغذية، في تأكيد على أن الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد لا يمكن معالجتها بالمال وحده.. وتعتمد المادة (10) نظام نقاط شفاف لتقييم الاستحقاق، قائم على بيانات دقيقة عن الأسرة، مع الاستعانة بالأدوات الرقمية لضمان العدالة في التوزيع والحد من التدخل البشري.
ويبرز جوهر القانون في المادة (12) التي تربط الحماية الاجتماعية بالتمكين الاقتصادي، من خلال إتاحة برامج التدريب والتأهيل، والدعم الفني والمالي لإقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، بما يدعم التحول من الاعتماد على الدعم إلى الإنتاج والعمل.
طفرة غير مسبوقة في التمويل الاجتماعي.
كما عكس عام 2025 تصاعد أولوية البعد الاجتماعي في السياسات المالية للدولة، حيث ارتفعت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية تدريجيًا من 16% من إجمالي الإنفاق العام في 2019/2020 إلى 742.6 مليار جنيه في موازنة 2025/2026، كما شهدت مخصصات الدعم النقدي وحدها زيادة تاريخية، بلغت 1000% خلال عقد واحد، من 5 مليارات جنيه في 2013/2014 إلى 54 مليار جنيه في موازنة 2025/2026.
ويعكس هذا التوسع إدراكًا متزايدًا لأهمية الاستثمار الاجتماعي كعنصر مكمل للإصلاح الاقتصادي، ووسيلة أساسية للحفاظ على التماسك المجتمعي، وضمان وصول ثمار النمو إلى الفئات الأكثر احتياجًا.

"تكافل وكرامة"… أكبر برامج الدعم النقدي المشروط عربيًا

يعد برنامج "تكافل وكرامة" أحد الأعمدة الرئيسية لمنظومة الحماية الاجتماعية، وأكبر برامج الدعم النقدي المشروط في المنطقة العربية، حيث تضاعف عدد الأسر المستفيدة من 1.7 مليون أسرة عند إطلاقه في 2015 إلى 4.7 مليون أسرة في عام 2025، مع تمثيل نسائي بلغ 75% من إجمالي المستفيدين.
وفي الوقت ذاته، تبنت الدولة سياسات مراجعة دورية وتخارج مرن، أسفرت عن خروج نحو 3.36 مليون أسرة من البرنامج بعد تحسن أوضاعها الاقتصادية، ليصل إجمالي عدد الأسر التي حصلت على الدعم منذ إطلاق البرنامج إلى 8.1 مليون أسرة، وهو ما يعكس ديناميكية البرنامج وقدرته على الانتقال بالأسر من الدعم إلى الاستقلال النسبي.
ويستهدف برنامج "تكافل" الأسر التي لديها أطفال بنسبة 56% من إجمالي المستفيدين، بينما يستهدف برنامج "كرامة" كبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأيتام، والنساء فوق 50 عامًا دون زواج بنسبة 44%.

الاستثمار في رأس المال البشري

يمثل الاستثمار في رأس المال البشري أحد أبرز السمات المميزة لبرنامج "تكافل"، حيث يبلغ عدد أبناء الأسر المستفيدة نحو 5.5 مليون طفل في مراحل التعليم المختلفة، مع إعفائهم من المصروفات الدراسية. وبلغت نسبة الالتزام بالمشروطية التعليمية 83% من خلال انتظام الأبناء في الحضور المدرسي، إلى جانب الالتزام بالمشروطية الصحية بنسبة 90% عبر متابعة الحمل، وتنظيم الأسرة، وتطعيم الأطفال، ومتابعة النمو.
وتسهم هذه المشروطيات في كسر دائرة الفقر المتوارث، وتحسين فرص الأجيال الجديدة في التعليم والعمل، بما يعزز مردود الحماية الاجتماعية على المدى الطويل.
الأشخاص ذوو الإعاقة.. توسع في الحماية وتقدم في مسارات التمكين
حظي ملف الأشخاص ذوي الإعاقة باهتمام خاص ضمن سياسات الحماية والتمكين، حيث استفاد أكثر من 1.2 مليون شخص من برنامج "كرامة" بإجمالي مخصصات سنوية تجاوزت 11 مليار جنيه، إلى جانب إصدار أكثر من 1.3 مليون بطاقة خدمات متكاملة عبر 225 مكتب تأهيل ووحدات متنقلة.
وقدمت الوزارة خدمات الرعاية والتأهيل من خلال 561 هيئة تأهيلية، شملت دور حضانة، ومراكز علاج طبيعي، ومراكز تدريب وتأهيل، إلى جانب توفير آلاف الأجهزة التعويضية ووسائل المساعدة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية.
كما توسعت جهود الدمج التعليمي، والإتاحة بالمرافق العامة، وبرامج التأهيل والتشغيل، فضلًا عن البدء في تنفيذ مشروع وطني لتوطين صناعة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، بما يمثل خطوة استراتيجية نحو تحويل الدعم من رعاية إلى تمكين فعلي.

من الحماية إلى العدالة الاجتماعية

ويعكس حصاد عام 2025 تحولًا عميقًا في فلسفة الحماية الاجتماعية، من كونها استجابة ظرفية للأزمات إلى أداة مركزية لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الأمان الإنساني، فالحماية الاجتماعية لم تعد تقتصر على تقديم دعم نقدي، بل أصبحت منظومة متكاملة تشمل التشريع، والتمويل، والاستهداف، والتمكين، والشراكة مع المجتمع المدني، بما يضمن عدم ترك أحد خلف الركب.
ومع وضوح الإطار التشريعي، وقوة المؤشرات التمويلية، يبقى التحدي الأساسي هو التنفيذ الفعلي على الأرض، من حيث كفاءة قواعد البيانات، واستدامة الموارد، والتنسيق المؤسسي، والرقابة المجتمعية. غير أن المؤشرات الحالية تعكس إرادة سياسية واضحة لمواصلة تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الجمهورية الجديدة.
ويعكس هذا الحصاد ما تحقق من خطوات ملموسة في بناء منظومة حماية اجتماعية أكثر شمولًا وكفاءة، نجحت في توسيع نطاق المستفيدين، وتعزيز الاستهداف، وربط الدعم بالتمكين، بما يرسخ انتقال الدولة من إدارة الاحتياج إلى إدارة الفرص. فقد أسهمت التشريعات الجديدة، وعلى رأسها قانون الضمان الاجتماعي، إلى جانب التوسع غير المسبوق في التمويل الاجتماعي وبرامج الدعم النقدي، في إرساء قواعد منظومة قادرة على الاستجابة للتحديات، ومواكبة احتياجات المجتمع المتغيرة، وتقديم نموذج متكامل للحماية الاجتماعية المستدامة.
ومع تراكم هذه الإنجازات، تملك منظومة الحماية الاجتماعية في مصر اليوم مقومات الانطلاق إلى مراحل أكثر تقدمًا، تعزز من الاستثمار في رأس المال البشري، وتوسع مسارات التمكين الاقتصادي، وتعمق الشراكة مع المجتمع المدني، بما يضمن استدامة الأثر الاجتماعي على المدى الطويل. ويؤكد حصاد عام 2025 أن الحماية الاجتماعية لم تعد مجرد شبكة أمان، بل أصبحت ركيزة تنموية فاعلة تسهم في تحسين جودة حياة المواطنين، وترسخ مفهوم العدالة الاجتماعية كمسار دائم في بناء الجمهورية الجديدة.

أخبار الساعة