كان لابد من تفكيك الصورة وحلحلة الفكر الاقتصادى؛ ليشمل الدعم الحكومى وأيضاً القطاع الخاص فهذا لا يمنع ذاك.. والسؤال الهام فى هذه المحطة الحاسمة لالتقاط الإشارات وتعديل الأوزان النسبية بين مرونة القطاع الخاص كمحور رئيسى فى عملية التنمية إلى جانب التحفيز الحكومى غير المفرط، ومن الواضح أن هناك حالة تقييم للجاهزية بشأن السير فى كافة المتغيرات الاقتصادية والبناء على ما تقدم فى مسألة الحياد الاقتصادى والتنافسي.
ووحدة الشركات المملوكة للدولة، تعيد تعريف دور الحكومة وتنظيمه فى النشاط الاقتصادى بما يعزز التنافسية، وتتبع هذه الوحدة رئاسة مجلس الوزراء، وصدر لها قرار مؤخراً حتى تقوم بتطوير الأصول الإنتاجية بشكل محورى، وأن يكون لديها محفظة استثمارية مثل القطاع الخاص، وتسعى بدورها أيضاً إلى جلب الاستثمارات، وأن يكون لها دور محورى فى سوق العمل الحكومى وتحسين مؤشرات الأداء، وكذلك ضوابط اختيار أعضاء مجالس الإدارات الحكومية.
ليس هذا فحسب، فهناك إعداد التقارير المالية والتشغيلية لقياس أداء الشركات المملوكة للدولة وفقا للمعايير الدولية، كذلك الفصل بين الإدارة والملكية وإصلاح وهيكلة منظومة الشركات ضمن أسس اقتصادية سليمة تحقق الكفاءة والشفافية والاستدامة المالية.. والأصل فى إنشاء وحدة لإصلاح القطاع الحكومى هو أن تكون الذراع الفنية المركزية توافقا مع وثيقة ملكية الدولة ومعايير الإدارة الرشيدة.
وهنا يتراءى لنا الحديث عن الحياد الاقتصادى والتنافسى بين القطاعين الخاص والحكومى، وأن الرؤية المصرية للحياد الاقتصادى برمته، وهى تشمل الحياد التنافسى والمالى وكيفية استخدام الأدوات التنظيمية.
فالشواهد تقول إن هناك اهتماما عالميا من قبل جموع المستثمرين فى العالم للاستثمار فى مصر، ولا شك أن الشاهد ومفتاح الأمور تؤكد جدية الدولة المصرية نحو أهدافها للوصول إلى اقتصاد قوى قادر على المنافسة والنمو لما تتمتع به من مزايا متعددة واختلاف الأنشطة الاقتصادية، كذلك تنوع فرص التمويل ووجود أجندة استثمارية مدروسة، وضعت وفقا لدراسات بشأن مناطق الثروات - سواء طبيعية أو بشرية، ومن هنا نقول إن الاستثمار مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد، ولذلك استوجب الولوج إلى الحياد الاقتصادى بمشكلاته.
لقد بدأت الدولة المصرية خطوات حسية نحو التواكب مع كل المتغيرات العالمية بدءاً من الإصلاح الاقتصادى حتى وثيقة ملكية الدولة والتحفيزات الخاصة بقانون الحياد التنافسى أو الحياد الاقتصادى برمته، ولا شك أن النهج التكتيكى لمسار اقتصاد تنافسى جديد بعد ما شهد هذا الملف تحولات كبيرة بما يتلاءم مع طبيعة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والفكر الاقتصادى السائد فى كل عصر من العصور.
وقد تجلت الآراء سابقا بين دعاة حصر دور الدولة فى تهيئة السبل الكفيلة بنجاح النظم الليبرالية القائمة على الحرية الاقتصادية وبين دعاة تدخل الدولة المباشر فى النشاط الاقتصادى، لذلك تراءى لنا استعراض دور الدولة وتمكين القطاع الخاص وآليات العمل بالحياد الاقتصادى أو المالى أو رادار الأداء الذى يسير بنا إلى الحياد التنافسى الحقيقي.
لقد حرصت الدولة على نظام ضريبى متكامل، يعتمد على التبسيط ويسمح برفع معدلات النمو الاقتصادى وتمكين القطاع الخاص، وأن تقوم الدولة بعمليات تصحيح المراكز فى ضخ الاستثمارات وملكية الأصول فى قطاعات رئيسية، مع الحوكمة فى التواجد بالأنشطة، وتحقيق قدرات مالية تمكن الدولة من تحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز الناتج المحلى الإجمالى على المديين المتوسط والطويل، وتحسين المناخ لبيئة الأعمال وزيادة قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات.
وتتضمن سياسة الحياد التنافسى، تمكين القطاع الخاص المحلى والأجنبى من الشراكة، لقد حان الوقت لإيجاد قاموس جديد للتعامل مع ملف الحياد الاقتصادى، فحجم الحراك الاقتصادى والاستثمارى لأى دولة، مؤشر لما تكون عليه حالة الاستقرار المالى وكيف يتم.
وكيف تعيد الدولة بهذا الحياد الروح إلى منظومتها الاقتصادية وخصوصا مع الرالى العالمى فى جذب الاستثمارات.. لقد أصبحت الخيارات مفتوحة مع زخم الرالى العالمى، ولابد من شراء المستقبل بتوصيف الحالة الاقتصادية، ووضع مؤشرات لقياس قدرة الدولة على تبنى سياسة مالية تستهدف تحقيق الانضباط المالى والتحرك نحو مسارات مستدامة لتوسيع الحيز المالي.
لقد لاحقت الخوارزميات الجديدة للاقتصاد العالمى، أن ننظر بعين الفاحصة لمسألة الحياد التنافسى فى إطار تعزيز الإنتاجية، مما يتطلب مسارا مستداما للعمل على تعزيز هذا الحياد بالأسواق، من خلال تبنى إصلاحات تنظيمية تشمل أولوية شأنها المنافسة العادلة التى تسهم فى معالجة سوء توزيع الموارد داخل الاقتصاد المصرى، وسط إجراءات منظمة للأسواق، وداعمة للمنافسة، ذات ضرورة بالغة لتشجيع الاستثمار والابتكار بمنهجية هذا الحياد.
حالا ومآلا أنه مع إزالة التشريعات المقيدة للاقتصاد، والتى تمثل صعوبة فى دور القطاع الخاص، خصوصا فى المجالات القادرة على تشكيل عجلة دفع الاقتصاد القومى ككل، ومن الواضح جليا أن الدولة سعت إلى تحقيق أعلى توافق بين الكفاءة والتحفيز والعدالة والتقدم، كمربع قوة، وكلما كانت السياسات المطبقة تستوفى تلك الأبعاد الداعمة انعكس ذلك على نجاح النمو الاقتصادى، وأصبح هناك حالة احتواء اقتصادى مرتفعة مما يعطى مؤشرات تخفض معدلات الفقر والوصول إلى عدالة توزيع العوائد.
وفى حديث وزير المالية أن إصدار الأدوات التنظيمية التى تتبناها الدولة لتعزيز دور القطاع الخاص فى الاقتصاد الوطنى جاءت بنتائج ملموسة نتيجة التوجه بالقانون رقم 159 لسنة 2023، والذى يعمل على ترسيخ المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص وإلغاء الإعفاءات الضريبية المقررة لبعض الجهات الحكومية، وتحقيق العدالة الضريبية والمساواة أمام القانون، ودعم مناخ الاستثمار وتعزيز ثقة القطاع الخاص، التى أتت بنتائج أن 134 جهة حكومية سددت ضريبة دخل بمبلغ 13.3 مليار جنيه، وأن هناك 67.4 مليار جنيه زيادة فى الإيرادات الضريبية خلال العام المالى 2024 / 2.25، ومنها 40.3 مليار جنيه ضريبة دخل مستحقة على فوائض أعمال جهات حكومية أخرى خلال 23 / 24، وهناك 16.4 مليار جنيه ضريبة مسددة من شركات تابعة لجهات سيادية.
والخلاصة حالة من الزخم الإيجابى نحو المنطق الحاكم وهو مرونة الاقتصاد المصرى وقدرته على تغيير المسار، إلى جانب أهمية وجود حكومات تتمتع بأعلى مستوى من الكفاءة والاستجابة لاحتياجات مواطنيها وقدرتها على مواجهة الأزمات والصدمات الاقتصادية، وهو ما أبرز التحول نحو دور قياسى للانكشاف العميق لقدرة الحكومة وبرنامج الحياد الاقتصادى على قياس قدرة الدولة وسحبها نحو تعزيز مستويات البنية الأساسية الداعمة للاستثمار المحلى والأجنبى، وتبنيها لأطر تشريعية وتنظيمية تكفل جاذبية بيئات الأعمال، والقدرة على تأسيس شبكات أمان اجتماعى قادرة على الحماية، ووجود منظومة كاملة من السياسات الاقتصادية الكلية التى تقوم بتحفيز نشاط القطاع الخاص.
بقى أن نتمنى التوفيق لوحدة الأصول المملوكة للدولة برئاسة الدكتور هاشم السيد هاشم، والتابعة لرئاسة مجلس الوزراء من أجل التحفيز بدون إفراط تماشيا مع مبدأ الحياد الاقتصادى.