فى قلب القاهرة، وعلى مدار 74 عامًا، ظل المركز الكاثوليكى للسينما منارة للفن الهادف والقيم الإنسانية. تحت قيادة الأب بطرس دانيال الحاصل على درجة الماجستير فى الإعلام من جامعة الساليزيان بروما، والذى يجمع بين الثقافة العميقة والشغف بالموسيقى والفن، يواصل المركز مهمته فى دعم المبدعين الشباب، وتشجيع الأعمال الفنية الأخلاقية التى تعكس رسائل المحبة والسلام.
ما أنشطة المركز الكاثوليكي؟
فى السابع من أكتوبر الجارى بدأت مسابقة الأفلام القصيرة لتشجيع الشباب، وقد اخترنا الشباب من سن 18 إلى 35 سنة، وضمن المتسابقين بعض الشباب الذين صنعوا أفلاما فوتوغرافية بالهاتف المحمول كى لا نحملهم أعباء لشراء كاميرات مكلفة، شرط أن يكون الفيلم بجودة مناسبة تستطيع المنافسة، وتقدم إلينا حوالى 93 فيلما اخترنا من بينها 25 فيلما، الرسوم المتحركة فيلمان، و7 أفلام وثائقية، و16 فيلما روائيا قصيرا، وهذا العام تتكون لجنة التحكيم من المخرج أمير رمسيس، الفنانة إنجى المقدم، والفنانة دنيا عبدالعزيز، الفنان كريم قاسم، مدير التصوير مصطفى عز الدين، الناقدة ناهد صلاح، وجميعهم مجموعة عمل مميزة أشادوا بالأفلام المقدمة، وتقدم الجوائز المالية للأفلام القصيرة من قناة sat7 وقيمتها 25 ألفا للفائز الأول، و15 ألفا للفائز الثانى و10 آلاف للفائز الثالث، أما جوائز الصور الفوتوغرافيا 15 ألفا للفائز الأول، و10 آلاف للفائز الثانى، و5 آلاف للثالث، وجميع الجوائز الهدف منها تشجيعي.
غير أن المركز له أنشطة أخرى مثل زيارة المرضى، وأيضا إقامة مؤتمرات كمؤتمر الشباب الذى شارك فيه 300 شاب فى وادى النطرون، بحضور رانيا فريد شوقى والفنان هانى رمزى، وشاركت بوصلة غناء المطربة الشابة أنجيليكا أيمن، فمصرنا الحبيبة ولادة بمواهب أبنائها المبدعين، ولكن الأهم كيف يمكننا اكتشاف مواهبهم.
المركز الكاثوليكى يكمل هذا العام 74 سنة، ومن ثَم تعد هذه الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان المركز الكاثوليكى للسينما فى مصر، ويُعد هذا المهرجان من أقدم المهرجانات السينمائية فى الشرق الأوسط، وقد بدأ فعالياته عام 1952، مما يجعله مهرجانًا سينمائيًا مصريًا عريقًا.
يعتقد البعض أن أنشطة المركز تقتصر على المهرجان الكاثوليكى للسينما.. كيف ترى ذلك؟
هناك أنشطة متنوعة بخلاف مهرجان السينما، نقيم يوم العطاء الذى نكرم من خلاله شخصية قدمت وتفانت فى عطائها، أيضا لدينا مكتبة ضخمة تصنف من أقدم مكتبات الشرق الأوسط، تحوى أرشيفا وكتبا وكل ما تناولته الصحافة منذ نشأة المركز عن الفنانين والأفلام والنقد الفنى، هناك أيضا مسابقة Franciscan’s Got Talent أقمناها منذ 3 سنوات بين طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وستشمل قريبا طلاب الثانوى وذلك بالمدارس الفرنسيسكانية على مستوى الجمهورية، وتتنوع أفرعها فى 7 مجالات ب ين تمثيل فردى وجماعى وغناء وعزف ورسم وشعر، وقد قسمنا محافظات مصر إلى 4 أقسام فى مدارس الإسكندرية والقاهرة الكبرى وأسيوط ومدارس الأقصر وأسوان، واكتشفنا خلال جولاتنا «فيروز الصغيرة» مجددا وأيضا مواهب شعرية ومسرحيات وشعراء..
كما أن المركز دوما يشارك فى الزيارات الوطنية، فنحن دائمو النشاط على مدار العام، وننشر أغلب أنشطتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لكن هناك واجبات إنسانية لابد أن ينفذها المركز بعيدا عن الانتشار وفى الخفاء، فقد يتواصل معى فنان مريض يعجز عن تكلفة العلاج؛ ولأن المركز لا يملك مدخرات مالية، فأتواصل مع شخصيات فنية أثق فى مشاركاتهم الدائمة فى أعمال الخير ويتم الأمر فى الخفاء دون إعلان.
وما مصادر دخل المركز الكاثوليكي؟
لسنا جهة تجارية، نتبع الرهبنة الفرنسيسكان، لكن فى المهرجان هناك رعاة يتحملون التكاليف، وفى الطباعة تكون التكلفة مجانية وأيضا قناة تبث الفعاليات، وكذلك لجنة التحكيم تكون جميعها من المتطوعين ونقيم لهم استقبالا يليق بمجهوداتهم، وهكذا وإذا كان هناك احتياج مادى نطلب من الرهبنة الفرنسيسكانية التى يتبعها المركز.
أما المسابقة السابق ذكرها فتتحمل تكلفتها الرهبنة لأنها تُقام من خلال المدارس الفرنسيسكانية، ومسابقة الأفلام القصيرة تتحمل تكلفتها قناة sat7 ونحن كمركز نتبرع بالمكان، ومنذ سنوات جددنا قاعة العرض وجميعها كانت تبرعات من شركات مصرية ورجال أعمال وطنيين.
اقترب اليوبيل الماسى للمركز.. ما استعداداتكم لهذه المناسبة؟
حاليا نحضر لفاعليات الدورة 74 وأيضا نستعد معها لدورة اليوبيل الماسى، وستكون الدورة الحالية مثل فعاليات السنوات العادية، أما الدورة 75 فهناك ملف كبير يتم الاستعداد له من فيلم يصنع خصيصا لهذه المناسبة، وتكريمات لأكثر الشخصيات التى حصلت على جوائز من المركز، وأيضا كل منْ شارك فى لجان التحكيم على مدار السنوات سيتم دعوتهم، إذ صنعنا لأعضاء لجان التحكيم صورا لتوثيق مشاركتهم وإنجاحهم للمهرجان مع كل منْ شاركوا فيه من حضور وشركات إنتاج وأصحاب الأعمال الناجحة.
هل لديكم خطة أن يكون اليوبيل الماسى خارج المركز لاستيعاب الضيوف؟
إطلاقا.. لأننا إذا فعلنا ذلك سنستفيد فقط أن المكان سيكون أكبر ويستوعب أعدادا أكثر، لكننا سنفقد قيمة المركز الذى شهد على كل الأحداث الفنية وكرم شخصيات عظيمة منهم رشدى أباظة ومحمود المليجى وفريد شوقى الذين تم تكريمهم على مسرحنا، كذلك داخل المركز كرمنا عميد الأدب العربى د. طه حسين عن رواية دعاء الكروان، ويوجد توثيق مصور لذلك، فاذا احتفلنا باليوبيل الماسى بغرض الاستيعاب نكون قد فقدنا قيمة المكان.
وهناك أفكار كثيرة للاحتفال لم تتبلور بشكل نهائى منها إعداد كتاب عن المركز ومشاركة فنان عالمى لم نستقر عليه بعد، وقد نحصل على كلمات من الفنانين المصريين الذين عاصروا احتفالات المركز وحضروا ندواته، وتم تكريمهم على مسرحه وكانوا ضمن المحكمين، ويمكننا صناعة فيلم يشمل هذه الكلمات للتوثيق.
إذن.. كيف أسهم المركز الكاثوليكى فى الفن والثقافة المصرية؟
أهم ما قدمه المركز للفن أنه شجع الأعمال الهادفة البناءة، فدوما نختار الأعمال الفنية على معيار أخلاقى إنسانى فنى، حتى الأعمال المكرمة عن شهر رمضان ننتقيها وفقا لمعاييرنا؛ لذا كرمنا أبطال مسلسل «لام شمسية» لأننا مؤسسة دينية فى المقام الأول، وهو ما يثير تساؤلا متكررا من البعض، وهو ما دخل الدين بالفن؟.. دوما أجيبهم «الفن مش حرام.. وتحديدا الفن الهادف» ولا علاقة لنا بالأعمال الخارجة عن معايير المجتمع والأديان، الله جميل يحب الجمال؛ لذا نشجع الأعمال الراقية، وجميع الأديان تحكى عن قصص لإيصال رسائل معينة من خلالها، فالأديان تشجع الفن الجيد الذى يرسل رسائل جيدة، والفن يبعد الإنسان عن التخريب، ويكون الفنان مقدرا لقيمة الطبيعة والحياة، ويحافظ على كل المخلوقات.
يحضر مهرجان السينما أشخاص من كل طبقات المجتمع، فمثلا هناك سيدة تفترش الأرض لتبيع خضروات، كل عام يرسل المركز دعوات لبناتها الأربع لعدم قدرتهن الذهاب إلى السينما ولا أحد يستطيع التعرف عليهم بين الحضور، وهذا ما يميز المهرجان الكاثوليكى لأن بقية المهرجانات تدعو شخصيات عامة وفنانين محددين دون غيرهم.
ودائما أذكر أن فى عام 1936 أرسل بابا الفاتيكان البابا بيوس الحادى عشر، مرسوما رسميا إلى الأساقفة فى الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد لهم أن هناك اختراعا جديدا يسمى السينما، تحتاج الكنيسة إلى تشجيعه من أجل الجمال والخير، ومن وقتها نشأت المراكز الكاثوليكية، وتم تأسيس المركز الكاثوليكى المصرى للسينما فى يونيو 1949، استنادًا إلى رؤية عالمية مشتركة تدعم تشجيع الأفلام الجيدة وتوجيه السينما نحو أعمال تفيد المجتمع، وقد أقاموا مكتبين أحدهما فى القاهرة والآخر فى الإسكندرية، وكانت الأفلام المنافسة فيه إنجليرية وفرنسية من خلال ندوات تناقش الأعمال، وبدأ المركز فى تنظيم مهرجانه الأول لاختيار أفضل الأفلام المصرية فى عام 1952 ولكن لم تكن هناك قاعة تستقبلهم فكانت التكريمات فى مكتب المركز بشارع عدلى إلى أن أنشئت القاعة سنة 1957.
وقد اختارنى المركز الكاثوليكى العالمى ومقره بلجيكا، للمشاركة فى أربعة مهرجانات كممثل عن المهرجان الكاثوليكى للسينما آخرها مهرجان فينيسيا السينمائى 2016.
قد تكون جوائز المركز تشجيعية، لكن يبلغنى الفنانون أنهم سعداء بها لأنها من جهة دينية تقدر أعمالهم الفنية وتقيمها بشكل أخلاقى مميز، ففى 1995 كان الفنان كمال الشناوى رئيسا للجنة التحكيم وقال حينها: قمت بأدوار عديدة بها «شقاوة» ولما لا أقوم بأدوار تتسق مع معايير المركز الكاثوليكي.. فجوائزنا بمثابة تكريم للفنان أنه يقوم بأعمال هادفة وقيّمة.
فمعاييرنا «أخلاقية فنية إنسانية» لا تحتوى على مشاهد تجذب الجمهور دون الأخذ فى الاعتبار الأخلاق، فقد انتقدنا أحد النقاد حين رفضنا عرض فيلم «الشاب جاكسون» لأننا نرفض التجاوز فى حق الأديان أو أى شخصية دينية إسلامية أو مسيحية أو يهودية، ننتقى أفلاما تستطيع الأسرة كاملة أن تشاهدها دون خدش للحياء.
إذن.. وماذا ستقدمون بعد عامكم الـ75؟
نهدف أن نستضيف ضيوف شرف من بلدان عربية كسينما لبنان وتونس والجزائر والمغرب، وهم شاركوا معنا فى الأفلام القصيرة، ولكن دائما ما يتساءلون عن القيمة المادية للجائزة، وأيضا السينما الإيطالية نتمنى أن تكون ضمن تكريماتنا، ولكن الأمر يتطلب رعاة لأن تكلفتها عالية، ولسنا كمهرجانات الدولة التى تتكفل بكل تكاليف الإقامة والسفر وغيرها بالشراكة مع شركات كبرى.
فمنذ فترة بسيطة تواصلت معى الفنانة ماجدة الرومى لتبدأ حملة دعائية مجانية لمسار العائلة المقدسة فور وصولها إلى مصر، وسنبدأها بالصعيد تحديداً دير المحرق ودير درنكة وهى آخر مزارات العائلة، وأيضا سنزور بعض الأماكن فى البحر الأحمر للترويج للأماكن المصرية التى تحبها، وفى وقت سابق زارت دير أبوسيفين بمنطقة مصر القديمة، وقد نشرت ذلك على مواقعها للتواصل الاجتماعي.
وكذلك يمنح المركز الكاثوليكى جائزة تشجيعية، وكانت الفنانة فاتن حمامة أول منْ حصلت عليها فى بداية مشوارها الفنى، ومنذ ذلك الحين نهديها لأحد الفنانين الشباب نختاره من المميزين كل عام، وفى الأعوام التالية نجده بطلا لأعمال جادة، وأيضا يشارك المركز فى لجنة حقوق الإنسان وفى جائزة الأوسكار، وشاركت مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فى «قادرون باختلاف»، ودائما هناك فنانون مغمورون يرسلون دعوات لحضور مسارح صغيرة، ودائما ألبى دعواتهم تشجيعا ودعما لهم. الفنانة مى عمر دوما تذكرنى أنى حضرت لها مسرحيتها مع الفنان طلعت زكريا فى أول أعمالها على خشبة المسرح.
ولم أنسَ دموع سناء جميل سنة 95 عند تكريمها لأول مرة وهى التى تحمل تاريخا حافلا من روائع الأعمال، وكذلك فوجئ النجوم عند تكريم الفنان محمد أبو الحسن فقد كانوا يعتقدون أنه توفى وهذه مشكلة أخرى، وأيضا زهرة العلا وسيد زيان جميعهم أصل إليهم من خلال تقصى أوضاعهم وأحوالهم الصحية والمعيشية، وأسعى إلى زيارتهم سواء فى منزلهم أو المستشفيات لرفع معنوياتهم، ولن أنسى أبدا الفنان نظيم شعراوى الذى أهديناه مصحفاً ورغم رفض زوجته استقبال زائرين لتأخر حالته الصحية لأنه كان يعانى من ضمور عضلى، إلا أنها سمحت لنا بالزيارة.
رواد السوشيال ميديا ينتقدون كل منْ يقدم أعمال خير أو حتى ينطق بأبسط الكلمات؛ لذا يفضل بعض المشاهير الصمت عن التصريح بما يمر به من مشكلات فى حياته، لذا دوما نختار الفنانين الذين يعانون المرض وقد انصرفت عنهم الأضواء، ويحاول المركز الاطمئنان عليهم من خلال المقربين والتواصل معهم بشكل مباشر، ولا نهتم بالفنانين المرضى فقط، بل بالكُتاب والروائيين المبتدئين، فالمركز له أنشطة اجتماعية فنية؛ مثلا هناك كاتبة سجلت قصة حياة شريهان فى كتاب، وطلبت منى أن أرسله لها لمحاولتها المتكررة أن ترسله لها أو تصل إليها لكنها فشلت، فتواصلت مع الفنانة وزرتها وتواصلت الكاتبة مع الفنانة وأهدتها الكتاب.
وهل فقد المسرح تأثيره فى الآونة الأخيرة؟
لا لم يفقد تأثيره، وهناك شباب يقومون بأعمال رائعة على مسارح مثل مسرح الطليعة، ولا يعلم عنه أحد شيئا، ويحتاجون دوما إلى الدعم الإعلامى لاستكمال مسيرتهم لأنهم مبدعون.
أقمنا لعدة سنوات مهرجان الدراما المسرحية، ولكن حفاظا على محتويات مسرح المركز أرجأناه ونحتاج إلى إقامته مجددا.
باعتبار الأدب مقدمة للسينما.. هل هناك ورش لتدريب الكُتاب والسيناريست أو تخصيص جزء من المهرجان لتكريمهم؟
ضمن التكريمات جائزة الإبداع الفنى يتم من خلالها تكريم مدير تصوير وسيناريست وموسيقى تصويرية، وطالبنا أن نعقد ورشا لطلاب المدارس، وأتمنى تنفيذ ذلك فى وقت قريب.
كيف تقيم حال الفن المصرى حاليا؟
أعتقد أن هناك رواجا فنيا، ومن بين الأفلام التى يتم الانتقاء منها هناك مخرجات جيدة، فحتى وقتنا الحالى اخترنا للمهرجان 3 أفلام وقد تصل إلى 6 أعمال ينطبق عليها شروط المركز الكاثوليكى فنيا وقيميا وسيشاركون خلال الفعاليات، ولا توجد أفلام أجنبية أو عربية ستشارك معنا.. فقط أعمال مصرية، ونأمل أن تشارك أعمال من دول أخرى خلال الدورات المقبلة.