فى مصانع كانت مغلقة لسنوات، عاد صوت الماكينات ليملأ المكان من جديد.. العمال يتحركون بين خطوط الإنتاج، والمهندسون يراجعون خطط التشغيل، فى خطوة جديدة ضمن الخطة الطموحة التى مضت الدولة فى تنفيذها لإعادة إحياء المصانع المتوقفة والمتعثرة، بهدف تقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة.
عودة هذه المصانع للحياة مرة أخرى تفتح معها أبوابًا أوسع نحو زيادة الصادرات وتعزيز احتياطى النقد الأجنبى، فكل منتج يغادر خطوط الإنتاج متجهًا إلى الأسواق الخارجية يعنى تدفق دولارات جديدة إلى الخزانة، وكل سلعة محلية تحل محل المستورد توفر نفس القدر من العملة الصعبة.. كما أن هذه العودة لا تقتصر على دعم الاقتصاد الكلى فحسب، بل تمتد آثارها إلى توفير فرص العمل، وتوسيع قاعدة الإنتاج، ورفع القدرة التنافسية للمنتج المصرى فى الأسواق العربية والإفريقية، لتصبح الصناعة الوطنية أحد أهم محركات النمو وتحقيق الاكتفاء الذاتى.
الخبير الاقتصادى علاء المرسى قال إن عودة المصانع المتوقفة والمتعثرة للعمل بعد توقف دام سنوات إضافة قوية للاقتصاد الوطنى، فقد كنا نستورد معظم المنتجات التى نصنعها اليوم، والآن نصدر إلى عديد من الدول العربية والإفريقية وفتح الأسواق الجديدة لا يتوقف، ونوفر جزءا كبيرا من احتياجات السوق المحلية فى مجالات عديدة، ونستطيع أن نقول بقلب مطمئن إن الصادرات ترتفع والاحتياطى يتنفس.
وفق بيانات وزارة التجارة والصناعة، ارتفعت الصادرات المصرية الصناعية بنسبة 9.9 بالمائة خلال النصف الأول من 2025، لتسجل نحو 17.6 مليار دولار، مقابل 16 مليار دولار فى الفترة نفسها من العام الماضى.
بدوره، يعلق الخبير الاقتصادى د.حسام عبدالقادر على هذه الأرقام قائلًا: كل دولار يأتى من التصدير هو دعم مباشر لاحتياطى النقد الأجنبى، وكل منتج محلى يحل محل المستورد يوفر نفس القدر من الدولار، وهو ما يخفف الضغط على العملة المحلية.
“عبدالقادر” شدد على أن هدف الحكومة هنا هو أن نغطى أكبر قدر ممكن من احتياجات السوق من الإنتاج المحلى، خاصة فى قطاعات الأجهزة المنزلية والإلكترونيات والملابس الجاهزة، لأن هذه القطاعات تمثل نسبة كبيرة من فاتورة الاستيراد، ويعود الأثر على سوق العمل والمستهلك بعودة المصانع التى لا تعنى فقط توفير الدولار، بل تمتد لتشمل خلق فرص عمل جديدة، وزيادة المعروض من السلع، ما يساهم فى استقرار الأسعار.
ويقول علاء السقطى عضو مجلس إدارة اتحاد المستثمرين المصريين، إن ما تحقق فى تشغيل المصانع المتعثرة والمتوقفة كان مهما للغاية، لكننا إزاء معركة اقتصادية طويلة رغم هذه الإنجازات، لأن الطريق ما زال طويلا، إذ تحتاج مصر إلى تطوير سلاسل التوريد المحلية، وتحسين جودة المنتجات، وفتح أسواق جديدة للتصدير.
وأضاف “السقطى” أن الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل أعلن أنه تم تشغيل 5773 مصنعا جديدا حصلت على رخص تشغيل بالفعل، أى أنها أصبحت فى الملعب الإنتاجى، وهذه المصانع وفرت أكثر من 220 ألف فرصة عمل، إلى جانب إعادة تشغيل 987 مصنعا كان متعثرا لأسباب إجرائية أو فنية، من أصل 7422 مصنعا تم حصرها، وهنا نجد أن العدد المتعثر ما زال كبيرا مقارنة بالمعاد تشغيله، ولكن لا ننسى أنها خطوة جيدة فى طريق الإنتاج بشكل عام.
كما أعلنت الحكومة عن تخصيص 2070 قطعة أرض صناعية، وإصدار 1913 رخصة بناء، و3525 سجلا صناعيا دائما، و4623 سجلا محدد المدة، ومعاينة أوضاع 6127 مصنعا فى 25 محافظة وتقديم الدعم اللازم لها دون إغلاق أى منها، والجملة الأخيرة على التحديد هى الأهم فى القضية لأن إعلان الحكومة عن تقديم الدعم وبث الاطمئنان لأصحاب المصانع بعدم الإغلاق هى أكثر العناصر التى نجحت الدولة بشكل حقيقى على أرض الواقع فى منحها للمستثمر ليعمل دون خوف، ونتمنى أن نرى مزيدا من العمل من المستثمرين ومزيدا من الدعم الحكومى، بحسب “السقطى”.
بدوره، أشار الخبير الاقتصادى ثروت أباظة إلى أن الخطة العاجلة للنهوض بالصناعة التى أقرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتسريع وتيرة الإنجاز نجحت فى تحقيق تحول نوعى فى بيئة الاستثمار الصناعى ورفع تنافسية المنتج المصرى محليا ودوليا، وشملت الإجراءات التنفيذية للخطة 7 محاور رئيسية تتلخص فى توحيد جهة إصدار التراخيص الصناعية، وتقليص زمن الحصول على الموافقات، وتقديم حزم تمويلية ميسرة، وإطلاق حوافز ضريبية وجمركية تنافسية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، ورفع كفاءة العنصر البشرى، وتنظيم لقاءات أسبوعية مباشرة لحل مشاكل المستثمرين على أرض الواقع، بالإضافة إلى إطلاق منصة مصر الصناعية الرقمية لتيسير إجراءات تأسيس وتشغيل المصانع، وهو يجد أن هذه القرارات الجريئة لا تنبع إلا من رئيس مسئول يعرف ما يفعله جيدا ويسير على خطوات تمت دراستها واعتمادها سابقا، موضحا أن إعادة تشغيل 987 مصنعًا متعثرا بعد ما يقرب من 14 عاما من التوقف خطوة فارقة لدفع عجلة الاقتصاد الوطنى.
وأوضح “أباظة” أن هذه المصانع كانت متوقفة لأسباب مالية وفنية منذ عام 2011، ولولا التدخل المباشر من القيادة السياسية ووزير الصناعة ومبادرة “ابدأ” لحل أزمة التعثر، سواء عبر تسويات مالية أو معالجات فنية وتيسير الإجراءات، لاستمر الحال على ما هو عليه دون أمل لهؤلاء المستثمرين بعودة العمل، لكن حاليا أصبح الطموح هو الأصل فى كل الخطط الحكومية المتعلقة بالصناعة والمنتج المحلى.