فى أيام مملوءة بالأجواء الوطنية والأغنيات التى تجسد هذا المشهد، انطلق العرس الديمقراطى المصرى، بمظاهر لا نجدها سوى على أرض المحروسة، مسنون وعجائز و«ذوو همم» يتكئون على أذرع رجال الأمن، واصطفاف مثالى من الشباب والسيدات أمام لجان الاقتراع، أكثر من صورة تجسد وطنية هذا الشعب الأبى، الجميع يزاحم فى طوابير ممتدة أمام المقار الانتخابية باختلاف انتماءاتهم الحزبية، ودينهم، وأعمارهم السنية، ومستوياتهم الاجتماعية، الكل يريد أن يقف إلى جوار وطنهم فى أحلك الظروف والمواقف، يأمل فى تحقيق هدف واحد وهو مصلحة هذا الوطن العزيز وأمنه واستقراره.
اللجان الانتخابية، حملت بين طيّاتها العديد والعديد من الحكايات والقصص التى تستحق أن نسلط عليها الضوء تجسيدًا لمعانى الوطنية وحب مصر، و«إيثار» مصلحة بلاده على مصلحته الشخصية، فقد كان الجميع رغم اختلاف فئاتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية على قدر كبير من التعاون والتحضر، الكل يلتزم بتعليمات رجال وزارة الداخلية الذين تحملوا مسئولية تأمين هذا الاستحقاق الانتخابى بشجاعة كعادتهم.
نساء متميزات أضأن اللجان مع صور مجتمعية رائعة بتنظيم مثالى.. هكذا أثنت المنظمات الدولية على حسن سير العملية الانتخابية والتصويت بانتخابات مجلس الشيوخ 2025، و سهولة الدخول والخروج، وتوفير كل سبل الراحة للمواطنين، خاصة كبار السن وذوى الإعاقة.
وأكد المتابعون الدوليون للاستحقاق الانتخابى فى الداخل المصرى، أن المصريين اختاروا الأمان والاستقرار، لصناعة مستقبل صغارهم، وهو ما رصدناه خلال مشاركة الأسر المصرية مصطحبين أولادهم وذويهم، وهو ما جعل الإعلام الغربى يطلق مصطلح «الشيوخ – عملية ديمقراطية رسالتها استقرار الدولة المصرية».
وخصصت وسائل الإعلام تغطية مباشرة من داخل اللجان، مع نقل انطباعات الناخبين، فى حين بث التلفزيون المصرى تقارير مصورة توثق الأجواء الحماسية، كما شاركت منظمات المجتمع المدنى وعدد من الوفود الدولية فى مراقبة الانتخابات، وأشادوا بسلاسة الإجراءات وحرية الناخبين فى التصويت.
وعملت محافظات الجمهورية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخابات على توفير وسائل نقل مجانية لكبار السن وذوى الهمم، وتخصيص أماكن انتظار مظللة أمام اللجان، وتوفير كراسٍ متحركة لتيسير وصول الناخبين.. كما تم التنسيق مع وزارتى الصحة والداخلية لتأمين اللجان وتوفير وحدات إسعاف وفرق طبية قريبة من التجمعات الانتخابية.. ووجه المحافظون بتوفير عدد أكبر من المراوح والمظلات الشمسية فى حى الأسمرات بعد زيادة الإقبال وتوافد عدد كبير على اللجان الانتخابية.
وفى نفس الإطار، نفذ عدد من القيادات التنفيذية جولات تفقدية على مدار يومى الانتخابات لمتابعة سير عملية الاقتراع، والتأكد من التزام اللجان بالإجراءات التنظيمية.
وفى مناطق مثل المقطم والمعادى وعابدين بالقاهرة كانت انتخابات مجلس الشيوخ هذا العام شاهدًا على حالة من التفاعل السياسى النشط، حيث ظهرت أحياء العاصمة بصورة مشرفة تنظيمًا ومشاركة، وسط دعم واضح من الجهات المسؤولة لتيسير عملية التصويت وضمان نزاهتها، بينما كان قاطنو المناطق الشعبية يساعدون بعضهم البعض فى صورة تنم عن جوهر الشعب المصرى.
وفى مناطق شبرا الخيمة وبنها وطوخ وقليوب وكفر شكر وشبين القناطر بمحافظة القليوبية، تحولت الساحات الانتخابية إلى منصات للمشاركة الإيجابية، تقدمت فيها السيدات المشهد، مؤكدات أن المرأة ليست فقط شريكة فى الحاضر، بل فاعلة فى صناعة المستقبل.
وأكد المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، أن العملية الانتخابية شهدت إقبالًا مشرفًا من السيدات على لجان التصويت، ما يعكس وعى المرأة المصرية بدورها الوطني، خاصة فى الاستحقاقات الدستورية.
وفى محافظة المنيا، نظم حزب مستقبل وطن مسيرة حاشدة جابت الشوارع والميادين العامة خلال عملية التصويت، بمشاركة أعضاء مجلس النواب التابعين للحزب، وبرز حضور النساء فى أغلب مراكز المحافظة، حيث تزاحمن أمام اللجان للإدلاء بأصواتهن.
وتابع القاضى أحمد بندارى، مدير الجهاز التنفيذى للهيئة الوطنية للانتخابات، ورئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة الوطنية للانتخابات، مع رؤساء اللجان العامة والفرعية، سير العملية الانتخابية، وتوافد المواطنين على اللجان الانتخابية، وعملية التصويت.
أوضح أن الهيئة اتخذت إجراءات عدة لضمان عملية التصويت، ووصول الأصوات لمن يستحق، لافتًا إلى أنه تم إعداد كل اللوجستيات بطريقة تيسر العمل لجميع الناخبين.
واستشهد «بنداري» بإتاحة لوحات إرشادية داخل مقار اللجان، وتيسير الإجراءات لكبار السن وذوى الهمم.
الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحدث عن إقبال نسبى للمصريين فى انتخابات مجلس الشيوخ، مؤكدًا أن ذلك يبرز أهمية هذا الاستحقاق على عكس ما يروج له بأنه مجلس استشارى، مشيرًا إلى أن «الشيوخ» شريك فى عملية التشريع مع مجلس النواب، نظرًا لما له من اختصاصات وصلاحيات بنص الدستور المصرى لا يمكن الاستغناء عن القيام بها.. على سبيل المثال نجد أن الشيوخ يناقش التشريعات المكملة للدستور مثل القوانين المرتبطة بحقوق الإنسان، سواء حق العمل أو حق السكن أو حق التعليم والصحة، وجميعها حقوق أساسية تلتصق بالمواطن المصرى.
وشدد «سلامة» على أن الشيوخ هو مجلس أتى بإرادة شعبية ونصوص دستورية ولائحة داخلية وقانون لتنظيمه، إذا يعتبر غرفة مكملة لغرفة مجلس النواب، مضيفًا أن «الشيوخ» يناقش كافة التعديلات المقترحة على مواد الدستور، فلا يمكن أن يكون مجلسًا استشاريًا فقط وهو يقوم بمناقشة مواد بمثل هذه الأهمية.
وأشار إلى أن البرلمان يحتاج إلى وجود مجلس الشيوخ، وذلك لأن «محلي» الأخير يضم خبرات ويطرح مناقشات مستفيضة للقضايا والموضوعات والملفات بوقت أطول، ويقدم بدائل لحل المشكلات، كما يتابع مع مجلس النواب الصيغة الأفضل لإصدار القوانين، ليصبح فى النهاية «تشريعا جيدا»، إذًا فإن مجلس الشيوخ ضرورى بامتياز وليس مجلسًا استشاريًا فحسب، لافتًا إلى أنه يجب أن يتم التوعية بمدى أهميته، مثله مثل انتخابات مجلس النواب.
وأوضح «سلامة»، أن هناك العديد من المشاهد التى رصدت خلال انتخابات مجلس الشيوخ 2025، أبرزها مشهد مشاركة المرأة المصرية، وهو مشهد متكرر فى كافة الاستحقاقات الانتخابية، فدائمًا ما تتصدر السيدات الصفوف، لما لها من تأثير فى محيط أسرتها وزميلاتها وأصدقائها.. أما المشهد الثانى فيتلخص فى مشاركة كبار السن الإيجابية، وهو مشهد تقليدى يُشعرهم بأنهم مازالوا فاعلين ومؤثرين فى المجتمع، مؤكدًا أن المشاركة السياسية «حق» وواجب، حيث يشعر المواطن بدوره فى المجتمع، موضحاً أن المشهد الجديد هو المشاركة الشبابية الواسعة، حيث شهدنا كثافات لهذه الفئة الناضجة فى عدد من اللجان، ورغم أنها ليست بالنسبة المرغوبة، لكنها تظل أمرًا إيجابيًا، ويمكن اعتباره خطوةً على طريق تعزيز المشاركة الشبابية، لانهم وقود المستقبل، ولا بد أن يتحلوا بالوعى الكامل.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، على أن دلالة مشاركة جميع الفئات سابقة الذكر، تؤكد أن المصريين أصبح لديهم وعى كبير، بأهمية ودقة المرحلة الحالية، التى تستلزم أن يكون الجميع على قلب رجل واحد، خاصة فيما يحيط بنا من ظروف داخلية وإقليمية، فالكل يتابع ما يحدث على حدود مصر الأربعة، ويعلم جيدًا أن كل هذه الأمور تؤثر على الأمن القومى المصري، وبالتالى تستدعى أن يدرك الجميع رسالة واحدة، مفادها التأكيد على أن المصريين قادرون على مواجهة التحديات واختيار مصلحة الوطن، لا سيما أن العالم أجمع تابع هذه الانتخابات من خلال المتابعين الدوليين والمنظمات الدولية والسفارات والقنصليات، فجميع تلك المنظمات تصدر تقارير مفادها مدى قدرة المصريين على الاختيار ووحدتهم وصلابتهم فى ظل ما يحيط بهم من مخاطر.
واختتم «سلامة» حديثه، موضحًا أن انتخابات مجلس الشيوخ لها أهميتها وزخمها الكبير، خاصة مع المشاركة الفعالة من المصريين، والتى عكست أننا مجتمع متجانس يقظ قادر على فهم واستيعاب ما يحدث حوله، بل ويقدم الرسائل لما يدور حول وطنه من خبث سياسى.
وفى سياق متصل، أوضح محمد ممدوح، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصرى، أن عملية تصويت المصريين بالداخل كانت بمثابة تجربة متميزة لمنظمات المجتمع المدنى، التى تتابع وترصد كافة الإجراءات التى تتم داخل 9 آلاف لجنة تصويت على مستوى الجمهورية، موضحًا أن مجلس الشباب المصرى أطلق البرنامج الوطنى لرصد ومتابعة الاستحقاقات الانتخابية للعام الثامن على التوالى، والذى شهد مشاركة ما يزيد على 5 آلاف متطوع للعمل فى غرف العمليات المركزية والفرعية، بالإضافة إلى الراصدين والمتابعين الميدانيين، الذين انتشروا فى أكثر من 2572 لجنة، بجانب فرق الرصد الإلكترونى، وفريق البحوث والدراسات.
وأشار «ممدوح» إلى أن انتخابات مجلس الشيوخ هذا العام، تجربة مميزة لمنظمات المجتمع المدنى فى إطار دعم عملية التحول الديمقراطى و الوصول بالمناخ الانتخابى المحلى إلى درجة تليق بالجمهورية الجديدة، مشيدًا بالجهود التى بذلتها اللجنة العليا للانتخابات سواء فى فترة تصويت المصريين فى الخارج أو الداخل، فقد لمسنا العديد من التسهيلات داخل اللجان المختلفة، فضلًا عن التواصل التام مع الراصدين أو المتابعين لحل أى مشكلات من الممكن أن تواجه العملية الانتخابية.
وأبدى سعادته بالمشاركة الفاعلة من كافة جموع الشعب فى أيام الاقتراع، وما لمسناه من ظهور حشود حزبية مختلفة، فضلاً عن الظهور البارز لرجال الدين فى العملية الانتخابية، كذلك تم رصد تحركات عمالية مميزة من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، بجانب المشاركة الواضحة من قبل المصريين القاطنين فى المحافظات الحدودية، مما يعكس مدى الإصرار، الذى يتحلى به المصريون فى الرغبة للتعبير عن وجهة نظرهم وممارسة دورهم فى صناعة مستقبل هذا الوطن.
واستكمل «ممدوح» قائلًا: من أكثر الملاحظات المميزة، والتى استمرت خلال كافة الاستحقاقات الانتخابية المختلفة فى العقد الأخير، هو تصدر المرأة المصرية للمشهد الانتخابى، بما يعكس دورهن اللافت والمميز فى الجمهورية الجديدة، مؤكدًا أنه رغم انخفاض نسبة التنافسية فى انتخابات مجلس الشيوخ مقارنة بانتخابات مجلس 2020، إلا أن ما شهدناه يدل على أن تراكم الخبرات فى التجربة الانتخابية المصرية انعكس بشكل كبير على إنجاح المنظومة، عبر استخدام الرقمنة الحديثة، ممثلة فى إطلاق التطبيق الانتخابى بواسطة الهيئة الوطنية للانتخابات، بجانب التواصل المستمر والمباشر مع منظمات المجتمع المدنى، وكذا البعثات الدولية التى تفقدت الدولة المصرية لرصد الانتخاب، وأقرت حسن الأداء التنظيمى والعملية الممنهجة التى يتم القيام به من أجل الوصول لدولة ديمقراطية فاعلة.
وعن نسب الإقبال الكبيرة، أكد «ممدوح» أن المصرين عادة ما يكونون جاهزين ومستعدين طالما استشعروا الخطر بأى تحديات وتهديدات تواجه دولتهم، وهو ما لمسناه خلال الفترة الماضية من صراعات على مستوى المنطقة الإقليمية، مع ظهور بعد الشائعات التى ترددت باحتمالية تأجيل انتخابات البرلمان، نظرًا للتحديات السابقة، إلا أن تنفيذ الاستحقاقات للشيوخ فى موعدها، خير رسالة باستقرار الدولة المصرية وصلابة مؤسساتها وتماسك شعبها، كما يؤكد على أن الدولة قادرة بفاعلية على إتمام كافة التزاماتها واستحقاقاتها فى مواعيدها المقررة.
«ممدوح»، سلط الضوء على مشهد تصويت المصريين بالخارج باعتباره استجابة سريعة لما حدث من تطاول غير لائق على الدولة المصرية، ومحاولات التعدى على بعض السفارات المصرية فى الخارج خلال الأيام السابقة، لذلك اختار المصريون أن يقوموا بالرد بشكل عملى حضارى، عبر تأييد موقف القيادة السياسية المصرية من القضية الفلسطينية ومنع تهجير الأشقاء.. فخرج المصريون عن بكرة أبيهم وتحملوا عناء السفر آلاف الكيلومترات للمشاركة بفاعلية فى الانتخابات التى أُجريت فى أكثر من 117 دولة على مستوى العالم، بما يفوق عدد 137 لجنة ما بين السفارات والمقرات القنصلية - بما يؤكد وبكل قوة، أن الدولة المصرية عازمة على المضى قدمًا نحو التحول للجمهورية الجديدة بفضل هذا الشعب الناضج، الذى يؤمن بأنه يستحق حياة كريمة عاش طويلاً يحلم بها وصولاً للتنفيذيين والمسؤولين.

