رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى ظل التعثر الدبلوماسي بوتين يضيق الخناق وزيلينسكى يبحث عن الشرعية


4-8-2025 | 22:17

.

طباعة
تقرير: إيمان السعيد

ليلة بعد ليلة، تصعد روسيا وتيرة هجماتها الجوية على أوكرانيا، مستخدمة الطائرات المسيرة والصواريخ بأنواعها، بما فى ذلك الكروز والباليستية، بأعداد غير مسبوقة، وبتركيز متزايد على مواقع محددة. هذا التصعيد المُكثف أرهق الدفاعات الأوكرانية وأثار تساؤلات حول قدرة البلاد على الصمود، خاصة فى ظل تعثر المسار الدبلوماسي، رغم مرور أيام على مهلة الـ50 يوما التى حددها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس الروسى فلاديمير بوتين وقلصها فى آخر تصريحاته بعد أن أشار إلى أنه خاب أمله فى الرئيس الروسى .

 

فى وقت سابق من هذا الشهر، شنت روسيا هجومًا غير مسبوق شمل 728 طائرة مسيرة و13 صاروخًا، استهدفت فى معظمها مدينة لوتسك غربى البلاد، التى تضم عددًا من المطارات العسكرية. وتيرة الهجمات ارتفعت بشكل لافت، فبعد أن كانت الفجوة بين كل ضربة كبيرة والأخرى تصل إلى عشرة أو اثنى عشر يومًا، أصبحت روسيا تنفذ هجمات جديدة كل ثلاثة إلى خمسة أيام.

تحليلات سلاح الجو الأوكرانى أظهرت أن نسبة الطائرات المسيرة التى تصل إلى أهدافها ارتفعت من حوالى 5 فى المائة فى مارس وأبريل إلى ما بين 15 فى المائة و20 فى المائة فى مايو ويونيو. ويرى محللون أن روسيا باتت توظف طائرات “شاهد” الإيرانية بطريقة أكثر دقة، لتمهيد الطريق أمام صواريخ أكثر سرعة وتدميرًا، كون المتفجرات التى تحملها “شاهد” لا تُحدث أضرارًا كبيرة.

فى الوقت ذاته، تواجه الحكومة الأوكرانية تحديات داخلية. فقد اعتقلت أجهزة الأمن مسؤولَين فى المكتب الوطنى لمكافحة الفساد (NABU) للتحقيق فى شبهات تتعلق بصلات مع روسيا، إضافة إلى تفتيش موظفين آخرين ضمن قضايا منفصلة. وفى كييف ومدن أخرى، خرج آلاف المتظاهرين مطالبين الرئيس فولوديمير زيلينسكى بعدم توقيع مشروع قانون جديد يقول معارضوه إنه يُقوض استقلالية هيئات مكافحة الفساد. ورغم هذه الاعتراضات، وقع زيلينسكى على القانون رقم 12414، الذى يمنح المدعى العام المعين من قِبل الرئيس سلطة الإشراف على مكتبى NABU وSAPO. مشروع القانون طُرح فجأة وأُقر بسرعة فى البرلمان يوم 22 يوليو، حيث نال تأييد 263 نائبًا مقابل 13 صوتًا معارضًا فقط. وتزامن ذلك مع سلسلة تحركات وصفت بأنها حملة ضد الأصوات المعارضة، من بينها منع تعيين محقق بارز، واعتقال ناشط معروف، وتعديلات حكومية شملت ترقية شخصيات موالية للرئيس. حتى التحذيرات الدولية، خصوصًا من الاتحاد الأوروبى وسفراء مجموعة السبع، لم تُغير المسار. فقد حذرت المفوضية الأوروبية للتوسعة، مارتا كوس، من أن المساس باستقلالية الهيئات الرقابية يُضر بمسار انضمام أوكرانيا للاتحاد، لكن كييف تجاهلت تلك التحذيرات.

ومن موسكو، يرى المحلل السياسى أندرى أونتيكوف أن هذا التصعيد الجوى لا يُعد تغيرًا عشوائيًا فى أسلوب الحرب، بل يأتى فى إطار الضغط العسكرى المتواصل الذى تمارسه روسيا على أوكرانيا لدفعها نحو قبول الشروط الروسية. فموسكو، بحسب أونتيكوف، ما زالت ترى أن استمرار العمليات القتالية وتكثيف الضربات هو المسار الوحيد القادر على فرض معادلة سياسية جديدة. ويشير إلى أن روسيا تُعدل تكتيكاتها من وقت لآخر لجعل الضربات أكثر فاعلية، فى ظل محاولاتها التقدم البرى على الجبهات بالتوازى مع القصف الجوي.

فى الميدان، يستمر القلق بشأن قدرة أوكرانيا على التصدى للهجمات الجوية. الرئيس زيلينسكى جدد دعواته لتزويد بلاده بمنظومات باتريوت الأمريكية، فى ظل وعود ألمانية بالمساهمة فى شراء خمسة أنظمة جديدة. إلا أن فاعلية هذه المنظومات تبقى محدودة ضد طائرات “شاهد”، نظرًا لتكلفة الصواريخ الاعتراضية التى تصل إلى نحو 4 ملايين دولار للواحد. لهذا السبب، تتواصل جهود محلية لتطوير طائرات مسيرة اعتراضية بتكلفة منخفضة، أبرزها مشروع “شاهدوريز” بقيادة الناشط سيرهى ستيرنينكو، الذى أعلن عن إسقاط أكثر من 100 هدف جوى فى الأسابيع الماضية. لكن بعض المحللين يرون أن المشكلة تكمن فى بطء توسيع الإنتاج، وليس فى التكنولوجيا نفسها.

فى هذا الإطار، أعلن زيلينسكى عن شراكة مع المدير التنفيذى السابق لشركة “غوغل”، إريك شميدت، لتطوير طائرات مسيرة دفاعية، لكن دون توفر معلومات تفصيلية حتى الآن. فى المقابل، أعادت كييف إحياء مبادرة “درع السماء”، التى طُرحت فى مارس، وتقترح نشر 120 طائرة غربية لمراقبة المجال الجوى غرب نهر دنيبرو، لكن الفكرة تبقى غير عملية فى ظل غياب اتفاق رسمى على وقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه موسكو.

على صعيد المفاوضات، التقى وفدا روسيا وأوكرانيا فى إسطنبول الأربعاء الماضى فى جولة محادثات مباشرة. ورغم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، لم يتحقق أى تقدم بشأن وقف إطلاق النار أو عقد قمة رئاسية. وكان الاجتماع قد جاء بعد مهلة أعلنها ترامب لموسكو للتوصل إلى تسوية خلال 50 يومًا، وإلا ستُفرض عليها “رسوم جمركية قاسية”. إلا أن الكرملين لم يُصدر تعليقًا علنيًا، واستمرت الضربات الجوية على المدن الأوكرانية.

واقترح وزير الدفاع الأوكرانى السابق رستم عمروف، الذى ترأس الوفد، عقد قمة بين زيلينسكى وبوتين بمشاركة ترامب والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لكن الجانب الروسي، برئاسة فلاديمير ميدينسكي، اعتبر أن مثل هذه القمة لا جدوى منها ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مسبق على بنودها. وبينما تطالب كييف بوقف شامل وغير مشروط لإطلاق النار، تتمسك موسكو بهدن محدودة لإجلاء المصابين من جبهات القتال.

وعن فرص التفاوض، يؤكد “أونتيكوف” أن موسكو لا ترى أى جدوى من عقد قمة رئاسية ما لم يتم التوافق مسبقًا على الملفات الرئيسية. روسيا، بحسب قوله، لا تسعى إلى هدنة قصيرة المدى، بل إلى وقف دائم لإطلاق النار، مشروط بضمانات تُلزم أوكرانيا بعدم الانضمام إلى الناتو وتقليص قواتها وتسليحها بما لا يُمكنها من استئناف القتال لاحقًا. وهو ما تعتبره موسكو شرطًا أساسيًا لأى اتفاق سياسي. ويرى أن تمسك زيلينسكى بعقد قمة مع بوتين لا يرتبط فعليًا برغبة فى إنهاء الحرب، بل بمحاولة الحصول على اعتراف بشرعيته فى ظل الجدل الداخلى حول غياب الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى محاولة الخروج من مأزق سياسى داخلى يزداد تعقيدًا بعد إقرار قانون أثار انتقادات فى الإعلام الغربى ودفع إلى مظاهرات واسعة فى عدة مدن أوكرانية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة