رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الكد والسعاية» ومسلسلات المرأة


10-4-2025 | 11:13

.

طباعة
بقلـم: إيمان رسلان

تضمنت الدراما المصرية هذا العام تميزًا ملحوظًا فى تناول قضايا المجتمع، ولا سيما المهمشون والمهمشات ووظائف نعرفها ونتعامل معها ولكنها لا تنعكس دراميا، وخرجت المسلسلات خارج نطاق الفوقية الذكورية، والمثالية المعتادة وحياة القصور والفيلّات لتقدم لنا نماذج تعيش بيننا وبحضور جرىء ومتميز لقضايا المرأة.

 

مسلسل «أبناء الشمس» رغم أنه يعرض قضية أولاد الشوارع أو اللقطاء، ولكن عنوان المسلسل أراه متميزا وهو «أبناء الشمس»، فهو ذو دلالة، أى أنهم أبناء النور واليقظة وليس أولاد الظلام، فهؤلاء بشر، ولهم حياة وأزمات ومشكلات، والأهم هو أحلامهم، وبرع أبطال المسلسل فى تقديم هذه الشخصيات، ومنها مشرفة الدار التى هى بلا مأوى أيضا وعلاقتها بالنزلاء فأحبّت منهم وتزوجت، وكذلك ابنة الملجأ أو الدار التى تشى بهم عند صاحب الدار، رغم أنه هو نفسه يشغّلها فى أعمال منافية، ورغم ذلك يتعلق بالحد الأدنى ويتماثل مع سلوك مَن يقمعه، وتمارس ذلك حتى تنوى الزواج به، الحقيقة هى عرض نفسية مثل هذه التركيبة، وكذلك فى عدد من المسلسلات، أغلبها صورة للمرأة الشريرة أو التى تقع فى الرذيلة وتخون زوجها أو أهلها، أو المرأة المظلومة، أو تكتل نسائى مفترٍ، وهذه صور نمطية للمرأة تعودنا عليها، أى مكررة، وأن المرأة شيطان بالضرورة وأصل الشرور. ورغم تلك الصورة النمطية، فإن هناك جانبا إيجابيا هذا العام، وهو أن النماذج كلها لامرأة عاملة، وهذا جيد جدا ويمثل متغيرات اجتماعية، يعكس أن الأصل هو أن الإنسان يعمل سواء رجلا أو امرأة، وأن المرأة ليس مكانها الوحيد هو مملكتها داخل البيت أمام حوض الغسيل مثلا، وإنما العمل يمثل حقا إنسانيا، وجاء مسلسل «80 باكو» ليعرض حياة بنات الكوافير، وأعتقد أنها أول مرة أشاهد نماذج حقيقية تعرفت على بعضهن وقصص حياتهن، باعتبارى مدمنة ومن مرتادى الكوافير من زمن سحيق، بنات عادية بعضهنّ ربما حصلن على الدبلوم الفنى تعليم الفقراء، وبعضهن من خلال مهنتهن يتعرفن على نساء كل الطبقات ويدخلن بيوتهن فى مفارقة اجتماعية واضحة، بنات لهن أحلام وطموح بالزواج ومشاركة الشباب فى التأسيس لعش الزوجية أو أمهات، للحقيقة كان مسلسلا رائعا لأنه من الواقع يعكس سيدات نراهن فى الحياة وليس فى الواقع المخملى.

وكذلك مسلسل «إش إش»، فرغم أنه عن حياة عالمة أو راقصة فإنه تميز أيضا بعرض شريحة من المجتمع وبشكل واقعى والحوار وسرعته أكسبه جمالا بعيدا عن الرتابة والزعيق فى مسلسلات أخرى. أما المرأة فى مسلسل «لام شمسية» فكان عرضا متميزا، ليس فقط لتعرضه لقضية التحرش، ولكن لأن الأغلبية به كان لنماذج نسائية وبعضها قوى الشخصية، فى مقابل ضعف المرأة أو مكسورة الجناح فى «ظلم المصطبة» وهو مسلسل عاد بنا لأحوال الريف بالبحيرة خارج القاهرة، وقدم نماذج متباينة للمرأة العاملة، وكذلك مثله المرأة المنكسرة فى «قلبه ومفتاحه»، وحينما أُعطيت لهن الفرصة تجاوزن الضعف المعتاد الذى يحرسه المجتمع، وأحيانا يكرسه.

وهذا ينقلنا لمسلسل لم يأخذ حقه فى التعريف به والدعاية له أو يتناوله النقد رغم أنه يتناول قضية بالغة الأهمية، وهو مسلسل «حسبة عمرى»، ويناقش قضية المرأة المطلقة وحق الكدّ والسعاية، أو بالمصطلح المعروف حق المرأة فى ثروة زوجها أثناء الخدمة الزوجية، ربما لهذا السبب لم يتم عمل الدعاية الكافية له -وتشعر بتمريره على الساكت- رغم أنه يناقش قضية بالغة الأهمية، وهى طرد وطلاق الزوجة بعد أن كبر الأولاد أو انتهت مهمتها الأنثوية بالتعبير الدارج، وتجد نفسها بلا مكان أو مدخرات لشراء منزل مستقل أى الحد الأدنى من الحياة، اللافت أن حق الكد والسعاية موجود فى تراثنا الإسلامى ومنذ أوائل تكوين الدولة الإسلامية، حين اجتهد الخليفة عمر بن الخطاب فى إصدار حكم فقهى، يتعلق بأنه جاءته امرأة تطلب التحكيم فى ميراث زوجها، حيث كان يتاجر فيما تنتجه من عملها واكتسبوا من ذلك مالا وفيرا من العقار والسيولة وغيرهما، وعندما مات الزوج تولى الورثة أمور التركة والخزائن، فنشب الصراع والخلاف فاحتكموا إلى الخليفة عمر بن الخطاب، والذى حكم بحق المرأة فى نصف المال وبالإرث الشرعى فى النصف الباقى، باعتبار أن الزوجة كانت شريكة لزوجها فى الربح والعمل والكسب المالى وهو ما اعتمده أيضا المذهب المالكى بعد ذلك، الغريب أن أحكام قانون الأحوال الشخصية والميراث لا تعتد بمثل هذا الحكم، وما زالت قوانينا تقول بالنصيب الشرعى فقط الثمن للزوجة التى لها أولاد، ويتهمون مَن يطالب بتطبيق حق المرأة فى على الأقل نصف ثروة زوجها بأنها دعاية غربية وتشبّه بالغرب الكافر، وإلى آخره من حجج وأكلشيهات محفوظة رسخها تيار الإسلام السياسى، ولكن استمرار عدم تطبيق فتوى عمر بن الخطاب هو نتيجة لمصالح ولتوغل العقلية الذكورية فى المجتمع وعبر التاريخ، أى وجود الأرضية المجتمعية النظرية تفوق وسيطرة الرجل، على الرغم من عدم الاستناد إلى المنطق أو حتى بعض تراثنا الفقهى الذى ينتصر إلى المنطق والعقل والواقع مثل واقعة سيدنا عمر، ولكنها مصالح المجتمع الذكورى الأبوى الذى يخشى على مكانته وثروته إذا نازعته المرأة حقها من عملها ومساندتها له فى حياتهما سويا والادعاء بالأكلشيه المعتاد بأنها عادات غربية، وللحقيقة الغرب فعلا أقر مثل هذا الحق بالقوانين، ونحن الذين نمتلك تراثا وأحكاما لم يتضمنه القانون حتى الآن، مما أنتج مشكلات وأزمات فى الطلاق وبعد الوفاة، بل ربما أثناء الحياة الزوجية وأحيانا تضطر المرأة لإخفاء بعض المال أو شراء ذهب إلى آخره؛ لذلك طلب الإمام أحمد الطيب منذ سنوات بتطبيق فتوى عمر ابن الخطاب أو ما عُرف بحق الكد والسعاية، وكرر ذلك مرات بعدها، هو ما دعا بعض عضوات مجلس النواب بمشروع قانون لتضمين هذا الحق، وهو ما تعرض له المسلسل بضرورة وجود تشريع قانونى، وهنا لا بد من مساندة تلك الحملات من المنظمات النسائية بل والمركز القومى للمرأة، لأنه ليس حراما أو تقليدا للغرب الذى نستورد منه أغلب القوانين، فلماذا عند حق المرأة المصرية والتى يكفل لها الإحساس بالأمان والعيش بكرامة نتكلم به على استحياء؟

لذلك لا بد من الترحيب بالمسلسل وتسليط الضوء عليه، ليس فقط لأن النهاية كانت سعيدة، وكتب الزوج بضمير وصية قبل وفاته بإعطاء الزوجة التى طردها سابقا وبالنفقة فقط بإعطائها حقها فى نصف ثروته، ولكننا لا نريد تصرفا فرديا يحتكم للضمير فقط، بل يصبح حقا قانونيا، وليس مجرد إحسان مع اقتراب وقت الموت وتكفير ذنوب.

رغم بعض السلبيات القليلة فى تقديم صورة المرأة، لكن فى المقابل شهدت دراما هذا العام تميزًا وإيجابيات؛ منها تقديم المرأة العاملة فى الأغلب والأهم إن لم يكن جميع المسلسلات، وهذا يعكس بالفعل تقدم أحوال المجتمع، وكذلك يعرض لأحوال المهمّشات منهن فى مهن وحياة نعرفها، لكن لم تعرض فى ثنائية عجيبة عن تناقضات المجتمع، وأخيرًا يبقى عرض مسلسل قضية الكد والسعاية هى الأهم اجتماعيا وإنسانيا وإسلاميا أيضا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة