لقد عانى سوق العمل المصرى طويلًا من ارتفاع رهيب بمعدلات البطالة بلغت ذروته فى عام 2014 حيث وصل إلى 14فى المائة، الأمر الذى استدعى تكثيف الجهود وشحذ الهمم لمواجهة هذا الخطر وتلك القنبلة الموقوتة.
وبالفعل نجحت الدولة بمشروعاتها القومية العملاقة التى أطلقتها القيادة السياسية، فى القطاعات الزراعية والصناعية ومجالات التشييد والبناء وغيرها فى توفير أكثر من 7 ملايين فرصة عمل بالداخل والخارج، ولا يجب أن ننسى أو نتجاهل مساهمة القطاع الخاص ورجال الأعمال المخلصين فى إيجاد سوق عمل استوعب المزيد من الشباب العاطلين أيضًا، وكان من أبرز ثمار تلك الجهود مجتمعة هبوط نسبة البطالة إلى 6.4فى المائة بحصول 2.130 مليون شخص، على فرص عمل جديدة ـ على الرغم من ارتفاع معدلات الزيادة السكانية ـ وفقًا لتقرير أعدته لجنة السياسات النقدية وأعلنته فى شهر فبراير الماضى!
وبهبوط نسبة البطالة فى مصر إلى 6.4 فى المائة، وهى بالمناسبة نسبة جيدة ومقبولة ـ تساوت بذلكً مع نسب البطالة فى كل من الصين وإيطاليا وألمانيا والبرازيل، واقتربت من الولايات المتحدة الأمريكية التى بلغت نسبة البطالة فيها «5فى المائة»، بينما تفوقت مصر على كل من فرنسا وكندا والأرجنتين والهند وتركيا وإسبانيا الذين تراوحت لديهم نسب البطالة بين 7فى المائة و11فى المائة، فى حين تربعت دولة جنوب إفريقيا على عرش البطالة بنسبة 32فى المائة!
إن ما دفعنى للكتابة عن ظاهرة البطالة وجهود الدولة لمواجهتها والمبادرات التى أُطلقت خلال الفترة الأخيرة للحد منها، مبادرة جيدة رعاها محافظ المنوفية اللواء إبراهيم ليمون، وأشرف عليها رئيس مجلس المدينة ورئيس المنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية، وحملت اسم «وظيفتك عندنا»، تلك المبادرة التى أتمنى من قلبى أن تُعمم على مستوى الجمهورية بكل محافظاتها ومدنها وأحيائها ومراكزها، استهدفت فى الأساس شباب القرى التابعة لمركز قويسنا «بمؤهلات أو بدون»، وشارك فيها نخبة من رجال الأعمال وأصحاب المصانع ومجموعة من أكبر شركات التوظيف فى مصر، ونجحت بالفعل فى توفير 700 فرصة عمل لشباب تراوحت مرتباتهم من 7 آلاف جنيه إلى 11 ألف جنيه بحسب المؤهلات والخبرات، فضلًا عن مزايا التأمين الصحى الشامل والتأمين الاجتماعى وتوفير السكن وخطوط المواصلات.
ومن منطلق اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإتاحة التمويل اللازم وفرص الإقراض لتشجيع الاستثمار والمستثمرين، وفتح آفاق جديدة لمختلف المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، أطلقت محافظة المنوفية مبادرة «مشروعك» التى استهدفت هى الأخرى توفير فرص عمل جيدة، فضلًا عن خلق جيل جديد من المستثمرين الشبان، مما يساهم فى خفض معدلات البطالة ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، وتعزيز ثقافة العمل الحر، بمنحهم التمويل اللازم لإقامة المشروعات المختلفة تنفيذًا لرؤية مصر 2030.
هذه المبادرة كما قال عنها اللواء إبراهيم أبوليمون محافظ المنوفية، ساهمت فى تنفيذ 55 مشروعًا تجاريًا وخدميًا وصناعيًا وتوفير 111 فرصة عمل بتمويل 22 مليونا و633 ألف جنيه للمقترضين من الشباب وأصحاب المشروعات بجميع المراكز والقرى حتى الآن.
ومن خلال مبادرة «مشروعك» تسعى «المنوفية» أيضًا نحو تمويل 235 مشروعًا صغيرًا بإجمالى 5 ملايين ونصف المليون جنيه، من خلال التعاون المشترك بين صندوق التنمية المحلية والمحافظة بمختلف المجالات الإنتاجية، من أجل توفير فرص عمل للشباب والمرأة المعيلة حتى تساهم فى زيادة دخل الأسر وتحد من البطالة وتحقق البعد الاجتماعى وترفع المستويات المعيشية لأبناء المجتمعات القروية.
وفى هذا السياق يجب أن لا ننسى المبادرات العديدة التى أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واستهدفت بناء الإنسان المصرى وتوفير فرص تدريبية للشباب حتى تؤهلهم لدخول سوق العمل المحلى والدولى، الأمر الذى أسهم فى بناء قاعدة من الكفاءات فى تخصصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبناء مجتمع رقمى قائم على العلوم والتكنولوجيا.
ومن أهم تلك المبادرات التى أطلقتها الوزارة فى عام 2019 وساهمت بشكل كبير فى الحد من البطالة، مبادرة «وظيفة تك» التى حملت شعار «تعلم الآن.. وادفع غدًا» ومن خلالها يحصل المتدربون على فرص عمل برواتب مجزية، بعد نجاحهم فى إتمام البرنامج التدريبي.
هذه المبادرة المتميزة التى نُفذت منها 7 مراحل وجارٍ تنفيذ المرحلة الثامنة بالتعاون مع أكاديمية «نكست» وبنك ناصر الاجتماعي، تستهدف تأهيل وتوظيف حديثى التخرج من كليات علوم الحاسب وهندسة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإدارة الأعمال، والرائع فى المبادرة أن المتدرب لا يقوم بسداد قيمة التدريب الذى يستمر لمدة 6 أشهر، إلا بعد استكمال البرنامج والحصول على وظيفة، بل إن السداد يتم باقتطاع نسبة من راتبه الشهرى على مدى 3 سنوات بدون فوائد، فضلًا عن أحقية المتدرب الذى تم اختياره من قِبل الشركات فى الحصول على قرض يستحق الدفع فقط عند إتمامه البرنامج وحصوله على وظيفة.
لا شك أن جهود الدولة للحد من البطالة لن تتوقف، بل ستتواصل وتستمر يومًا بعد يوم، حتى توفر المزيد من فرص العمل، هذا الكلام ليس إنشائيًا بل إنه مدعوم بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى «2024/2025»، التى تستهدف توفير 900 ألف فرصة عمل جديدة مقابل 800 ألف فرصة لعام «2023/ 2024» فى مختلف القطاعات السلعية والخدمية.
ولم تكتف الحكومة بالسعى نحو فتح أسواق عمل ضخمة بل جاهدت من أجل إصدار تشريع يحقق توازنًا بين أصحاب العمل والعمال، تشريع يضمن بيئة عمل مستقرة ومنتجة، وبتوجيه من رئيس الجمهورية رفعت الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه بدلًا من 6 آلاف جنيه ضمن حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.
وختاما أقول إذا كانت قضية الحد من البطالة هى الشغل الشاغل لدول العالم، فإنها أيضًا الشغل الشاغل للحكومة المصرية التى لا تألو جهدًا من أجل النزول بمعدلاتها إلى أقل نسبة ممكنة، ناهيك عن سعيها لتعزيز التعاون مع القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيسى لاستيعاب العمالة.
والأمر المؤكد أيضًا أن الدولة المصرية تثمن كافة المبادرات التى أطلقها ويطلقها القطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى ورجال الأعمال الوطنيين، للحد من البطالة ولهم منا كل التحية والإشادة.