رحل عن عالمنا المخرج الكبير داوود عبد السيد بعد صراع مع المرض، تاركا خلفه إرثا سينمائيا مميزا جعله واحدا من أهم مخرجي السينما المصرية والعربية، لما حملته أعماله من قدرة استثنائية على التعبير عن الواقع المصري بعمق إنساني وفكري نادر.
ويعد داوود عبد السيد من المبدعين الذين نجحوا في تحويل تفاصيل الحياة اليومية إلى مادة سينمائية ثرية، حيث تميزت أفلامه برصد هموم الإنسان البسيط ومشاعره وصراعاته، ما منحها طابعا واقعيا صادقا جعل الجمهور يتفاعل وجدانيًا مع شخصياته، ويشعر بصعوبة العودة إلى الواقع بعد انتهاء المشاهدة.
ولم يقتصر تميزه على الإخراج فقط، بل برز أيضا ككاتب سيناريو قادر على صياغة شخصيات من لحم ودم، تعيش في بيئات مألوفة، من الأحياء الشعبية إلى الشوارع المصرية المعروفة، وهو ما أضفى على أفلامه إحساسًا بالحميمية والقرب من المشاهد. كما طرحت أعماله تساؤلات وجودية وأخلاقية عميقة حول الحرية والهوية والانتماء، وتناولت قضايا مثل الظلم الاجتماعي والبيروقراطية بأسلوب فكري غير مباشر.
وحظيت أعمال الراحل بتقدير نقدي واسع، توج بحصوله على العديد من الجوائز، من بينها جائزة العمل الأول من مهرجان أسوان الأكاديمي عن فيلمه «الصعاليك» عام 1985، كما نال فيلم «أرض الخوف» جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إلى جانب جائزة السيناريو من مهرجان البحرين، وعدد من الجوائز لأفضل فيلم وأفضل إخراج من مهرجان جمعية الفيلم عام 1999.
وفي عام 2013، اختيرت ثلاثة من أبرز أعماله، هي «الكيت كات» 1991، و«أرض الخوف» 1999، و«رسائل البحر» 2010، ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما جرى تكريمه في مهرجان الجونة السينمائي عام 2018 تقديرًا لمسيرته الفنية.
وتنوعت أعمال داوود عبد السيد بين السينما التسجيلية والروائية، ومن أبرز أفلامه: «البحث عن سيد مرزوق»، «الكيت كات»، «سارق الفرح»، «مواطن ومخبر وحرامي»، «رسائل البحر»، و«قدرات غير عادية»، وهي أعمال ستظل شاهدا على تجربة سينمائية فريدة صنعت وجدان أجيال من المشاهدين.